< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد عبدالله احمدی‌شاهرودی

1401/07/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأمارات/حجیة قول اللغوی /القول المختار فی مبحث حجیة قول اللغوی

 

إن المحقق الآخوند (قدس سره) قد إدعى أمورا في مبحث حجية قول اللغوي و ينبغي التعرض إليها و النظر فيها:

الأمر الأول: إن قول اللغوي ليس بحجة لأن اللغوي لا يكون خبرة في تشخيص معانى الالفاظ و اللغات لأنه يجمع موارد الاستعمالات فقط و لا تكون آرائه و أنظاره في تعيين معانى الألفاظ مستندة إلى الحدس و الاجتهاد و إعمال الخبروية بل إنما كانت آرائه و أنظاره مستندة إلى سماعه من موارد الاستعمالات فاذاً كان اخبار اللغوي اخبارا حسيا و لا يكون حدسيا و بهذا البيان لا يصح أن يقال بحجية قول اللغوي من باب الخبروية.

مناقشة السيد الصدر في كلام الآخوند:

اولا: إن القول بحسية أخبار اللغوي لا يكون تضعيفا لإخباراته بل هو يوجب اعتبار إخباراته لأن الحدسية تضعيف لقيمة الأخبار و لكن حسية الخبر إنما تزيد في اعتباره حيث إن العقلاء بنوا بحسب فطرتهم الأولية على حجية الأخبار الحسية فالاصل عندهم هو اعتبار الأخبار المستندة إلى الحس لأن احتمال الكذب في الأخبار الحسية يندفع بعد احراز وثاقة المخبر كما أن إحتمال الخطأ فيها يندفع بأصالة عدم الخطأ الجارية في الأخبار الحسية لأن الخطاء قلما يتفق فيما اذا أدرك المخبر واقعة حسية و لذا تجري في الأخبار الحسية أصالة عدم الخطأ و إن العقلاء يأخذون بها مع أنهم بنوا على عدم حجية الأخبار الحدسية فكان الأصل عندهم هو عدم حجية الحدس حيث إن احتمال الكذب و إن كان مندفعا بعد احراز وثاقة المخبر الا أن أصالة عدم الخطأ لا تجري في الأخبار الحدسية لأن الحدس يكثر فيه الخطأ فلا يكون الأصل فيه عدم الخطأ لأن أصالة عدم الخطأ موضوعها الحس لقلة تطرق الخطأ في تلقي الواقعة الحسية مع أن تلقي خبر بالحدس يحتمل فيه الخطأ قويا و لذا لا تجري أصالة عدم الخطأ في الأخبار الحدسية و من هنا قلنا بأن الأصل و القاعدة الأولية هو عدم اعتبار الحدس لأن الخطأ قد يكثر فيه و لذا لا تجري فيه أصالة عدم الخطأ و لكن العقلاء استثنوا عن عدم الحجية في الحدسيات موردا و هو فيما اذا لم يحصل الحدس لأحد إلا بعد اعمال الاجتهاد و الخبروية فإذا لم يتمكن أحد من تلقي الخبر الحدسي الا بعد الاجتهاد و الخبروية فيحكم حينئذ بحجية ذلك الخبر الحدسي بعد تحصيله من طريق الاجتهاد و الخبروية و الحكم بحجية هذا السنخ من الأخبار الحدسية إنما يكون بملاك الانسداد العرفي لباب العلم فيها فالعقلاء لما يرون عدم تمكنهم من تحصيل الأخبار الحدسية الا بعد الاجتهاد و الدقة و الخبروية فيحكمون بإعتبار مقالة المخبر اذا كان قوله محصولا لإعمال الاجتهاد و الخبروية لأن باب العلم بهذا السنخ من الإخبارات الحدسية منسد عليهم و من هنا يحكمون بحجية آراء الخبرة من باب الانسداد.

ثانيا: إن قول اللغوي كثيرا ما يبتني على الاجتهاد و إعمال النظر فإن اللغوي و إن كان رأس ماله السماع و تتبع موارد الاستعمالات الا أنه قد يجتهد في تخريج معاني الألفاظ.

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام السيد الصدر:

أولا: إذا قلنا بحجية قول اللغوي من باب حجية قول أهل الخبرة فيكون قوله حجة بمجرد إحراز وثاقته و لا يشترط في اعتبار قوله التعدد و العدالة مع أننا لو قلنا بحجية قول اللغوي من باب الحس فاذاً يشترط في اعتبار قوله التعدد و العدالة و كان قوله حجة من باب حجية البينة و لکن السيد الصدر اشکل علی کلام المحقق الآخوند من دون النظر الی هذه النکتة و قال بأننا لو قلنا بإستناد قول اللغوي إلى الحس فيؤخذ بقوله قطعا لأن الحس أقل خطئاً من الحدس و كان الأصل الأولي عند العقلاء هو حجية الخبر الحسي لقلة خطئه و لذا إن القول باستناد قول اللغوي إلى الحس لا يضر بحجية قوله بل يزيد في اعتبار قوله لأن اعتبار الحس أزيد من الحدس حيث إنه يطابق مع الواقع في أغلب الموارد مع أن هذا الكلام من السيد الصدر ليس بتام إذ لو قلنا بحسية أخبار اللغوي فيشترط في إعتبار قوله التعدد و العدالة و كان قوله حجة من باب حجية البينة و لكننا لو قلنا بحجية قوله من باب الخبروية فلا يشترط في اعتبار قوله التعدد و العدالة بل يعتبر بقوله بمجرد الوثاقة من دون اشتراط التعدد و العدالة و يعلم من ذلك أن الخبروية بعد ثبوتها يوجب مزيد اعتبار في الخبر الحدسي لأن الخبر الحدسي لا يشترط في اعتباره التعدد و العدالة مع أن الخبر الحسي يشترط فيه التعدد و العدالة و إن قلنا بحجية قول اللغوي من باب الحس فلا مناص من الالتزام باشتراط التعدد و العدالة في اعتبار قوله و كان قوله حجة من باب حجية البينة و من المعلوم أن حجية قول اللغوي من باب حجية البينة أمر لا ينكره احد بل النزاع كان في حجية قوله من باب الخبروية و لذا إن القول بأن الخبر الحسي ازيد اعتبارا من الخبر الحدسي لا أساس له حيث إن الخبر اذا كان مستندا إلى الحدس فيؤخذ به بعد احراز وثاقة المخبر مع أن الخبر اذا كان مستندا إلى الحس فلا يؤخذ به الا بعد تعدد المخبر و كونهما عدلين.

نعم يمكن أن يذهب البعض إلى إشتراط التعدد مع العدالة في حجية قول أهل الخبرة أيضا و لكن الداعي لمن قال بحجية قول اللغوي بملاك الخبروية ليس إلا نفي اشتراط التعدد مع العدالة في حجية قوله و الا فما هو الوجه في القول بحجية قول اللغوي بملاك الخبروية مع أنه يمكن أن يقال بحجية قوله من باب الحس أيضا؟! مضافا إلى أن مقصود من أنکر خبروية اللغوي ليس إلا القول بإشتراط التعدد و العدالة فی اعتبار قوله مع أن المنكر إن قال باشتراط التعدد و العدالة في فرض الخبروية أيضا فلا يبقى حينئذ وجه لأن ينكر خبروية اللغوي فالعامل الوحید في النزاع حول خبرویة اللغوي و عدم خبرويته إنما يكون اثبات اشتراط التعدد و العدالة في قوله بنائا على حسية اخباره و عدم خبرويته و عدم اشتراطهما بنائا على خبرويته و الا لم يكن للخلاف و النزاع وجه و صار هذا النزاع لغوا محضا حيث إنه لم يترتب عليه أى ثمرة عملية فترتب الثمرة على النزاع انما يكون في رهن القول بعدم اشتراط التعدد و العدالة في حجية قول اهل الخبرة و اذا عرفت بأن المدعي لحجية قول اللغوي بملاك الخبروية إنما كان مقصوده نفي اشتراط التعدد و العدالة في حجية قوله تعرف بأن هذا المقصود لا يحصل بعد القول بإستناد قول اللغوي إلى الحس دون الحدس و القول بشدة إحتمال إصابة الخبر الحسي مع الواقع لا ينفع لنفي اشتراط التعدد و العدالة في حجية قول اللغوي بل إنما كان طريق النفي منحصرا في اثبات استناد قول اللغوي إلى حدسه و اجتهاده و الا لم يحصل المطلوب.

ثانيا: إن اللغوي ليس قوله مستندا إلى الحدس أصلا فهو إنما يجمع موارد الاستعمالات و يعتمد على سماعه للاستعمالات فقط و لا معنى لأن نقول بأن اللغوي قد يقيم البرهان و الاستدلال على أنظاره في باب تخريج معاني الألفاظ لأن تشخيص معانى الالفاظ ليس أمرا يحتاج إلى إقامة البرهان بل هو أمر يحصل بعد تتبع موارد الاستعمال.

ثالثا: إن الدليل الوحيد على حجية قول أهل الخبرة هى السيرة العقلائية مع أن السيرة على الأخذ بقول أهل الخبرة لم تثبت فيما اذا تمكن الفقیه و المجتهد من العلم بإخباراته الحدسية من الطرق الحسية فإننا لو سلمنا و قلنا بتطرق الحدس و الاجتهاد في تحصيل معانى الالفاظ و اللغات الا أنه لا دليل على حجیة قول اللغوي بعد ما تمكن الفقیه و المجتهد من العلم بمعنى اللغة من الطريق الحسي و قد مثلنا سابقا بأن الشخص إذا كان متمكنا من العلم بطلوع الشمس و غروبها و كان متمكنا أيضا من العلم بأول الشهور من طريق الفرمول الخاص مع أن الناس یتمكنون من العلم بهذه الامور من الطريق الحسي ایضا فهل یکون قول الخبرة حجة علیهم في سيرة العقلاء؟ كلا و لذا قال الفقهاء بعدم اعتبار قول المنجم لأن إخباراته و ان كانت مستندة إلى الحدس و الإجتهاد الا أنه يمكن للناس تحصيل العلم بإخباراته من الطرق الحسية ایضا فلم تستقر السيرة على لزوم الأخذ بقول الخبرة اذا يمكن تحصيل العلم بإخباراته عن الطرق الحسية فاللغوي إذا اجتهد و استنبط معنى من معاني الألفاظ فلا دليل على حجیة قوله و حدسه مع التمكن من العلم بمعنى اللغة عن الطرق الحسية.

الأمر الثاني: إن المحقق الآخوند قد قال بإعتبار حجية قول أهل الخبرة من باب إفادته للوثوق و الاطمئنان بحيث إن لم يكن يحصل الاطمئنان بقوله فلا يكون قوله حجة فالملاك لإعتبار قوله هو حصول الاطمئنان بقوله.

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام الآخوند:

إن حجية قول أهل الخبرة ليس من باب الوثوق و الاطمئنان و هذا أمر تدل عليه السيرة المتشرعية و السيرة العقلائية حيث إن المتشرعة لا يزالون يأخذون بفتوى المجتهد حتى اذا لم يحصل لهم الاطمئنان بموافقتها مع الواقع و العقلاء يأخذون بقول المقوم في تعيين قيمة الدور و الجواهر و إن لم يحصل لهم الاطمئنان بقوله و يأخذون بقول الطبيب أيضا في تشخيص الأمراض و الأسقام و لو لم يحصل الاطمئنان و الوثوق بقوله فإعتبار قول الخبرة ليس بملاك حصول الاطمئنان بقوله لأن العقلاء و المتشرعة يأخذون بقول أهل الخبرة و لو لم يطلعوا أصلا من مدرك قوله و مستنده فيعلم من السيرة العقلائية و المتشرعية عدم اعتبار الوثوق في حجية قول الخبرة.

الأمر الثالث: إن المحقق الآخوند قد قال بأن اللغوي يجمع موارد الاستعمالات فقط و لا يتعهد لتعيين المعنى الظاهر من اللفظ حتى يؤخذ بقوله و بعبارة أخرى: إن تجميع موارد استعمال اللفظ من دون النظر الى الاستعمال الحقيقي لا يترتب عليه أيُّ فائدة عملية لأن موضوع الحجية هو المعنى الظاهر من اللفظ مع أن اللغوي لم يتكفل لبيان المعنى الظاهر من اللفظ فلا يكون قوله حجة لعدم ترتب ثمرة عليه حيث إنه لم يتعهد لتعيين ما هو الموضوع للحجية بل هو يتعهد لبيان موارد الاستعمال مع أن مجرد تعيين المستعمل فيه لا ينفع.

مناقشة السيد الصدر في كلام الآخوند:

قال السيد الصدر بأن تجميع موارد الاستعمال قد يوجب انعقاد الظهور للفظ و لذا قد تترتب الثمرة و الفائدة العملية على تجميع موارد الاستعمال و قد ذكر السيد الصدر هنا فوائد له منها: إن اللفظ اذا لم يكن يحتمل فيه تعدد المعنى و إنما كان الشك في سعة معناه و حدوده كما في لفظ الصعيد مثلا فإذا أخبر اللغوي باستعماله في مطلق وجه الأرض ثبت بذلك الاطلاق في مثل آية التيمم[1] .

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام السيد الصدر:

إن الصعيد يستعمل في خصوص التراب حقيقة و هذا المقدار معلوم و متيقن مع أننا نشك في أنه هل كان حقيقة في مطلق وجه الأرض أو لا؟ و إخبار اللغوي لا يكشف عن كونه حقيقة في مطلق وجه الأرض حتى يثبت أن الصعيد في الآية ظاهر فيه يعني إن ظهور لفظ الصعيد في مطلق وجه الأرض يتوقف على العلم بأن الصعيد يستعمل حقيقة في مطلق وجه الأرض مع أن إخبار اللغوي باستعمال الصعيد في مطلق وجه الأرض لا يوجب العلم بكونه حقيقة فيه فاذاً لا يوجب ظهور لفظ الصعيد في مطلق وجه الأرض لأن اللغوي قال باستعمال لفظ الصعيد فيه و لم يقل بكونه حقيقة فيه و لذا یمکن ان یستعمل الصعید فی مطلق وجه الارض من باب عموم المجاز.

إن قلت:

إنا نعلم بأن الصعيد ليس له استعمال مجازي أصلا بل هو يستعمل دائما في المعنى الحقيقي فإذا أخبر اللغوي بأنه يستعمل في مطلق وجه الأرض نعلم بأنه يستعمل فيه حقيقة لأننا نعلم بأن لفظ الصعيد ليس له استعمال مجازي بل هو يستعمل دائما في المعنى الحقيقي فإذا ثبت استعماله في مطلق وجه الأرض فيكشف كون لفظ الصعيد حقيقة فيه.

قلنا:

لا يمكن لنا تحصيل العلم بأن اللفظ يستعمل في المعنى الحقيقي دائما و لم يكن يحتمل إستعماله في المعنى المجازي أصلا حيث إن تحصيل العلم بذلك مشكل و نادر جدا فنحن نحتمل إستعمال كل لفظ في المعنى المجازي و لا طريق لنا لنفي هذا الاحتمال.

و ينبغي في المقام التعرض إلى كلام الشيخ التبريزي (أعلى الله مقامه) حيث إنه قال: قد نعلم بواسطة استعمال اللفظ في المعنى كون اللفظ حقيقة فيه إذ لا نحتمل بأن إستعمال اللفظ مجاز فيه حيث إن الاستعمال المجازي مشروط بأمرين:

الأول: وجود القرينة على خلاف المعنى الحقيقي

الثاني: العلاقة المصحِّحة للإستعمال المجازي

فإن استعمل اللفظ في المعنى مع أن العلاقة المصحِّحة للإستعمال المجازي ما كانت موجودة بين الموضوع له و المستعمل فيه فيكشف من ذلك أن إستعمال اللفظ حقيقة في ذلك المعنا مثلا إننا نعلم بأن لفظ المولى استعمل في السيد حقيقة مع أنه قد يستعمل أيضا في ابن العم و لكن العلاقة المصححة للمجاز لم تكن موجودة بين السيد و ابن العم فيعلم من ذلك أن إستعمال لفظ المولا في ابن العم كان حقيقيا إذ لو كان استعماله فيه مجازا لوجب حينئذ وقوع العلاقة بينه و بين معنى السيد مع أن العلاقة مفقودة فيعلم من ذلك أن استعماله في ابن العم كان حقيقيا فالاستعمال حينئذ طريق إلى العلم بالوضع.

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام الشيخ التبريزي:

إن الاستعمال هنا طريق إلى العلم بالوضع فيما اذا أحرز أمران و هما إحراز إستعمال لفظ المولا حقيقة في معنى السيد و احراز إنحصار إستعمال لفظ المولا في معنيين حقيقيين يعني وجب أن نحرز بأن لفظ المولا لم يستعمل حقيقة الا في معنيين و لا يكون له معنى حقيقيٌّ ثالث لأن إحتمال وجود المعنى الحقيقي الثالث يوجب عدم العلم بالوضع حيث إنه يمكن وجود العلاقة بين ابن العم و بين ذلك المعنى الحقيقي الذي لا نعلمه و لكن العلم بأن اللفظ ينحصر معناه الحقيقي في إثنين مشكل جدا.

استدلال الشيخ الأعظم على حجية قول اللغوي:

إن انسداد باب العلم بتفاصيل معنى اللغات يوجب حجية قول اللغوي من باب كونه مفيدا للظن حيث إننا لا نقدر على استنباط الأحكام من متون الأخبار الا بعد العلم بمعنى اللغات و إن قلنا بعدم لزوم الرجوع الى قول اللغوي فإما نجري البرائة عن التكاليف الغير المعلومة موضوعها و إما أن نقول بوجوب الاحتياط في التكاليف الغير المعلومة موضوعها فعلى الأول يلزم تعطيل الدين و ترخيص الشارع في المخالفة القطعية العملية و على الثاني يلزم الوقوع في العسر و الحرج و كلاهما منفيان و لذا وجب الرجوع الى قول اللغوي حتى لا يلزم محذور.

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام الشيخ الاعظم:

إننا نقطع بمعنى كثير من الالفاظ و لا نحتاج بالمراجعة إلى كتب اللغة و الفقيه يرجع الى كتب اللغة عند الجهل بمعناه لكى يحصل له الاطمئنان به فعلى فرض حصول إلاطمئنان للفقيه بمعنى اللغة فيعمل هو على طبق اطمئنانه و لكن إن لم يحصل له الاطمئنان بمعنى اللغة حتى بعد الرجوع الى الكتب اللغوية فلا يجوز له العمل بقول اللغوي لعدم حجية قوله بل يرجع الفقيه الى الأصول العملية و من المعلوم أن رجوع الفقيه الى البرائة حسب الفرض لا يوجب تعطيل الشريعة كما أن رجوعه الى الاحتياط لا يوجب الوقوع في العسر و الحرج بداهة أن موارد جهل الفقيه و عدم علمه بمعنى اللغات نادرة جدا مع أنه إن إتفق جهل الفقيه بمعنى اللغة فهو يرجع الى الكتب اللغوية و يحصل له الاطمئنان بمعناه في كثير من الموارد فيعمل حينئذ على طبق اطمئنانه فقلما يتفق أن الفقيه يجهل بالمعنى و لم يحصل له الاطمئنان به حتى بعد التتبع في كتب اللغة فالألفاظ و اللغات التي لم يعلم الفقيه معناها و لم يكن يحصل له الاطمئنان بمعناها حتى بعد الرجوع إلى الكتب اللغوية نادرة جدا و لا يلزم من جريان الأصل في تلك الوقائع النادرة محذور تعطيل الدين أو الوقوع في العسر و الحرج.

القول المختار في المقام:

إن البحث في قول المختار يقع في مقامين:

المقام الأول: إن قول اللغوي هل يكون حجة من باب حجية البينة؟ يعني إذا شهد عدلان من اللغويين بمعنى اللفظ فهل يثبت حينئذ معنى اللفظ و هل يكون قولهما حجة من باب حجية البينة.

المقام الثاني: إذا شهد واحد من اللغويين بثبوت معنىً للفظ فهل يكون قوله حجة بعد احراز وثاقته من باب الخبروية و هل يثبت معنى اللفظ بمجرد شهادة الواحد الثقة من اهل اللغة؟

المقام الاول:

إن المحقق الآخوند (قدس سره) قد إدعى بأنه يمكن القول بأن قول اللغوي حجة من باب حجية البينة حيث إنه قد قال: إن المتيقن من إجماع العلماء على حجية قول اللغوي هو الرجوع اليه مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد و العدالة فالمحقق الآخوند و سائر المحققين و الأعلام قالوا بحجية قول اللغوي مع التعدد و العدالة من باب حجية البينة.

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام الأعلام:

إن دليل حجية البينة لا يكون له اطلاق حتى تثبت بذلك حجية البينة في الشبهات المفهومية بل الدليل إنما يدل على حجية البينة في خصوص باب القضاء و حجيته في خصوص الشبهات الموضوعية الخارجية حيث إن الدليل على حجية البينة إما كانت مختصة بباب القضاء و إما كانت مختصة بالشبهات الموضوعية الخارجية و أما الأول أي الدليل على حجية البينة في خصوص باب القضاء هو قول النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَ الْأَيْمَانِ و هذا يدل على حجية البينة في خصوص باب القضاء.

إن قلت:

إن قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) تدل على حجية البينة في الشبهات المفهومية في خصوص باب القضاء مثلا إذا قال المدعي بأن فلانا مدين لي بمليونين مع أن القاضي جاهل باللغة العربية و لا يفهم معنى المدين و لذا قال المنكر للقاضي في الرد على دعوى المدعي: بأن المدعي أراد أن يقول: خذ بيدي و إحملني إلى المدينة فهو يريد من المدين، المدينة فهل يجوز للقاضي الجاهل باللغة الرجوع الى كتاب اللغة و الاعتماد عليه بمقتضى هذه الرواية؟ قلنا: إن هذه الرواية لا تدل على جواز الرجوع الى البينة في الشبهات المفهومية في باب القضاء لأن الرسول قال إنما اقضي بينكم بالبينات و الأيمان مع أنه لم يأخذ بالبينة في الشبهات المفهومية في باب القضاء طول عمره الشريف حيث إنه لم يذكر في الأخبار و الآثار و كتب التواريخ بأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله و سلم) إشتبه عليه معنى اللغة في مقام القضاء ثم رجع الى قول اللغوي للعلم بمعنى اللفظ فلعدم معهودية مراجعة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) الى كتب اللغة في فهم معاني الألفاظ نقول بأن الرسول في مقام القضاء لم يرجع الى كتب اللغة أيضا فنحن بمقتضى هذه الرواية أمرنا في باب القضاء بسلوك الطريق الذي سلكه الرسول (صلى الله عليه و آله) في باب القضاء مع أنه لم يأخذ بالبينات في الشبهات المفهومية في باب القضاء فاذاً لا يجوز الاستدلال بهذه الرواية على جواز الأخذ بالبينات في الشبهات المفهومية في باب القضاء.

نعم يمكن أن يقال: بأن اطلاق أدلة باب القضاء كإطلاق رواية "البينة على المدعي و اليمين على من أنكر" يدل على حجية البينة في باب القضاء في مطلق الشبهات الاعم من الشبهة الموضوعية الخارجية و الشبهة المفهومية مع أن الاستدلال بإطلاق روايات باب القضاء ضعيف أيضا لأن هذه الروايات واردة في جواز القضاء بالبينة في الشبهات الموضوعية الخارجية لكونها منصرفة الى هذا القسم من الشبهات حيث إن النزاع و الخلاف في الشبهات المفهومية لم يعهد الى الآن في باب القضاء و النزاع بين الناس إنما يكون في الشبهات الموضوعية الخارجية و لم يعهد الى الآن نزاع الناس في مفاهيم الألفاظ و الرجوع الى القاضي لرفع الاختلاف فیها و لذا إنا نقول بأن هذه الروايات تنصرف إلى الشبهات الموضوعية الخارجية لأن النزاع في الشبهة المفهومية لم يعهد في باب القضاء فالأخبار الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) إنما ينصرف الى الوقائع التي تتفق في الخارج كثيرا ما مع ان النزاع في الشبهات المفهومية و المراجعة الى القاضي لإرتفاع النزاع فيها ليس أمرا يتفق في الخارج كثيرا بل كان وقوعه في الخارج في غاية الندرة و القلة و لذا قلنا بان أخبار باب القضاء تنصرف عن الشبهات المفهومية لقلة وقوعه في الخارج فاذاً لا يدل دليل على جواز رجوع القاضي الى البينة في الشبهات المفهومية بل وجب عليه الفحص حتى يطمئن بمعنى اللغة و اللفظ و لا يجوز له الاكتفاء بقول اللغوي.

و أما رواية مسعدة ابن صدقة فإنه تدل علی حجية البينة في الشبهات الموضوعية الخارجية دون الشبهات المفهومية و هذا ظاهر لمن لاحظ صدر الخبر و إليك نصه:

قد روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): "كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قِبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و مملوك عندك و هو حرّ قد باع نفسه، أو خُدِع فبِيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي اختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة" إن صدر الخبر يكون قرينة على أن حجية البينة تختص بالشبهات الموضوعية الخارجية حيث إن الإمام (عليه السلام) لم يمثل في كلامه الا بالشبهة الموضوعية فيعلم من ذلك انه كان بصدد بيان التكليف عند المواجهة مع الشبهات الموضوعية الخارجية فقط و ببيان آخر: إن قيام البينة على الخلاف في الشبهات الموضوعية الخارجية يمنع عن جريان الأصل فيها فاذاً تختص حجية البينة بتلك الشبهات بمقتضى هذا الخبر مع أن مسعدة ابن صدقة لم يكن يوثق في مجامعنا الرجالية فلا يعتبر بخبره فتحصل مما ذكرناه: إن حجية قول اللغوي لم تثبت حتى من باب حجية البينة لأن الدليل لايدل على حجية البينة حتى في الشبهات المفهومية و لذا لا يمكن أن يقال بأن قول العدلين من اللغويين حجة من باب حجية البينة لعدم ثبوت حجية البينة في الشبهات المفهومية.

لا يقال:

إن الاجماع كان على حجية البينة مطلقا و لذا كان قول اللغوي حجة من باب حجية البينة.

لأنه يقال:

ان القدر المتيقن من الاجماع هو حجية البينة في خصوص الشبهات الموضوعية الخارجية لا الشبهات المفهومية مع أن قدماء الأصحاب لم يتعرضوا إلى بحث حجية قول اللغوي حتى يمكن أن يقال: بأنهم أجمعوا على حجية قوله من باب حجية البينة.

المقام الثاني: هل يثبت معنى اللفظ بمجرد اخبار اللغوي بعد إحراز وثاقته بملاك الخبروية؟

يمكن أن يقال: إن السيرة العقلائية قائمة على لزوم رجوع الجاهل بالعالم و السيرة العقلائية حجة و لذا وجب الرجوع الى قول اللغوي بمقتضى هذه السيرة العملية و لكن هذا الكلام باطل جدا لأننا قلنا مرارا بأن السيرة يجب أن تكون في زمن الامام (عليه السلام) حتى يكشف الامضاء عن عدم ردعها يعني إن اثبات حجية قول اللغوي بالسيرة متوقف على أن نثبت وجود السيرة على الرجوع بقول اللغوي في زمن الامام (عليه السلام) مع أنه لم يثبت أن الناس فی زمان الامام (عیه السلام) يرجعون إلى اللغوي و يأخذون بقوله تعبدا من دون أن يحصل لهم الاطمئنان بقوله مع أن الإمام (عليه السلام) لم يردع عنه فليس وجود هذه السيرة محرزة في زمن الامام (عليه السلام) حتى يكشف الامضاء عن عدم ردعها.

لا يقال:

إن كبرى رجوع الجاهل بالخبرة و العالم من الكبريات التي قد استقرت عليها السيرة العقلائية.

لأنه يقال:

إن القاعدة و الكبرى الكلية قد تؤخذ من اطلاق الادلة اللفظية و من المعلوم أن السيرة هی عبارة عن مشی العقلاء و جريهم العملي على أمر في الخارج و لا يكون للسيرة لفظ حتى يؤخذ بإطلاقه بل السيرة كما قلنا ليس إلا العمل الخارجي فإذا إستقر مشى العقلاء و جريهم العملي في مورد فتثبت السيرة العقلائية حينئذ في ذلك المورد و إن لم يستقر مشي العقلاء و جريهم العملي في مورد فاذاً لم تثبت السيرة العقلائية في ذلك المورد فإثبات السيرة و نفيها دائر مدار عمل العقلاء خارجا و لذا لا يمكن القول بأن السيرة مطلقة حيث إن الاطلاق إنما يتطرق في الألفاظ لا في السير و الأعمال الخارجية و لذا إن كنا نثبت بأن السيرة استقرت على الرجوع بقول اللغوي في عهد الإمام (عليه السلام) فيثبت حينئذ وجود السيرة على الرجوع بقول اللغوي و إن لم نثبت ذلك فلا اطلاق حتى يتمسك به لوجوب رجوع الجاهل بالخبرة و العالم.

ان قلت:

انكم اذا أنكرتم وجود السيرة العقلائية على اطلاق لزوم رجوع الجاهل بالخبرة و العالم فاذاً لا تتمكنوا أن تستدلوا على جواز التقليد لأن عمدة الدليل على جواز التقليد هی کبری لزوم رجوع الجاهل بالعالم مع ان هذه الکبری تعد من الکبریات التی لا اساس لها و قد یدعی بأن السیرة علی رجوع المقلد بالمفتی و المجتهد تستقر فی عهد الائمة (علیهم السلام) و قد تدل جملة من النصوص علی وجود هذه السیرة فی عهدهم (علیهم السلام) و الیک بعضها:

منها: رواية عبد العزيز بن المهتدي و الحسن بن علي بن يقطين جميعاً، عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم‌.

و منها: ما في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب من قوله (عليه السلام) له: اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس، فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك‌.

و لکن هذه الأخبار لا تكون ناظرة إلى الاجتهاد المصطلح في زماننا بل إنما هى ناظرة إلى الاجتهاد البسيط في زمان الأئمة (عليهم السلام) فالسيرة في عهد الأئمة (عليهم السلام) إنما تستقر على إتباع رأى المجتهد و المفتي مع أن اجتهاد الأصحاب في زمان الأئمة (عليهم السلام) أمر بسيط و لا تبلغ صعوبته إلى درجة لم يتمكن أكثر الناس من النيل به و أما الاجتهاد في زماننا امر فی غایة الصعوبة لتراکم الشبهات و تعدد الاشکالات الفنیة فی المباحث المختلفة الاجتهادیة کمبحث الاستصحاب و العلم الاجمالی و البرائة و حجیة الظواهر و خبر الواحد مع ان رفع الاشکالات الفنیة و التعمیق فی تلک المباحث الاجتهادیة الصعبة امر لا یقدر علیه اکثر اهل العلم و من هنا ان کثیرا ممن یدعون النیل الی درجة الاجتهاد فی زماننا فهم یتوهمون النیل الیه حقیقة لانهم لا یقدرون علی التدقیق و التعمیق فی المباحث الاجتهادیة کما انهم لا یقدرون علی حل الشبهات و الاشکالات الفنیة فی مباحث مختلفة من علم الاصول فالاجتهاد فی زماننا مبتن على المقدمات الحدسية الصعبة و قد يكثر فيه الخطأ أيضا فاذا کان امر الاجتهاد فی زماننا کذلک فکیف یمکن ان نتعدی من السیرة علی التقلید فی عهد الائمة (علیهم السلام) الی التقلید فی زماننا؟! مع ان السیرة فی عهد الائمة (علیهم السلام) انما هی علی الرجوع بمن یقل الخطأ فی حدسه و اجتهاده و لکن الناس فی زماننا یرجعون الی من یکثر الخطأ فی حدسه و اجتهاده فکثرة الخطأ انما تنشأ من شدة تعقید المباحث الاجتهادیة فی زماننا مع ان الاجتهاد فی عهد الائمة لیس امرا مشکلا و صعبا فالإفتاء و الاجتهاد في عهد الأئمة (عليهم السلام) أمر يغاير مع الاجتهاد في زماننا لأن الاجتهاد في زماننا أمر حادث لم يكن في عهد الأئمة (عليهم السلام) فلم تثبت السيرة على التقليد بالمعنى المصطلح.

لا یقال:

انا لا نحتمل الفرق بین التقلید فی عهد الائمة (علیهم السلام) و التقلید فی زماننا فاذا ثبتت السیرة علی التقلید فی عهد الائمة (علیهم السلام) فیثبت التقلید فی زماننا ایضا.

لانه یقال:

ان وجود الفرق بین التقلید فی زماننا و التقلید فی عهد الامام (علیه السلام) امر لا یمکن انکاره حیث ان الناس فی زمان الامام (علیه السلام) یرجعون الی من یقل الخطأ فی اجتهاده و حدسه مع ان الناس فی زماننا یرجعون الی من یکثر الخطأ فی اجتهاده و حدسه و هذا الفرق واضح فلا یجوز الاستدلال بالسیرة علی جواز التقلید المصطلح فی زماننا فان لم نتمکن من الاستدلال بالسیرة علی التقلید فکیف یمکن اثباته من الادلة؟

قلنا: ان جواز التقليد من الأحكام البديهية العقلية و ليست بداهته أقل من بداهة استحالة إجتماع النقيضين لأن التقليد إن لم يكن جائزا على العوام فاذاً ينسد عليهم باب الأخذ و العمل بالاحكام لأنهم لا يقدرون على معرفة الأحكام إلا بعد الرجوع الى قول المجتهد مع أن الاحتياط في جميع الوقائع المشتبة ينجر إلى اختلال النظام و الوقوع في العسر و الحرج و إجراء البرائة أيضا في جميع الوقائع المشتبة يوجب تعطيل الشريعة و الترخيص في المخالفة القطعية العملية فالطريق الواحد للعمل بالاحكام هو الرجوع إلى قول المجتهد فلا نحتاج إلى قاعدة وجوب رجوع الجاهل بالعالم مع أن هذه القاعدة بكليتها لم تثبت في سيرة العقلاء.

فتحصل مما ذكرناه: إن القول بحجية قول اللغوي قول لا أساس له و لا يحتاج الفقيه بالرجوع الى قول اللغوي في أكثر الموارد لأن معانى الألفاظ واضحة معلومة عند الفقيه في أكثر الموارد و مع الجهل بها يرجع الفقيه الى كتب اللغة فإن حصل له الاطمئنان بمعنى اللفظ بعد المراجعة إلى كتب اللغة فيجوز له الإفتاء و إن لم يحصل له الاطمئنان بمعنى اللفظ فلا يجوز له الإفتاء مستندا إلى قول اللغوي بل يرجع الى مقتضى الأصل العملي.

لا يقال:

إن باب العلم بتفاصيل معاني الألفاظ و لو من حيث السعة و الضيق كان منسدا علينا حيث إن مفهوم الماء يكون من أوضح المفاهيم مع أنه قد أختلف في سعة مفهومه اذ أختلف في أنه يصدق على الماء الصناعي أو السيل الغليظ او لا يصدق عليهما؟ و بعد خفاء معانى الألفاظ من حيث السعة و الضيق فأنتم يكف تدعون بأن أكثر المفاهيم واضحة معلومة عند الفقيه؟!

لانه یقال:

إن تعيين معانى الألفاظ من حيث سعتها و ضيقها لا يرتبط بالفقيه اصلا حيث إن الفقيه كان يفتي بنحو القضية الحقيقة و قال مثلا: يجب الوضوء بالماء و أما إن عنوان الماء هل يصدق على الماء الصناعي أو لا يصدق عليه؟ فلا يرتبط بالفقيه اصلا.


[1] بحوث فی علم الاصول، ج4 ص295، 296.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo