< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد عبدالله احمدی‌شاهرودی

1401/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم ان الشیخ الاعظم (قدس سره) قد ادعی بان الاخبار الواردة فی حجیة قول مطلق الثقة متواترة و اما ما ورد فی الاخبار من اعتبار العدالة فی الراوی فلابد من رفع الید عنه لأجل عدة من الشواهد التی قد مر ذکرها و بهذا البیان قد یظهر الجواب عما قیل فی الاشکال من عدم امکان الاستدلال بالاخبار علی حجیة قول مطلق الثقة اذ لایجوز الاستدلال بخبر الواحد علی حجیة خبر الواحد و قد رد علی هذا الاشکال الشیخ الاعظم و قال بتواتر الاخبار فی حجیة قول مطلق الثقة.

مناقشة الاستاذ (دام ظله) فی کلام الشیخ الاعظم:

ان القول باستفادة حجیة قول مطلق الثقة من الاخبار المتواترة ضعیف جدا بل الحق هو ان نقول بانه لا تستفاد حتی من اخبار الآحاد حجیة قول الثقة العامی قطعا و لم تستقر السیرة علی اخذ معالم الدین و احکام الشریعة منهم بداهة ان الائمة علیهم السلام قد ارجعوا الشیعة الی مثل زکریا بن آدم و العمری و ابنه الذین کانوا ممن اصطفاهم الامام (علیه السلام) و کانوا من حملة علمه و سره و کانوا مأمونین فی الدین و الدنیا فکیف یمکن التعدی من مثل هؤلاء الی مثل السکونی الذی کان منحرفا و فاسد العقیدة و هکذا لم تستفاد من اخبار الآحاد حجیة قول الامامی الذی لم یعرف بالوثاقة فی الطائفة و لم یوثقه الا فرد او فردان من الرجالیین اذ الامام علیه السلام قد ارجع الشیعة بحسب الاخبار الی مثل عبد العظیم الحسنی الذی کان مشتهرا بالوثاقة فی الطائفة بحیث لم یناقش احد فی وثاقته و جلالة شأنه و علو مرتبته فکیف یمکن التعدی من مثل عبد العظیم الحسنی (رضوان الله علیه) الی من لم یعرف بالوثاقة الا عند فرد او فردین من الرجالیین و هکذا قد ظهر مما ذکر عدم قیام الدلیل من الاخبار علی حجیة قول من وثقه فرد او فردان من الرجالیین و ان قلت: بان دلیل حجیة خبر الثقة یدل علی حجیة قول الرجالی ایضا فقلنا: بان اطلاق دلیل حجیة خبر الثقة بحیث یشمل حجیة قول الثقة فی الموضوعات حتی الإخبار عن الوثاقة غیر محرز و الشاهد علی ذلک هو ان الاخبار التی قد قد استدل بها علی حجیة خبر الواحد انما کانت واردة فیما أخبر به الثقة من قول الامام (علیه السلام) فی الاحکام و لأجل عدم ثبوت الاطلاق فی ادلة حجیة خبر الواحد بالنسبة الی الموضوعات لابد من دلیل آخر من الامام (علیه السلام) و هو یقول: ان من شهد الرجالی علی وثاقته فهو ثقة بل لادلیل علی حجیة البینة فی توثیق الافراد و تضعیفها حیث ان دلیل البینة لیس له اطلاق ایضا حتی یشمل قول الرجالی فی توثیق الافراد و هکذا ان السیرة لم تقم علی الاخذ بقول من وثقه فرد او فردان من الرجالیین مثلا و من هذا البیان یظهر ان ما قد قیل بان اصالة الحس جاریة فی قول الرجالیین لاتنفع للقول بحجیة ما ورد منهم من التوثیق او التضعیف اذ لادلیل علی حجیة قول الرجالی من اطلاق او سیرة و ان قلت: بان العلماء قد اجمعوا علی الاخذ بقول الرجالیین فی الفقه فقلنا: بان فقهائنا الاقدمین (رضوان الله علیهم) لم یطلقوا الصحیح فی کلماتهم علی روایة من وثقه الرجالیون بل یطلقون الصحیح علی الخبر الموثوق به فالصحیح فی السنة الفقهاء لیس بمعنی الروایة المنقولة عمن وثقه الرجالیون حتی یقال بان الاجماع قام علی العمل بقولهم فلم یحرز ان قدمائنا عملوا بروایة قد وثقه عدة من الرجالیین رواته.

نعم انهم قد اعتمدوا بقولهم عند تعارض الخبرین معا فالمتحصل الی هنا هو عدم وجود الدلیل من الاخبار علی حجیة قول مطلق الثقة.

نعم قد تستفاد من بعض اخبار الآحاد مع انها ضعیفة السند حجیة قول الثقة الامامی الذی کانت وثاقته معلوما لا حجیة قول من وثقه فرد او فردان مثلا قد ورد فی روایة حارث ابن مغیرة المتقدمة ذکرها ما هذا نصه: اذا سمعت من اصحابک الحدیث و کلهم ثقة فموسع علیک حتی تری القائم فقد تستفاد من هذه الاخبار حجیة قول من علم وثاقته مع کونه امامیا و لکن هذه الاخبار غیر صالحة للاستدلال اذ هی ضعیفة السند مع انها من اخبار الآحاد و من المعلوم عدم جواز الاستدلال باخبار الآحاد علی حجیتها هذا مضافا الی ان الاخبار لاتدل علی حجیة قول الثقة مع الواسطة مع ان کثرة وسائط الخبر یوجب ازدیاد احتمال الاشتباه و احتمال التعمد علی الکذب فلا اطلاق للروایات حتی تشمل الاخبار مع الواسطة و الی هنا قد ظهر ان الدلیل لم یقم علی حجیة قول مطلق الثقة فلا وجه لما قد قاله الشیخ الاعظم (قدس سره) من ان الاخبار الواردة فی ذلک متواترة و مما ذکرناه ظهر انه لا وجه لما قد ورد فی کلام المحقق الآخوند و السید الخوئی (قدس سرهما) من ان السیرة قائمة علی حجیة قول مطلق الثقة حیث اننا قلنا بان السیرة لو استقرت علی ذلک فلماذا رجع مثل احمد ابن اسحاق الی الامام (علیه السلام) و قال له: عمن آخذ و قول من اقبل؟ مع انه لا وجه لهذا السؤال بعد قیام السیرة علی حجیة قول مطلق الثقات لان هذه الکبری لو کانت مرکوزة فی ذهن احمد ابن اسحاق لکان علیه الرجوع الی مطلق من کان ثقة مع انه لم یرجع الیه بل رجع الی الامام (علیه السلام) و سئل عنه: عمن آخذ؟ فیعلم من هذا السوال ان الاصحاب لم یرجعوا الی مطلق الثقة بل رجعوا الی الثقة الذی کانت وثاقته محرزة و معلومة و لذا ان احمد ابن اسحاق قد رجع الی الامام (علیه السلام) حتی یحصل له العلم بالوثاقة فالسیرة لم تقم علی حجیة من لم یعرف بالوثاقة الا فرد او فردان بل یعلم من هذا الخبر و اشباهه هو ان السیرة قائمة علی الاخذ بقول من کانت وثاقته معلومة بالوجدان عند نوع الناس هذا مضافا الی انه لو استقرت السیرة علی العمل بقول مطلق الثقة فلماذا لم یرد فی أی روایة من الرویات الارجاع الی العامة بل ورد منهم ما یخالف ذلک و إن قلت: بأن الوجه في عدم ارجاع الشيعة إلى ثقات العامة إنما يكون لأجل بداهة كبرى لزوم الرجوع الى مطلق الثقات فلذا قلنا بأن الأصحاب كانوا يرجعون إلى ثقات العامة أيضا حيث إن حجية قول الثقة العامي كانت لديهم مقطوعة و مسلمة فقلنا: لا وجه لدعوی بداهة كبرى حجية قول مطلق الثقة بعد قيام عدة من الشواهد على عدم بداهة هذه الكبرى و قد قلنا کرارا بأن الكبرى لو كانت مركوزة في اذهان الأصحاب فلا وجه لرجوعهم إلى الأمام (عليه السلام) حتى يسئلوا عنه عمن آخذ و قول من أقبل؟ هذا مضافا إلى أن الائمة (عليهم السلام) قد أرجعوا الشيعة دائما الى كبار أصحابهم و لم يرد منهم و لو بسند ضعيف أنهم ارجعوا الشيعة الى ثقة من ثقات العامة بل انهم أرجعوا الشيعة دائما الى مثل عبد العظيم الحسني و العمري و ابنه و زكريا ابن آدم الذين كانوا من كبار أصحابهم و لو كانت كبرى حجية قول مطلق الثقة مركوزة فلماذا لم يرجع الإمام (عليه السلام) أصحابه إلى مطلق من كان ثقة بل أرجعوهم دائما إلى أشخاص معينين و هم كانوا من اجلاء الطائفة الحقة هذا مضافا الى أن المتشرعة لم يأخذوا معالم دينهم من العامة العمياء فلم تقم سيرة المتشرعة على أخذ معالم الدين و أحكام الشريعة من العامة حتى في زماننا هذا فانا لا نرى شيعيا يأخذ معالم دينه من العامة بل الصحيح هو أن نقول بان سيرة المتشرعة قد استقرت على أخذ الأحكام ممن كان إماميا إثنا عشريا و إن قلت: بأن كبار المحدثين كالشيخ الطوسي و الشيخ الصدوق و غيرهما يأخذان الحديث من العامة فكيف ادعيتم بأن السيرة المتشرعية لم تقم على أخذ الأحكام من العامة فقلنا: لا محذور في نقل الأحاديث من العامة بل المحذور إنما كان في أخذ الأحاديث من العامة لأجل العمل بها فإن هنا أمرين وجب التفكيك بينهما حتى لا يشتبه الأمر في المقام:

الاول: نقل الأحاديث من الضعاف كالعامة فإن نقل الأحاديث منهم ليس بممنوع بل ليس محذور في نقل الحديث و لو من أضعف الضعاف لأن محدثينا لو اهتموا بنقل الأحاديث من خصوص ثقات الطائفة و اجلائهم فحینئذ قد ضيع كثير من الأحاديث و الأخبار و لکنهم لم يهتموا بذلك بل إنهم قد نقلوا الأحاديث من الثقات و الضعاف و هذا يوجب نشر الأحاديث و التداول من إبقاء الحق و حفظ الأحكام و المعارف عن الزوال فلو اهتم المحدثون على نقل الأحاديث من خصوص الثقات دون غيرهم لإنجر ذلك إلى المصيبة في الدين و الضرر العظيم على الطائفة الحقة حيث إن الاهتمام بذلك يوجب أن لا يصل إلينا كثير من المسائل العقائدية و الأحكام الشرعية لأن كثيرا من المعارف و الأحكام قد وصلت إلينا بأخبار ضعافٍ كثيرة موجبة للقطع أو الاطمئنان لأن الخبر اذا نقل من جمع من الضعاف فقد يحصل لنا الاطمئنان بصدق مفاده فإن عدة من المعارف الموجودة بأيدينا إنما وصل إلينا بالاخبار الضعيفة المتعددة فلو لا نقلت إلينا هذه الأخبار فقد ضيع كثير من معارف الامامية.

الثاني: العمل بما يقوله العامة من المعارف و الأحكام فنحن قد انكرنا قيام السيرة على أخذ الأحكام من المنحرفين و العامة لأجل العمل بها فإن السيرة المتشرعية لما استقرت على أخذ الأحكام منهم بل السيرة إنما استقرت على أخذ الأحكام ممن كان إماميا إثنا عشريا هذا مضافا الی أن جمعا من الشيعة قد سئلوا الإمام العسكري (صلوات الله عليه) عن جواز العمل بكتب بني فضال مع علمهم بوثاقتهم فإن هذا السؤال قرينة على أن كبرى حجية قول مطلق الثقة و لو كان منحرفا لما كانت مركوزة في اذهانهم و الا لا وجه لسؤالهم عن الامام العسكري (صلوات الله عليه) مع أنه قد يظهر من جملة من الأخبار أيضا شرطية العدالة و الاعتقاد بالإمامة في الراوي مثلا قد ورد في الخبر: لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا أو ورد في رواية أخرى إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم أو ورد في رواية احمد بن حاتم بن ماهويه أنه قال: كتبت اليه يعنى أبا الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عمن آخذ معالم دينى و كتب اخوه ايضا بذلك فكتب اليهما فهمت ما ذكرتما فاصمدا فى دينكما على كل مسنّ فى حبنا و كل كثير القدم فى امرنا فانهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى أو ورد في رواية أخرى أن الإمام عليه السلام قد قال بالرجوع إلى زكريا بن آدم ثم قال في وصفه: فإنه المأمون في الدين و الدنيا؛ فلو كانت كبرى حجية قول مطلق الثقة مسلمة عند الأصحاب فلماذا قد قيد الإمام (عليه السلام) الوثاقة في هذه الأخبار و أشباهها بالاعتقاد بالإمامة لأنه قال: ثقاتنا أو قال من أصحابك أو قال فاصمدا في دينكما على كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في أمرنا بل ورد في بعض الاخبار النهي عن أخذ معالم الدين من غير الشيعة فإن هذه القرائن بمجموعها توجب عدم احراز السيرة على العمل بقول مطلق الثقة إذ لا وجه لتقييد الأخبار بما دل على شرطية العدالة في الراوي بعد كون كبرى حجية قول مطلق الثقة مسلمة كما أنه لا وجه لرجوع عدة من الأصحاب الى الامام (عليه السلام) حتى يسئلوا عنه: عمن آخذ؟ مع أنهم يعلمون بجواز الرجوع الى مطلق الثقة و لو كان عاميا فلو أنهم كانوا عالمين بذلك فلماذا سئل عنه عليه السلام: عمن آخذ؟! هذا مضافا الی ان احدا من الاصحاب ما یسئلون الائمة (علیهم السلام) عن جواز الرجوع الی العامة أو عدم جواز الرجوع الیهم و لم یرد فی أی روایة من الرویات ما یدل علی ان فردا من الاصحاب کان یرجع الی العامة لاخذ الاحکام و معالم الدین فلو استقرت السیرة علی اخذ الاحکام منهم فلماذا لم یکن من هذه السیرة عین و لا اثر فی الاخبار؟! هذا مضافا الی ان من کان عالما بالمعالم و الاحکام کیف اعتقد بخلافة الغاصبین (لعنة الله علیهم) مع ان ولایة امیر المؤمنین و اولاده المعصومین (صلوات الله علیهم) لایخفی علی من کان عنده ذرة من العلم و الدین حیث ان نصوص الکتاب و الاخبار المتواترة صریحة فی ذلک و لذا قلنا بان الاعتقاد بخلافة الغاصبین لایجمع مع العلم و الوثاقة و الامانة فی الدین و من هنا قد ورد فی روایة من مولانا الامام الکاظم (علیه السلام): لا تأخذنّ معالم دينك عن غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب اللّه فحرفوه و بدّلوه فعليهم لعنة اللّه و لعنة رسوله و لعنة ملائكته و لعنة آبائى الكرام البررة و لعنتى و لعنة شيعتى الى يوم القيامة.

فتلخص مما ذکرناه ان القول بقیام السیرة علی العمل بقول مطلق الثقة و لو کان عامیا ضعیف جدا مع ان الاخبار لاتدل علی حجیة قول مطلق الثقة ایضا.

الاستدلال بالسیرة علی حجیة خبر الواحد:

لو افترضنا بان السیرة قامت علی العمل بقول الثقات فهل یثبت الردع من الشارع لتلک السیرة او لا؟ و لابد من تقدیم مقدمة قبل الورود فی اصل البحث و هی ان الرادع هل یصدق علی دلیل صالح للردع بحیث ارتدع به الجمیع او یصلح علی دلیل صالح للردع و لو ارتدع به البعض ؟ فقد یقال بان الحق هو الاول و من هنا اذا افترضنا قیام السیرة علی العمل بقول الثقة فی عهد الائمة (علیهم السلام) فلا مجال للبحث فی ان الردع هل یثبت بالنسبة الی هذه السیرة او لا؟ اذ الدلیل الرادع یصدق علی دلیل صالح للردع بحیث ارتدع به الجمیع مع ان القول بقیام السیرة یساوق مع القول بان الدلیل الصالح للردع ما یصدر من الشارع اذ لو کان ردع فی البین لإرتدع به الجمیع مع ان الناس کلهم لم یرتدعوا عن العمل بقول الثقة فلا مجال للبحث و التکلم فی ان الردع عن السیرة علی العمل بقول الثقة هل یثبت او لا؟ و لکن هذا الکلام لیس بصحیح لان الحق هو ان نقول بان الرادع یصدق علی دلیل صالح للردع و لو ارتدع به البعض و نحن لم نحرز ان الاصحاب و لو بعضهم لم یرتدعوا عن العمل بقول الثقة بعد نزول الآیات الناهیة عن اتباع الظن بل یمکن ارتداع البعض بعد نزول هذه الآیات و مع وجود هذا الاحتمال یمکن ان یقال بان عموم الآیات الناهیة عن العمل بقول الثقة کان صالحا لردع السیرة و کان للبحث فی ذلک مجال.

و ینبغی فی المقام التعرض الی کلام من السید الصدر حیث انه یقسم السیرة علی قسمین: الاول: السیرة المترسخة و المستحکمة عند العقلاء کسیرة العقلاء علی الاخذ بالظواهر و القیاس و خبر الواحد و لاتصلح العمومات و الاطلاقات للردع عن هذه السیر بل وجب علی الشارع القاء بیانات صریحة و متعددة فی الردع عن هذا السنخ من السیر و الا لما یرتدع الناس عن العمل بتلک السیرة بالقاء العمومات و الاطلاقات من الشارع و الثانی: السیر الغیر المترسخة و یکفی القاء العمومات لردع هذا السنخ من السیر و فیه: إن الطريق الوحيد لإحراز كون الدليل صالحا للردع و عدم كونه صالحا له منحصر في أن نرى بأن الناس هل يرتدعون به او لا؟ فإن ارتدعوا الناس بذاك الدليل فنعلم بأن الدليل صالح للردع و أما إن لم يرتدع الناس به فنعلم بأن الدليل ليس صالحا لذلک و إذا كشفنا صلاحية الدليل للرادعية أو عدم صلاحيته له فلا وجه لأن نبحث و نتكلم في أن هذه السيرة هل كانت من السير المترسخة أو لا؟ اذ من الواضح أن البحث و التكلم في ذلك كان لغوا بعد کشف المطلوب و العلم بان الدلیل یصلح للرادعیة أو لا؟ و بعبارة ثانية: إن السيد الصدر قد ادعى بأن الطريق للعلم بكون الدليل صالحا للردع أو لا؟ هو العلم بكون السيرة مترسخة أو لا؟ و لكن هذا الكلام ليس بصحيح إذ لا طريق لنا لإحراز كون السيرة من السير المترسخة أو عدم كونها منها دائما بل الطريق الوحيد للعلم بكون الدليل صالحا للردع هو أن نرى بأن الناس هل يرتدعوا بعد القاء الدليل من الشارع أو لا؟ فإن يرتدعوا الناس من كلام الشارع فنعلم بأنه صالح للردع و لا وجه للبحث عن كون السيرة مترسخة أو لا؟ بعد كشف هذا المطلوب و لذا قلنا بأن البحث عن ذلك كان لغوا.

ثم ان السید الخوئی (قدس سره) قال: بان العرف و العقلاء یرون اطلاق الادلة و عموماتها منصرفا عن سیرتهم مثلا اذا استقرت السیرة علی العمل بالقیاس مع ان آیة ان الظن لایغنی من الحق شیئا تدل بعمومها علی عدم حجیة الظن مطلقا فان العقلاء یرون عموم هذه الآیة منصرفا عن سیرتهم علی العمل بالقیاس و فیه: ان هذا الکلام من السید الخوئی (قدس سره) غیر صحیح قطعا و نحن نذکر مثالا عرفیا فی المقام حتی یظهر عدم تمامیة کلام السید الخوئی و هو انا اذا افترضنا بان الناس اذا مرضوا کانوا یرجعون الی العجائز و یسمعون قولهن بحیث إن أوصین الی استعمال الاعشاب الطبیة الخاصة فهم یقبلون قولهن و یستعملون هذه الاعشاب الخاصة لأجل الصحة و رفع الامراض و لکن الحاکم فی الجامعة قد القی خطابا عاما بان قال: لایجوز علیکم الرجوع الی غیر الاطباء لاجل المداوا و رفع الامراض فهل صح ان نقول بان الناس کانوا یرون عموم کلام الحاکم منصرفا عن سیرتهم علی الرجوع الی العجائز؟ کلا بل القدر المتیقن من مثل هذا الخطاب هو النهی عما استقرت علیه سیرة الناس و الوجه فیه هو ان السیرة إما قامت علی العمل بقول العجائز دون غیره و إما قامت علی العمل بقول غیر العجائز ایضا فلاوجه لصدور هذا النهی من الحاکم فی کلتا الصورتین لان الناس فی الصورة الاولی لم یعملوا بقول غیر العجائز و کانوا یرون خطاب الحاکم منصرفا عن سیرتهم علی العمل بقولهن فلماذا قد نهاهم الحاکم مع انهم لم یعملوا بقول غیر العجائز و یرون خطاب المولا منصرفا عن سیرتهم علی العمل بقول العجائز ایضا؟ فان صدور النهی عن الحاکم فی هذه الصورة لغو محض مع ان السیرة ان استقرت علی العمل بقول غیر العجائز فکان صدور النهی من الحاکم لغوا ایضا لانهم یرون خطابه منصرفا عن سائر سیرهم فلا وجه لصدور النهی من الحاکم فی هذه الصورة ایضا و بهذا البیان یظهر ان ما افاده السید الخوئی (قدس سره) من ان الناس یرون عموم خطاب ان الظن لایغنی من الحق شیئا منصرفا عن سیرتهم علی العمل بقول الثقة غیر صحیح و ان قلت: بان الناس ان یرون هذا الخطاب شاملا لسیرتهم فلماذا عملوا بخبر الثقة فقلنا: ان عمل الناس باخبار الثقات کان لأجل ما ورد فی کلام الائمة علیهم السلام مما دل علی تخصیص الآیة بغیر خبر الثقة و اما اذا لم یرد منهم ما یصلح لتخصیص الآیة فهم یرون عموم الآیة شاملا لسیرتهم علی العمل بقول الثقة ایضا.

ثم إن المحقق الآخوند (قدس سره) قد قال بأن الآيات الناهية عن إتباع الظن لا تصلح للردع عن السيرة القائمة على العمل بقول الثقات و ذلك کان لاجل امرین:

الاول: ان الآیات الناهیة عن اتباع الظن انما وردت ارشادا الی عدم کفایة الظن فی اصول الدین لان تلک الآیات واردة فی سیاق الآیات العقائدیة و من هنا لایصح ان یقال برادعیة الآیات عن العمل بخبر الواحد فی الفروع و ان لم نقل بانصراف الآیات الی اصول العقائدیة فالقدر المتیقن فی مقام التخاطب یوجب الاجمال فی الآیة و الاخذ بالقدر المتیقن منها یقتضی ان نقول بانها رادعة عن العمل بخبر الواحد فی الاصول.

الثانی: ان عموم الآيات الناهية عن اتباع الظن و اطلاقها _علی فرض انعقاده_ لا تردع عن العمل بقول الثقات الا على وجه دائر و ذلك لأن رادعية الآيات الناهية عن اتباع الظن بعمومها و اطلاقها تتوقف على عدم حجية السيرة القائمة على العمل بقول الثقات إذ لو كانت السيرة حجة فلزم منه عدم حجية أصالة العموم الجارية في الآيات الناهية لأن الآيات في هذا الفرض تخصص بغير مورد السيرة و حينئذ لا تصلح الآيات للرادعية مع أن حجية أصالة العموم في الآيات الناهية و عدم تخصيصها بالسيرة تتوقف على ردع السيرة بالآيات و قد يلزم من ذلك توقف ثبوت الردع على الردع حيث إن الرادعية تتوقف على عدم حجية السيرة و عدم حجية السيرة تتوقف على الرادعية و هذا هو توقف الشيئ على نفسه لأن الرادعية متوقفة على الرادعية بهذا البيان و هذا ليس إلا دورا.

ثم قال (قدس سره): لایقال: أن القول بكون الآيات غير صالحة للردع عن السيرة على العمل بقول الثقات للزوم الدور يلازم مع القول بأن الاستدلال بالسيرة على حجية قول الثقة غير تام أيضا لاستلزامه الدور و ذلك لأن حجية السيرة تتوقف على عدم رادعية الآيات إذ لو كانت الآيات رادعة فيلزم منها عدم حجية السيرة مع أن عدم رادعية الآيات تتوقف على حجية السيرة لأن الرادعية منتفية فيما اذا قلنا بأن السيرة حجة و تخصَّص بها الآيات فالقول بحجية السيرة متوقف على عدم ثبوت الردع مع أن عدم ثبوت الردع متوقف على حجية السيرة فيلزم منه توقف الحجية على نفسها و هذا ليس إلا دورا فلذا إن الاستدلال بالسيرة على حجية خبر الثقة ليس إلا على وجه دائر فانه یقال: أن الاستدلال بالسيرة يغاير مع الاستدلال بعموم الآيات و اطلاقها لأن حجية أصالة العموم في الآيات منتفية فيما اذا احتملنا وجود المخصص له واقعا فإن أصالة العموم لاتجري في ناحية الآيات الناهية و لذا لاتصلح هذه الآيات للرادعية عن العمل بقول الثقات لأننا نحتمل بأن السيرة كانت مخصصة له و مجرد احتمال وجود المخصص الواقعي كاف في عدم حجية أصالة العموم و هذا بخلاف السيرة لأن السيرة حجة ما لم يثبت الردع عنها فإن أحرز الردع فتسقط السيرة عن الحجية مع ان الردع عن السيرة باصالة العموم الجارية في الآيات الناهية غير محرز لأن الاستدلال بها على ردع السيرة دوري فنحن لا نتمكن من الاستدلال بها للزوم الدور و لذا لا يثبت الردع بالآيات عن السيرة و يكفي في حجية السيرة مجرد عدم ثبوت الردع و احرازه مع أن أصالة العموم في الآيات الناهية لاتجري فيما اذا احتملنا وجود المخصص واقعا و من هنا لاتصلح الآيات بعمومها و اطلاقها للردع عن السيرة حيث إنه يحتمل أن السيرة كانت مخصصة لها واقعا و مجرد هذا الاحتمال كاف في سقوط أصالة العموم عن الحجية و لكننا لم نحرز الردع عن السيرة بعموم الآيات حتى نقول بأن السيرة لم تكن حجة و إذا لم يثبت الردع فنحن نحكم بحجية السيرة و اعتبارها و نستدل بها على حجية خبر الثقة.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo