< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

93/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: الصورة الخامسة/ في الجلوس بين السجدتين/

 

وهي ما لو قام للركعة اللاّحقة، ثمّ عرض له الشكّ فيه، فهل يجب تداركه كما يتدارك السجدة المنسيّة أم لا؟ فيه احتمالان:

قد يقال: بالوجوب، لأجل البناء على الأصل، لأَنَّه يقتضي العدم.

وقد يقال: بالعدم، لأجل أنَّه شكٌّ بعد التجاوز عن المحلّ، لأَنَّه قد عرض عليه الشك في حال القيام، وهو انتقال عن موضع الشكّ، فلا يعتنى به ولا يلتفت اليه.

ولكن أُجيب عنه: أنَّه بعد الرجوع إلى المحلّ لتلافي السجدة، يرجع شكّه إلى الشكّ في المحلّ، فلابدّ أن يعتنى به.

ولكن مع ذلك قد يقال: بعدم الالتفات إلى مثل هذا الشكّ، للشك في شمول اطلاق الأدلة الدالّة على الالتفات حتّى لمثل هذا المحلّ المتدارك ويحكم بالاعتناء.

مضافاً إلى أنّ بعض أخبار الشكّ معلّل بعلّة تشمل المقام، وتستفاد منها عدم الاعتناء بالشك:

منها: ما ورد في مضمرة بُكير بن أعين، قال: «قلت له: الرجل يشك بعدما يتوضّأ؟ قال: هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك»[1] .

حيث يشمل اطلاقه المقام أيضاً، فلا يحتاج إلى الإتيان.

ولكن قد يقال: بأنّ قاعدة الشكّ بعد التجاوز عن المحلّ لا تجري هنا، لأنّها تجري فيما إذا تجاوز عنه بالدخول فيما هو مترتّبٌ عليه شرعاً، مثل ما لو دخل في السجدة الأخيرة، ثمّ شكّ بالنسبة إلى الجلسة، بأَنَّه هل فعلها أم لا؟ فيصدق عليه أنَّه شكّ بعد التجاوز، لأنّ السجدة الأخيرة هي المترتّبة شرعاً على الجلسة، هذا بخلاف مثل القيام الذي يعلم أنَّه وقع سهواً، وليس ممّا هو مترتّبٌ على الجلسة، و بالتالي يكون تطبيق قاعدة التجاوز فيه مشكلٌ جدّاً.

أقول: ولكن استفادة هذا القيد في صدق التجاوز جزماً من الدليل لا يخلو عن تأمّل، لا سيّما مع ملاحظة صدق التجاوز عرفاً لمثل الدخول في غير المترتّب أيضاً ، و عليه فإجراء القاعدة هنا لا يخلو عن وجه، خصوصاً إن قلنا بشمول عموم التعليل في حديث بُكير بن أعين لما نحن فيه،

ولكن رغم كلّ ما قيل في نفي القضاء، فإنّه لو قلنا بالإتيان قضيّةً للاحتياط كان حسناً.

فرعٌ: و ممّا ذكرنا آنفاً يظهر الحكم فيما لو رجع عن القيام إلى السجدة المنسيّة، ثمّ عرض له الشكّ أيضاً، بأَنَّه هل أتى بالسجدة أم لا؟ فمقتضى الأصل هو الإتيان، لكونه شكّاً في المحلّ، فيجب إتيانها، ومقتضى الوجه الثاني هو عدمه لكونه شكّاً بعد التجاوز عرفاً، لأَنَّه بالقيام خرج عن محلّه وإن كان قد رجع لكنّه جلوسٌ جديد.

و عليه، فالأحوط هو الإتيان كما عرفت بحسب مقتضى الأصل، والتشكيك في صدق التجاوز، كما لا يخفى.

ثمّ قد ذكر صاحب «الجواهر» هنا فرعاً آخر، وهو قوله: (ولو نسى الطمأنينة فيه خاصّة ، ففي تداركها بإعادته مطمئنّاً فيه وعدمه نظرٌ، كما تقدّم الكلام في نظائره فلاحظ وتأمّل) انتهى[2] .

قلنا: قد عرفت في المباحث السابقة في نسيان الطمأنينة في القيام والركوع والسجدة وأذكارها، أنّ مختارنا هو عدم الوجوب، وهنا أيضاً الحكم كذلك عندنا.

مضافاً إلى نقل قيام الاجماع عليه عن صاحب «الرياض»، و أيضاً شمول حديث لا تعاد للمورد، لأنّ نسيانها داخل تحت عموم المستثنى منه، فعدم إعادة الصلاة به مسلّمٌ، لكن السؤال هو أنّه هل يجب تداركها إذا كان محلّه باقياً أم لا؟

قد يقال: بالوجوب، تحصيلاً للقاعدة من لزوم تحصيل الترتيب في أجزاء الصلاة بإتيان الجلسة المطمئنّة.

ولكن يمكن أن يجاب عنه: بأنّ المفروض أنَّه قد أتى بأصل الجلسة، غاية الأمر بلا طمأنينة، فإثبات كون فَقْدها مستلزماً لوجوب التدارك، أو للبطلان لكونها شرطاً في صحّة الجلسة، يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

اللهمَّ إلاّ أن يُدّعى شمول عموم قوله: (إذا نسيت شيئاً من الصلاة)، الوارد في رواية ابن سنان له، فيدخل تحت حكم: (فاصنع الذي فاتك) ، فلابدّ من التدارك وإن لم تكن الصلاة باطلة.

ولكن يمكن أن يجاب عنه: بأنّ الظاهر من كلمة (شيئاً) هو الموارد الّتى مثّل بها من التكبير والركوع والسجود ممّا له وجود في الخارج بالأصالة، لا ممّا هو من العوارض كالطمأنينة ونحوها، فلزوم تدارك مثله أيضاً حتّى بإعادة أصل الجلسة يحتاج إلى دليل خاصٍ وهو مفقودٌ.

ولو شُكّ في وجوب ذلك، فالأصل يقتضي العدم، ولأجل ذلك قال صاحب «الجواهر»: (وفي وجوبه نظر)، وإن كان الاحتياط بإعادة الجلسة مطمئنّاً حسناً جدّاً.

قوله قدس‌سره: أو التشهّد، وذكر قبل أن يرجع رجع فتلافاه، ثمّ قام فأتى بما يلزم من قراءةٍ أو تسبيحٍ ثمّ ركع (1) .حكم نسيان التشهد

(1) وجوب تلافي التشهّد المنسيّ والقراءة أو التسبيح بعده ثابتٌ مطلقاً، لكن إذا تذكّر قبل الدخول في الركوع؛ أي سواءٌ كان بعد القيام أو القراءة أو التسبيح، أو بعد القيام وقبل القراءة أو التسبيح، إذ القراءة المأتيّ بها أو التسبيح قد وقعا في غير محلّه، لأنّ محلّهما كان بعد التشهّد، فلابدّ من تدارك التشهّد، وكلّ ما يلزم أن يكون بعده من القراءة أو التسبيح. والدليل على ذلك أُمور:

الأول: الإجماع كما ادّعاه في «الخلاف» و «المدارك» و «الغنية»، بل في «الرياض» بلا خلاف كما هو كذلك في «الجواهر» و «مصباح الفقيه».

الأمر الثاني: هو ما عرفت سابقاً من لزوم حفظ الترتيب والمطابقة بين المأمور به والمأتي به، تحصيلاً للامتثال، وهو لا يحصل إلاّ مع التلافي.

الأمر الثالث: دلالة الأخبار المستفيضة على ذلك:

منها: صحيح سليمان بن خالد، قال: «عن الرّجل نَسي أن يجلس في الرّكعتين الأُولتين؟

فقال: إنْ ذكر قبل أن يركع فليجلس، وإنْ لم يذكر حتّى يركع فليتمّ صلاته، حتّى إذا فرغ فليُسلّم ويَسجد سَجدتي السَّهو»[3] .

فإنّ جملة: (في الركعتين الأُولتين) دلالة على أنّ التشهّد المنسيّ كان في الصلوات الثلاثيّة أو الرباعيّة ، و أنّ المراد من التشهّد غير الأخير منها، كما تدلّ عليه أيضاً ما جاء في سياق الخبر من أنّ التذكّر كان قبل الركوع، ولذا حكمَ الإمام عليه‌السلامبالجلوس، فلابدّ من تدارك ما هو لازم بعد التشهّد من القراءة أو التسبيح تحصيلاً للترتيب الواجب تحقّقه في الصلاة.

مضافاً إلى أنَّه مقتضى استصحاب وجوب الترتيب، لو شكّ في وجوب تحصيله بعده، كما أنّ الأصل أيضاً يحكم بوجوب التلافي للتشهّد، ما دام كون المحلّ باقياً، فيمكن جعل ذلك دليلاً رابعاً في المسألة غير الأخبار.

نعم، لو استمرّ نسيانه للتشهّد حتّى ركع وتجاوز عن محلّ التدارك، فإنّه يكشف عن صحّة ما أتى به من القراءة أو التسبيح على التخيير بينهما في الركعتين الأخيرتين، إذ ليس لنا في الصلوات الثلاثيّة أو الرُّباعيّة من الإلزام بخصوص التسبيح فقط، على ما هو المشهور والمنصور من الفتاوى.

وبعبارة أوضح: بعد الدخول في الركوع، والتجاوز عن محلّ التدارك، يظهر أنّ اعتبار التشهّد في ما بين الركعتين يكون في غير هذا الفرض ، فالترتيب المعتبر بين الأجزاء للناسيّ الكذائي يحصل بلا تشهّد أيضاً، ثمّ يأتي قضاءه بعد الصلاة كما سيأتي البحث عنه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

و منها: الّذى مثل الخبر السابق في الدلالة بما قد عرفت، صحيح عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال:

«سألته عن الرجل يصلّي ركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع؟ فقال: إن كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلّم»[4] .

هذا على ما نقله الصدوق في «من لا يحضره الفقيه»، وأمّا على نقل الشيخ فلم يكن فيه جملة: (وهو قائم في الثالثة)، بل عبارته هكذا: (فقال يتمّ صلاته ثمّ يسلّم ويسجد سجدة السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم).

والظاهر عدم وجود جملة (حتّى يركع) في ناحية السؤال على نقل الصدوق، حتّى يكون تفصيل الامام بين التذكّر و عدمه في محلّه، الإمام بالصورتين، والله العالم.

ومنها: صحيح فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه‌السلام، قال: «في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما؟ قال: فليجلس ما لم يركع وقد تمّت صلاته، وإن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجدَ سجدَتي السهو وهو جالس»[5] .

بناءاً على أنّ المراد من (المنسيّ) هو التشهّد لا مجرد الجلوس؛ لوضوح أنَّه مع نسيان أصل الجلوس بعد الركعتين، يستلزم نسيان التشهّد أيضاً ، فالأمر بالرجوع والجلوس يكون لأجل التشهّد لا لمجرد الجلوس فقط ، فيصير الحديث من أدلّة الباب كما لا يخفى.

ومنها: حسنة الحلبي أو صحيحته، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «إذا قمتَ في الرّكعتين من الظهر ومن غيرها، ولم تتشهّد فيهما، فذكرت ذلك في الرّكعة الثالثة، قبل أن تركع، فاجلس وتشهّد وقُم فأتمّ صلاتك، وإن أنتَ لم تذكر حتّى تركع، فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»[6] .

ونحو هذه الأخبار ممّا يستفاد منها ذلك.

هذا كلّه في التشهّد المنسيّ في غير الأخير من الصلاة الثلاثيّة والرباعيّة.

 

موضوع: نسيان التشهّد الأخير في الثلاثية والرباعية

 

أو السجدة أو السجدتين يدور البحث فيما إذا نسى المصلّي التشهد الأخير أو السجدة أو السجدتين من الثلاثية و الرباعية، ثمّ تذكّر.

أمّا تذكّر السجدة الواحدة المنسيّة فعلى أقسام:

تارةً: يتذكّر إذا كان في أثناء التشهّد أنَّه قد نسى سجدة واحدة أو سجدتين، فلا إشكال في وجوب التدارك، لبقاء محلّ التدارك، من جهة عدم خروجه عن الصلاة، وعدم استلزام تداركها زيادة ركن، فمقتضى قاعدة وجوب الترتيب والتطابق هو لزوم التدارك.

و اُخرى: لو تذكّر نسيان السجدة أو السجدتين بعد إتمام التشهّد، و قبل التسليم، فهو أيضاً مثل سابقه من وجوب التدارك لبقاء محلّه، إذا قلنا بوجوب التسليم، وكونه من الصلاة كما عليه المشهور ، وأشار إِليه صاحب «الجواهر» بقوله: (بناءاً على وجوبه، وأنّه من الصلاة، بل وهكذا مع القول باستحباب التسليم، بناءاً على عدم مانعيّة مجرّد الفراغ عن الصلاة عن التلافي والرجوع، بل المانع عن الرجوع من الفراغ، هو وقوع فصل طويل أو إتيان ما يمنع كونه من الصلاة، من تحويل وجهه عن القبلة بما لا يجوز معه في الصلاة، أو إتيان فعلٍ كثير عرفاً كالحدث ونظائره، الموجب لصدق نقصان ركن في الصلاة بواسطة نسيان سجدتين، وعدم قابليّة تداركها أو فوت محلّه للتدارك فيقضي.

وثالثة: إذا كان التذكّر بعد التسليم، وقلنا بكفاية كونه مُخرجاً عن الصلاة، وصيرورة الصلاة الفاقدة للركن وهو السجدتان باطلة لو كان المنسي ذلك صحيحةً، ويأتي قضاءاً منفرداً لو كان المنسي هو السجدة الواحدة، كما في «الذكرى» و «المدارك» و «الرياض»، بل في الأخير: (إنّي لم أجد في الحكم خلافاً). وفي «الحدائق»: (أنّ ظاهر الأصحاب عدم الخلاف فيه).

فقد استدلّ لصحّة الصلاة لو كان المنسيّ هو السجدة الواحدة بعدّة أخبار:

منها: ما جاء في صحيح حكم بن حكيم، قال: «سألتُ أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة، أو سجدة، أو الشيء منهما، ثمّ يذكر بعد ذلك؟ فقال: يقضي ذلك بعينه ، فقلت: أيعيد الصلاة؟ قال: لا»[7] .

حيث حكم عليه‌السلام بالقضاء للسجدة المنسيّة و أمّا الصلاة فلا تعاد.

و منها: خبر صحيح العيص بن القاسم، قال: «سألتُ أبا عبدالله عليه‌السلامعن رجلٍ نسي ركعةً من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنـّه لم يركع؟ قال عليه‌السلام: يقوم فيركع ويسجد سجدتي السَّهو»[8] .

حيث حكم بالقيام وإتيان الركوع المنسيّ أو الركعة المنسيّة بعد الفراغ من الصلاة، أي بعد التسليم الذي وقع ساهياً.

أقول: نعم، اشتمل صحيح ابن سنان على حكم القضاء في الأجزاء المنسيّة، حيث جاء فيه ما نصّه: «إذا نسيتَ شيئاً من الصَّلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً، فاقض الذي فاتك سهواً»[9] .

فإنّه وإن أمكن التمسّك به لوجوب قضاء السجدة الواحدة، كما ورد في بعض أخبار أُخَر، إلاّ أنَّه يرد عليه بإيرادين:

أحدهما: أنّ إطلاق لفظ (سجوداً)، يشمل حتّى ما لو كان المنسيّ سجدتين ، مع أنَّه ممّا لا يصحّ فيها القضاء.

والثاني: كونه مشتملاً لحكم وجوب القضاء، فيما لو كان المنسيّ هو التكبير أو الركوع، مع أنَّه لم يلتزم الأصحاب فيهما وفي السجدتين بوجوب القضاء، بل حكموا بالبطلان، لأنّ فقدان الركن مستلزم لفساد الصلاة.

وأجابوا عنه بما في «الجواهر»: بأنّ اشتمالها لما لا يقول به الأصحاب كالتكبير والركوع، لا يوجب خروجها عن الحجّيّة بالنسبة إلى السجدة الواحدة، بل قيل إنّ إخراج ذلك لا يضرّ حتّى ولو كان الخارج أكثر من الداخل، لأنّ ما يقال من استهجان تخصيص الأكثر مختصٌّ بالعموم اللّغوي، مثل عموم الجمع المحلّى بالألف واللاّم، أو العموم المستفاد من الرواية بنحو الاستغراق، دون الإطلاق كما في المقام ، بل الاتّفاق واقَعٌ على جواز تقييد في المطلق حتّى و لو بقى تحته الواحد.

فلازم هذا الجواب هو إمكان الحكم بصحّة الصلاة، والإتيان بقضاء السجدة بعد الصلاة في خصوص السجدة الواحدة المنسيّة، دون غيرها ممّا هو مذكور في الرواية.

والحاصل: أنّ حكم صحّة الصلاة والإتيان بالقضاء في السجدة الواحدة المنسيّة، ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، والمسألة واضحة.

 

موضوع: حكم نسيان السجدتين ثم تذكره

 

يدور البحث فيما إذا وقع النسيان بالنسبة إلى السجدتين في الركعة الأخيرة، فقد يكون التذكّر تارةً في أثناء التشهّد، و أخرى بعد إتمام التشهّد قبل التسليم ، فلا إشكال في لزوم التدارك والتلافي، إذا فرض أنَّه لم يخرج عن الصلاة بإتمام التشهّد، و إلاّ إن قلنا بأنّ المخرج من الصلاة هو إتمام نفس التشهّد، فيوجب بطلان الصلاة في الفرض المذكور، لو قلنا بأنّ مجرّد الفراغ عن الصلاة مع كونها فاقدة للركن وهو السجدتان موجب لبطلانها.

ولكنّه لا يخلو عن إشكال، لما ورد من الأخبار الدالّة على أنّه من نسي ركعة حتّى فرغ من الصلاة قبل أن يأتي بالمنافي، فهو ملحقٌ حكماً بالصلاة و تكون صلاته صحيحة، ففي السجدتين تكون الصحة و اللّحوق بطريق أَوْلى، بل مع ملاحظة ذلك يلزم القول بصحة صلاته حتّى لو تذكّر نسيان السجدتين بعد التسليم، و قبل إتيان المنافي بعده من الحدث أو الاستدبار، لكن يجب عليه تدارك السجدتين؛ لأَنَّه إذا لم يأت بالمبطل عمداً أو سهواً، لم يعدّ خارجاً عن الصلاة ، خصوصاً إذا قلنا بأنّ السلام أيضاً من الصلاة، وأنّه واجب مع أنَّه لم يتحقّق خروجه عمّا إذا كان السلام مستحبّاً، ولم نقل بجزئيّة الصلاة؛ لأَنَّه أيضاً قد عرفت فيه الإشكال لإمكان القول بأنّ السلام المُخرج ليس هو مطلق التسليم، بل المخرج لو سلّمناه هو السلام الواقع في محلّه، والشاهد عليه ما عرفت من صحّة إلحاق الركعة المنسيّة بعد التسليم إلى باقي الركعات، وليس هذا إلاّ من جهة أنّ وقوع التسليم في غير محلّه غير مخرجٍ عن الصلاة، فإذا لم يخرج من الصلاة بالتسليم فقط من غير حدوث مبطلٍ آخر جاز منه تدارك السجدتين وإتيان سجدتي السهو للتشهّد والتسليم الزائدين.

أقول: وهذا الحكم هو الذي قرّره صاحب «الجواهر» حيث قال:

(نعم قد يقال هنا إن لم يكن إجماعٌ بوجوب التلافي لا القضاء (أي بالنسبة إلى السجدة الواحدة المنسيّة) لبقاء المحلّ ووقوع التسليم منه، لا يخرجه عن الصلاة، بل هو من قبيل من سلّم ساهياً في غير محلّه، بل قد يقال بوجوب التلافي ما دام باقياً على هيئة المصلّي، ولم يبطل الفصل، ولم يحصل ما يفسد الصلاة، وإن كان الفائت السجدتين، لتوقّف الخروج عن المحلّ على الشروع في ركنٍ آخر ولم يحصل، كما يرشد إلى ذلك حكم ناسي الركعة) ، انتهى محلّ الحاجة[10] .حكم نسيان السجدتين

ونحن نضيف الى هذا التقرير: أنَّه لا فرق حينئذٍ في وجوب تدارك السجدتين بين كون التسليم واجباً أو مستحبّاً ، كما لا فرق على هذا بين كون التسليم جزءاً من الصلاة أو خارجاً عنها، إذا لم يصدق عليه الفصل الطويل مع إتيان التسليم على الثلاث، كما هو الأمر كذلك عرفاً.

ولكن اعترض عليه: (بأنّ في لسان بعضٍ الدلالة على كون التسليم بمثل السلام علينا... انصراف عن الصلاة، أو التسليم في الصلاة و هو التحليل لها، وهما:

مثل: خبر أبي كهمس، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، قال: «سألته عن الركعتين الأُولتين إذا جلست فيهما للتشهّد، فقلت وأنا جالس: السَّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله‌ وبركاته، إنصراف هو؟ قال عليه‌السلام: لا، ولكن إذا قلت: السَّلام علينا وعلى عباد الله‌ الصالحين، فهو الانصراف»[11] .

وخبر فضل بن شاذان، عن الرِّضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون ، قال: «تحليل الصلاة التسليم»[12] .

ورواية الصدوق، قال: «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام: قال رسول الله‌ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: افتتاح الصَّلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»[13] .

وظاهر الجميع أنّ تحقّق الانصراف بالتسليم لخصوصيّةٍ فيه، لا لأَنَّه الجزء الأخير). انتهى ما في المستمسك[14] .

ثمّ أضاف إِليه: (ومثله ما ربّما يقال من إمكان استفادة حكم المقام ممّا ورد في نسيان الركعة، إذ لا قطع بعدم الفرق بين المسألتين، وإلحاق إحداهما بالاُخرى لا قرينة عليه، كما أنَّه لا مجال لمعارضة ذلك بإجراء صحيح (لا تعاد الصلاة)، بالنسبة إلى السلام لأنّ نقص الركن إنّما لزم من فعل السلام، فإذا جرى الحديث لنفي مخرجيّته لم يلزم فقد الركن ليترتّب البطلان.

إذ فيه أنّ الظاهر من الحديث، كونه مساقاً لنفي اعتبار ما يعتبر ـ وجوداً أو عدماً ـ في الصلاة، كأنْ يلزم من اعتباره الإعادة ، وليس اقتضاء فعل التسليم فوت الركن من جهة اعتبار عدمه أو وجوده، بل من جهة كونه مخرجاً شرعاً عن الصلاة ، وهذه الحيثيّة لم تكن ملحوظة في الحديث، كي يقال إنّه يلزم من مخرجيّة التسليم الإعادة، فتنفى كما لعلّه ظاهرٌ بأدنى تأمّل) انتهى ما في المستمسك[15] .

والتحقيق في المسألة أن يقال: إنّه لا إشكال بحسب دلالة الأخبار الواردة في كون التسليم بالجملة المعهودة دون السلام الأوَّل مخرجاً عن الصلاة ومفسداً لها، كما ورد أيضاً في مرسلة الصدوق مرويّاً عن الصادق عليه‌السلام:

«أفسدَ ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين، إلى أن قال: وبقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ـ يعني في التشهّد الأوَّل ـ »[16] .

وخبر ميسر، عن أبي جعفر عليه‌السلام، قال: «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم.. إلى أن قال: وقول الرجل: السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»[17] .

فإنّه في أيّ مورد وقع وتحقّق في الصلاة يكون موجباً للخروج عن الصلاة، وهو المراد من إفساد الصلاة حيث إنّه موجب لقطع الأجزاء عن الإلحاق ومانعيّته عنه، وإطلاقه يشمل صورتي العمد أو السهو، إلاّ أن يأتي دليل آخر يدلّ على خلاف ذلك ، وهو هنا موجود، وهو رواية عمّار في حديث، قال:

«سألتُ أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجلٍ صَلّى ثلاث ركعات، وهو يظنّ أنـّها أربع، فلمّا سَلَّم ذكر أنـّها ثلاث؟

قال عليه‌السلام: يبني على صلاته متى ما ذكر، ويُصلّي ركعة، ويتشهّد ويُسلِّم ويسجد سجدتي السَّهود، وقد جازت صلاته»[18] .

فإذا لوحظ هذه الرواية مع تلك الأخبار، يفهم أنّ تحقّق الانصراف يكون بالسلام، ومانعيّته عن إلحاق الأجزاء بعضها مع البعض إنّما يكون في حال العمد دون السهو.

واحتمال: الخصوصيّة في نسيان ركعةٍ مستقلّة فقط، حتّى يقال باختصاصه بالمورد حتّى يحتاج تعميمه و تسريته إلى غيره إلى قرينة كما قاله السيّد الحكيم.

ليس على ما ينبغي: لوضوح أنَّه لو كان الأمر كذلك، لكان الحَريّ أن يشير إِليه الامام ، أو يقيم القرينة لإفهام ذلك؛ لأنّ القواعد المصطلحة بين العلماء هو ملاحظة الإطلاق والتقييد بين الطائفتين من الأخبار ، فإذا لم يكن التسليم في غير محلّه مخرجاً عن الصلاة إذا وقع سهواً، فلازمه عدم خروجه من الصلاة، فإتيان السجدة المنسيّة إذا كانت واحدة يكون تداركاً وتلافياً لا قضاءاً، وكذا إتيان السجدتين يكون تداركاً وتلافياً في محلّه، ولم تكن الصلاة فاقدة للركن، كما لا يستلزم إتيانها خروجاً عن محلّها بالدخول في الركن، فتكون صلاته صحيحة وهو المطلوب.

أقول: نعم، يصحّ القضاء في الأُولى والبطلان في الثانية، إذا أتى بعد السلام بالمنافي، المستلزم لخروجه من الصلاة قطعاً في الأُولى وبطلانها في الثانية.

هذا كلّه مع الغضّ عن التمسّك بحديث (لا تعاد) الدّال بإطلاقه بأنّ كلّ ما يستلزم إتيان السلام سهواً، يعدّ أمراً موجباً للبطلان، ولو بلحاظ تحقّق صدق خروجه عن الصلاة، الموجب لانطباق فقدان الركن بواسطته دخوله في المستثنى منه وهو عدم الإعادة .

ودعوى عدم شموله لمثله كما عن الحكيم رحمه‌الله، دعوى بلا دليل وبرهان كما لا يخفى.

ولأجل ذلك قلنا: ـ كما عليه العَلاّمَة البروجردي ـ إنّ الأقوى الصحّة والإتيان بالسجدتين، ثمّ التشهّد والتسليم بعدها، وغايته الاحتياط في الإعادة بعد سجدة السهو تحصيلاً لليقين بالفراغ.

والشاهد على ما ادّعيناه: جواز التعدّي عن مورد النصّ في السهو بالسلام بين الثلاث والرباع، حيث حكم بالإلحاق إلى غيره وهو تطبيقه في سائر الركعات، بأن يسلّم بعد الركعتين أو بعد الركعة في الأُولى للثلاثيّات أو أزيد، والثانية في الثنائيّة، ولم يسمع من أحدٍ الحكم بالبطلان لأجل فقدان ركعة أو ركعات ، وليس ذلك إلاّ لأجل ما عرفت من الجمع بين الدليلين بالإطلاق والتقييد.

و عليه، فالالتزام بالبطلان جزماً بعيدٌ بل مخالفٌ للاحتياط؛ لأنّ الاحتياط يحكم بما ذكرنا من الرجوع وإتيان السجدتين، ثمّ التشهّد والتسليم و اتيان سجدتي السهو ثمّ الإعادة، كما لا يخفى على المتأمّل في المسألة .

ولا فرق فيما اخترناه بين كون التسليم واجباً أو مندوباً، كما لا فرق في ذلك كونه جزءاً للصلاة كما هو الأظهر، أو خارجاً في غير جهة الإلحاق، مثل ما لو وقع الحدث بعد التسليم، حيث إنّه لا يوجب بطلان الصلاة لأجل وقوع الحدث في أثناء الصلاة، و يكون المخرج حينئذٍ من جميع الجهات ـ حتّى من جهة الإلحاق وغيره ـ هو أحد أمورٍ مثل الحدث أو الاستدبار أو الفصل طويل، والجامع لذلك هو كلّ ما يوجب عمده وسهوه بطلان الصلاة، أو خصوص عمده كالتكلّم.

قد يقال: بالنقض بمثل وقوع الحدث بعد السلام و قبل وقوع منافٍ آخر مبطلٍ بناءً على افتراض كونه داخلاً في الصلاة، ولذا يجوز له جبران السجدة الواحدة بالتدارك والتلافي لا القضاء، كما يجوز ويجب عليه الإتيان بالسجدتين دون أن تكون الصلاة باطلة لأجل فقدان الركن، فيلزم الالتزام بالبطلان لوقوع الحدث في أثناء الصلاة، مع أنَّه ممّا لا يلتزم به أحد من الفقهاء؛ بل يقولون بأنّ الحدث واقع في خارج الصلاة، فكيف الجواب عن هذا النقض؟

و الجواب: أنّ السلام فيه جهتان:

جهةٌ: بأنّ إتيانه يوجب تحليل ما كان محرّماً بواسطة التكبير.

وجهة اُخرى: كونه مانعاً عن إلحاق بعض أجزاء الصلاة بها.

وهاتان الجهتان ثبتتا بواسطة الأخبار الدالّة على أنّ السلام انصراف عن الصلاة مطلقاً، سواءٌ وقع عمداً أو سهواً، فإذا ورد الدليل الثاني ـ وهو خبر عمّار الذي يدلّ على أنّ وقوعه سهواً لا يمنع عن الإلحاق ـ خرجت الجهة الثانية عن مفاد الدليل الأوَّل؛ يعني إذا سلّم سهواً لا يوجب سلامه هذا المنع عن الإلحاق، وأمّا تحقّق الجهة الاُخرى به و هو صدق التحليل به، بأن يجوز له فعل ما كان له حراماً من التكلّم وغيره بإتيانه سهواً، فلابدّ من إثباته بالدليل، وحيث إنّ دليل جواز الإلحاق لا يتصدّى إلاّ لإثبات أنَّه يجوز له ذلك، وبأنّ السلام في غير محلّه لا يمنع عن جواز ذلك ، وأمّا في سائر الجهات المترتّبة على السلام، فمترتّب عليها، ومنها وقوع الحدث إذا كان بعد إتمام الصلاة، فإنّه لا يوجب بطلان الصلاة التي قد تمّت باعتبار تحقّقها قبل الحدث وأنّ وجود الحدث، بعده لا يكون مؤثراً لما سبق وجوده عنه، لأَنَّه ليس في أثناء الصلاة حقيقةً، بل وقع في أثنائها تعبّداً في خصوص جواز الإلحاق، فتحريمه هنا تعبّدي لخصوص الإلحاق، فلا يكون ناقضاً لحكمنا هنا في هذه المسألة.

نعم، يصحّ القول بإبطال الحدث للصلاة إذا وقع السلام في أثناء الصلاة حقيقةً، مثل السلام الواقع في الركعة الثالثة ونحوها، حيث لم يتحقّق منه التحليل حقيقةً، وكونه واقعاً في الصلاة واقعاً، فالحدث فيه مبطلٌ للصلاة قطعاً ولا نقض.

و يتفرّع على ذلك: أنَّه على فرض قبول إمكان الإلحاق، وإتيان السجدة تداركاً لا قضاءاً ، أو جواز التدارك للسجدتين المنسيّتين، وعدم إبطال الصلاة لأجل فقدان الركن ، يقع السؤال عن أنّه هل يجب عليه ذلك، أي لا يجوز له إيقاع ما يوجب بطلان الصلاة من الحدث أو الاستدبار، حتّى يكون التدارك في كليهما واجباً ، أو يجوز له التدارك، لو لم يبطل الصلاة بما يوجب البطلان؟

الظاهر أنّ الأوَّل هو الأقوى، نظير السلام الواقع في الأثناء في الركعة الثالثة، لأنّ المفروض أنّ الشارع حكمَ فيه بكونه في الصلاة تعبّداً للإلحاق، فيجب عليه ذلك ، ولذلك ترى أنّ القائلين بوجوب التدارك يقولون بأنّ الأقوى هو الصحّة ووجوب الإلحاق على الأحوط، وهو المطلوب.

هذا تمام الكلام في التشهّد الأخير والتسليم، بالنظر إلى نسيان سجدة واحدة أو سجدتين من السجدة الأخيرة. حكم نسيان التشهد الأخير

 

موضوع: حكم نسيان التشهّد الأخير

 

يقع البحث عن نسيان التشهّد الأخير، وله أيضاً فروض متعدّدة:

تارةً: يفرض كون التذكّر قبل إتمام التسليم، ففي مثل هذه الصورة يكون حكم المسألة واضحاً من حيث لزوم التدارك والتلافي، لكون محلّه باقياً، حيث لم يتمّ السلام حتّى يكون قد خرج من الصلاة؛ لأنّه بحسب الفرض قد سلّم السلام الأوَّل الذي لم يكن مخرجاً عن الصلاة في العمد فضلاً عن السهو.

وأُخرى: إذا التذكّر بعد التسليم و قبل وقوع المنافي مثل الحدث أو الاستدبار، فلا إشكال حينئذٍ بأَنَّه لم يوجب ذلك إفساد الصلاة، لأنّ التشهّد ليس بركنٍ حتّى يوجب تركه البطلان، وأنّ السلام قد وقع في غير محلّه سهواً، فلا يخلو حينئذٍ من أحد أمرين:

إمّا القول بأنّ السلام في غير محلّه غير مخرجٍ، فلازمه أن يكون مستمراً في صلاته، فيتدارك التشهّد أداءاً أي كونه في حال الصلاة.

و إمّا القول بأَنَّه قد خرج عن الصلاة بهذا التسليم، كما هو كذلك بزعم المصلّي، فلازمه حينئذٍ ترك التشهّد في الصلاة، و الاتيان به قضاءاً و تكون صلاته صحيحة.

ومع التردّد في كونه قد خرج عن الصلاة قبل إتيان المنافي مع أنَّه سلامٌ في غير محلّه فيأتيه بالتلافي، أو يقال بالخروج هنا لأَنَّه كان في آخر الصلاة، وقد أتى به بما يعدّ تسليماً للصلاة، فيصير التشهّد بعد ذلك قضاءاً في خارج الصلاة:

فالأحوط هو إتيان التشهّد بما في ذمّته من الأداء أو القضاء، فتكون الصلاة حينئذٍ صحيحة بلا إشكال ، والذي يستشمّ من كلام صاحب «الجواهر» في هذا الفرض بقوله: (ويفعل قبل حصول ما يُنافي الصلاة من الحدث أو غيره)، هو التلافي والتدارك لا القضاء.

وثالثة: إذا كان تذكّره كان بعد التسليم ووقوع الحدث أو الاستدبار أو ما ينافي الصلاة، فالمعروف والمشهور هو صحّة الصلاة، ولزوم أن يأتي بالتشهّد قضاءً.

أقول: وهذا واضح على القول بوجوب التسليم، وكونه مخرجاً عنها ولو وقع في غير محلّه، لأَنَّه قد سلّم للفراغ وقد حصل به أو بالحدث ، فصلاته صحيحة، لكنه قد ترك ما ليس بركنٍ، فيدخل تحت الدليل الدّال على لزوم إتيان القضاء لو ترك التشهّد في الصلاة.

لكن خالف في ذلك الحلّي في سرائره، وصرّح بوجوب إعادة الصلاة، وقيل تأييداً لمختاره إنَّه متّجه على حسب مذهبه من كون التسليم مستحبّاً، فيكون الحدث حينئذٍ واقعاً في الأثناء، لعدم تحقّق المخرج، وبذلك يحصل الفرق:

بين التشهّد الأوَّل المنسيّ بإتيان القضاء له وإن حصل الحدث.

وبين هذا التشهّد حيث إنّه لم يخرج بعدُ عن الصلاة فوقع الحدث في الأثناء، ويوجب البطلان.

وقد اعترض عليه صاحب «الجواهر» بقوله: (ولولاه أمكن دعوى أنَّه لا تلازم بين القول باستحباب التسليم والفساد إذ الخروج يتحقّق حينئذٍ إمّا بالتسليم وإن قلنا باستحبابه ، أو بالحدث نفسه، أو بغير ذلك ، فيكون قد ترك ما لا يفسد تركه، إذا كان نسياناً، لعدم كونه ركناً. كما أنّ القائل بوجوب التسليم وأنّ به يتحقّق الخروج من الصلاة لو تركه نسياناً، فأحدثَ مثلاً، قد لا يلتزم بفساد الصلاة، فتأمّل)، انتهى كلامه[19] .

ولكن الأَوْلى في الجواب أن يُقال: بما قلنا في ترك السجدة أو السجدتين إذا تذكّر بعد التسليم، من إمكان القول بالتدارك وصحّة الصلاة، ما لم يقع ولم يحصل له ما يكون وجوده مبطلاً للصلاة ـ سهواً وعمداً، أو ما يبطلها عمداً لا سهواً ـ لأنّ التسليم بنفسه لا يعدّ مانعاً عن إلحاق المنسيّ بالأجزاء إذا تحقّق سهواً، فمادام لم يحصل ما يُخرجه عن الصلاة قهراً مطلقاً، عليه تدارك المنسي من السجدة الواحدة أو السجدتين أو التشهّد ، فإذا وقع وحصل المبطل بعد التسليم كالحدث مثلاً، يوجب ذلك خروج المنسي عن التدارك، فيترتّب عليه أثره وهو في السجدة الواحدة أو التشهّد القضاء ، وفي السجدتين البطلان، لحصول ترك الركن في الأخير، وتحقّق نسيان غير الركن من الأجزاء الذي وجب فيه القضاء في غير السجدتين.

وجه ذلك: أنّ وقوع الحدث بعد التسليم يوجب القطع بالخروج عن الصلاة، إمّا بالتسليم:

إن قلنا بأَنَّه مخرجٌ مطلقاً، سواءٌ وقع عمداً أو سهواً، إذا كان في آخر الصلاة.

أو يقال بعدم كون التسليم مخرجاً إذا وقع سهواً مطلقاً، أي سواءً وقع سهواً في أثناء الصلاة ووسطها، كما في ما بعد الركعة الثالثة، أو وقع في آخر الصلاة كما في المقام؛ لأَنَّه قد خرج عن الصلاة بوقوع الحدث بعد تماميّة الصلاة غير التشهّد، فإنّ تركه بذلك ليس إلاّ أنَّه قد ترك جزءً غير ركني غير مفسد للصلاة، فليس معناه أنّ الحدث واقعٌ في أثناء الصلاة حقيقةً، بل إنّه في الأثناء التعبّدي الموجب لعدم إمكان الإلحاق بواسطة وقوع الحدث فيه، فليست الصلاة حينئذٍ باطلة.

ولكن رغم كلّ ذلك يكون الاحتياط بإتيان القضاء للتشهّد والإعادة للصلاة حسناً جدّاً.

ومختار صاحب «الجواهر»: هو الفرق:

بين السجدة الواحدة المنسيّة والتشهّد المنسي بالقضاء بعد التسليم، وبين السجدتين المنسيّتين.

من الحكم بالقضاء فيها وإن كان قد قيل من وجه بالنسبة إلى السجدة الواحدة بالتلافي دون التشهّد، وبالنسبة إلى السجدتين بالإلحاق تعبّداً كالركعة الثالثة، ولم تكن الصلاة فاسدة، لأجل أنّ التسليم قد وقع في محلّه، باعتبار كونه بعد الركعة الرابعة مثلاً.

هذا إذا كان التذكّر بعد التسليم وقبل الحدث.

وأمّا لو كان بعده فيحكم بالقضاء فيهما بلا إعادة للصلاة وفي السجدتين بإعادتها.

مختارنا: عدم الفرق في إمكان الإلحاق بالتسليم قبل الحدث في الموارد الثلاثة، لأنّ المستفاد من حديث عمّار إمكان الإلحاق في التسليم الواقع في غير محلّه ولو بعد الرابعة مطلقاً، إذا كان التذكّر بعد التسليم قبل الحدث، وإن كان بعد الحدث، فإنّه يحكم بالبطلان في السجدتين والقضاء في غيرهما، لتحقّق الخروج عن الصلاة حقيقةً بواسطة الحدث، لو قلنا بعدم خروجه بالتسليم، ولا يوجب وقوع الحدث بعد إتمام الركعة الرابعة كون الحدث في أثناء الصلاة حقيقةً، كما هو كذلك في الركعة الثالثة، وإن كان وقوعه في الأثناء تعبّداً متحقّقاً بالنسبة إلى عدم إمكان الإلحاق حينئذٍ.

أقول: وكيف كان، إذا تحقّق الخروج عن الصلاة بالتسليم أو الحدث، سواءٌ قد نسى التشهّد أم غيره، وجب عليه قضاؤه وإتيانه بعد الصلاة؛ لدلالة الأخبار المستفيضة على القضاء:

منها: صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه‌السلام: «في الرّجل يُحدث بعد أنْ يرفع رأسه من السّجدة الأخيرة، وقبل أنْ يتشهّد؟

قال: ينصرف ويتوضّأ، فإنْ شاء رجع إلى المسجد، وإنْ شاءَ ففي بيته، وإنْ شاءَ حيث شاء قَعَد فيتشهّد ثمّ يُسلِّم، وإنْ كان الحَدَث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته»[20] .

 


[1] الوسائل، ج1، الباب42 من أبواب الوضوء، الحديث 7.
[2] الجواهر، ج12 / 286.
[3] تهذيب الأحكام : ج2 / 158 ح76، الوسائل، ج4، الباب7 من أبواب التشهّد، الحديث 3.
[4] الوسائل، ج4، الباب7 من أبواب التشهّد، الحديث 4.
[5] الوسائل، ج4، الباب9 من أبواب التشهّد، الحديث 1.
[6] تهذيب الأحكام : ج2 / 344 ح17، الوسائل، ج4، الباب9 من أبواب التشهّد، الحديث 3.
[7] الوسائل، ج4، الباب13 من أبواب التشهّد، الحديث 6.
[8] تهذيب الأحكام: ج2/149 ح44، الوسائل، ج4، الباب13 من أبواب التشهّد، الحديث 8.
[9] من لا يحضره الفقيه: ج1 / 346 ح1007، الوسائل، ج5، الباب23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 7.
[10] الجواهر، ج12 / 287.
[11] تهذيب الأحكام: ج2/316 ح148، الوسائل، ج4، الباب4 من أبواب التسليم، الحديث 2.
[12] عيون أخبار الرضا عليه‌السلام: ج2 / 123 ح1. الوسائل، ج4، الباب1 من أبواب التسليم، الحديث 12.
[13] الكافي: ج3 / 69 ح2، الوسائل، ج4، الباب1 من أبواب التسليم، الحديث 12.
[14] المستمسك للحكيم، ج7 / ص403.
[15] المستمسك، ج7 / 403.
[16] و 3 الوسائل، ج4، الباب12 من أبواب التشهّد، الحديث 2 و 1.
[17]  .
[18] الوسائل، ج5، الباب3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 14، التهذيب: ج2 / 353 باب16 ح54.
[19] الجواهر، ج12 / 289.
[20] تهذيب الأحكام: ج2/318 ح157، الوسائل ج4، الباب13 من أبواب التشهّد، الحديث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo