< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

96/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

قوله قدس‌سره: والكلامُ في سبب الفوات والقضاء ولواحقه:

أمّا السبب: فمنه ما يسقط معه القضاء، وهو سبعة: الصغر(1) . قضاء الصلوات

 

الفصل الثاني

قضاء الصّلوات الفائتة

بعدما فرغنا من المباحث المرتبطة بالصلاة من الأجزاء والشرائط وما يلحق بهما، نشرع في المباحث المتعلّقة بقضاء الصلوات الواقعة في الفصل الثاني من الركن الرابع من كتاب «الشرائع»، ونسأل الله أن يوفّقنا لإتمامه إن شاء الله ، فنقول ومن الله الاستعانة:

(1) يدور البحث في ترك المكلّف اداء الفريضة في وقتها الّتى حدّده الشارع، واجبة كانت أو مستحبّة، والكلام فيه يقع في ثلاث مواضع:

الأوَّل: في ما يحصل بسببه الفوات.

والثاني: في بيان حكم القضاء .

والثالث: في لواحقه.

أمّا السبب: فمنه ما يسقط معه وجوب القضاء ، وهو سبعة:

الأوَّل: الصغر.

والصغر الذي يسقط عنه القضاء، عبارة عن من لم يبلغ مدركاً لمقدار الركعة مع الطهارة ولو الاضطراريّة منها، والسقوط في مثله عليه الإجماع محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً كالسنّة، بل في «الجواهر»: (لعلّه من ضروريّ المذهب)، بل الدِّين كما اعترف به صاحب «المفاتيح».

الثاني: والمجنون (1) .حكم عدم وجوب القضاء للمجنون

(1) الجنون على قسمين:

تارةً: يكون مجنوناً بآفة سماويّة، وأُخرى بأن يكون من فعله.

ففي الأوَّل منهما: يسقط القضاء عنه بشرط إن لم يمض عليه من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة .

والدليل عليه: ـ مضافاً إلى الإجماع المذكور، مع ما يتعلّق به في المذكور في الصغر ـ اندراجه تحت القاعدة الواردة في المغمى عليه، التي هي من الأبواب التي يُفتح منها ألف باب، وهي مستفادة ممّا جاء في رواية موسى بن بكير، قال:

«قلتُ لأبي عبدالله عليه‌السلام الرّجل يُغمى عليه اليوم أو اليومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك، كم يقضي من صلاته؟ فقال: ألا اُخبرك بما يجمع لك هذا وأشباهه، كلّما غَلَب الله‌ عزّ وجلّ من أمر فالله‌ أعذر لعبده»[1] .

وزاد فيه غيره: (أنّ أبا عبد الله‌ عليه‌السلام قال: وهذا من الأبواب التي يفتح من كلّ بابٍ منها ألف باب)[2] .

وهكذا وردت في رواية عليّ بن مهزيار، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام، في حديثٍ قال: «وكلّ ما غلب الله عليه فالله‌ أَوْلى بالعذر»[3] .

وأمّا القسم الثاني من المجنون: هو الذي جنونه من فعل نفسه، فعن الشهيد في «الذكرى» أنّ عليه القضاء، مسنداً له إلى الأصحاب، مشعراً بدعوى الإجماع عليه، ووافقه الشهيد الثاني ، ولعلّ الوجه فيه أنَّه السبب في الفوات، وإن كان كلام الأصحاب في المقام بصورة الإطلاق ، ولعلّ ذلك نشأ من حكمهم بوجوب القضاء في مسألة ما لو زال عقله بشيءٍ من قِبَله كالمُسكر وشُرب المُرقّد كما في المتن وغيره، معلّلاً بكونه سبباً غالبيّاً لزوال العقل، فإنّه مشعرٌ بكون الكبرى مسلّمة عندهم حتّى في الجنون، مضافاً إلى المؤيّد بتشديد الأمر بالصلاة، بل مع ملاحظة إشعار قوله عليه‌السلام: (كلّما غلب عليه فهو أولى بالعذر). بخروج ما يستند إلى فعل الانسان وباختياره كما لا يخفى.

أقول: بل يمكن استفادة وجوب القضاء من عموم قوله عليه‌السلام: (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته)؛ المستفاد من صحيحة زرارة، قال:

«قلت له: رجلٌ فاتته من صلاة السَّفر فذكرها في الحَضَر؟ فقال عليه‌السلام: يقضي ما فاته كما فاته، الحديث»[4] .

بتقريب أن يقال: إنّ إطلاقه يشمل المجنون بقسميه، سواءٌ كان جنونه بآفة سماويّة أو بفعله، و الأوَّل خارجٌ بالإجماع والأدلّة الدالّة على خروجه، فيبقى الباقي تحته وهو القسم الثاني منه.

لا يقال: إنّ ظاهر الحديث يدلّ على أنّ الفوات الموجب للقضاء لمن كان مكلّفاً بالأداء ولم يأت به، والحال أنّ المجنون لا تكليف فعليّ عليه بالأداء لرفع القلم عنه حتّى يجب عليه القضاء.

فأُجيب عنه: كما في «المستمسك» بقوله: (قلت: حديث رفع القلم عن المجنون ظاهر في رفع الفعليّة، لا رفع ذات التكليف ومناطه عنه، نظير رفع القلم عن النائم حتّى يستيقظ، لا أقلّ، من كون ذكره في سياق رفع القلم عن النائم قرينة على إرادة هذا المعنى ، وحينئذٍ فإطلاق أدلّة التكليف الدالّة بالالتزام على وجود المناط في فعل المجنون، موجبٌ لصدق الفوات على تركه، فيشمله دليل القضاء)، انتهى محلّ الحاجة[5] .

ولكن يمكن أن يناقش فيه: بأنّ حديث رفع القلم كما أنَّه يشتمل حكم النائم حتّى يستيقظ، المستلزم بحكم وحدة السياق كون المراد رفع فعليّة التكليف لا ذاته ومناطه، كذلك مشتملٌ على حكم الصغير حتّى يحتلم، المستلزم كون رفع القلم عنه كان بذاته مناطه لا فعليّته فقط، و عليه فالاستدلال بذلك لا يخلو عن إشكال.

هذا مضافاً إلى أنّ القضاء مستتبعٌ للأداء، أي هو حكمٌ لمن وجبَ عليه الأداء ولم يأت به، بخلاف ما لو لم يكن له الحكم في الأداء، فلا يشمله دليل: (من فاتته فعليه القضاء) لعدم حصول فوات حينئذٍ.

نعم، لو قلنا بأنّ القضاء يكون بأمرٍ جديد لا مستتبعاً بالأداء، فهو تابعٌ لوجود الأمر ، فمع الشكّ فيه فالأصل العدم ، مضافاً إلى أنّ المفروض حينئذٍ هو فقدان الدليل على وجوب القضاء، هذا لو لم ندّع أولويّة الانصراف في دليل من فاتته إلى من كان جنونه من قِبَل نفسه، وظنّ ترتّبه عليه، وإلاّ وجب القضاء.

كما أنَّه يمكن أن يقال: بأنّ طبيعة الأمر لو سلّمنا اقتضائه ذلك، إلاّ أنَّه يستأنس ويستشعر من ما ورد في الدليل على عدم التكليف على المجنون من خلال (كلّ ما غلب الله على العباد فهو أَوْلى بالعذر)؛ هو أنّ عروض هذا العارض مستند إلى الله لا إلى نفسه، فلا أقلّ من الشكّ في شموله ، فالأصل عدمه، خصوصاً مع ملاحظة تشديد الأمر في الصلاة بالإتيان، وأنّها (لا تُترك بحال)، ولأجل ذلك التزمنا القول بالاحتياط وجوباً في القضاء، كما عليه بعض الفقهاء كالعلاّمة البروجردي تبعاً لعدّة كثيرة قالوا بالقضاء كصاحب «الروضة» و «التحرير» و «الروض» و «المفاتيح»، بل قال العاملي في «مفتاح الكرامة» ـ على ما حكى عنه قوله قدس‌سره: والإغماء على الأظهر (1) .

الحكيم قدس‌سره في «المستمسك» ـ : (بل هو اللاّزم من عبارة «المبسوط» و «المراسم» و «الغنية» و «الإشارة» و «السرائر» حيث قيّدوا بما إذا لم يكن جنونه من فعله). في سقوط القضاء عن المغمى عليه

أقول: ما اخترناه من الاحتياط ثابتٌ فيما إذا ظنّ بترتّب الجنون عليه، وأمّا مع جهله بذلك أي بترتّبه عليه، أو نسى وصادف الجنون، فلا يشمله دليل وجوب القضاء، لأنّ فعله حينئذٍ يكون كفعل غيره من كونه بمنزلة الأسباب السماويّة، فلا يجب عليه القضاء كما لا يخفى.

ثمّ لا فرق في وجوب القضاء فيما يجب أو عدمه فيما لا يجب، بين كون جنونه إطباقيّاً كان أم أدواريّاً كما هو واضح، كما لا فرق في الحكم بين الحالة المرضيّة الّتى تُسمّى الماليخوليا وغيره مع صدق الجنون عليه عرفاً.

نعم، لابدّ من التنبيه على أنّه يثبت عليه وجوب القضاء فيما إذا مضى عليه من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة ، وقد سبق الكلام فيه قبل ذلك ولا حاجة لذكر هذا القيد هنا، لوضوح أنَّه ليس الترك حينئذٍ لأجل سببيّة الجنون لتركه، بل كان هو مع اختياره، كما كان الأمر كذلك أي لا يسقط القضاء فيما إذا كان سبب الفوات عذراً لا يسقط معه القضاء، مثل من نام ثمّ استيقظ مجنوناً بعدما مضى من الوقت مقدار أداء الصلاة، لوضوح عدم صدق كون سبب الفوت هو الجنون فقط كما لا يخفى.

(1) الثالث ممّن لا يجب عليه القضاء: ويسقط عنه، هو المغمى عليه إذا كان اغماؤه مستوعباً لجميع الوقت ، والسقوط في حقّه هو الأظهر والأشهر كما في «الروضة»، بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً كما في «الجواهر»، بل في «السرائر» إنّه المعمول عليه، بل عن «الغنية» الإجماع عليه، وفي «الرياض» أنّ عليه عامّة من تأخّر، بل لا خلاف فيه إلاّ من نادر كما عن الصدوق في «المقنع»، ولم ينقل الخلاف إلاّ عنه.

ولكن يظهر عن صاحب «الحدائق» وجود قول آخر، حيث نقل عن بعض: (أنَّه يقضي آخر أيّام إفاقته إن أفاقَ نهاراً، وآخر ليله إن أفاقَ ليلاً)، ثمّ نقل قول الصدوق بقضاء الجميع.

أقول: الأقوى عندنا كما صرّح به صاحب «الجواهر» هو القول الأوَّل، من سقوط القضاء عليه، والدليل عليه:

مضافاً إلى ما عرفت من نقل الإجماع والشهرة العظيمة عليه، وجود أخبار كثيرة إلى حدّ الاستفاضة، لو لم تكن متواترة على ذلك ، وفيها صحاح و موثّقات، فلا بأس بذكر هذه الأخبار وملاحظة دلالتها، ثمّ نتعرّض إلى ما يخالفها وكيفيّة الجمع بينها، فنقول ومن الله الاستعانة وعليه التّكلان:

فأمّا الأخبار النافية للقضاء: فهي كثيرة:

منها: ما عن الشيخ في الصحيح، عن أيّوب بن نوح: «أنَّه كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يسأله عن المُغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا؟ فكتب: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»[6] .

ومنها: رواية الحلبي في الصحيح، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن المريض هل يقضي الصلوات إذا أُغمي عليه؟ قال: لا، إلاّ الصلاة التي أفاق فيها»[7] .

ومنها: رواية حفص في الصحيح عن أبي عبدالله عليه‌السلام: «يقضي الصلاة التي أفاق فيها»[8] .

ومنها: رواية مضمرة عليّ بن مهزيار في الصحيح، قال: «سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب عليه‌السلام: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»[9] .

ومنها: ما رواه الصدوق في «الفقيه» في الصحيح، عن عليّ بن مهزيار: «أنَّه سأله ـ يعني أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ـ عن هذه المسألة؟ فقال: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة، وكلّ ما غلب الله عليه فالله‌ أَوْلى بالعذر»[10] .

ثمّ قال على ما في «الوسائل» نقلاً عن الصدوق: (فأمّا الأخبار التي رُويَت في المغمى عليه أنَّه يقضي جميع ما فاته، وما روي أنَّه يقضي صلاة شهر، وما روي أنَّه يقضي ثلاثة أيّام، فهي صحيحة ولكنّها على الاستحباب لا على الإيجاب).

ومنها: ما عن أبي بصير ـ يعني المرادي ـ عن أحدهما عليهماالسلام، قال: «سألته عن المريض يغمى عليه ثمّ يفيق ، كيف يقضي صلاته؟ قال: يقضي الصلاة التي أدرك وقتها»[11] .

ومنها: ما عن أبي أيّوب، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن رجل أُغميَ عليه أيّاماً لم يُصلِّ ثمّ أفاق، أيصلّي ما فاته؟ قال: لا شيء عليه»[12] .

ومنها: رواية معمّر بن عمر، قال: «سألتُ أبا جعفر (أبا عبدالله عليه‌السلام) عن المريض يقضي الصلاة إذا أُغميَ عليه؟ قال: لا»[13] .

ومنها: رواية عليّ بن (محمّد بن) سليمان، قال: «كتبتُ إلى الفقيه أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام أسألهُ عن المغمى يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة»[14] .

ومنها: رواية الشيخ عن محمّد بن مسلم: «في الرجل يغمى عليه الأيّام ؟ قال: لا يعيد شيئاً من صلاته»[15] .

ومنها: خبر العلاء بن الفضيل، قال: «سألتُ أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل يغمى عليه يوماً إلى اللّيل (ثمّ يفيق)؟ قال: إن أفاقَ قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا، فإن أُغميَ عليه أيّاماً ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلاّ آخر أيّامه إن أفاق قبل غروب الشمس، و إلاّ فليس عليه قضاء»[16] .

قال الهمداني في «مصباح الفقيه» ذيل هذا الحديث: (الظاهر كون المراد به قضاء الصلاة التي أدرك وقتها لا مطلقها حتّى صلاة الصبح) أي بتوهّم كون الصبح أيضاً مرتبطاً بذاك اليوم.

ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن الرجل يغمى عليه نهاراً ثمّ يفيق قبل غروب الشمس؟ قال: يصلّي الظهر والعصر، ومن اللّيل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة اللّيل»[17] .

هذا مضافاً إلى وجود أخبار متعدّدة قد تمسّك فيها بقاعدة العذر، وتطبيقها على ذلك، وأشار في بعضها بأَنَّه بابٌ من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب:

منها: الخبر الذي نقله الصدوق في «الخصال» بسنده عن موسى بن بكر، قال: «قلتُ لأبي عبدالله عليه‌السلام: الرجل يغمى عليه اليوم واليومين والثلاث والأربع وأكثر من ذلك ، كم يقضي من صلاته؟ فقال: ألا أخبرك بما يجمع لك هذا وأشباهه؛ كلّ ما غلب الله عزَّ و جلّ (عليه) من أمر فالله‌ أعذَر لعبده»[18] .

قال: وزاد فيه غيره أنّ أبا عبداللهعليه‌السلام، قال: «وهذا من الأبواب التي يفتح كلّ باب منها ألف باب»[19] .

ومنها: خبر الكليني والشيخ في الصحيح، عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سمعته يقول في المغمى عليه: ما غلب الله عليه فالله‌ أَوْلى بالعذر»[20] . حيث يفهم منه وما يضاهيه نفي القضاء عن المغمى عليه؛ لأجل ما عرض الله عليه من الإغماء.

ومنها: خبر عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «كلّ ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء»[21] .

ومنها: خبر الصدوق في «العيون» و «العلل» (في الصحيح)، عن الفضل بن شاذان، عن الرِّضا عليه‌السلام في حديثٍ: «كلّ ما غلب الله عليه مثل المغمى عليه يغمى عليه في يوم وليلة، فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق عليه‌السلام: كلّ ما غلب الله على العبد فهو أعذر له»[22] .

أقول: هذه جملة من الأخبار الدالّة على نفي القضاء للمغمى عليه، لكونه من المصاديق التي رفع الله عنه حكم القضاء، لأَنَّه يعدّ من المعذورين من عند الله؛ لأجل وقوع الإغماء عليهم، فَمَنَّ الله عليهم برفع القضاء عنهم.

الروايات النافية للقضاء: وردت عدّة روايات تدل على نفي القضاء، لكن لا مطلقاً بل في عدّة أيّام مع الاختلاف فيها في عدد تلك الأيّام، فلا بأس بذكرها وملاحظ دلالتها، وبيان طريق الجمع مع الأخبار السابقة، فنقول ومن الله الاستعانة:

بعضها يدلّ على قضاء صلاة يوم إفاقته:

منها: خبر «قُرب الإسناد» المرويّ عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام، قال: «سألته عن المريض يغمى عليه أيّاماً ثمّ يفيق ما عليه من قضاء ما ترك من الصلوات؟ قال: يقضي صلاة ذلك اليوم الذي أفاق فيه»[23] .

والظاهر من جملة الإشارة كون المشار إِليه هو اليوم الذي قد أفاق فيه، فلابدّ فيه من لحاظ الإدراك فيه شيئاً من اليوم، دون ما لم يُدرك منه شيئاً، ودون الأيّام التي كانت قبل اليوم الذي أفاق فيه، فالنتيجة من هذا الخبر لزوم قضاء اليوم الأخير من الأيّام لمن أدرك اليوم ولو بمقدارٍ منه.

ومنها: خبر عبدالله بن محمّد الجمّال، قال: «كتبتُ إِليه: جُعِلْتُ فداك روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام في المريض يغمى عليه أيّاماً، فقال بعضهم يقضي صلاة يوم الذي أفاق فيه، وقال بعضهم يقضي (صلاة) ثلاثة أيّام، ويَدَع ما سوى ذلك ، وقال بعضهم لا قضاء عليه؟ فكتب: يقضي صلاة يومه إلى يفيق فيه»[24] .

والظاهر من الحديثين إمكان حملهما على من أدرك وقتها بعد الإفاقة، كما عليه المشهور، ولزوم القضاء في ذلك اليوم فقط دون غيره من الأيّام.

بل قد يشاهد خلاف ذلك من الأخبار الواردة في المقام، وهي مثل ما ورد عن الشيخ في الصحيح، عن حفص، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن المغمى عليه (يوماً إلى اللّيل) ؟ قال: يقضي صلاة يوم[25] . و الجملة بين القوسين لم ترد في التهذيبين و «الوسائل»، وإنّما هي مذكورة في «الوافي» و «الحدائق»، فإنّه على نقل الأخيرين لا يمكن حملها على مَن أدرك شيئاً من اليوم، لصراحتها على امتداده إلى اللّيل، بخلاف صورة الإطلاق وإن كان مفهومه عدم لزوم الزائد عنه.

ومنها: خبر سماعة في الموثّق، قال: «سألته عن المريض يغمى عليه؟ قال: إذا جاز عليه ثلاثة أيّام فليس عليه قضاء، وإن أغمي عليه ثلاثة أيّام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ»[26] .

ومنها: خبر حفص بن البختري في الصحيح، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «المغمى عليه يقضي صلاة ثلاثة أيّام»[27] .

ومنها: روايته الاُخرى أي عن حفص في الصحيح، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «يقضي المغمى عليه ما فاته»[28] .

ومنها: روايته الثالثة عنه في الصحيح، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «يقضي صلاة يوم»[29] .

ومنها: رواية أبي بصير، قال: «قلتُ لأبي جعفر عليه‌السلام: رجلٌ أُغميَ عليه شهراً ، أيقضي شيئاً من صلاته؟ قال: يقضي منها ثلاثة أيّام»[30] .

ومنها: خبر أبي كهمس، قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه‌السلام وسُئِلَ عن المغمى عليه أيقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال: أمّا أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك»[31] .

ومنها: خبر منصور بن حازم، عن أبي عبدالله عليه‌السلام: «أنَّه سأله عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة؟ قال: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي أن تقضي كلّ ما فاتك»[32] .

ومنها: خبرٌ آخر عن حفص، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن المغمى عليه ؟ قال فقال: يقضي صلاة يوم»[33] .

ومنها: خبر عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «كلّ شيء تركته من صلاتك لمرض أُغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت»[34] .

ومنها: خبر محمّد بن مسلم (في الحسن)، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن الرجل يغمى عليه ثمّ يفيق؟ قال: يقضي ما فاته ، يؤذِّن في الأُولى ويُقيم في البقيّة»[35] .

ومنها: خبر منصور بن حازم في الصحيح، عن أبي عبدالله عليه‌السلام: «في المغمى عليه؟ قال: يقضي كلّ ما فاته»[36] .

ومنها: خبر رفاعة في الصحيح، قال: «سألته عن المغمى عليه شهراً، ما يقضي من الصلاة؟ قال: يقضيها كلّها، إنّ أمر الصلاة شديد»[37] .

ومنها: ما عن «الذكرى» عن إسماعيل بن جابر، قال: «سقطتُ عن بعيري فانقلبتُ على أُمّ رأسي فمكثتُ سبع عشرة ليلة مغمى عَلَيَّ، فسألته عن ذلك؟ فقال: اِقض مع كلّ صلاةٍ صلاة»[38] .

أقول: ولا يخفى الاختلاف الشديد بين هذه الأخبار في المسألة، حيث إنّ ستة عشر حديثاً يحكمون بعدم وجوب القضاء على المُغمى عليه، كما أنّ في قِبالها من الروايات ما يدلّ على وجوب القضاء بهذا العدد أيضاً ، غاية الأمر مع اختلاف شديد في بيان مقدار ما يجب فيه القضاء على أنحاء:

بعضها: يقضي ما فاته ولو شهراً فصاعداً؛ لأنّ أمر الصلاة شديد.

و بعضها: على خصوص يوم إفاقته أو ليلتها.

و بعضها: إذا جاز ثلاثة أيّام فليس عليه قضاء ، وإن كان ثلاثة أيّام فعليه القضاء فيهنّ.

و بعضها: يقضي المُغمى عليه ثلاثة أيّام.

و بعضها: يقضي صلاة يوم.

و بعضها: يقضي صلاة شهرٍ فقط كما في «السرائر».

فصار هذا الاختلاف موجباً لحمل الأخبار على مراتب الفضيلة، حتّى صار الأفضل فيها هو إعادة الجميع، ثمّ الشهر، ثمّ الثلاثة، ثمّ اليوم الذي أفاقَ فيه أو في ليلته، بل قد يؤيّد ذلك هو اختلاف راوٍ واحد في ذلك، مثلاً يقول حفص بن البختري تارةً: (يقضي ثلاثة أيّام) ، و اُخرى يقول: (يقضي المغمى عليه ما فاته)، وثالثة يقول: (يقضي صلاة يوم).

كما يؤيّد ذلك أيضاً ما ذكره الإمام عليه‌السلام في جواب السؤال في خبر أبي كهمس ومنصور بن حازم بعدما أجاب أنّه يقضي ما ترك من الصلاة، قال: (أمّا أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك) . مع أنَّه لو كان قضاء ما فات واجباً واقعاً، لما اقتصر في القضاء على نفسه و ولده، بل كان واجباً للجميع ، فإسناده عليه‌السلام إلى نفسه وأهله وولده يفيد أنّ القضاء أمر محبوبٌ لا واجب كما لا يخفى.

فعلى هذا يمكن أن يقال: إنّ صحّة السند في بعضها لا يوجب رفع يَدنا عمّا ذكرنا من الحمل على الاستحباب، بعدما نشاهد إعراض الأصحاب عنها عدا الصدوق، مع أنَّه أيضاً في «الفقيه» قد حملها على الاستحباب، الذي نسبه صاحب «الرياض» إلى المُتأخِّرين، كما حكاه في «الوافي» وغيره عنه، بل قد احتمل بعض كون جميعها أو بعضها محمولاً على التقيّة، بحيث لا يصحّ الالتفات إِليها بعد مخالفتها للأصل ، ولولا وجود المسامحة في أدلّة السُّنن الموجب لكونه مستحبّاً كما أشرنا إِليه، لقلنا إنّها محمولة على التقيّة ، و عليه فحكم المسألة واضحة في جواز حمل الأخبار على الاستحباب، كما عن الصدوق والشيخ وغيرهما التصريح بذلك ، بل في «الحدائق» نسبته إلى المشهور، كما يظهر ذلك من كلام صاحب «الجواهر» و «مصباح الفقيه» فليراجع.

بل قال صاحب «الحدائق» ـ بعد نقله كلام الصدوق في «الفقيه» من الحمل على الاستحباب ـ : (والعجب أنّ هذا كلامه في «الفقيه»، مع أنَّه كما تقدّم من عبارة «المقنع» اختار وجوب قضاء جميع ما فاته ، وهذا من نوادر الاتّفاق له في اختلاف الفتوى في مسألةٍ واحدة، وإن كان كثيراً في كلام المجتهدين من أصحابنا رضوان الله عليهم) ، انتهى كلامه[39] .

و بالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا من الأدلّة في الطرفين، قوّة كلام المشهور من عدم وجوب القضاء للمغمى عليه، إذا كان الإغماء بسبب آفةٍ سماويّة، المندرج تحت القاعدة التي يفتح الله منها ألف باب، فكان الله أعذر بعبده.

أمّا حكم القسم الثاني: وهو المجنون الذي يكون اغماؤه مستنداً إلى نفسه وفعله؛ و هذا المجنون:

تارةً: يكون ما يوجب ذلك معصية بنفسه، و اُخرى: ما لا يكون كذلك .

وكيف كان، فهل يجب عليه القضاء لأجل إسناده إِليه ، أم لا؟ فيه وجهان بل قولان:

قولٌ: بعدم الوجوب كالأوّل، تمسّكاً بإطلاق النصوص والفتاوى، حيث لم تفرّق في الحكم بين كونه من قبله أم لا.

وقولٌ آخر: هو الوجوب، وهو كما عن «الذكرى» ، بل نسب ذلك إلى غيره مشعراً بدعوى الإجماع عليه، وتبعه بعض من تأخّر عنه، بل ربّما يستظهر من «السرائر» ذلك، من جهة أنَّه قيّد عدم وجوب القضاء بما إذا لم يكن هو السبب في دخوله عليه بمعصية يرتكبها.في ذكر أدلّة القائلين بوجوب القضاء للمغمى عليه إذا كان مسنداً إلى نفسه

ومستند هذا القول: دعوى انصراف إطلاقات النصوص إلى ما هو المتبادر المتعارف من الإغماء، وهو الذي يكون اغماؤه غير مستند إلى نفسه، لا سيّما مع اشتمال بعض النصوص على جملةٍ كلام الإمام عليه‌السلام: (كلّما غلب الله عليه فهو أَوْلى بالعذر)، الدّالة على أنّ ما كان مستنداً إلى الله هو الموجب للأولويّة في قبول العذر، فيصير هذا خارجاً عن الإطلاقات الدالّة على عدم القضاء، فيدخل تحت عموم قوله عليه‌السلام: (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته). كما هو المستفاد من صحيحة زرارة[40] .

أقول: هذا غاية ما استدلّ به في على وجوب القضاء عليه، ولكن المسألة لا تخلو عن شَوب الإشكال، فلا بأس بذكره، فنقول:

أُورد على القاعدة الأولويّة: بما قاله السيّد في «المستمسك»، بأنّ: (وجوب القضاء ـ إذا كان الإغماء باختياره ـ للتعليل في النصوص المتقدّمة وغيرها، ولكنّه متوقّف على ظهورها في ذلك وهو غير ثابت.

توضيحه: المراد من قوله عليه‌السلام: (فالله‌ أَوْلى بالعذر)، ليس العذر في القضاء، لأَنَّه ممّا لم يغلب عليه فيه، فتعيّن أن يكون المراد العذر في الأداء، لأَنَّه المغلوب عليه فيه، وحينئذٍ فالوجه في كونه جواباً عن حكم القضاء هو ثبوت قضيّة كلّية وهي كلّ من يُعذر في الأداء لا يجب عليه القضاء، فمفاد النصوص أنّ المغمى عليه داخل في موضوع القضيّة المذكورة، فيثبت له حكمها، وحينئذٍ لا دلالة فيها على انحصار العلّة في نفي القضاء في ذلك ، بل يجوز أن يكون له علّة اُخرى غيرها).

ثم قال رحمه‌الله: (فإنّ التعليل الصريح ظاهر في الانحصار ولا كذلك في التعليل المستفاد من تطبيق الكبريات على صغرياتها، فإنّه لا مفهوم له، وعليه فالنصوص المطلقة في نفي القضاء عن المغمى عليه، غير المشتملة على التعليل المذكور لا مقيّد لها ، فالعمل عليها متعيّنٌ)، انتهى محلّ الحاجة[41] .

يرد عليه أوّلاً: أنّ سياق الكلام في العبارات الصادرة عن المتكلِّم مختلفٌ:

فتارةً: يصدر بصورة الصراحة في التعليل كما في الأمثلة المعروفة، مثل: (لا تأكل الرمّان لأَنَّه حامض)، حيث يفيد أنّ الملاك في النّهي هي الحموضة دون ما كان حلواً.

و اُخرى: يصدر على كيفيّة التعليل لكن لا بالصراحة، بل من جهة المناسبة بين الحكم والموضوع، وكون العذر الحاصل للعبد المانع عن الصلاة حصل بنحوٍ خارج عن حيطة اختياره، وكان ذلك من باب غلب الله عليه، فلا يشمل ذلك ما كان باختياره، لخروجه موضوعاً عن الحكم، فالتقييد يتحقّق من سياق الكلام ولحنه، فمثل هذا السياق ظاهر في التعليل، بل قد يدّعى أنَّه أشدّ لضيق الكلام عن شمول غيره، فليس ذلك مجرّد تطبيق الكبريات على الصغريات حتّى يُدّعى أنَّه لا مفهوم لها، ولذلك ترى أنّ دعوى وجود المفهوم لمثل ذلك غير مجازفة، بل يؤكّد المفهوميّة كون مثل هذه الجملة إشارة إلى قاعدة ثابتة عند العقلاء، بأَنَّه إذا كان الفعل غير اختياري للمكلّف، وكان من عند الله ومسنداً إِليه تعالى، كان العبد فيه معذوراً، دون من لم يكن كذلك ، ولا نريد من المفهوم أزيد من ذلك .

هذا هو الإشكال الأوَّل الوارد على الاستدلال بدليل العذر على نفي القضاء، إذا كان عروض العارض عليه باختياره وفعله.

و ثانياً: المناقشة التي طرحها السيّد الحكيم نفسه في «المستمسك» على دليل من فاتته لإثبات القضاء على من باشر في احداث الجنون أو الإغماء على نفسه، و قد تصدّى لبيانه سيّدنا الحكيم في مستمسكه، حيث قال:

(فإن قلت: عموم وجوب القضاء موضوعه ما فات، وهو غير حاصل بعد انتفاء التكليف عن المجنون مطلقاً).

أقول: قد عرفت في المجنون نقله وجوابه، فلا ينبغي تكراره هنا.

و ثالثاً: ما نقله صاحب «الجواهر» عن صاحب «الرياض»، وقال: (استحسنه (أي وجوب القضاء) في «الرياض» لولا ما يظهر من الفوات من تحقّق الخطاب بالفعل، ثمّ يفوت وهو مفقود في المقام). في بيان إثبات وجوب القضاء لمن كان إغمائه من قِبل نفسه

وأجاب عنه صاحب «الجواهر»: (وفيه أوّلاً: منع عدم تحقّق الخطاب في الفرض أو بعض أفراده، لأنّ الممتنع بالاختيار لا يقبح معاملته معاملة المقدور المتعلّق به الاختيار.

وثانياً: منع توقّف صدق اسم الفوات على تحقّق الخطاب في ما نحن فيه، بل أقصاه توقّفه على عدم النّهي كالحائض ونحوها على إشكال .

فالأَوْلى في ردّ الشهيد حينئذٍ إطلاق النصوص بعد منع الانصراف المزبور، اللهمَّ إلاّ أن يثبت إجماعٌ كما أشْعَرَت به عبارته السابقة)، انتهى محلّ الحاجة[42] .

قال صاحب «مصباح الفقيه»: بعد نقل كلام صاحب «الجواهر»: (وهو لا يخلو من جَوْدَة)[43] .

أقول: ولكن الدقّة والتأمّل في قوله عليه‌السلام: (من فاتته فريضة)، يفيد أنّ وجوب القضاء ثابتٌ لمَن تنجّز عليه وجوب إتيانه، غاية الأمر قد تخلّف عنه فيجب عليه القضاء، وهو لا ينافي استفادة المقتضي الموجود فيه كتحصيل المقدّمات قبل تحقّق الخطاب في أصل الواجب والتهيّؤ لبعض لوازمه، بحيث لو لم يقم بالممهّدات عاتبه العقلاء، بعد فرض فهم حصول ما كان يلزم تحصيله قبل تحقّقه، لكن كلّ ذلك لا يوجب أنَّه يصدق عليه أنَّه قد فوّت واجبه عمداً، فيجب عليه قضاؤه حتّى يندرج تحت قاعدة: (من فاتته فريضة فليقضها)، حتّى وإن سلّمنا صدق القاعدة المعروفة، و هي: (الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) لأنّها أعمّ من صدق تحقّق الفوات الموجب لإيجاب القضاء.

و عليه، فإثبات وجوب القضاء لمن فاتته الفرائض بسبب من قِبَل نفسه لا يخلو عن إشكال ، اللهمَّ إلاّ أن يرجع لإثبات وجوب القضاء إلى بعض الإطلاقات، ويمنع انصرافها إلى غير المورد.

ثمّ إنّه لا فرق في الحكم بوجوب القضاء عليه أو عدمه؛ بين كون السبب الموجِب لذلك معصية أم لا، فيما إذا علم ترتّبه عليه وعمد به، نعم إذا جهل أو نسي أو اضطرّ اليه، لا يجب عليه القضاء، لأَنَّه أيضاً خارج عمّا يدلّ على وجوب القضاء كما أشار إِليه الأصحاب رضوان الله عليهم.

قوله قدس‌سره: والحيض والنفاس (1) .ممّن لا يجب عليه الحائض والنفساء

(1) الرابع ممّن لا يجب عليه القضاء: هما الحائض والنفساء، ولو كان السبب من عند أنفسهما و عادتهما:

تارةً: يفرض مع استيعابهما للوقت، فلا قضاء عليهما إجماعاً محصّلاً ومنقولاً وسنّةً، بل كاد أن يكون ضروريّاً من مذهب الشيعة.

وأُخرى: ما لا يستوعب الوقت، فقد مضى بحثه سابقاً بالوجوب إن أمكن إدراكه، ولو بمقدار ركعة مع الشرائط اللاّزمة ولو الاضطراريّة منها.

ثمّ لا فرق في عدم القضاء عليهما لو استوعب الوقت: بين أن يكون سبب الفوت أنفسهما أم لا، إذا لم يمض من الوقت بمقدار الأداء بما عرفت.

ووجه الفرق بين المقام وبين السابق: هو وجود النّهي عن العمل مع تحقّق إحداهما بقوله عليه‌السلام: (دَعِي الصلاة أيّام اقراءك)، بخلاف ما ههنا، فلذلك لا يصدق الفوات في حقّهما حتّى يجب القضاء، بخلاف المجنون والمغمى عليه.

كما لا فرق في عدم وجوب القضاء إذا كان السبب من عند أنفسهما لأجل ترك الصلاة، أو لغيره ممّا يصدق المنع عنه، ولو كان السبب لأجل أمرٍ غير الصلاة، ولا نسلّم انصرافه إلى غير ذلك .

فالحاصل: عدم وجوب القضاء عليهما مطلقاً في جميع التقادير.

أقول: وممّا ذكرنا يظهر ضعف القائلين بوجوب القضاء عليهما، إذا كان السبب من عند أنفسهما، وهو كما عن صاحب «الحدائق»، حيث قال في ذيل قاعدة: (ما غلب الله على العباد فهو أَوْلى بالعذر):

(بأنّ هذا التعليل الذي قد عرفت أنَّه من القواعد الكلّية والضوابط الإلهيّة، يفهم أيضاً وجوب القضاء على الحائض والنفساء، إذا كان عروض ذلك من قِبَلهما قوله قدس‌سره: والكفر الأصلي (1) .ممّن لا يجب عليه القضاء الكافر الأصلي

بشرب الدواء، وإن كان ظاهر الأصحاب خلافه عملاً بإطلاق أخبار الحيض، كما ذكره السيّد المذكور)، انتهى محلّ الحاجة[44] .

وجه الضعف: ما مرّ بأنّ الإطلاقات الدالّة على وجوب القضاء، وإن سلّمنا شمولها بإطلاقها لمثلهما، لكنّهما خارجتان عن الإطلاقات، لأجل وجود النّهي عنه في هذه الحالة، فذلك يوجب تقييد الإطلاقات في حقّهما كما لا يخفى.

(1) الخامس ممّن لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات: هو الكافر الأصلي، أي لا تجب عليه ما فاته بسبب الكفر، فلا يجب عليه قضاؤها بعد أن أسْلَم، بلا خلاف فيه على الظاهر، بل في «المنتهى» وغيره الإجماع عليه، بل في «المفاتيح» نسبته إلى ضرورة الدِّين، والدليل عليه هو الخبر النبويّ المشهور: (الإسلام يَجُبُّ ما قبله)[45] .

وهذا واضحٌ لا شبهة فيه، كما لا شبهة في أنَّه لو أسْلَمَ في دار الحرب وترك الصلاة، أو لم يأتِ بحدودها لجهله بها أو بحدودها وشرائطها، وجبَ عليه قضائها بعد التعلّم، وإن كان معذوراً في تركها عند عدم التمكّن من معرفتها كغيره من أفراد الجاهل القاصر الذي فاتته الفرائض لقصوره؛ لعموم أدلّة القضاء الشامل لمثل المورد كما لا يخفى.


[1] الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 8.
[2] الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 9، الخصال: ج2 / 644.
[3] الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 3.
[4] الوسائل، ج5 الباب6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1، الكافي: ج3 / 435 ح7.
[5] المستمسك، ج7 / 54.
[6] ـ 4 الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 2 و 1 و 20 و 18.
[7]  .
[8]  .
[9]  .
[10] ـ 6 الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 3 و 17 و 14 و 15 و 18 و 23.
[11]  .
[12]  .
[13]  .
[14]  .
[15]  .
[16] ـ 5 الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 19 و 21 و 8 و 9 و 13.
[17]  .
[18]  .
[19]  .
[20]  .
[21] ـ 3 الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 24 و 7 و 25.
[22]  .
[23]  .
[24] الوسائل، ج5 الباب3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 22.
[25] ـ 5 الوسائل، ج5 الباب4 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 14 و 5 و 7 و 8.
[26]  .
[27]  .
[28]  .
[29] ـ 9 الوسائل، ج5 الباب4 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 9 و 11 و 12 و 3 و 14 و 1 و 2 و 3 و 4.
[30]  .
[31]  .
[32]  .
[33]  .
[34]  .
[35]  .
[36]  .
[37]  .
[38] الوسائل، ج5 الباب4 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 15.
[39] الحدائق، ج11 / 8.
[40] الوسائل، ج5 الباب6 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 1.
[41] المستمسك، ج7 / 55.
[42] الجواهر، ج13 / 5.
[43] مصباح الفقيه، ج15 / 393.
[44] الحدائق، ج11 / 12.
[45] التفسير الكبير لابن كثير، ج2 / 320.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo