< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد عبدالله احمدی‌شاهرودی

1401/12/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأمارات/حجیة مطلق الظن/نتیجة مقدمات الانسداد کانت حجیة الظن بالطریق او الواقع او بهما؟

 

ثم ان المحقق الاصفهانی (قدس سره) قال فی الصورة الثانیة من الصور الاربعة فی مقام جعل الاحکام بما حاصله هو ان جعل الحکم بتعداد آراء المجتهدین و ظنونهم یستحیل اذا کان جعل الحکم علی نحو القضیة الحقیقیة و الوجه فیه هو ان المولی اذا قال بانی قد جعلت الوجوب فیما اذا کان المجتهد عالما به فان الوصف لما کان ماخوذا فی موضوع الحکم فهو متقدم علیه و لما کان الوصف من الاوصاف العارضة علی الحکم لان وصف العلم عارض للحکم فهو کان متاخرا عنه تاخر العارض عن معروضه و بالتالی یلزم ان یکون المتقدم الطبعی، متاخرا طبعیا و هذا محال و ینبغی لتوضیح مقالة المحقق الاصفهانی (قدس سره) فی المقام التحقیق فی القضیة الخارجیة و الحقیقیة.

تحقيق حول القضية الحقيقية و القضية الخارجية:

ان للقضية الخارجية تعريفين مختلفين في كلمات المناطقة و ينبغي التعرض إليهما في المقام:

التعريف الاول (ما ذکر في منطق المظفر و لعله کان هو المشهور بین المناطقة): القضية الخارجية هي القضية التي يترتب الحكم فيها على الأفراد المحققة الوجود في أحد الأزمنة الثلاثة و هذا بخلاف القضية الحقيقية لأنها عبارة عن القضية التي يترتب الحكم فيها على الأفراد المحققة الوجود و المقدرة الوجود معا فكل شیئ يفرض وجوده فی الخارج فهو داخل في الموضوع و ان لم یوجد و لن یوجد فی الخارج اصلا مثلا اذا كانت قضية كل إنسان حيوان ناطق قضية حقيقية فيدخل في موضوع هذه القضية أى الإنسان جميع ما يصدق عليه الإنسان في الخارج حقيقة و جميع ما يفرض كونه انسانا مثل الشجر و الحجر و المدر و غيرها من الأشياء و من هنا قيل في تعريف القضية الحقيقية بأنها قضية تشمل الموضوع المحقق الوجود و الموضوع المقدر الوجود أى الموضوع الذي لم يتحقق في الخارج أصلا.

التعريف الثاني (ما ذكره المحقق النائيني و السيد المحقق الخوئي):

القضية الخارجية هي كل قضية يكون موضوعها امرا خارجياً خاصاً كان أو عاماً فالأوّل في التكليفيات كقول المولى لعبده اسقني هذا الماء و في غيرها مات زيد و الثاني في التكليفات كقول المولى أكرم كل من في داري إذا أراد به الأشخاص الموجودة في الدار فعلا و في غيرها قتل من في العسكر.

أقول: ان قلنا في تعريف القضية الخارجية بأنها قضية يترتب الحكم فيها على الأفراد المحققة الوجود في أحد الأزمنة الثلاثة فلا دليل حينئذ على قول المحقق النائيني و السيد الخوئي حيث قالا: بأن جل الأحكام الشرعیة مجعولة على نهج القضايا الحقيقية و لا يوجد مصداق للحكم المجعول على نحو القضية الخارجية في الاحکام الفرعیة العملیة بل الصحیح هو أن نقول بأن جعل الأحكام على نهج القضية الحقيقة یکون لغوا محضا لأن جعل الحكم على الموضوع المقدر الوجود أى الموضوع الفرضي غير الممكن تحققه خارجا یکون لغوا و ان قلت: بان اطلاق الخطابات کان لغوا فی هذا التقدیر و لیست للاطلاق المؤونة الزائدة و لذا لایکون قبیحا علی المولی فقلنا: باننا قد ذکرنا مرارا ان الظهور کالاطلاق او العموم اذا لم یکن له اثر عملی فلایمکن کشف الامضاء عن عدم ردعه و لذا لم نتمکن من الحکم بحجیته و علی ضوء ما ذکرناه یظهر بانه لا دلیل علی ان الاحکام مجعولة علی نهج القضایا الحقیقیة بل الاحکام مجعولة علی نهج القضایا الخارجیة و یمکن تصویر الجعل علی نحوین: الاول: ان یکون الجعل و المجعول متعددا و الثانی: ان یکون الجعل واحدا و المجعول متعددا کأن یجعل الحکم بخطاب واحد علی الافراد المحققة فی احد الازمنة فان الجعل واحد و لکن المجعول قد انحل بتعداد کل فرد من افراد المکلفین و الظاهر هو ان الاحکام قد جعلت علی هذا النحو فقد تحصل مما ذکرناه: أن المحقق النائيني اذا أخذ بالتعريف الأول من القضية الخارجية فلا بد له من الالتزام بكون الأحكام مجعولة على نهج القضايا الخارجية لأن جعل الأحكام بنحو القضية الحقيقية یکون لغوا و لا دليل عليه و بعد ان عرفت هذه المقدمة نعود الی کلام المحقق الاصفهانی (قدس سره) فنقول بانه لامحذور فی جعل الحکم الموافق مع رأی المجتهد حتی لو افترضنا بان الحکم جعل علی نهج القضیة الحقیقیة و الوجه فیه هو ما تقدم منا من ان المولی قد یجعل الحکم علی العالم به ثبوتا و لکنه لم یظهر ذلک فی مقام الاثبات بل اخفاه حتی یتمکن المکلف من العلم بالحکم.

ثم ان المحقق الاصفهانی (قدس سره) قال فی الفرق بین القسم الثانی و القسم الثالث من الاقسام الاربعة المتصورة فی مقام جعل الاحکام بما حاصله هو ان الحکم من الاول لم یجعل علی خلاف طریق من الطرق فی القسم الثانی حیث ان المولی قد جعل الحکم قبلا بتعداد آراء المجتهدین و ظنونهم و لکن الحکم فی القسم الثالث قد جعل مخالفا لما ادی الیه الطریق لکنه سقط من اصله بقیام الطریق علی خلافه فان جعل الحکم المخالف اذا کان بنحو القضیة الخارجیة لم یتوهم فیه محذور الدور او الخلف لانه لیس تصویبا حدوثیا بل کان تصویبا بقائیا حیث ان الوجوب او الحرمة مثلا قد جعل لکل الافراد المحققة فی احد الازمنة غایة الامر ان الامارة اذا قامت علی خلافها فان الحکم یتبدل بقائا فی اللوح المحفوظ بما تقتضیه الامارة و لذا ان التصویب لیس بحدوثی.

نعم ان جعل الحکم المخالف اذا کان بنحو القضیة الحقیقیة فالتصویب یرجع الی التصویب الحدوثی فی الحقیقة و الوجه فیه هو ان المولی اذا جعل الحکم بنحو القضیة الحقیقیة فعلیه ان یقید خطابه بقید مثل ان یقول: بانی قد جعلت الحرمة فی حق فلان الا اذا انتهی رأیه الی الوجوب مثلا فان الامارة اذا قامت علی الوجوب فالحکم المجعول المخالف للامارة سقط من رأسه و قد یعلم من قیام الامارة علی الوجوب ان الوجوب کان هو الحکم المجعول فی حقه من اول الامر لان المولی قد قید الحکم ای الحرمة بعدم قیام الامارة علی خلاف و اذا انتفی القید انتفی المقید ای الحکم من اول الامر و بهذا البیان صار التصویب حدوثیا و داخلا فی القسم الاول.

مناقشة الاستاذ (دام ظله) فی کلام المحقق الاصفهانی:

ان هذا الکلام من المحقق الاصفهانی (قدس سره) غیر تام و الوجه فیه هو ان المولی یتمکن من ان یقید بقاء الحکم بقید عدم قیام الامارة علی الخلاف بان یقول: انی قد جعلت الحرمة فی حق فلان و ان بقاء هذا الحکم فی حقه مشروط بعدم قیام الامارة علی الخلاف و بهذا البیان کان بقاء الحکم منتفیا بعد قیام الامارة علی الخلاف لا حدوثه و لذا کان التصویب بقائیا و لایدخل فی القسم الاول و ینبغی لتوضیح المناقشة فی المقام ذکر تنظیر و هو ان المحقق الآخوند (قدس سره) قد قال فی الکفایة فی مبحث الجمع بین الحکم الواقعی و الحکم الظاهری بان الحکم الفعلی هو التکلیف الواقعی الذی کان علی صفة و نحو لو علم به المکلف لتنجز علیه مع ان ظاهر هذه العبارة من المحقق الآخوند (قدس سره) واضح الاشکال لانه یقتضی التنجز فی ظرف العلم بالحکم بحیث لو لم یعلم به لم یصر التکلیف فعلیا فی حق المکلف و منجزا علیه و مقتضی هذه العبارة هو ان المکلف لو لم يحصِّل العلم بالواقع فلا یکون فی حقه تکلیف فعلی اصلا مع ان هذا اللازم غیر قابل الالتزام و لذا قد عدل المحقق الآخوند (قدس سره) عن هذا التعبیر و قال: و کونه فعلیا انما یوجب البعث او الزجر فی النفس النبویة او الولویة فیما اذا لم ینقدح فیها الاذن لأجل مصلحة فیه و قال شیخنا الاستاذ المیرزا جواد التبریزی (قدس سره) فی مقام توضیح هذه العبارة بما حاصله هو ان التکلیف فعلی حدوثا و لکن فعلیته بقائا متوقفة علی عدم الظفر بما دل علی الالزام مثلا ان وجوب صلاة الجمعة بنائا علی ثبوته فعلی فی حق المکلف الا اذا فحص و لم یظفر بما دل علی الوجوب فحینئذ یجوز له ان یجری البرائة عنه فان بقاء الفعلیة مشروط و مقید بعدم الترخیص علی الخلاف لا حدوثها و ان قلت: بان هذا الاشکال لایرد علی عبارة المحقق الآخوند (قدس سره) حیث ان المکلف لو شک فی ثبوت الترخیص من قبل الشارع قبل الفحص فهو یجری استصحاب عدم ثبوت الترخیص و عدم الاذن فی ارتکاب الخلاف و مع وجود هذا الاستصحاب الذی یعد اصلا حاکما لاتصل النوبة الی البرائة عن التکلیف و بذلک لم یثبت الترخیص و الاذن فی ارتکاب الخلاف بل التکلیف کان فعلیا و منجزا علیه فمع وجود هذا الاستصحاب لم یجوز اجراء البرائة قبل الفحص و لذا ان ما اورد علی عبارة المحقق الآخوند (قدس سره) غیر تام بعد وجود هذا الاستصحاب فقلنا: بان الاستصحاب لتصحیح هذه العبارة منه و ان کان نافعا الا ان هنا عبارة اخری فی الکفایة یصعب تصحیحها و هو ما نقلناه عن المحقق الآخوند (قدس سره) آنفا و الیک نصه: کونه فعلیا انما یوجب البعث او الزجر فی النفس النبویة او الولویة فیما اذا لم ینقدح فیها الاذن لأجل مصلحة فیه. فان المحقق الآخوند قد علق فعلیة التکلیف و تنجزه علی عدم الترخیص من الشارع مع انه قد یلزم من ذلک عدم بلوغ التکلیف الی مرتبة الفعلیة و التنجز قبل الفحص عن الادلة فیما اذا کان هنا الزام واقعی و ترخیص ظاهری و ینبغی لتوضیح الاشکال التعرض الی کبری و حاصلها هو ان الدعاء عند الرؤیة لو کان واجبا واقعا و المکلف شک فی وجوبه قبل الفحص مع انه لو فحص عن الادلة لظفر بما دل علی اباحته او لا یظفر بما دل علی الالزام علی الاقل فی تقدیر الفحص و لکنه لم یفحص عن الادلة و لم یات بالدعاء فحینئذ قیل بان الوجوب الواقعی منجز علیه و لو افترضنا بانه لو فحص عن الادلة لظفر بما دل علی الاباحة او لایظفر بما دل الالزام علی الاقل و لکن مقتضی هذه العبارة من المحقق الآخوند (قدس سره) هو ان وجوب الدعاء لم یکن فعلیا و منجزا علیه قبل الفحص لان فعلیة التکلیف معلقة علی عدم ثبوت الترخیص مع ان المفروض هو ان الترخیص الظاهری ثابت و بعد وجود الترخیص ظاهرا فلایبلغ التکلیف الی مرتبة الفعلیة بمقتضی هذه العبارة من المحقق الآخوند (قدس سره) مع ان هذا الکلام مما لایلتزم به احد بل الفقهاء قالوا بان التکلیف فعلی و منجز علی المکلف فی هذه الصورة و لکن هذا الاشکال انما یرد علی صاحب الکفایة لو قلنا بان عدم الترخیص کان قیدا لحدوث الفعلیة و اما ان قلنا بان الحکم فعلی حدوثا و لکن بقاء فعلیة الحکم مشروط و مقید بعدم وصول الترخیص فی الخلاف فان الحکم علی تقدیر ثبوته فعلی فی حق المکلف قبل الفحص و لذا لایجوز له ان یجری البرائة عن التکلیف اذ من الواضح ان التکلیف ثابت و لیس بمشکوک و لکن المکلف اذا فحص و لم یصل الیه ما یدل علی الالزام او وصل الیه ما یدل علی الاباحة و الترخیص فحینئذ لیست فعلیة الحکم باقیة حیث ان الشارع قد جعل له الترخیص فی ظرف عدم الظفر بما دل علی الالزام و مع الترخیص انتفت فعلیة الحکم بقائا و هکذا قد یلزم اشکال فی الواجب الکفائی لو قلنا بتقید اصل الوجوب لا بقائه و هو ان حدوث وجوب الواجب الکفائی لو کان مقیدا بعدم اتیان الواجب من قبل سائر الافراد فیلزم منه سقوط الوجوب و عدم تحقق الامتثال فیما اذا اتی بالواجب عدة من المکلفین مقارنا معا و الوجه فی سقوط اصل الوجوب هو ان اصل الوجوب مقید و مشروط بعدم اتیان الواجب من قبل الآخرین مع ان المفروض هو عدم تحقق هذا الشرط و مع عدم تحققه سقط الوجوب من راس مع انه لم یقل بسقوط اصل الوجوب احد من الفقهاء بل قالوا بان الوجوب ما کان باقیا فی تقدیر اتیان الواجب من قبل الآخرین لا ان الوجوب سقط من رأس و الوجه فیه هو ان بقاء الوجوب مقید و مشروط لا اصله و قد یظهر علی ضوء هذا البیان تصویر التصویب البقائی فی القسم الثالث حیث انه یمکن ان یجعل الشارع وجوب صلاة الجمعة بنحو القضیة الحقیقیة و لکنه یقید بقاء حکمه بعدم قیام الامارة و الطریق علی الخلاف.

ثم انه قد مر ان الصورة الرابعة هو مسلک التقیید فان الحکم کان مجعولا لکل فرد من افراد المکلفین و لکن فعلیة هذا الحکم مشروطة بقیام الامارة علی وفاقه بحیث ان لم تقم علی وفاقه امارة بل ذهب رأی المجتهد علی خلافه لم یصر ذلک الحکم فعلیا و اذا ذهب رأی المجتهد الی الخلاف لم یتبدل الواقع فی حقه بل الواقع کان ثابتا و باقیا فی مرتبة الانشاء و لم یبلغ الی مرتبة الفعلیة و التنجز و الحق المختار عندنا فی کیفیة جعل الاحکام هی هذه الصورة و ینبغی هنا التعرض الی مسالک الاعلام فی معنی الفعلیة.

 

مسالك الأعلام في بيان معنى فعلية الأحكام:

المسلك الاول (مسلك المحقق النائيني و السيد الخوئي):

ان لتوضيح مقصود المحقق النائيني و السيد الأستاذ المحقق الخوئي (قدس سرهما) لا بد من الإشارة إلى ما تقدم منا آنفا و هي أن الأحكام تارة تنشأ بنحو القضايا الخارجية فالحكم اذا أنشئ بنحو القضية الخارجية فلا يكون بذي مرتبتين بل يكون إنشائه عين فعليته و السر في ذلك هو أن الحكم في القضية الخارجية یترتب على الموضوع المحقق الوجود في الخارج حين الجعل مثل أن يأمر المولا بإكرام هذا العالم الهاشمي الموجود في الخارج و من هنا قلنا بأن المولى في القضايا الخارجية كان متكفلا لإحراز موضوع حكمه في الخارج فإن إنشاء الحكم بنحو القضية الخارجية يلازم فعلية الموضوع في الخارج فلذا كان إنشاء الحكم حينئذ عين فعليته و تارة أخرى ينشأ الحكم بنحو القضية الحقيقية و الحكم في القضية الحقيقية ينشأ لما فرض وجوده في الخارج لا لما هو موجود حين الجعل في الخارج و من هنا كان انشاء الحكم قبل فعلية موضوعه خارجا فالأحكام المجعولة على نهج القضايا الحقيقية يكون ذا مرتبتين: و هما مرتبة الإنشاء و مرتبة الفعلية و قد مر بيان تعريف القضايا الحقيقية و الخارجية مفصلا فلا نعود ذكره.

ثم إن فعلية الحكم على مبنى المحقق النائيني و السيد الأستاذ المحقق الخوئي (قدس سرهما) تتوقف على تحقق موضوع الحكم في الخارج بجميع قيوده و شرائطه و من المستحيل فعلية الحكم من دون فعلية موضوعه خارجا و أما جعل الحكم و ابرازه من قبل المولى لا يتوقف على وجود موضوعه خارجا حين الجعل و من هنا كان جعل الحكم و ابرازه قبل فعلية موضوع الحكم و تحققه خارجا بآلاف سنين في الغالب و السر في عدم توقف إنشاء الحكم على وجود الموضوع في الخارج حين الجعل هو أن الأحكام مجعولة على نهج القضايا الحقيقية و القضايا الحقيقية هي القضايا التي ينشأ الحكم فيها على الموضوع المقدر وجودها في الخارج يعني إن المولى في مقام الإنشاء و جعل الحكم يفرض وجود الموضوع خارجا فينشأ له الحكم و لذا لا يتوقف انشاء الأحكام على تحقق موضوعاته في الخارج حين الجعل مثلا إن المولا يفرض وجود البالغ العاقل القادر المستطيع في الخارج فينشأ له وجوب الحج و من الواضح أن المولا لا ينظر إلى مفروضه بما هو مفروض بل يرى من خلال فرضه الى الوجود الخارجي لموضوع حكمه فينشأ له الحكم.

ثم إن الحكم بعد انشائه لا يصير فعليا الا بعد فعلية موضوع الحكم بجميع شرائطه و قيوده في الخارج حيث إن المراد من فعلية الحكم ليس إلا تحقق الموضوع المفروض وجوده في مقام جعل الحكم في الخارج و قد ظهر مما تقدم: أن انشاء الحكم انما يكون بيد المولى و أما فعلية الحكم لا يكون بيد المولى بل يكون خارجا عن تحت ارادته و اختياره حيث إن فعلية الحكم بنائا على مسلك السيد المحقق الخوئي (قدس سره) تتبع فعلية موضوعه خارجا و فعلية موضوع الحكم في الخارج لا يكون بيد المولى بل قد يتفق كثيرا في الموالي العرفية عدم التفاتهم إلى تحقق موضوعات أحكامهم خارجا و قد ظهر مما تقدم أن الحكم الفعلي فی الحقیقة هو الحكم الذی قد أنشئ بداعی البعث و الزجر و وصف الحکم بالفعلية انما هو مجاز لأنه وصف بحال المتعلق حیث ان الحکم لایصیر فعلیا بل موضوعه صار فعلیا فالمراد من الحکم الفعلی هو الحکم الذی صار موضوعه فعلیا ففعلیة الحکم حقیقة و واقعا بنائا علی رأی السید الخوئی (قدس سره) انما تتحقق بانشاء الحکم و اما فعلیة الحکم مجازا انما هی بفعلیة موضوعه خارجا فان الحکم لاتکون له الا مرتبة واحدة و هی مرتبة الانشاء.

المسلك الثاني (مسلک المحقق الإصفهاني): إن للحكم مرتبتين: مرتبة الإنشاء و مرتبة التنجز و أما مرتبة الفعلية فليست من مراتب الحكم لأن الحكم إما فعلىٌّ من قبل المولا و إما فعلىٌّ من قبل العبد و الأول يسمى بالحكم الإنشائي و هو الحکم المجعول بداعی البعث او الزجر و الثاني يسمى بالحكم المنجز و لا يكون هنا حكم فعلى واسط بين الحكم الإنشائي و الحكم المنجز.

المسلك الثالث (و هو المختار في المقام):

المسلك المختار عندنا يشبه بمسلك المحقق الآخوند (قدس سره) حيث إننا فسرنا الحكم الفعلي بالحکم المعبَّر عنه بالفارسیة ب حكم به إجراء گذاشته شده يعني اذا أنشأ المقنن و الحاكم قانونا و حكما في المجلس مع أنه قد قيد تنفيذه في البلاد بعد ستة أشهر فحينئذ كان الحكم قبل تحقق زمن إنفاذه إنشائيا و لكنه بعد زمن إنفاذه صار فعليا لأن حقيقة الحكم الفعلي هي عبارة عن تعلق ارادة المولى بفعل العباد و من المعلوم أن المولى قد أراد رعاية الأحكام و القوانين من العباد بعد انفاذها في البلاد.

فعلى ضوء ما ذكرناه يظهر أن فعلية الحكم بنائا على مسلكنا تلازم تعلق ارادة المولى بفعل العبد و لذا كان مسلكنا متحدا مع مسلك المحقق الآخوند (قدس سره) روحا و لبا و إن فارقه في أن مرتبة التنجز من الحكم تلازم مرتبة الفعلية المطلقة منه و مساوقة لها بنائا على رأى المحقق الآخوند (قدس سره) و لكن مرتبة الفعلية لا تلازم مرتبة التنجز بنائا على مسلكنا حيث إن الحكم و القانون الصادر من المقنن اذا أنفذ في البلاد فحينئذ كانت مرتبة الفعلية محققة و لكن مرتبة التنجز لا تتحقق الا بعد علم العباد بإجراء القانون و الأحكام و اما اذا جهل شخص بحكم من الأحكام فلا يكون ذلك الحكم حینئذ منجزا عليه و ان كان فعليا بالنسبة إليه لأن فعلية الحكم ما كانت الا إجرائه في ظرف خاص فالفعلية لا ترتبط بمرتبة التنجز إذ ربما أنفذ الحكم و لكنه لا يكون منجزا على المكلفين حيث إنهم كانوا جاهلين بإجرائها.

تقريب مناقشة السيد الخوئي في المسلك المختار و الجواب عنها:

قال السيد الأستاذ المحقق الخوئي (قدس سره) في مقام الإشكال على المسلك المختار بأن ارادة الله سبحانه و تعالى يستحيل أن تتعلق بأفعال العباد بداهة أن الله تبارك و تعالى إن أراد أفعال العباد بما أنه قادر على كل شيئ و خالق للكائنات فيلزم حينئذ من ارادته لأفعال العباد محذور الجبر و إن ارادها بما أنه مولى من الموالي فيلزم حينئذ محذور تعلق الإرادة بما هو غير مقدور فالجبر أو تعلق الإرادة بالفعل الغير المقدور يلازم القول بتعلق إرادة المولى بأفعال العباد و من المعلوم أن كلا اللازمين فاسد فيكشف من فساد اللازم فساد ملزومه و هو تعلق ارادة المولى بأفعال العباد و على هذا الأساس قد أنكر السيد الأستاذ المحقق الخوئي (قدس سره) الإرادة التشريعية و التجأ في تفسير الحكم الفعلي الى الالتزام بمسلك المحقق النائيني مع أن كلامه غير تام للنقض و الحل و اما النقض فهو أنه قد إعترف بأن الأحكام امور اعتبارية محضة و من المعلوم أن المحاذير العقلية كالتناقض و التضاد و التماثل لا تتطرق في الأمور الإعتبارية المحضة لأن الإعتبار مجرد فرض و من الممكن أن يفرض الفارض في آن واحد أمرين متناقضين معا كأن يفرض مثلا نزول المطر من السماء و في نفس الوقت يفرض عدم نزوله منها و من هنا لا يتصور تنافي الأحكام الإعتبارية معا في حد ذاتها فالمنافاة بين الأحكام إما كانت ناشئة من مباديها و إما کانت ناشئة من أغراض المولى لجعل تلك الأحكام لأن كلَّ حكم من الأحكام له المبدأ و المنتهى و المبدأ هو ما يكون ملاكا للحكم أى المصالح و المفاسدة الكائنة في الأفعال و المنتهى هو ما يكون غرضا من إنشاء الحكم و من المعلوم أن الغرض من إنشاء الحكم من قبل المولى هو بعث المکلف و تحریکه نحو العمل به فی ظرف وصول الحکم الیه فالوجوب المنشَأ للصلاة مثلا كان محفوفا بأمرين حقيقيين: الأول: المصلحة الكائنة في الصلاة و هي ما يعبر عنها بمبدأ الحكم و الثاني: هو تعلق غرض المولی ببعث المکلف و تحریکه نحو العمل فی ظرف وصول الحکم الیه و نحن نسئل السید الخوئی (قدس سره) بان معنی تعلق غرض المولی ببعث المکلف ما هو؟ فان الغرض کان امرا حقیقیا باعتراف السید الخوئی (قدس سره) و معناه هو ما یعبر عنه فی الفارسیة ب «خواستن» فاننا نسئل السید الخوئی (قدس سره) بان معنی الغرض ما هو؟ فان قال السید الخوئی (قدس سره) بان معنی تعلق الغرض بالفعل الفلانی هو اننی اطلبه فنسئله بان معنی الطلب ما هو؟ فان قال السید الخوئی بان معنی الطلب هو اننی اقصده فنسئله بان معنی القصد ما هو؟ فان القصد لیس الا الارادة التشریعیة التی قد فر منها السید الخوئی (قدس سره) مع انه قد التزم بها من حیث لا یشعر اما الحل فهو أن محذور الجبر لا يلزم من تعلق الارادة التشريعية من قبل الله سبحانه و تعالى بأفعال العباد و لأجل توضيح الإشكال الحلى على كلام السيد الخوئي في المقام لا بد من التعرض إلى مقدمة و هي أن الإرادة تنقسم إلى قسمين و هما الإرادة التكوينية و الإرادة التشريعية و الإرادة التكوينية هي عبارة عن تعلق ارادة الشخص بفعل نفسه كمن أراد مطالعة كتاب المكاسب أو تدريسه فالمطالعة أو التدريس يكون مرادا بالارادة التكوينية حيث إنهما يعدان من فعل شخص المريد و الإرادة التشريعية هي عبارة عن تعلق ارادة الشخص بفعل غيره كمن أراد الحركة من الغير فالارادة التكوينية متحدة مع الإرادة التشريعية بحسب السنخ و الماهية غاية الأمر أن الإرادة التكوينية من الله سبحانه و تعالى هي الإرادة الحتمية الغير المشروطة يعني أنه سبحانه و تعالى إذا أراد شيئا بالارادة التكوينية يسد جميع أبواب عدم تحقق ذلك الشيئ و من المعلوم أنه إذا أريد في المقام هذا المعنا من الارادة فمن الواضح إستحالة تعلقها بأفعال العباد لأنه يستلزم منه محذور الجبر لأن معنى تعلق هذا السنخ من الإرادة إلى أفعال العباد يكون سد جميع أبواب عدم تحقق ذلك الفعل منهم حتى باب الاختيار و السلطنة على الفعل و الترك و من المعلوم أن هذا ليس إلا القول بالجبر و أما اذا أريد من الإرادة المعنى الثاني منها أى الإرادة التشريعية فليس تعلقها بأفعال العباد مستلزما لمحذور الجبر حيث إن الإرادة التشريعية ليست بالارادة الحتمية حتى يلزم من تعلقها بأفعال العباد محذور الجبر بل هى إرادة مشروطةٌ مقيدةٌ يعني أن المولى يسد جميع أبواب عدم تحقق الفعل من العبد ما عدا باب الاختيار و القدرة على الفعل و الترك فالمولى قد أراد صدور الفعل من العبد لا على سبيل الحتم يعني أنه لا يسد جميع أبواب عدم تحقق الفعل من العبد حتى باب الإختيار لكى يلزم من ذلك محذور الجبر بل المولى أراد صدور الفعل من العبد معلقا على شرط و هو كون العبد مطيعا لحكم العقل و قد ظهر مما ذكرناه عدم ترتب أيِّ محذور من تعلق هذا السنخ من الارادة إلى أفعال العباد[1] .

نعم يلزم من تعلق الإرادة التكوينية بأفعال العباد محذور الجبر و لكن قد ظهر مما تقدم عدم لزوم هذا المحذور من تعلق الارادة التشريعية إلى أفعال العباد.

ثم ان المحقق الاصفهانی (قدس سره) بان الفعلیة من قبل العبد کانت علی قسمین:

الاول: الفعلیة الذاتیة: اذا افترضنا بان المولی قد جعل وجوب صلاة الجمعة و الامارة قامت علی وفاقها فلو امر الشارع بالعمل علی وفق الامارة بداعی تنجیز الواقع ففی الحقیقة کان الواقع أی الوجوب منجزا و فعلیا من قبل العبد.

الثانی: الفعلیة بالعرض: اذا افترضنا بان المولی قد جعل الحکم المماثل علی وفق الامارة مطلقا سواء صادف الواقع او لا فان ما وصل الی العبد فی الحقیقة هو الحکم المماثل و ان الواقع لایکون منجزا علیه حیث ان العقاب کان علی مخالفة هذا الحکم المماثل لا علی مخالفة الواقع و قد عبرنا عن الفعلیة فی هذا التقدیر بالفعلیة بالعرض لان الحکم المماثل قد جعل بعنوان انه الواقع فان المولی لما جعل الحکم المماثل للامارة بعنوان انه الواقع فلذا کان الحکم الواقعی واصلا الی العبد بالعرض و المجاز حیث ان الحکم الواقعی لم یکن منجزا حقیقة حتی صح التعبیر عن الفعلیة بالفعلیة الذاتیة بل المنجز هو الحکم المماثل للامارة و هو ما جعل بعنوان انه الواقع و بعبارة ثانیة: ان الحکم المماثل یعد وجودا تنزیلا للحکم الواقعی لا وجودا حقیقیا و اذا تنجز الوجود التنزیلی فتنجز الواقع مجازا لا حقیقة لان الواقع لیس منجزا لان المنجز هو ما یکون منزلا منزلة الواقع.

ثم انه قد مر بان المحقق الآخوند (قدس سره) قال بان الصرف لو کان بنحو التقیید فهو غیر سدید لاننا اذا قطعنا بالحکم الواقعی فالواقع بما هو واقع صار منجزا لا الواقع بما هو معلوم و مقطوع و لذا ان مسلک التقیید لیس بصحیح و قال المحقق الاصفهانی (قدس سره) فی الرد علی المحقق الآخوند بانه لا مانع من ان یکون لزوم الامتثال مترتبا علی الواقع بما هو واقع و مع ذلک کان العلم به حیثا تعلیلیا لوصول ذات الواقع الی مرتبة البعث و الزجر بمعنی ان بلوغ الواقع الی مرتبة البعث و الزجر کان فی ظرف العلم به و هکذا ان العلم کان حیثا تقییدیا بالنسبة الی کون الواقع معنونا بعنوان المبعوثیة و ینبغی تقدیم مثال لتقریب کلام المحقق الاصفهانی (قدس سره) هنا و هو انه قد قیل فی مبحث المقتضی و المانع ان ذات المقتضی تؤثر فی ایجاد المعلول و لکن تاثیرها فی ایجاد المعلول کان فی ظرف وجود الشرط و فقد المانع فان ذات المقتضی کانت موثرة فی ایجاد المعلول و لکن الحیث التعلیلی لتاثیره فی المعلول هو وجود الشرط و فقد المانع فالمعلول مستند الی ذات المقتضی و لکن الاستناد کان فی ظرف خاص و هو ظرف وجود الشرط و عدم المانع و لذا عبرنا عن وجود الشرط و فقد المانع بالحیث التعلیلی و هکذا ان کلا منهما کان حیثیة تقییدیة لان المقتضی اذا قید بالشرط و عدم المانع کان یعنون بعنوان العلة التامة فان مصداقیة المقتضی للعلة التامة کانت مقیدة بوجود الشرط و فقد المانع و لذا کان وجود الشرط و فقد المانع حیثیة تقییدیة لکون المقتضی معنونا بالعلیة التامة و المقام کان من هذا القبیل ایضا حیث ان لزوم الامتثال کان مرتبا علی الواقع بما هو الواقع و لکن البعث و التحریک نحو الواقع انما یکون فی ظرف العلم به و لذا ان الواقع یبعث الیه و یتحرک نحوه لاجل معلومیته لدی المکلف و علی هذا الاساس ان العلم کان حیثا تعلیلیا لوصول الواقع الی مرتبة البعث و الزجر یعنی ان البعث او الزجر نحو الواقع انما یکون فی ظرف العلم به و بهذا الاعتبار کان العلم حیثا تعلیلیا و هکذا انه کان حیثا تقییدیا بالنسبة الی عنوان المبعوثیة لان الواقع مقیدا بکونه معلوما صار معنونا بعنوان المبعوثیة و بهذا البیان یظهر ان الواقع بما هو واقع وجب امتثاله و العقاب کان علی مخالفة الواقع بما هو واقع لا علی مخالفة الواقع بما هو معلوم و لکن هذا لاینافی مع کون العلم حیثا تعلیلیا لوصول الواقع الی مرتبة البعث و الزجر و حیثا تقییدیا بالنسبة الی کونه معنونا بعنوان المبعوثیة و هذا الاشکال من المحقق الاصفهانی (قدس سره) تام و لا غبار علیه.

ثم ان المحقق الآخوند (قدس سره) قال بان الالتزام بمسلک التقیید غیر مفید لإثبات مطلوب صاحب الفصول و الوجه فیه هو ان الظن بالطریق کان معتبرا علی مسلکه سواء کان الطریق مخالفا للواقع او لا مع ان الالتزام بمسلک التقیید یستلزم حجیة الواقع الذی قد ادی الیه الطریق یعنی اشترط فی الحجیة ثبوت الواقع مع ان هذا الشرط فی الحجیة غیر لازم علی مسلک صاحب الفصول حیث انه قال بحجیة الطریق سواء صادف الواقع او خالفه فلایکون ثبوت الواقع شرطا فی الحجیة علی مسلکه و قال المحقق الاصفهانی (قدس سره) بان هذا الاشکال من المحقق الآخوند (قدس سره) غیر تام ایضا لان معنی الحجیة هو استحقاق العقاب علی مخالفة الواقع فی تقدیر ثبوته و لا معنی لان نقول بان صاحب الفصول بنائا علی مسلک التقیید قال بالحجیة و لو فی ظرف عدم ثبوت الواقع حیث انه لا معنی للحجیة الا بعد افتراض ثبوت الواقع و هذا الاشکال من المحقق الاصفهانی (قدس سره) تام عندی.

 


[1] . تنبیه حول جواب الأستاذ (دام ظله) عما اورده السيد الخوئي على المحقق الآخوند في كيفية جعل الأحكام: لايقال: إنه يلزم من هذا الجواب عدم بلوغ التكليف إلى مرتبة الفعلية بالنسبة إلى العصاة و الوجه فيه ظاهر لأن معنى فعلية التكليف هو تعلق ارادته تعالى بفعل العبد و الإرادة لم تتعلق بفعل العبد الا في تقدير اطاعته لحكم العقل بحيث إن لم يكن العبد مطيعا لحكم عقله لم يصر التكليف فعليا في حقه على حسب دعواكم و لذا إن التكليف لم يكن فعليا في حق العاصي لأنه لم يكن مريدا للإطاعة و في فرض عدم ارادته للإطاعة لم يكن التكليف فعليا بالنسبة إليه لأن معنى الفعلية هو تعلق ارادته إلى فعل العبد في ظرف ارادته للاطاعة و الإمتثال فإنه يقال: .ان هذا الإشكال غير تام و الوجه فيه هو أن إرادة الرب تتعلق بالفعل الاختیاری بحيث يكون الاختيار قيدا للواجب لا الوجوب و بعبارة ثانية: يكون اختیار العبد قيدا للمراد لا الإرادة مثلا ان الله سبحانه و تعالى قد أراد من العبد الحصة الخاصة من الصلاة و هي الصلاة مع الوضوء لكن وجوب الصلاة لم يسقط اذا لم يأت العبد بالوضوء حيث ان الوضوء كان قيدا للواجب لا الوجوب بمعنى ان الله تعالى يطلب من العبد الوضوء أيضا فلايكون ارادته للصلاة مقيدة بالوضوء بحيث ان لم يأت العبد به فقد زالت ارادته و سقط وجوب الصلاة و هكذا إن الله تعالى يطلب من العبد و يريد منه صرفَ جهة قدرته إلى طرف الامتثال و الطاعة و ليس ارادته مشروطة بالاختيار بل إن مراده مشروط بذلك فان العمل كان له حصتان: الحصة الاختيارية و الحصة الإجبارية و إن الله سبحانه و تعالى يطلب من العباد حصته الاختيارية و لكن لا يلزم من ذلك محذور الجبر لأن العبد يأتي بالعمل باختياره و ارادته و إن قلت: بان الفلاسفة قالوا بان الله يريد من العباد الاتيان بالعمل عن اختيار و ارادة فلماذا انكم تردون عليهم و تقولون بانهم قالوا بالجبر مع انهم لم يقولوا الا بمقالتكم؟! فقلنا: إن الفلاسفة قالوا بان الإرادة كانت تحت قاعدة "الشيئ ما لم يجب لم يوجد" يعني إن الشيئ لو لم يصل إلى حد الضرورة و الوجوب لم يوجد خارجا يعني إن كل ممكن من الممكنات يحتاج إلى العلة في حدوثه و بقائه و الاختيار من العبد كان من الممكنات و لذا إنه لم يوجد الا بعد بلوغه إلى حد الوجوب و الضرورة و إن ارادته سبحانه و تعالى هي العلة لارادة العباد فان إرادة العباد معلول و مقهورٌ لارادته تعالى و قد يلزم من هذا الكلام محذور الجبر و الفلاسفة إنما يأتوا بلفظ الاختيار فقط و لكنهم كانوا ملتزمين بالجبر في الحقيقة مع اننا نرد عليهم و نقول بان الأفعال الاختيارية كانت خارجة عن قاعدة "الشيئ ما لم يجب لم يوجد" و قد يقال: بان الممكن كان محفوفا بضرورتين: ضرورة الوجود فالشيئ الممكن كان وجوده ضروريا عند تحقق علته التامة كما أن عدمه كان ضروريا عند عدم تحقق العلة التامة فان الافعال الاختيارية كانت خارجة عن تحت هذه الكبرى الكلية أيضا حيث ان اختيار العباد لطرف الفعل او الترك كان بأيديهم و لذا لايصح أن يقال بان الإرادة و اختيار طرف الفعل او الترك في نفس العباد لم يوجد الا بعد بلوغه إلى حد الضرورة و الوجوب و هذا امر وجداني نجده في انفسنا حيث اننا نجد الفرق بالبداهة و الوجدان بين ارتعاش يد المرتعش و بين تحريك اليد عن إرادة و اختيار لأن الأول اضطراري و الثاني اختياري فان الله قد أراد من العبد هذا العمل باختياره و ارادته و لكن اختياره لم يكن معلولا لإرادته سبحانه و تعالى و لكن الفلاسفة لم يقولوا بمقالتنا بل قالوا بان الاختيار كان داخلا تحت قاعدة "الشيئ ما لم يجب لم يوجد" و التزموا بان إرادة العباد كان مقهورا و معلولا لارادته تعالى و قد تصور السيد الأستاذ المحقق الخوئي ان الإرادة التشريعية كانت كالارادة التكوينية بمعنى ان الله تبارك و تعالى قد أوجد فعل العباد خارجا يعني إنه تصور بأنه يلزم من تعلق الإرادة التشريعية إلى أفعال العباد محذور الجبر لأن الإرادة كانت بمعنى اعمال القدرة و لايجوز عليه تعالى ان يصرف قدرته إلى ايجاد فعل العباد خارجا حيث إنه قد يلزم منه محذور الجبر و لكن هذا التوهم خاطئ جدا و الوجه فيه هو أن الإرادة التشريعية ليست بمعنى اعمال القدرة حتى يقال بأنه قد يلزم من تعلقها إلى أفعال العباد محذور الجبر بل إن معناها هو ما يعبر عنه في الفارسية ب "خواستن" فان ارادته تعالى في التكوينيات تتعلق بايجاد هذا الفعل خارجا و لكن ارادته تعالى في التشريعيات تتعلق بفعل العبد اذا صدر منه عن اختيار و لكن الاختيار لم يكن قيدا للارادة حتى يقال بان الله تعالى لم يرد الطاعة في تقدير عدم اختيار العبد لها بل إنه يكون قيدا للمراد يعني وجب على العبد اختيار الفعل و لذا إنه يريد و يطلب من العباد اختيار الطاعة و العبودية و لكنه لا يجبرهم على اختيار طرف الفعل و لا يصرف قدرته في اختيار العبد الامتثالَ و الطاعة بحيث يكون الفعل صادرا عن العبد عن غير اختيار فقد تحصل مما ذكرناه أن ارادة العباد لم تكن مقهورا لارادته تعالى كما قال به الفلاسفة و قد ظهر من خلال ما بيناه فساد الإشكال المتقدم ذكره

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo