< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/09/02

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: حكم الشك الواقع بعد إتمام الركعة

 

وعليه، لا فرق ـ بناءاً على جواز هدم القيام وانقلاب شكّه إلى الشك في الثلاث والأربع ـ بين أن يكون محلّ الشكّ قبل الركوع بعد القيام، و بين أن يكون قبل التسبيح أو بعده، و قبل الهويّ إلى الركوع أو بعد الهويّ إلى الركوع قبل الوصول إلى حدّه، فيحكم في الجميع بالصحّة بواسطة رجوعه إلى المنصوص الدالّ على الصحة بعد انقلاب الشك، وقد ذهب إِليه عددٌ كثير من الفقهاء كصاحب «الحدائق»، وصاحب «المدارك» و «الرياض»، و «مستند الشيعة» للنراقي، بل في «الحدائق» دعوى نفي الإشكال والخلاف في ذلك ، غاية الأمر أنَّه لا يزيد هنا شيئاً على ما وجب عليه في الشكّ بين الثلاث والأربع، من الاحتياط بركعةٍ قياماً أو ركعتين جلوساً، إلاّ وجوب سجدتي السهو، لأجل انهدام سجدتي السهو كما سيأتي لاحقاً عند بيان موارد وجوب سجدتي السهو على المصلّي بأَنَّه منها.

و بالتالي: فالعمدة هو بيان الدليل لإثبات صحّته، فيمكن أن يستدلّ لذلك بأحد أُمور:

الأمر الأوَّل: دعوى أنّ ما ورد من النصّ في حكم الشكّ بين الأربع والخمس من البناء على الأربع، وإتيان التشهّد والسلام، هو أنْ يصدق على محلّ وقوع الشكّ أنّه بعد إكمال السجدتين، و أنَّه لا يصدق ذلك إلاّ أن يخرج منه و يدخل في ركن آخر وهو الركوع ، فما لم يدخل فيه يكون العنوان صادقاً عليه.

فعلى هذا التقدير، يلزم أن يكون الشكّ في حال القيام بتمام أقسامه داخلاً تحت المنصوص ، فإذا فرض صحّة صلاته، فلابدّ حينئذٍ من هدم قيامه، ليصير حاله مثل حال الشكّ بعد إكمال السجدتين، من لزوم الإتيان بسجدتي السهو لأجل أصل الشكّ، وإتيان سجدتين أخريتين آخر لأجل هدم القيام، و عليه فالحكم بالصحّة على هذا الفرض ليس من باب العلاج بل لدخوله في النصّ و فرضه أحد أفراده، فلا يحتاج حينئذٍ أن يُصلّى صلاة الاحتياط.

ولكنّه مخدوش لأنّه حكم لم يذهب إِليه أحد من الأصحاب، إذ ظاهر كلامهم أنّهم فهموا من أخبار الباب أنّ الحكم مختصٌّ بما إذا كان الشكّ بعد إكمال السجدتين و قبل التلبّس بحالٍ آخر مثل القيام ونحوه، ويشهد على ذلك حكمهم في صورة انهدام القيام انقلاب شكّه إلى الثلاث والأربع، و تطبيق حكمه عليه، لا حكم الشكّ بين الأربع والخمس، وليس ذلك إلاّ لأجل ما عرفت من عدم شمول النّص بنفسه للشك بينهما بعد القيام.

الأمر الثاني: في أنّه لو حدث الشك حال القيام و تردّد بأنّ ما بيده الركعة الرابعة أو الخامسة، فهذه الحالة وإن لم يكن بنفسها مندرجاً في أحد النصوص إلاّ أنَّه يمكن له هدم القيام المحتمل زيادته سهواً، ليحوّل شكّه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين، و تطبيق حكمه عليه، وهو الإتيان بالاحتياط تخييراً بين ركعة عن قيام أو ركعتين عن جلوس، فحينئذٍ يندرج بواسطة العلاج بالجلوس داخلاً تحت المنصوص فتصحّ صلاته، وهذا هو الذي عليه الأصحاب، و قد سبقت الاشارة اليهم بحسب نقل صاحب «الجواهر» وغيره.

إلاّ أنّ صاحب «الجواهر» بعد نقل هذا الاختيار، اعترض عليهم بقوله:

(قد يناقش فيه وفي سائر أنواع العلاج الآتية، بأنّ الظاهر من تلك الصور وقوع الشكّ ابتداءاً لا بجعل وعمل).

ثمّ قال: (على أنّ الذي يسوّغ الهدم له، إن كان عدم معلوميّة كونه للرابعة، فلِمَ لم يمنع من الهدم عدم معلوميّة كونه للخامسة؟

ثمّ قال: والجلوس من القيام وإن كان ليس عملاً كثيراً حتّى تفسد الصلاة به ، فإذا جلس دخل تحت الصورة المنصوصة، لكنّه مغيّر للهيئة، والفرض أنَّه لم يأت بالأدلّة، و كيف يعمل فقد تبطل الصلاة بمجرّد هذا الشكّ، بحيث لا ينفعه العلاج، بل قد عرفت أنّ الأصل الفساد.

ثمّ يدفعها بقوله: (ويدفعها ما قدّمناه سابقاً في المسألة الثانية، من صدق كونه شاكّاً بين الثلاث والأربع بالنسبة إلى ما مضى، من غير حاجةٍ إلى هدم في تحقّق الصدق المزبور).

وهذا الجواب هو مختار صاحب «الجواهر» والمحقّق الهمداني.

قلنا: فيصير هذا أمراً ثالثاً من الأُمور الدالّة على صحّة الصلاة، ولعلّ هذا غير الذي ذكره الشيخ الأنصاري في بحث الخلل على ما حكاه المحقّق الهمداني[1] عنه، إذ أنَّه منع من ابتناء صحّة الصلاة على انقلاب الشكّ إلى الثلاث والأربع، فإنّه بعد أن حكم بأَنَّه ينهدم القيام، و عليه العمل بأحكام الصورة الثانية، قال: (لا لرجوعه إليها حتّى يتوجّه عليه ما ذكر، بل لدخوله حال القيام في عمومات البناء على الأكثر).

يعني أنّ مقتضى هذه العمومات هو البناء على أنّها خامسة، وحيث لم يدخل في ركوعها، عليه أن يرفع اليد عنها، ويتمّ صلاته على الأربع، ولكنّه حيث يحتمل مع هذا البناء وجود نقصٍ في صلاته، وجب عليه أن يتدارك بعد التسليم بما يحتمل أنَّه نقص، كما وقع التصريح بذلك في ذيل هذه الأخبار ، فلا حاجة إلى إرجاعه إلى تلك الصورة بل يفهم حكمه بنفسه منها.

ولكن ناقش فيه عليه صاحب «مصباح الفقيه»: (بأنّ الظاهر من مفاد الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر، إنّما كان موردها في الشكّ في عدد الركعات المعتبرة في الصلاة ـ يعني مثل الشكّ بين الاثنتين والثلاث ، أو الثلاث والأربع ونحوهما ـ لا في الشكّ في زيادة شيءٍ عليها مثل المقام، حيث يحتمل زيادة قيام لأجل البناء على الأكثر، فالشك بين الأربع والخمس خارجٌ عن مورد العمومات الدالّة على البناء على الأكثر، كما يفصح عن ذلك ما في تلك العمومات من تفريع الإتيان بما يظنّ نقصه على بنائه على الأكثر)، انتهى كلام صاحب «مصباح الفقيه» بتوضيح منّا[2] .

أقول: ما قاله الشيخ يصير أمراً رابعاً لإصلاح الشكّ المزبور، ولا يخفى على المتأمّل الدقيق أنّ ما ذكره الشيخ مع ما اختاره صاحب «الجواهر» والمحقّق الهمداني قائمٌ على دعوى عدم توقّفه على انقلاب شكّه بعد الهدم فلا يتوجّه عليها المناقشة الآنفة، و الصحيح أنّ المصلّي حين قيامه شاكّ في أنّ ما بعده الرابعة أو الخامسة، فحينئذٍ يصدق عليه أنَّه: (لا يدري أنَّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً)، فعليه أن يتشهّد ويُسلِّم ويحتاط بما ذكر، فيكون مرجع ذلك و نتيجته إلى أمرٍ واحد، و هو تطبيق حكم الشكّ بين الثلاث والأربع، غاية الأمر في الفرق بين الصورتين بناءاً على ما ذكره الشيخ، يكون دليل جواز هدم القيام هي العمومات الّتى تقول: (إذا شككت فابنِ على الأكثر) و يتفرّع عليه أنَّه زاد قياماً سهواً في صلاته، بخلاف ما صدر عن العلمين حيث لم يذكرا وجه جواز هدم القيام، بل نتيجة كلامهما بيان وجه تطبيق حكم الشكّ بين الثلاث والأربع هنا من الإتيان بالاحتياط بمثل ما قيل في المسألة الثانية في الشكوك.

أقول: والحقّ أنّ ما اختاره الشيخ لا يخلو عن وجاهة، لأَنَّه إذا سلّمنا صدق الشكّ بين الثلاث والأربع حتّى في حال القيام، بالنسبة إلى وجود هذا الشكّ مع الشكّ بين الرابع والخامس أيضاً، فإنّ دليل الشكّ بين الرابع والخامس وإن لم يشمل مباشرةً صورة القيام لاختصاصه لحكم ما بعد إكمال السجدتين، إلاّ أنَّه يشمله دليل الشكّ بين الثلاث والأربع، ولذلك يجري فيه حكمه من لزوم القيام باداء صلاة الاحتياط، فلا بأس حينئذٍ أن يقول بشمول حكم العمومات الدالّة على البناء على الأكثر عليه ، فبعد هذا البناء يتبيّن له أنّ هذا القيام كان زائداً سهواً، فلابدّ من هدمه و ابطاله، لكن بما أنّه قد وقع سهواً فهو زيادة يجب تلافيها بسجدة السهو، ولعلّ حكم الإعلام بلزوم الهدم هو هذا الوجه، و هو وجيه.

اللهمَّ إلاّ أن يستشكل: بأنّ ظاهر النصوص الدالّة على البناء على الأكثر في الثلاث والأربع، كون الشكّ بدويّاً لا في ضمن الشكّ بين الأربع والخمس، وحيث إنّ ابتداء الشكّ هنا كان بين الأربع والخمس، وفي ضمنه و بعد ملاحظة حال السابق يدرك العقل أنّ هذا الشك عائدٌ في الواقع إلى الشكّ بين الثلاث والأربع، فاندراجه فيه لا يخلو عن تأمّل، و بالتالي لم يشمله هذا الدليل كما لم يشمله دليل الشكّ بين الأربع والخمس، و مع عدم جريان أصالة عدم الزيادة، يندرج قيامه في الزيادة الممنوعة، و مع عدم وجود دليل يحكم بالصحّة، يدخل المورد في ما كان الشكّ موجباً لإبطال الصلاة، لفقد دليل موجب للصحّة، ولذلك ينبغي الاحتياط بالجمع:

بين انهدام القيام والعمل بحكم الشكّ بين الثلاث والأربع، بالاحتياط مع سجدتي السهو لانهدام القيام، وبين الحكم بالإعادة.

 


[1] مصباح الفقيه: ج15/ 224 ـ 223.
[2] المصدر نفسه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo