< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

93/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الفائدة الثالثة /في حكم بطلان الصلاة في الشكّ في الأُوليين/

 

بل قد يقال: بالفرق بين الشكّ في المقام، وبين الشكّ المأخوذ في أدلّة الأحكام الظاهريّة و الأُصول، من لزوم التروّي هنا دون هناك ، باعتبار أنّ الشكّ هنا حصل حين إتيان الفريضة، والاعتناء بالشك فيما نحن فيه معناه قطع الفريضة وعدم إتمامها، مع أنّ إتمامها واجبٌ، لإمكان تبديل حاله بعد التروّي وتحصيل القدرة على الامتثال مع اليقين والقطع، ولا أقلّ من الظّن إن قلنا بكفايته في عدد الركعات، فرفع اليد عن العمل قبل التروّي و ابطاله، مع احتمال القدرة على الإتمام حرامٌ، فيكون الشكّ هنا شكّاً في القدرة ، والمقرّر في محلّه وجوب الاحتياط في هذه الموارد و عليه فيجب التروّي حذراً عمّا عرفت، ولذلك أفتى بعض الفقهاء كالشهيد الثاني و المحقّق البهبهاني صاحب «المفاتيح»، والعَلاّمَة البروجردي، والسيّد جمال الگلپايگاني بالوجوب، وعدم جواز الإبطال، إلاّ مع اليأس عن التبديل بالعلم أو الظّن في الشكوك غير الصحيحة، أو البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة.

قلنا في جوابه أوّلاً: بأنّ وجوب اتيان الواجب الذي يحتمل حصول القدرة له حال الامتثال ، حكمٌ ثابتٌ عند الاُصوليّين والفقهاء، لوضوح أنّ القدرة ليست شرطاً في ملاكات الأحكام شرعاً، بل هي شرط في فعليّة التكليف على المكلّف؛ لأَنَّه من الواضح أنّ مصلحة إنقاذ الغريق لا تكون مشروطةً ومنوطةً بقدرة المكلّف على الإنقاذ، بل المصلحة موجودة مطلقاً، سواءٌ كان المكلّف قادراً على تحصيلها أم لا، و لذلك لابدّ من تحصيل الإنقاذ مع الاحتمال، إلاّ أن يكون له عذراً شرعيّاً من جهة علمه بعدم القدرة عليه، فحينئذٍ يكون معذوراً ، ولذلك لابدّ له من الإقدام وإعمال القدرة، فإن انكشف التمكّن فهو، و إلاّ كان معذوراً وليس للملكلف في مثل هذه الموارد إجراء أدلّة البراءة الموجب لفوات الغرض الواقعي.

هذا بخلاف الشكّ المأخوذ في الموضوع الذي له فيه إطلاق الأدلّة اللفظيّة، حيث تكون تلك الإطلاقات مؤمّنات للمكلّف حتّى للموارد التي يشكّ في وجود القدرة و توفّرها له في الامتثال، خصوصاً في مثل المقام الذي لم يذكر في الأخبار ما يستظهر منه وجوب التروّي، بل قد ادّعي بأنّه رغم أنّ الغالب حصول القدرة على الإتمام بعد التروّي، لكن رغم ذلك لم ترد اشارة الى ذلك في شيءٍ من الأخبار.

هذا كلّه بناءاً على عدم قبول ما قيل بأنّ جملة (لا يدري) أو (لم يعتدل وهمه على شيء) ، تدلّ على التروّي، كما ادّعاه السيّد الحكيم رحمه‌الله، وكلّ من قال بوجوب التروّي، و إلاّ يشكل الأخذ بالإطلاق كما لا يخفى.

وثانياً: قد يقال إنّ ما قيل من وجوب تحصيل الامتثال مع احتمال توفر القدرة بواسطة مطلوبيّة المصلحة مطلقاً، إنّما يكون فيما إذا لم يكن المكلف قاطعاً أو عالماً ـ كما في المقام ـ بأنَّه عاجزٌ فعلاً عن الإتمام مع أحد الوصفين من اليقين أو الظّن ، بل يحتمل تجدّد القدرة له فيما بعد، بخلاف المورد الذى قيل فيه بوجوب التحصيل مع احتمال القدرة، و هو إنّما يكون فيما إذا كان شاكّاً في القدرة الفعليّة، وأمّا إذا علم العجز فعلاً، واحتمل عروض القدرة لاحقاً، فلا مانع من إجراء استصحاب عدم القدرة، فهو عاجزٌ فعلاً وجداناً وفيما بعد تعبّداً بواسطة الاستصحاب وكفى به عذراً، وما نحن فيه من هذا القبيل.

هذا كما عن المحقّق الخوئي في «مستند العروة»[1] بتلخيصٍ منّا.

أقول: وعندنا في هذا الجواب تأمّلٌ؛ لوضوح عدم الفرق بين الشكّ في القدرة على الإتمام بأحد الوصفين هنا، وبين الشكّ في القدرة على الإنقاذ في الغريق حيث إنّ احتمال قدرته على الانقاذ، يوجب وجوب ذلك عليه حتّى يكشف له الواقع، هكذا هنا حيث يحتمل الإتمام بأحد الوصفين مع التروّي، فقبل التروّي كما يعلم أنَّه عاجز عن تعيين أحد الوصفين، كما كان الأمر كذلك فيمن يريد دخول الماء للإنقاذ بأَنَّه عاجز عنه فعلاً، لكن يحتمل تحقّقه بعد الدخول لتحصيل الانقاذ، فلو أجزنا إجراء الاستصحاب في عدم القدرة في المقام، لزم أن نقول بجواز إجرائه في مثل الإنقاذ أيضاً ، و التفريق بين الموردين في هذه الجهة مشكلٌ جدّاً.

و عليه، فالأحسن في الجواب هو الوجه الأوَّل، من جهة وجود الإطلاق اللّفظي الموجب لجواز الإبطال قبله كما لا يخفى .

هذا، إن لم نقل بما قاله السيّد الحكيم رحمه‌اللهمن استظهار لزوم التروّي اعتماداً على ما ورد في الحديث من قولهم عليهم‌السلام: (لا يدري)، و (لم يقع وَهْمهُ على شيء) و (اعتدل الوَهْم)، وإلاّ يخرج الحديث عن دلالته على الإطلاق ، فمع وجود هذه الشبهة ومع كون التروّي قبل الإبطال أوفق بالاحتياط، فلو لم نفت جزماً بذلك كان الأحوط هو هذا، ولا ينبغي ترك الاحتياط ، فليتأمّل.

قد يتوهّم: لزوم التروّي قبل الإبطال، لعدم صدق عنوان (الشّاك) عليه قبل التروّي، أي لا يطلق على الرجل الذي يعرض عليه الوهم أنَّه شاكّ إلاّ بعد التروّي و قبل أن ينتهى ترويّه إلى أحد الوصفين.

لكنّه واضح الفساد، إذ مقتضى هذه المقالة هو القول بجواز إدامة الصلاة والإتيان بالأفعال في حال التروّي، لأَنَّه لم يصدق عليه حينئذٍ الشاك في حال التروّي، مع أنّ المنع عن الإدامة مترتّبٌ على الشاك ، والحال أنَّه فاسد قطعاً.

وكيف كان، فلازم القول بعدم وجوب التروّي في الشكوك الغير الصحيحة، هو جواز البناء على الإتيان بالأفعال لو تذكّر وحصل له التنبّه قبل حصول المنافي منه، كالسكوت الطويل، أو فوات الموالاة ونحو ذلك ، كما يجوز له الإبطال لو لم يتذكّر قبل التروّي، لأجل تحقّق موضوع حكم الإعادة ، وفي الشكوك الصحيحة هو جواز البناء على الأكثر، وإتيان ما هو وظيفته فيه قبل التروّي أيضاً لتحقّق موضوع الحكم وهو الشكّ.

هذا بخلاف من قال إنّ جواز أحد العملين مشروطٌ بالتروّي، فلابدّ له من الانتظار والتفكّر أوّلاً، فإن لم يتذكّر جاز له اتّخاذ أحد العملين من الإعادة أو البناء على الأكثر في الأُولى والثانية.

 

موضوع: الفائدة الرابعة /حكم جواز الاستيناف مع الشكّ/

 

لو التزمنا بأنّ الشكّ بنفسه لا يكون مبطلاً كالحدث، بل الإعادة والاستيناف مترتبان على الشكّ المستمرّ المستقرّ، فحينئذٍ يأتي الكلام بأنّ صرف استقراره يكفي في جواز استيناف الصلاة، أم لابدّ له من حفظ استمراره حتّى يحصل له المُبطل من السكوت الطويل المخرج عن الصلاة، أو ما يصدق معه فوات الموالاة؟ فيه وجهان:

قد يقال بالثاني، بالنظر إلى ما ورد من قوله تعالى ﴿وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[2] النافي للابطال، مضافاً إلى وجود استصحاب حرمة قطع الصلاة عند الشكّ في جوازه، فلابدّ للمصلّي الشاك أن ينتظر حتّى يحصل له أحد المنافيات.

ولكنّه يندفع أوّلاً: بأَنَّه متّجهٌ لو لم يدلّ الدليل على جواز الاستيناف، وهو هنا موجودٌ و هي الإطلاقات، حيث علّق جواز إعادة الصلاة فيها بحصول الشكّ المستقرّ بقوله: (إذا شككت في الأُوليين فأعد)، حيث لم يرد في دليلٍ على تقييد هذا الإطلاق بكون جواز إعادته مشروطٌ بإتيان مبطلٍ آخر غير الشكّ المستقرّ، فيؤخذ به.

وثانياً: أنّ حرمة قطع الصلاة لو ثبتت بواسطة دليلٍ وأمارة، فلإجراء إطلاقه حال الشكّ في الجواز له وجه، وأمّا إذا لم يكن لها دليلٌ على ما قيل إلاّ الإجماع، فثبوته في المورد لولا الإطلاقات السابقة غير معلوم، بل معلوم العدم، لأنّ الإجماع لا يكون إلاّ في القدر المتيقّن، وهو هنا غير حال الشكّ، لأَنَّه دليل لبّي فيكتفى فيه على المتيقّن فقط، فلا يبقى هنا دليلٌ على المنع إلاّ استصحاب حرمة القطع، و هو كما هو معلومٌ دليل فقاهتي لا يجري هنا، لأجل وجود دليل اجتهادي متقدّم عليه في مقابله وهو إطلاقات الأخبار كما هو واضح.

وبذلك يظهر اندفاع شبهة اُخرى و هي: قيل بأنّ تجويز الاستيناف هنا قبل حصول مبطلٍ آخر ربّما يوجب وقوع افتتاح صلاة بلا أمرٍ، فيقع العمل فاسداً ومفسداً ، نظير ما قيل في مسألة ما لو كبّر ثانياً ونوى به الافتتاح، حيث يحتمل وقوع تكبير الثاني في أثناء الصلاة، فيكون فاسداً ومفسداً.

وجه ظهور الاندفاع: ما عرفت من دلالة صدر الخبر الدالّ على الترخيص باطلاقه على جواز الاستيناف عند حصول الشكّ المستمرّ، وتجويز رفع اليد عن الفرد الذي تلبّس به واختيار فرد آخر مصداقاً للامتثال لطبيعة الصلاة المأمور بها، فإذا أتى بفردٍ آخر وقع بجميع أجزائه موافقاً للمأمور به، لأنّ الأمر بالأجزاء منتزع من الأمر بالكلّ ، فما دام التكليف بالكلّ باقياً، تكون الأجزاء مأموراً بها، ولا يوجب التلبّس بفردٍ من أفراد المأمور به تعيّنه بالاختيار في مقام الامتثال ، فلو بدا له أن يختار فرداً آخر، جاز له ذلك له ما لم يرد دليلٌ على منعه، فضلاً عمّا ورد الدليل على تجويزه، بل المنع عن الإدامة كما لا يخفى.

فظهر من جميع ما بيّناه: قوّة جواز الإبطال بعد استقرار الشكّ، ولا يحتاج الإبطال اتيان إحدى المنافيات .

هذا كلّه كان بناءاً على القول بعدم وجوب التروّي، كما هو مختار المشهور، خصوصاً المُتأخِّرين منهم.

ثمّ يأتي الكلام على القول باستقرار الشكّ، بأَنَّه هل يجب عليه التروّي مضافاً إلى الاستقرار، أي هل يجب عليه أن يكون مترويّاً إلى أن يخرجه عن الصلاة مبطلٌ لها من السكوت الطويل، أو على فرض وجوب التروّي يكتفى منه مسمّاه عرفاً في أمثال ذلك مثلاً بدقيقة أو دقيقتين، فيجوز بعده إبطال الصلاة، ورفع اليد عنها، ولو لم يتحقّق منه فصلٌ طويل وسكوتٌ ممتدّ موجبٌ لفوات الموالاة ؟

أقول: لا يبعد كفاية الثاني، كما عليه صاحب «الجواهر»، وإن كان الأحوط هو الأوَّل.

 

موضوع: الفائدة الخامسة /في عدم جواز المضيّ في الصلاة مع الشكّ/

 

لو أوقع المصلّي الشّاك حال شكّه بعض الأفعال، مثل ما لو استمرّ في قراءة الفاتحة حال الشكّ، أو سجد سجدةً واحدة حال الشكّ، ثمّ زال شكّه و استقر فكره على شيءٍ معيّن صادف الواقع من الركعة بكونها من الأُولى أو الثانية مثلاً، فهل يوجب ذلك بطلان صلاته أم لا؟ فيه وجهان:

قد يقال: إنّه يحتمل البطلان وإن كان قد ظهر بأنّ ما أتى به كان موافقاً للمأمور به واقعاً؛ لأَنَّه فَعلَ ما لم يكن مأموراً به في الصلاة، لأنّ المفروض أنّ وظيفته بحسب لسان الأخبار هو التوقّف وعدم المضيّ في الأفعال.

وكونه في الواقع موافقاً مع عدم العلم به، غير نافعٍ في الحكم بالصحّة، لفوات الجزم في النيّة واستدامتها، مع أنّها تعدّ شرطاً في صحّة الأفعال.

واحتمال كفاية وجود النيّة الأوّلية إلى آخر الصلاة، بعيدة ، هذا ما ذكره صاحب «الجواهر»، بل قد نُسب إلى المشهور.

 


[1] مستند العروة للخوئي رحمه‌الله، ج6 / 207.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo