< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: فروع في الشكوك طرحها صاحب «الجواهر»

 

الأمر الثاني: فرض المصنّف حكم صحّة الصلاة والعمل بالاحتياط بصورة كون الاثنتين من الركعات يقينيّاً والزائد عنها مشكوكاً، بخلاف ما لو كانت الاثنتان مظنوناً، والزائد عنها مشكوكاً، و عليه:

فهل هو ملحقٌ بالشك من جهة بطلان الصلاة، أو أنّ حكم المظنون كحكم اليقين في صحّة الصلاة وإجراء أحكام الشكّ؟ فيه وجهان، وتفصيل الكلام سيأتي في مورده إن شاء الله تعالى.

الأمر الثالث: في بيان المسائل التي تعمّ بها البلوى وهي أربع:

 

موضوع: في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث

 

المسألة الأُولى: إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث بعد إحراز الاثنتين في الرباعيّات، ففيه أقوال:

القول الأول: يبني على الثلاث أي الأكثر وأتمّ وتشهّد وسلّم، ثمّ استأنف ركعةً من قيام أو ركعتين من جلوس، وهذا هو المشهور نقلاً وتحصيلاً وشهرة كادَت أن تكون إجماعاً ، بل قد ادّعى الإجماع في «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية»، بل وعن ظاهر «السرائر» و «مجمع الفائدة و البرهان»، بل عن الصدوق في «الأمالي»: (أنَّه من دين الإماميّة).

القول الثاني: هو المنقول عن الصدوق في غير «المقنع» من الصحّة والبناء على الأقلّ ، وفي «المقنع» الفتوى ببطلان الصلاة، ووجوب الإعادة تبعاً لدلالة بعض الأخبار فهذا ثالث الأقوال، كما أنّ القول الثاني أيضاً قد نُسب إلى السيّد المرتضى في «المسائل الناصريّة» حيث قال: (من شَكّ في الأُولتين استأنف ، ومن شكّ في الأخيرتين بنى على اليقين).

القول الرابع: هو ما حكي عن والد الصدوق رحمه‌الله من أنَّه قال: (وإن ذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها رابعة ، فإذا سلّمت صلّيت ركعة بالحمد وحدها، وإن ذهب وهمك إلى الأقلّ فابنِ عليه وتشهّد في كلّ ركعة، ثمّ اسجد سجدتين بعد التسليم، فإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار إن شئت بنيت على الأقلّ وتشهّدت، وإن شئتَ بنيت على الأكثر وعملت على ما وصفناه).

أقول: الأقوال الأربعة التي ذكرناها إنّما في عروض الشكّ بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية، وأمّا لو كان قبل الإكمال بأن شكّ حال القيام أو الركوع مثلاً بأَنَّه هل هو في الثانية أو الثالثة، فلا إشكال في كونه مثل الشكّ في الركعتين الذى سبق حكمه من بطلان الصلاة ووجوب الإعادة ، لا لأجل اندراجه فيه باعتبار أنّ ظهور (الركعة) كونها اِسماً للمجموع، فهو في الحقيقة لا يدري أنَّه صلّى ركعة أو ركعتين، فيعمّه الأخبار الواردة فيه، ويحكم بالإعادة؛ لإمكان دعوى صدق (الركعة) أيضاً لمن لم يكملها.

بل لأجل دلالة سياق بعض الأخبار على ذلك، من وجوب حفظ الركعتين وسلامتهما عن السهو والوَهْم، وتصريح بعض الأخبار بأن: (يكون فيهما على يقين)، و (هما من العشر التي لا يجوز فيهنّ الوهم) ، و (مَن وَهَم في شيء منهنّ استقبل صلاته)، و غيرها.

ومن الواضح أنّ المراد من الوهم: إمّا خصوص الشكّ، أو الأعمّ منه ومن غيره، فلذلك لا إشكال في بطلان الصلاة في هذا الفرض.

نعم، والذي ينبغي فيه البحث هو الصورة الثانية؛ أي ما لو كان الشكّ بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية.

دليل القول الأول: فقد يستدلّ لقول المشهور بعدّة أخبار:

منها: موثّقة عمّار، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، أنَّه قال له: «يا عمّار أجمعُ لك السَّهو كلّه في كلمتين: متى شككتَ فخُذ بالأكثر، فإذا سَلّمت فأتمّ ما ظننتَ أنّك قد نقصت»[1] .

ومنها: روايته الاُخرى، قال: «سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن شيءٍ من السَّهو في الصَّلوات؟ فقال: ألاّ اُعلّمك شيئاً إذا فعلته ذكرتَ أنـّك أتممتَ أو نقصتَ لم يكُن عليك شيء؟ قلت: بلى .

قال عليه‌السلام: إذا سهوتَ فابنِ على الأكثر، فإذا فرغتَ وسَلّمت فقُم فصلِّ ما ظننتَ أنـّك نقصتَ، فإنْ كنتَ قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيءٌ، وإنْ ذكرتَ أنـّك نقصتَ كان ما صلّيت تمام ما نقصت»[2] .

ومنها: موثقة أي عمّار بن موسى الثالثة في المقام، قال: قال أبو عبدالله عليه‌السلام: «كلّما دَخَل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر. قال: فإذا انصرفتَ فأتمَّ ما ظننتَ أنـّك نقصت»[3] .

ومنها: على احتمالٍ خبر «قُرب الإسناد» عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن العلاء، قال: قلتُ لأبي عبدالله عليه‌السلام: «في رجلٍ صَلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال عليه‌السلام: يَبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن»[4] .

فإنّ المراد من (البناء على اليقين) يحتمل أن يكون بالبناء على المشكوك متيقّناً، أي يُلغى الشكّ و يبني على الأكثر بما يتيقّن به صحّة الصلاة، ولو ظهر بعد ذلك نقصانها عن ركعةٍ قام بجبرها بركعة احتياطيّة مفصولة، بخلاف ما لو أتى بركعة اُخرى متّصلةً بواسطة البناء على الأقلّ وهو الثالث، حيث يوجب كون المأتى به زائدة عن الأربع، لو فرض في الواقع أنّ ما في بيده رابعة، فإنّه يوجب بطلان الصلاة بزيادة ركعةٍ .

و عليه، فالمراد باليقين أي البناء الذي يوجب اليقين على صحّة الصلاة.

كما قد يؤيّد ذلك ما ورد في ذيله من بيان صلاة الاحتياط بركعةٍ قائماً، حيث يناسب مع البناء على الأكثر، بفرض ما بيده رابعة، و هكذا تصير هذه الرواية أيضاً مؤيّدة لمختار المشهور.

وعلى ما ذكرنا يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام: (فابنِ على اليقين)، في الموثقة التى رواها إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الأوَّل عليه‌السلام، قال: «إذا شككت فابن على اليقين، قال: قلت: هذا أصل؟ قال: نعم»[5] .

أي اليقين بصحّة الصلاة مع ما أتى به من الاحتياط، لا اليقين بمعنى البناء على الأقلّ الذي قد يقال إنّه المتبادر إلى الذهن بدواً؛ لأنّ اليقين بهذا المعنى يحتاج إلى تقديرٍ وهو خلاف لظاهر البناء على الأقلّ.

قلنا: نرتكب هذا الخلاف لأجل قرينة دالة على ذلك، وهو سؤاله من الامام: (هذا أصل؟ قال: نعم)، مع أنّ الأصل عند مذهبنا ليس هو البناء على الأقلّ ، بل البناء على الأكثر وإتيان الاحتياط بعد الفراغ، فارتكاب هذه المخالفة الظاهرية إنّما هو لأجل مراعاة هذه القرينة، و هي أحسن من جعل ذلك قرينة و حمل الرواية على التقيّة، ليخرج الحديث عن موضع الاستدلال رأساً، كما لا يخفى.

أقول: يمكن الاستدلال لكلام المشهور بصحيح زرارة أيضاً المرويّ عن أحدهما عليهماالسلام في حديثٍ، قال:

«قلت له: رجلٌ لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمّ صَلّى الاُخرى، ولا شيء عليه»[6] .

بناءً على أن المراد من (مضى في الثالثة) أي يبني على المضيّ في الثلاث، و (يتمّ صلاته عليه بأن لا يزيد عليه ركعة اُخرى متّصلة، ثمّ يأتي بصلاة اُخرى مفصولة احتياطيّة، لا الركعة الرابعة المتّصلة، بقرينة ذكر لفظ ـ ثمّ ـ ، الظاهر في التراخي والفصل.

كما أنّ جملة: (إن دخل الشكّ بعد دخوله في الثالثة)، قرينةٌ وكنايةٌ عن إحراز الاثنتين، و أنّ الشكّ حصل بعد الدخول في الثالثة لا قبل إكمال السجدتين، حتّى يتسرّى الشكّ إلى الإثنتين.

فعلى هذا التقدير يصير الخبر من الأخبار الدالّة على كلام المشهور.

هذا بخلاف ما لو قيل بأنّ المراد من (المضيّ في الثالثة) هو البناء على الأقلّ، وهو الثالث ثمّ يأتي بركعة متّصلةٍ رابعة، ليوافق مع فتوى العامَّة فيحمل على التقيّة والتورية، كما احتمله صاحب «مصباح الفقيه»، حيث ادّعى ظهوره في البناء على الأقلّ، وإن كان لا يناسب مع ذكر (ثمّ) الظاهرة في كونه لصلاة الاحتياط، فلا سبيل أن يجعل الحديث موضع الإجمال، فلا ينهض جعله شاهداً للمدّعى، بل يحمل الحديث على موضع التقيّة بواسطة الإبهام في الاستدلال.

أقول: ولكن الأوجه عندنا هو الوجه الأوَّل كما هو مختار صاحب «الوسائل» رحمه‌الله.

أمّا صاحب «الجواهر» رحمه‌الله: فقد تمسّك للقول المشهور بخبرٍ مقطوعٍ روي عن محمّد بن مسلم، قال: «إنّما السهو بين الثلاث والأربع، وفي الاثنتين و(في) الأربع بتلك المنزلة، ومن سها فلم يدرَ ثلاثاً صَلّى أم أربعاً واعتدل شكّه؟ قال: يقومُ فيتمّ ثمّ يجلس ويتشهّد ويُسلّم ويُصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد وسلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد، ثمّ قرأ وسجد سجدتين، وتشهّد وسلّم، وإن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض وصلّى ركعتين وتشهّد وسلّم»[7] .

ثمّ علّق رحمه‌الله بعد ذكر الحديث بقوله: (فإنّه وإن كان ظاهر قوله (صلّى) كان فيما مضى، لكنّه لا يوافق ما فيه من الأمر بالقيام لإتمام الركعة مع الأمر بركعتين من جلوس للاحتياط، لا على القول بالبناء على الأكثر، ولا على القول بالأقلّ، فلابدّ من حمله على إرادة الشكّ فيما في يده أنّها ثالثة أو رابعة ، وفرضه حينئذٍ على المختار البناء على أنّها رابعة ثمّ يحتاط بركعتين من جلوس)، انتهى محلّ الحاجة[8] .

أقول: ولا يخفى أنّ ما ذكره من حمل مضمون الخبر على ما ذكره من أنّ شكّه شكٌّ بين الثلاث والأربع لا بعد المضيّ عنه، و هو ظاهر اللّفظ، ولكن مع ذلك لا يمكن التمسّك به على كلّ حال لأحد من القولين للحكم بالقيام؛ لوضوح أنّ مع هذا الفرض كان في حالٍ يقدر فيه البناء على أنّ ما بيده رابعة، ولذلك حكم بالاحتياط بركعتين جالساً، فلا وجه حينئذٍ للحكم بالقيام وإتمام الركعة.

اللهمَّ إلاّ أن يراد من جملة: (فيقوم ويتمّ) استمرار القيام بالبناء وإتمامه بالركعة لا إحداثه، لكنه بعيدٌ في غاية البُعد، لأَنَّه ذكر بعده: (ثمّ يجلس)، و قد كثر التأويل في الجملات، و عليه، فالأَوْلى رفع اليد عنه على القولين.

مضافاً إلى أنّ هذا الخبر لم يسنده الى الامام و غير منقول عن الإمام عليه‌السلام ، بل هو كلام لمحمّد بن مسلم، و لعلّه اشتبه عليه الحكم، رغم أنّ شأنه أجلّ من أن ينسب حكم نفسه إلى الإمام عليه‌السلامعمداً.

و كيف كان لابدّ من رفع اليد عن هذا الخبر كما عن المحقّق الخوئي في مستنده الإشارة إِليه، راجع ذيل مسألة الثانية من مسائل الشكوك الصحيحة[9] .

 

موضوع: صور الشك بين الثلاث و الأربع

 

إنّ الشكّ بين الثلاث والأربع له فردان:

أحدهما: بأن يشك بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية، بأن لا يدري هل ما بيده هو الاثنان أو الثلاث أو الأربع؟

الثاني: بأن يشك بأنّ ما بيده ثلاث أو أربع في أيّ حال.

ففي كليهما تكون الصلاة صحيحة ويُبنى على الأربع في الأخير وفيما قبله ويتمّ صلاته، والدليل هو الإجماعات والأخبار المستفيضة المعتبرة من البناء على الأكثر عند الشكّ في الركعات الرباعيّة.

فبعدما عرفت دلالة أخبار كثيرة على ما يَدّعي المشهور من إمكان علاج الشك في الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد الإكمال في البناء على الأكثر وهو الثلاث وإتمام الصلاة، فقد يمكن تأييد صحّة ذلك فيما يعالج به الثالثة المشكوكة بالأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة في الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، وبين الإثنتين والأربع من البناء على الأكثر وإتمام الصلاة وتكميلها بصلاة الاحتياط من باب تنقيح المناط، وهو إمكان إصلاح الصلاة بما لا يوجب إبطالها، ومن إمكان تتميمها بواسطة صلاة الاحتياط، كما هو القول المشهور.

دليل القول الثاني: فقد استدلّ له بوجوه: صور الشك بين الثلاث و الأربع

أحدها: ما عن الصدوق في غير «المقنع» بلزوم البناء على الأقلّ المتيقّن من الركعة ، فقد استدلّ له بموثّقة إسحاق بن عمّار[10] وقد مرّ الخبر و الجواب عنه و قلنا بأنّ المراد من (البناء على اليقين) هو الإتيان بما يحصل به اليقين من صحّة صلاته، والفراغ عنها بالبناء على الأكثر، بقرينة سؤاله بأَنَّه أصلٌ، قال نعم، إذ هو الأصل عند الإماميّة لا غيره كما لا يخفى.

و أيضاً: استدلّ له برواية سهل بن اليسع، قال: «سألت أبا الحسن عليه‌السلامعن الرجل لا يدري أثلاثاً صلّى أم اثنتين؟ قال: يبني على النقصان، ويأخذ بالجزم، ويتشهّد بعد انصرافه تشهّداً خفيفاً، كذلك في أوّل الصلاة وآخرها»[11] .

بناءً على أن يكون المراد من (البناء على النقصان) هو الأقلّ، فيوافق مذهب العامَّة إن فرض كون مورده الشكّ بين الثلاث والاثنتين، كما هو المتبادر إلى الذهن من جملة (لا يدري... إلخ)، خلافاً للشيخ الطوسي رحمه‌الله حيث احتمل أنّ المراد من البناء على النقصان والأخذ بالجزم، هو غلبة ظنّه بالأقلّ لا الشكّ المتساوي الطرفين ، ولا يبعد حينئذٍ أن يكون ما ورد في الذيل حينئذٍ بقوله: (كذلك في أوّل الصلاة وآخرها)؛ أيضاً مؤيّداً لهذا الاحتمال، أي لابدّ من أخذه بما هو غالب ظنّه من الركعة، فعلى هذا يخرج الحديث عن محطّ البحث وهو الشكّ، فلا يفيد بحال المستدلّ كما هو واضح.

وأمّا إن أخذنا بظاهر جملة: (لا يدري) من كونها في مورد الشكّ والأخذ بالنقصان وهو الأقلّ وهو المجزوم، فيلزم مع ملاحظة ذيلها من تسرية هذا الحكم من أوّل الصلاة إلى آخرها، إلى منافاته مع جميع الأخبار الواردة في الشكوك عموماً وخصوصاً في مورد الرواية، فلا محيص حينئذٍ من الحمل على التقيّة لموافقته مع مذهب العامَّة .

مضافاً إلى أنَّه يلزم بما لا يلتزم به الصدوق أيضاً، لأَنَّه قال بالبناء على الأقلّ في خصوص المورد لا في جميع أفراد الشكوك، كما في الخبر، فيسقط الحديث عن محطّ الاستدلال حينئذٍ كما لا يخفى.

أقول: اللهمَّ إلاّ أن يلتزم بخلاف الظاهر من جملة (النقصان والأخذ بالجزم) بأن يُراد منه:

إمّا البناء على الأكثر، إلاّ أنَّه لا تكون الصلاة كاملةً بل ناقصة محتاجة إلى تكميلها بالاحتياط، حتّى يحصل الجزم بالفراغ والصحّة، كما هو الأمر كذلك في تمام الصلاة، من لزوم تحصيل الجزم بالصحّة والفراغ من أوّلها إلى آخرها في كلّ موردٍ بما يقتضيه الحكم في محلّه على حسب اختلاف الموارد، من الحكم بالاحتياط وغيره، فحينئذٍ يصير الخبر مؤيّداً لكلام المشهور ، فليتأمّل.

أو تحمل الرواية على الشكّ في النوافل لو عرض له من الإثنين والثلاث، فيحفظ ظاهر قوله من البناء على النقصان هو الإثنتين، كما أنَّه هو المتيقن، كما أنَّه يصحّ القول بأَنَّه يكون الأمر كذلك من أوّل الصلاة إلى آخرها، فيخرج الحديث بهذا الحمل عن مورد الاستدلال للمستدلّ فيرتبط بالنافلة، و لا يمكن لهذا الاعتماد على هذه الأخبار لعدم مساعدة الاعتبار و الدلالة معها.

أقول: و ممّا ذكرنا في نفي دلالة هذا الخبر، يمكن الجواب عن مثل خبر عبد الرحمن بن الحجّاج، وعليّ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام، «في السهو في الصلاة؟ فقال: تبني على اليقين وتأخذ بالجزم وتحتاط في الصلاة كلّها»[12] .

و قد استدلّ بهذا الخبر بوجوهٍ:

إمّا بحمله على النوافل، وإرادة كون الاحتياط فيها هو هكذا، فيخرج هذا الخبر عن دائرة الاستدلال.

أو حمله بملاحظة كلمة (الجزم) على الفراغ والصحّة بالبناء على الأكثر وإتيان صلاة الاحتياط في كلّ موردٍ بحسب ما يقتضيه، ليصير موافقاً للمشهور فلا يفيد المستدلّ به.

أو حفظ ظاهر العبارة في النقصان والجزم بالبناء على الأقلّ ليوافق مذهب العامَّة ، و يُحمل على التقيّة كما عليه صاحب «مصباح الفقيه» ، لا سيّما مع ذكر ما فيه من الإجمال والإبهام حيث لا يكون إلاّ للتقيّة فيطرح الحديث.

أقول: ومن ذلك يظهر ضعف القول الثاني، وهو التخيير بين البناء على الأقلّ أو البناء على الأكثر، والإتيان بالاحتياط جمعاً بين الطائفتين من الأخبار ، كما هو مختار الصدوق رحمه‌الله ، وقوّاه بعض المُتأخِّرين كالأردبيلي في مجمع «الفائدة والبرهان»، والسبزواري في «ذخيرة المعاد» و «كفاية الفقه»، والمجلسي في «البحار»، ولعلّه كان بملاحظة الجمع بين الطائفتين المتعارضتين من الأخبار، لوضوح أنّ ذلك لا يكون إلاّ بعد وجود التكافؤ والتعارض بينهما، مع أنّه قد تبيّن ممّا سبق إمكان تأويل أخبار البناء على الأقلّ بما لا ينافي الأخبار الكثيرة الدالّة على البناء على الأكثر مثل قوله: (إذا شككت فابن على الأكثر)، مع قوله: (إذا شككت فابن على اليقين).

ثمّ لو سلّمنا وجود التعارض بينهما، فلابدّ من الرجوع إلى المرجّحات ، ومن المعلوم ترجيح أخبار الباب بالشُّهرة فيقدّم على غيرها.

كما أنَّه يظهر ممّا ذكرنا ضعف ما قاله صاحب التخيير، وهو والد الصدوق رحمه‌اللهمن التخيير بينهما، وإيجاب التشهّد لدى الاختيار بالأقلّ مع كلّ ركعة، حيث قد عرفت الإشكال في أصل التخيير، مضافاً إلى أنَّه لا يُعرف له مستندٌ لكلامه إلاّ ما جاء في كتاب «فقه الرضا» الذي قد ذكرنا متنه سابقاً، والإشكال في سنده، وعدم صلاحيته للمعارضة مع ما عرفت من الأخبار.

دليل القول الثالث: وهو للصدوق في «المقنع» من ذهابه إلى بطلان الصلاة معتمداً على رواية و هي صحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال:

قوله قدس‌سره: ثمّ استأنف ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس (1) .في بيان كيفيّة صلاة الاحتياط

«سألته عن رجل لم يَدر أركعتين صَلّى أم ثلاثاً؟ قال عليه‌السلام: يعيد. قلت: أليس يقال لا يعيدُ الصَّلاة فقيهٌ؟ قال: إنّما ذلك في الثَّلاث والأربع». ورواه الصدوق في «المقنع» مرسلاً[13] .

ولكن لا يمكن القبول: لإمكان حمله بما لا ينافي مع ما سبق بحمله على صلاة المغرب، حيث لا يقبل الشكّ؛ لأجل أنّ أحد طرفي الشكّ هو الإثنتين وهو فرض الله الذي لا يتحمّل الشكّ، فتصير صلاته باطلة.

بل لا يبعد تأييد هذا الاحتمال بما ورد في ذيله بأنّ الذى لا يعيده الفقيه هو الشكّ بين الثلاث والأربع كما عن الشيخ الطوسي.

أو حمله بالشك بين الاثنتين والثلاث قبل إكمال السجدتين، فهو أيضاً باطل للوجه الذي قلنا آنفاً، مضافاً إلى معارضته مع ما في رواية سهل بن اليسع من الحكم بالصحّة والأخذ بالنقصان والجزم، كما مرّ تفصيله سابقاً.

وبالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا أنّ الصحيح من بين هذه الأقوال هو القول المشهور من البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط، و هو الأقوى عندنا.

(1) لا إشكال في أنّ هذا الاحتياط يعدّ واجباً بعد الصلاة، لكن بشرط عدم فصل مخلّ في كلا الموردين من الشكّ بين الاثنتين والثلاث، وبين الثلاث والأربع، حيث يبنى على الأكثر في كلتا الصورتين، وهذا ممّا لا خلاف فيه ولا اختلاف.

إنّما الذي وقع فيه الخلاف في كيفيّة صلاة الاحتياط فيهما من كونها:

ركعةً من قيامٍ في كلتيهما، كما هو المحكي عن الكاتب والمفيد والقاضي.

أو ركعتين من جلوسٍ فيهما، كما هو المحكي عن الجُعفي وابن عقيل.

أو التخيير بينهما في كِلتا المسألتين كما عليه المصنّف هنا، بل هو المشهور شهرةً عظيمة كادت أن تكون إجماعاً ، بل هو كذلك على ما في «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية»، بل قد حكي عن «كشف الرموز» أنَّه: (هو فتوى الأصحاب، ولا أعرف فيه مخالفاً)، والأمر ليس كذلك، لما قد عرفت من ذهاب بعضهم إلى التعيّن في الصورتين بقيام ركعةٍ أو بجلوس ركعتين.

أقول: والعمدة هنا هو ملاحظة دلالة الأخبار، وما يمكن أن يلتزم به ، فنقول ومن الله الاستعانة:

في بعض الأخبار ما يدلّ على كونه بقيام ركعةٍ مثل خبر حسن زرارة، في حديث:

«في رجلٍ لا يدري إثنتين صَلّى أم ثلاثاً؟ قال عليه‌السلام: إنْ دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة، مضى في الثالثة ثمّ صَلّى الاُخرى ولا شيء عليه ويسلّم»[14] .

بناءً على أنّ المراد منه هو البناء على الأكثر ، و المراد من جملة: (ثمّ صلّى الاُخرى) هو الاحتياط بقرينة ـ ثمّ ـ وكونه بقيام، لأَنَّه الأصل في الصلاة، و إلاّ لولا ذلك لكان من جهة الكيفيّة من القيام والجلوس ساكتاً.

و منها: الخبر المرويّ في «قُرب الإسناد»: «في رجلٍ صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال: يَبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد وقام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب»[15] .

بناءً على أنّ المراد من (البناء على اليقين) هو البناء على الأكثر لا الأقلّ ، فدلالته على لزوم الاحتياط بقيام الركعة واضحة.

و منها: خبر عمّار بن موسى الساباطي، في حديثٍ، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلِّ ما ظننت أنّك نقصت»، الحديث[16] .

فإنّ هذا الحديث مطلقٌ شامل لصورتي المسألة من الشكّ بين الإثنتين والثلاث، وبين الثلاث والأربع، كما يشمل غيرهما من الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع، ويحكم بإتمام ما نقص قياماً.

بل وهكذا مثله في الدلالة ولم يذكر فيه القيام، إلاّ أنَّه حكم بإتمام ما نقص الشامل لحال القيام قطعاً مثل ما سبق، خبر آخر رواه عمّار، قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»[17] .

فهذه هي الأخبار الدالّة على فرض البناء على الأكثر، سواءٌ كان الشكّ بين الاثنتين والثلاث وإتيان ركعة متّصلة ثمّ يأتي بركعة منفصلة بصورة القيام، أو كان الشكّ بين الثلاث والأربع ويبني على الأربع فيأتي بركعة متّصلة بقيام.

أقول: ثمّ إذا لوحظ مع عدّة أخبار مستفيضة دالّة على الشكّ بين الثلاث والأربع مع فرض البناء على الأكثر بإتيان ركعتين من جلوس، بل في بعضها التصريح بالتخيير أو وجود إطلاقٍ بحيث يشمل ما لو كان الشكّ بين الاثنتين والثلاث، حيث حكم بعد تتميم الصلاة بإتيان الاحتياط بركعتين جالساً؛ يصير جميعها شاهد جمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير ورفع اليد عن وجوبه التعيّني، لا سيّما مع ضمّ ظهور كلمات الأصحاب وتسالمهم على الاتّحاد بين الصورتين في حكم صلاة الاحتياط، كما يظهر ذلك من صاحب «الرياض» من عدم القول بالفصل بين المسألتين في حكم ذلك، فإنّ جميعها يوجب قبول حكم التخيير هنا.

 


[1] من لا يحضره الفقيه: ج1 / 340 ح99، الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1.
[2] تهذيب الأحكام : ج2 / 349 ح36، الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.
[3] تهذيب الأحكام : ج2 / 193 ح13، الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 4.
[4] قرب الإسناد: ص16، الوسائل ج5، الباب9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
[5] الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
[6] تهذيب الأحكام: ج3 / 192 ح60، الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
[7] الكافي: ج3 / 352 ح5، الوسائل ج5، الباب10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 4.
[8] الجواهر، ج12 / 333.
[9] مستند العروة، ج6 لسيّدنا الخوئي، ص181.
[10] الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 2.
[11] الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 6.
[12] الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 5.
[13] الوسائل، ج5، الباب9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.
[14] تهذيب الأحكام: ج3 / 192 ح60، الوسائل، ج5، الباب9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1.
[15] قرب الإسناد: ص16، الوسائل، ج5، الباب9 من أبواب الخلل‌الواقع فيالصلاة، الحديث 2.
[16] و 2 الوسائل، ج5، الباب8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3 و 4.
[17]  .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo