< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سید‌محمدجواد علوی‌بروجردی

98/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

فروع جواز تكرار الصّلاة جماعةً

الفرع الأوّل: ذكر أكثر أصحاب التأليف ومنهم صاحب «الجواهر»؛ وبأنّه لو صلّى اثنان فرادى، ثمّ أرادا إعادة الصلاة جماعةً، فقد منع كثيرٌ منهم عنها، مستدلّين على ذلک بأنّه خارج عمّا تدلّ عليه النصوص من جواز الجماعة، ونحن نقبل ذلک منهم بما سبق ذكره من الوجوه، فضلاً عن أنّ الاحتياط حسنٌ على كلّ حال، لا سيّما في العبادات والفرائض.

الفرع الثاني : لا فرق في جواز تكرار الجماعة وعدمه على القولين، بين كون الصلاة أدائيّة أو قضائيّة، وبين توافق صلاة المأموم وصلاة الإمام وتخالفهما، سواءٌ كان في الأداء كالظّهر والعصر أو في القضاء، كما لا فرق في الجواز وعدمه بين كون المصلِّي إماماً أو مأموماً.

خلافاً لبعض الفقهاء من التفصيل: بين ما لو كان في الجماعة الأُولى إماماً، وفي الثانية مأموماً فلا يجوز، دون عكسه وهو بأن يكون في الجماعة الأُولى مأموماً وفي الثانية إماماً، فيجوز نظراً إلى كون الصّلاة المعادة أكمل، فيمكن حينئذٍ استفادة شرعيّتها من قوله فيما أرسله الصدوق، ثانياً إنّه: «يُحسب له أفضلهما وأتمّهما» .

 

الفرع الثالث: في كيفيّة قصد الوجه في الصّلاة المعادة، فهل عليه أن ينوي بها الندب، أم يجوز له نيّة الفرض والوجوب؟ فيه وجهان بل قولان :

ظاهر الأكثر هو الأوّل، وإن كان القائلين بالثاني أيضاً كثيراً، فلا بأس بذكر كُتبهم؛

أمّا القول الأوّل: فهو الصادر عن «السرائر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«البيان» و«المدارک» و«الذخيرة» و«الكفاية» و«المبسوط» و«نهاية الأحكام» و«مجمع الفائدة والبرهان»، بل عن حاشية «المدارک» للاُستاذ حكاية روايتين عن «غوالي اللالي»، ومراده الرواية التى جاء فيها قوله: (إنّها لک نافلة) . وفي أُخرى :

(اجعلها تسبيحاً) . وقال صاحب «الجواهر»: (هو أحوط وأقوى).

 

القول الثاني: هو الّذى تبنّاه صاحب «الذكرى» و«الدروس» و«حواشي الشهيد» و«الموجز» و«الرياض» و«المسالک» و«فوائد الشرائع»، بل قد يستظهر من كلام المحقّق الهمداني ميله إلى هذا القول، مع توجيهٍ خاص لا يخلو عن جودة، كما سيظهر لک إن شاء اللّه.

دليل القول الثاني: استدلّ القائلون بالقول الثاني، بما جاء في الرواية الصحيحة الّتى رواها هشام، قال: «يصلّي معهم، ويجعلها الفريضة إن شاء» . ومثلها رواية حفص بن البختري، في قوله: «يصلِّي معهم ويجعلها الفريضة»[1] . بل وكذا ما جاء في خبر أبي بصير: «صلِّ معهم يختار اللّه أحبّهما إليه»[2] . وكذا مرسل الصدوق، حيث جاء فيها: «ورُوي أنّه يحسب له أفضلهما وأحبّهما». أو على نقلٍ آخر أنّه روي: «أنّه يُحسب له أفضلهما وأتمّهما»[3] . إذ من الواضح أَنَّ الأفضل والأتمّ والأحَبّ هي الجماعة، فتصير هي الفريضة.

فعلى هذا يصحّ كلام الشهيد الثاني في «الروض»، حيث قال: (وأُولى الصلاتين أو الصلوات هي فريضةً، فينوي بالباقي النّدب، لامتثاله المأمور به على وجهه، فيخرج من العهدة، ولو نوى الفرض في الجميع جاز لرواية هشام بن سالم)، ثمّ نقل الروايات التي نقلناها.

دليل القول الأوّل: ولكن القائلين بالقول الأوّل، أجابوا عن أدلّه القائلين بالقول الثاني، وهما الشهيدان، وقد جمعها الشيخ الأنصارى بقوله: (وفيه نظرٌ، لأنَّ الفعل الأوّل قد وقع على جهة الوجوب، مستجمعاً لشرائط إسقاط الواجب، فلا يعقل نفي الوجوب عنه، ولا وجوبٍ آخر حتّى يقع الفعل الثاني عليه).

أقول: وحاول المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» توجيه كلامه، قال : (المراد من نيّة الفرض على وجه التوصيف، بأن يقصد كون هذا الَّذي يأتي به هو الَّذي يسقط به امتثال الأمر السابق، ولا عيب في ذلک بعد إذن الشارع ورخصته، في أن يجعلها الفريضة إن شاء، كما في مصحّحتي حفص وهشام بن سالم، وأخبار بأنّه (يختار اللّه أحبّهما)، كما جاء في رواية أبي بصير، أو (أفضلهما وأتمّهما) كما في ثالث مُرسَل... الى آخره).

فأجاب عنه بقوله: (أقول: توجيه القول المزبور بما ذُكر لا يخلو عن بُعد، لأنَّ نيّة الفرض على هذا الوجه من مقوّمات مفهوم الإعادة، التي تطابقت الفتاوى والنصوص على استحبابها، فلو كان هذا مراد القائلين بجواز نيّة الفرض، لكان الأَوْلى لهم الاستدلال بموثّقة عمّار ، الّتي وقع فيها التصريح بجواز إعادة

الفريضة، كما لا يخفى).

أقول: وكلامه في الاستبعاد عنه متين جِدّاً؛ لوضوح أَنَّ القائلين بكون الفريضة هي الأُولى، كان في قبال القائلين بكون الفريضة هي الثانية، ولذلک ترى دعوى الاستحالة في تغييرها كما لا يخفى.

والذي يخطر بالبال بالنظر إلى روايَتي هشام وحفص في قوله: (ويجعلها فريضة)، هو كون المسقط للأمر عبارة عن الصّلاة الّتي يأتي بها ثانياً دون الأُولى، وكلمة: (يجعلها) ليس المراد منها جعل نفس المصلّي ذلک، بل المراد منها الحكاية عن وقوع الثانية فريضةً دون الأُولى، والإخبار بها، كما يؤيّد هذا المعنى قوله : (يختار أحبّهما) أو (أفضلهما) أو (أتمّهما)، حيث إنّ اللّه تبارک وتعالى عالمٌ مطّلع على أفعال عباده من الإتيان بالعمل ثانياً، وحيث إنّه لم يأت به في الوقت إذا كان باقياً، فيكون المسقط للأمر حينئذٍ هو العمل الَّذي أتى به أوّلاً، فلا يبقى حينئذٍ لجملة (يختار أحبّهما) مورداً، بخلاف ما لو قام بالصّلاة ثانياً في الوقت، فينطبق عليها حينئذٍ تلک الجملات الثلاث، ويصير المسقط حينئذٍ هو العمل الثاني، الَّذي هو أكمل وأتمّ من الأوّل، وهذا أمر عرفيٌّ يحسن التعبير به، ولا يكون مجازاً.

هذا بحسب الواقع، بالنظر إلى علم الباري تعالى.

وأمّا بالنظر الى مقوّمات الصناعة الفقهية، فالصحيح أن يقال: دعوانا إنَّ إتيان العمل في المرحلة الأُولى يكون مراعاً مراعى ومعلّقاً على عدم الإتيان به ثانياً، فيكون المسقط حينئذٍ هو العمل المأتى به في الأوّل، و إِلاَّ فيكون المسقط هو الثاني الَّذي يعدّ أكمل، ولا يستلزم منه استحالة، لعدم ما يستلزم ذلک من التعبير في الأمر المتحقّق عمّا هو عليه، فالمسقط حقيقةً فيمن يأتي بعملين هو الثاني دون الأوّل كما لا يخفى.

وما ذكرنا من توجيه العبارة حسن جيّد، وحيث قمنا باستعمال الألفاظ المذكورة في الأخبار في معناها الحقيقي، دون أن يستلزم ذلک أمراً غير معقول كما ادُّعي، واللّه هو العالم.

الفرع الرابع : ونذكر فيه الجواب عن بعض ما جاء في الأخبار، من أنّ المعادة تكون الّتى ورد ذكرها في كتاب «غوالي اللئالي» (لک نافلة) أو (اجعلها تسبيحاً)، فتعارض مع ما جاء في روايَتي هشام وحفص. ومن المعلوم عدم قدرة مقاومة هذين مع الصحيحتين من حيث السند، فلابدَّ فيهما من التأويل، حتّى يخرج عن التعارض كما لا يخفى.

حلّ المشكلة أولاً: ومن خلال ما ذكرنا في توجيه الصحيحين، من كون المراد من (الفريضة) هي الثانية وليست الأُولى ينحلّ الإشكال الَّذي ذكره الشهيد في «الحواشي»، من أنّه لو تبيّن كون الأُولى كانت فاسدة، فلا يضرّ بمطلبنا، لكون الفريضة حينئذٍ هي الثانية دون الأُولى، كما لا يخفى.

وثانياً: يمكن أن يقال بمقالة المحقّق الهمداني، فلا بأس بذكرها تتميماً للمطلب، حيث قال ما نصّه: (الثالث: مقتضى ما أشرنا إليه من اتّحاد الفريضة ومعاداتها ذاتاً ـ حصول الإجزاء بفعل المعادة، عند انكشاف فساد الأُولى، ووقوعها فريضة وإن أتى بها بنيّة الندب، كما يُومي إليه قوله(ع): «يختار اللّه أحبّهما إليه». وقصد الندبيّة غير قادحٍ في صحّة الفعل، ووقوعه امتثالاً للأمر الوجوبي المتعلّق به، بعد فرض وحدة الطبيعة وحصولها بقصد الإطاعة، وإن أخطأَ في تشخيص طلبها، خصوصاً إذا كان خطؤه ناشئاً من توهّم خروجه عن عهدة الطلب الإلزامي المتعلّق، به كما فيما نحن فيه...) إلى آخره[4] .

 

قلنا: لا يخفى على المتأمِّل بأنّ جواب الثاني مبنيٌّ على فرض قبول كون الأُولى فريضة، ثمّ انكشف الفساد لأجل قبول وحدة الطبيعة في المرحلتين، فما أتى بصورة الندب في الثانية غير قادحٍ كما لا يخفى.

 


[1] الوسائل، الباب54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث (ص). ونصّ الرواية هكذا: قال :«سألتُ أبا عبداللّه(ع) عن الرجل يصلِّي الفريضة ثمّ يجد قوماً يصلّون جماعة، أيجوز له أنيعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم، وهو أفضل. قلت: فإن لم يفعل؟ قال: ليس به بأس».
[2] مصباح الفقيه، ج16 / 232.
[3] و (2) الوسائل، الباب35 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3 و 2.
[4] و (2) الوسائل، الباب35 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4 و 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo