< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد عبدالله احمدی‌شاهرودی

1401/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأمارات/حجیة الظواهر/التحقیق حول حجیة ظاهر الکتاب و رد مقالة الاخباری

 

قد ذكر في كلام البعض بأنه لا يمكن أن تكون الآية الناهية عن الأخذ بالمتشابه مجملة و متشابهة إذ يلزم منه نقض الغرض بتقريب: ان الغرض من هذه الآية الشريفة هو إنتهاء الناس عن الأخذ بالمتشابه مع أننا إن قلنا بإجمال عنوان المتشابه فيلزم حينئذ أن لا يفهم الناس معنى المتشابه في الآية فاذاً لا ينتهى الناس بنهى الآية لأنهم ما فهموا معنی المتشابه حتى انتهوا بالنهی عن الأخذ به فيلزم من ذلك نقض الغرض من نزول هذه الآية الشريفة.

مناقشة الأستاذ (دام ظله) في هذا الكلام:

إن هذا الكلام فاسد جدا لأن الغرض و هو الانتهاء عن الأخذ بالمتشابه لا يتوقف على كون معنى المتشابه في الآية مبينا و معلوما إذ الغرض يحصل حتى مع عدم وضوح معنى المتشابه يعني إنا إذا احتملنا دخول شيئ كالظاهر مثلا تحت عنوان المتشابه المنهي عن الأخذ به في الآية فحينئذ يسقط ذلك الشيئ عن الحجية بمجرد احتمال توجه النهي عن الأخذ به و إن المولا اذا ألقى الكلام على نحو يوجب الشك و الترديد في حجية شيئ فلا ريب حینئذ في سقوط ذلك الشيئ عن الحجية بمجرد تطرق الاحتمال في عدم حجيته و من هنا قد اتفق الكل على أن المولا اذا ألقى خطابات متعددة ثم كان بصدد بيان نكتة حول خطاباته الصادرة منه و سد شخص في هذا الحال باب خطاب المولا بوضع اليد على فمه فلا ريب حينئذ في أن ظواهر الخطابات الملقاة منه غير حجة لأنا نحتمل أنه كان بصدد الإخبار عن كون بعض ظهورات كلامه غير مراد له و هذا هو الشك في قرينية الموجود لا في أصل وجود القرينة و لذا لا تجري أصالة عدم القرينة حينئذ لأنا نقطع بأن المولا كان في صدد وصف خطاباته بشيئ و لكن شككنا في أن هذا الوصف مرتبط بظهورات كلامه و مخل لها أو لا؟ فالشك كان في قرينية الموجود لا في أصل وجود القرينة و لذا يكفي مجرد هذا الاحتمال في سقوط ظهورات كلامه عن الحجية و هكذا اذا وصل إلينا كتاب القانون مع أنا نعلم بإحتراق بعض صفحات الكتاب فلا ريب في عدم حجية الخطابات الواردة في الكتاب لأنا نحتمل وجود القرينة المخلة بالظهورات الموجودة في الصفحات المعدومة و مع وجود هذا الاحتمال تسقط تلك الخطابات عن الحجية و من هنا اذا قلنا بأن لفظ المتشابه في الآية كان مجملا و متشابها فيسقط حينئذ عن الحجية كل ما احتمل دخوله تحت عنوان المتشابه لوجود الشك في قرينية هذه الآية على عدم حجية ما احتمل انطباق عنوان المتشابه عليه و هذا هو الشك في قرينية الموجود و الشك في قرينية الموجود يخل بظهور الخطاب قطعا.

إن قلت:

المحكم ليس إلا غير المتشابه و إذا قلنا بإجمال مفهوم المتشابه فالمحكم صار مجملا أيضا لأنه يقابل المتشابه و اذا كان المحكم متشابها فلا يجوز الأخذ بمحكمات الكتاب لأنا لا نعلم مفهومه و لذا لا يمكن لنا تمييز المتشابه عن المحكم حتى يمكن لنا الأخذ بالمحكم.

قلنا:

إن المحكم ليس بمعنى غير المتشابه حتى يقال بأن اجمال مفهوم المتشابه يوجب إجمال مفهوم المحكم بل المحكم هو الصريح الذي لا يحتمل فيه الخلاف و لذا لا يكون في مفهومه الإجمال حتى إنسد لنا باب الأخذ به.

التحقيق حول معنى الآية:

ثم إن البحث في تفسير الآية يقع في مقامين:

المقام الأول: نقل ما ذكره السيد الطباطبائي فی تفسير الآية.

المقام الثاني: المناقشة فيما أفاده السيد الطباطبائي.

المقام الاول (نقل ما ذکره السید الطباطبائی فی تفسیر الآیة):

إن السيد الطباطبائي قال في تفسير الميزان بأن آيات الکتاب علی قسمين:

القسم الأول: المحكم بنفسه

القسم الثاني: المتشابه أو المحكم بغيره

و قد وصف المحكمات بأنها أم الكتاب و الأم بحسب أصل معناه هو ما يرجع إليه الشيئ و الوجه لوصف المحكمات بالأمّ هو أن المتشابه بعد الرد و الرجوع اليها صار مبينا و محكما فالمتشابه و إن كان مجملا بنفسه إلا أنه بعد الرجوع الى المحكم صار مبينا فإذاً كان المراد بالمتشابه هو كون الآية على نحو لا يتعين المراد منها بمجرد استماعها بل تتردد بين معنى و معنى حتى ترد و ترجع إلى المحكمات فتصير الآية بعد الرجوع الى المحكمات مبينة و واضحة فالمتشابه صار محكما بواسطة الآية المحكمة مثلا إن السامع بمجرد استماع قوله سبحانه و تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ إشتبه عليه الأمر فإذا رد هذه الآية إلى مثل آية ﴿ليس كمثل شيئ﴾ إستقر ذهنه على أن الله أراد بقوله: الرحمن على العرش استوى التسلط على الملك و الإحاطة على الخلق دون التمكن على المكان المستلزم للتجسم المستحيل على الله سبحانه و تعالى.

المقام الثاني (مناقشة الأستاذ دام ظله في كلام السيد الطباطبائي):

و قبل بيان المناقشة في كلام السيد الطباطبائي ينبغي ذكر الآية تيمنا ثم بيان معناها فإن الله سبحانه و تعالى قال في سورة آل عمران:

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾

و قد يتطرق في جملة ﴿الراسخون في العلم یقولون آمنا به کل من عند ربنا﴾ احتمالان:

الاحتمال الأول: أن تكون هذه الجملة جملة مستأنفة و غير مرتبطة بما قبلها فإذاً يرجع الفاعل في يقولون إلى الراسخین في العلم و الآية تقسم الناس إلى قسمين: القسم الأول من الناس هم الراسخون في العلم و هم الذين وصفهم الله سبحانه و تعالى في الآية بأنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا يعني إنهم بمجرد عدم فهم المتشابه لما كذبوا النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و ما إتهموه بالكذب في دعوى النبوة و أما القسم الثاني من الناس هم الذين كانوا في قلوبهم مرض و زيغ لأنهم يأخذون بمتشابهات الآيات و يقولون مثلا بأن في الكتاب آيات متناقضة حيث إن آية من الكتاب كآیة ﴿لیس کمثله شیئ﴾ نص في نفي التجسيم مع أن آية أخرى منه كآية ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ ظاهر في ثبوت التجسيم و قالوا بأن هذا هو التناقض في القرآن فاذاً كانت الآيات متناقضة معا ثم قالوا بأن القرآن ليس من الله إذ لو نزل القرآن من عند الله لما وجدنا فيه هذه المناقضات فمن كان في قلبه زيغ يتمسك بمتشابه الآيات لتكذيب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و اتهامه بالكذب و اما الذين وصفهم الله في الآية بالراسخين في العلم لم يتوسلوا بالمتشابه لتكذيب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بمجرد عدم فهمه بل یقولون بأننا آمنا به كل من عند ربنا.

الاحتمال الثاني (و هو المؤيَّد بجملة من الأخبار):

إن جملة ﴿الراسخون في العلم يقولون آمنا به کل من عند ربنا﴾ ليست جملة مستأنفة لأن الراسخین في هذه الجملة عطف على "الله" في جملة ﴿و ما يعلم تأويله الا الله﴾ يعني العلم بتأويل المتشابهات كان مختصا بالله و بالراسخين في العلم و لا يكون العلم بالتأويل عند غيرهم فاذاً لم يرجع الضمير في يقولون إلى الراسخین في العلم لأن الإيمان و التصديق بما جاء في الكتاب لما كان مختصا بالراسخين في العلم بل هو موجود عند كل من لم يكن في قلبه مرض فإن قلنا برجوع الضمير إلى الراسخین في العلم للزم إختصاص الايمان بالكتاب بالراسخين في العلم مع أن الإيمان و التصديق بالكتاب لما كان مختصا بهم بل هو موجود عند كل من يتبع الحق فجملة ﴿يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ سيقت للجواب عن الإشكال المقدر و هو: إذا كان العلم بتأويل المتشابه مختصا بالله و بالراسخين في العلم و لا تنال أيدينا إلى معنى المتشابه فما هي وظیفتنا عند المواجهة مع هذه الآيات؟ فالآية تعين وظيفتنا عند المواجهة مع آيات لم يكن العلم بها عندنا حيث قال: ﴿يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ يعني إنكم أمِروا بالتصديق و الإيمان بكل ما جاء في الكتاب و لذا كانت هذه الجملة جملة خبرية في مقام الإنشاء يعني إن الله تبارك و تعالى أراد بقوله ﴿يقولون آمنا به کل من عند ربنا﴾ الأمر بالتصديق و الإيمان بكل ما جاء في الكتاب فاذاً كان يقولون بمعنى ليقولوا أي يجب عليكم القول بأننا آمنا بالكتاب.

ثم إنه قد ورد في جملة من الأخبار بأن المعصومين (عليهم السلام) هم الراسخون في العلم و ليس العلم بالتأويل عند غيرهم و بعد ملاحظة هذه الطائفة من الأخبار كان الاحتمال الثاني في تفسير الآية متعينا فاذاً لم يكن العلم بالتأويل عند غيرهم و بعد ذكر هذه المقدمة تظهر المناقشة في دعوى السيد الطباطبائي لأنه قال: بأن المتشابه صار محكما بعد رده إلى الآية المحكمة مع أن الوجه فی وصف المحکمات بالأُمّ ان کان لمرجعیتها لفهم المتشابه و کان التأویل معناه هو رد المتشابه الی المحکم لغایة المعرفة بمعنی المتشابه فاذاً لا تختص معرفة تأویل المتشابه بالله و بالراسخین فی العلم بل التأویل أمر یفهمه کثیر من الناس حیث ان التأویل علی حسب ادعاء السید الطباطبائی لیس الا بمعنی رد المتشابه الی المحکم لغایة المعرفة بمعنی المتشابه مع أن التأویل ان کان بهذا المعنا لما کان العلم به مختصا بالله و بالراسخین فی العلم کما تدل علیه الآیة الشریفة بل هو أمر لا یخفی علی کثیر من الناس مع أن الآیة تنادی بأعلی صوته بأن فهم تأویل المتشابه یختص بالله و بالراسخین فی العلم فیعلم من ذلک ان التاویل لیس بالمعنی الذی قال به السید الطباطبائی و الا فما هو الوجه فی قوله سبحانه و تعالی و ما یعلم تأویله الا الله و الراسخون فی العلم؟!

و بعد أن عرفت المناقشة في كلام السيد الطباطبائي تعرف أن المراجعة إلى المحكمات كآية ليس كمثله شيئ لا يعين المراد من المتشابه كآية ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ مثلا فإنا بعد الرجوع إلى المحكم نعلم أن ظاهر المتشابه ليس مرادا لله سبحانه و تعالى و أما أن المراد من الآية أىُّ معنى من المعاني؟ فليس العلم به عندنا بل هو يختص بالله و بالراسخين في العلم حسب الآية و من هنا تظهر المناقشة في كلام السيد الطباطبائي حيث قال بأن السامع بعد الرجوع الى الآية المحكمة كآية ﴿ليس كمثله شيئ﴾ يعلم تأويل آية ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ يعني إنه يعلم بأن مراد الآية من الاستواء هو التسلط على الملك و الإحاطة على الخلق مع أن هذا الكلام باطل جدا لأن العلم بمعنى المتشابه و تأويله لا يحصل بالرجوع الى المحكم إذ العلم بالتأويل كان مختصا بأهله و أما عامة الناس فلا علم لهم بالتأويل حتى بعد الرجوع إلى المحكم.

نعم إن الناس بعد الرجوع إلى المحكم يعلمون أن ظاهر آية ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ ليس مرادا لله سبحانه و تعالى و أما أن المراد منه أىُّ معنى؟ فلا علم لهم به لأنه يحتمل أن يراد من الآية معنى غير الإحاطة و السيطرة على الخلق.

ثم إن الله سبحانه و تعالى أشار بقوله: ﴿وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة و إبتغاء تأويله﴾ إلى فعل المغرضين و المعاندين حيث إنهم يأخذون بظاهر ما دل من الآيات على ثبوت التجسيم مع أنهم يطرحون الآيات الكثيرة الصريحة في نفي التجسيم و هذا الأمر ينشأ من الزيغ و المرض في قلوبهم لأنهم کانوا یتمسكون بهذه الآيات لكى يتهموا النبي بالتناقض في القول مع أن الملاك و المعيار في العلم بمقاصد المتكلم و مراداته الجدية هو أننا نأخذ بما قاله المتكلم مكررا في الشرائط المختلفة و بألسن مختلفة و في الأزمنة المختلفة مثلا إذا أوصى عالمٌ طول عمره بالعزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) بحيث صار هو معروفا بالذب و الدفاع عن عزاء سيد الشهداء (صلوات الله عليه) و لكن تحدث في مجلس واحد بكلام كان ظاهره هو المنع عن اقامة العزاء على سيد الشهداء عليه السلام فلا يؤخذ حينئذ بظاهر كلامه إذ ظاهر كلامه يخالف مع سيرته العملية طول حياته فالعلم بسيرته العملية القطعية يمنع عن الأخذ بظهور الكلام الصادر منه في مجلس واحد فإننا لا نأخذ بظهور كلامه و نقول بأن ظاهر كلامه ليس مرادا و مقصودا له قطعا و أما أنه ماذا أراد بكلامه هذا؟ فلا نعلمه و لكن إذا أخذ شخص بظاهر كلامه و قال بأنه أراد المنع عن إقامة العزاء على سيد الشهداء (عليه السلام) فيقال له: بأنك مريض إذ أنت تأخذ بظاهر واحد و تطرح السيرة العملية الثابتة للعالم طول حياته!

ثم إن المعاندين لله و الرسول يأخذون بجملة من الآيات الدالة بظاهرها على التجسيم و يتهمون النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بالكذب في دعوى النبوة مع أنهم يطرحون الآيات الصريحة الكثيرة في نفي التجسيم فهذا يكشف عن وجود المرض في قلوبهم حيث إنهم يدعون صريح الآيات في نفي التجسيم و لكنهم يأخذون بجملة من الظواهر الدالة على ثبوت التجسيم مع أن الأساس و المعيار في العلم بمقاصد المتكلم و مراداته الجدية هو الأخذ بسيرته العملية القطعية و ما صدر منه مکررا في مواضع مختلفة لا الأخذ بما صدر منه مرة واحدة و لذا يجب علينا القول بأن ظاهر آية ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ ليس مرادا لله سبحانه و تعالى جدا لأن صراحة كثير من الآيات و الأخبار تنفي ارادة ظهور تلك الآية من الله سبحانه و تعالى بحيث يعد نفى التجسيم من قطعيات شريعة الإسلام و لكن المعاندين يغضون النظر عن صريح الآيات و الأخبار و يأخذون بظواهر جملة من الآيات ثم يحتجون بها على النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و هذا يكشف عن وجود الزيغ و المرض في قلوبهم لأنهم ما كانوا متبعين للحق بل إنما كان غرضهم هو تكذيب النبي فقط.

و على ضوء ما ذكرناه تعرف المناقشة في كلام الأصوليين حيث إنهم قالوا بأن المراد من المتشابه في الآية هو المجمل بالذات مع أن المراد بالمتشابه في الآية ليس المجمل بالذات بل المراد منه هو المجمل بالعرض لأن المجمل على قسمين:

القسم الأول: المجمل بالذات ك رأيت عينا لأن مفهوم العين يتردد بين عدة من المعانى و لذا لا نفهم من العين في هذا الكلام أىَّ معنى فهذا يكون مجملا بالذات.

القسم الثاني: المجمل بالعرض كآية ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ حيث إن ظاهر الآية معلوم و واضح لأن الآية تدل بظاهرها على أن الله تعالى قائم على عرشه فالآية ليست مجملة بالذات لأننا نفهم من الآية معنى و لكننا نعلم أن ظاهر الآية لا يراد قطعا بعد ملاحظة الآيات الصريحة و الأخبار المتواترة في نفي التجسيم مع أننا لا نعلم ما المراد من الآية واقعا؟ فتصير الآية مجملة بالعرض و المراد بالمجمل بالعرض هاهنا هو الإجمال في المفهوم لا الإجمال في المصداق كما قاله السيد الصدر لأن مفهوم الآية و إن كان واضحا الا أننا نعلم بعدم ارادة المفهوم الظاهر منها و أما أن مفهوم الآية واقعا و تأويلها ما هو؟ فليس لنا العلم به فالآية تصیر مجملة بالعرض و الاجمال كان في ناحية المفهوم دون المصداق.

لا يقال:

إنا إذا قلنا بوجود المتشابه مفهوما في الكتاب فلا يكون الكتاب المشتمل على المتشابه نورا و هاديا إلى الطريق المستقيم لأن الناس يهتدون بالكتاب اذا فهموا من آياته معنى مع أننا إن التزمنا بوجود المتشابه مفهوما في آيات الكتاب فلايقدر الناس حينئذ على فهم معناها حتى يهتدون بها فاذاً لا بد لنا من إنكار وجود المتشابه المفهومي في الكتاب بل نحن نقول بوجود المتشابه المصداقي فيه و التأويل في المتشابه المصداقي يصدق فيما إذا طبقنا المفهوم المبين من اللفظ على مصاديقه الجلية دون الخفية.

لأنه يقال:

إن هذا المحذور يلزم حتى إذا قلنا بوجود المتشابه المصداقي في الكتاب لأن الغرض من نزول الكتاب و هو الهداية لا يحصل حتى على فرض وجود المتشابه المصداقي فيه و لا فرق في هذه الجهة بين المتشابه المفهومي و المتشابه المصداقي مثلا إذا قال المولا بأني أطلب البطّيخ مع أن البطيخ له مصاديق و أفراد جلية و لكن المولا أراد المصداق الخفي منه و لكنه لم ينصب قرينة على إرادته للمصداق الخفي فهل يكون هذا النوع من التكلم هاديا إلى مطلوب المولا و مراده؟! كلا فالالتزام بالمتشابه المصداقي في الكتاب لا يدفع المحذور بل هو عين الالتزام بالمحذور.

و قد عرفت مما ذكرناه أن فهم تأويل المتشابه و العلم به لا يحصل بعد المراجعة إلى محكم الكتاب لأن فهم التأويل كان مختصا بالله و بالراسخين في العلم أى المعصومين (عليهم السلام) و من هنا لا بد لنا من الرجوع إلى الأئمة (عليهم السلام) لفهم تأويل متشابه الكتاب و لا يغنينا الكتاب عن الرجوع الى الأئمة (عليهم السلام) لفهم تأويل المتشابه.

هل يجب الرجوع إلى المعصومين (عليهم السلام) للأخذ بمحكم الكتاب؟

بعد أن وصلت إلينا الروايات الكثيرة بمضمون إنما يعرف القرآن من خوطب به و إنى تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي لا مجال للريب في أن الأخذ بمحكم الكتاب لا يجوز لنا الا بعد الرجوع إلى المعصومين (عليهم السلام) و إن وصل إلينا خبر قطعى سندا و دلالة و كان هو مخالفا لمحكم الكتاب فلا ريب في تقديم الخبر على المحكم لأن المعصومين (عليهم السلام) كانوا مفسرين و مترجمين لآيات الكتاب و لذا قدم كلامهم على صريح الكتاب و محكمه و تقدیم قول الائمة علی القرآن الذی هو کتاب القانون للاسلام أمر عقلائي أيضا لأن العقلاء كلهم يرون تقديم قول الشُّرطى و مجرى القانون على كتاب القانون فالائمة (عليهم السلام) كانوا شارحين و مترجمين للكتاب فلا ريب في تقديم قولهم على محكم الكتاب مع أن كلام المعصومين (عليهم السلام) هو كلام الله عزوجل و لا ريب في أن الله عزوجل إذا تكلم بكلام ثم أعلن عن طريق الائمة (عليهم السلام) بأني لم أُرِد من هذا الكلام معناه الصريح بل أريد منه معناه الخفي و البعيد عن الاذهان غاية البعد فلا ريب حينئذ بلزوم طرح صريح الكتاب و الأخذ بالمعنى الخفي لأن المتكلم الذي تكلم بهذا الكلام صرح بأني لم أرد من الكلام معناه الصريح فاذاً لا يكون الصريح حجة بل الحجة هو المعنى الخفي و البعيد عن الأذهان و من البديهي أن كلام المعصوم (عليه السلام) كان كلام الله عزوجل و هذا أمر مسلم قطعي و نطق به الكتاب و الأخبار و إليك بعضها:

﴿و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى﴾ و كان يقول الإمام الصادق (عليه السلام):

حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي وَ حَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي وَ حَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الْحُسَيْنِ وَ حَدِيثُ الْحُسَيْنِ حَدِيثُ الْحَسَنِ وَ حَدِيثُ الْحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ[1] .

لا يقال:

إن أخبار العرضة تدل على أن قول الأئمة (عليهم السلام) إذا لم يوافق مع الكتاب فيجب طرحه فيعلم من هذه الأخبار وجوب تقديم الكتاب على قول الأئمة (عليهم السلام).

لأنه يقال:

إن أخبار العرضة ناظرة إلى الأخبار التي ليس صدورها عن الإمام (عليه السلام) بقطعي حيث إن المخالفين و المعاندين كانوا يضعون الأخبار المخالفة مع الكتاب ثم ينسبونها إلى الأئمة (عليهم السلام) حتى يتهموهم (عليهم السلام) بأنهم يقولون بما خالف القرآن و الأئمة (عليهم السلام) قالوا بأن قولنا إذا لم يوافق مع القرآن فهو زخرف فاضربوه على الجدار و هذا الكلام منهم ناظر إلى الأخبار الموضوعة التي وضعها المعاندون للطعن على الأئمة (عليهم السلام) و لكن الخبر إذا أحرز أنه صادر من الإمام قطعا و كان قطعيا بحسب الدلالة أيضا فلا ريب في تقديمه على صريح الكتاب و محكمه و لا تكون أخبار العرضة ناظرة إلى هذا السنخ من الأخبار القطعية سندا و دلالة.


[1] الکافی ج1 ص53 ط الاسلامیة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo