< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد عبدالله احمدی‌شاهرودی

1401/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأمارات/ حجیة الظواهر/

 

الأمر الخامس: قد استدل السيد الصدر على حجية الظواهر بوجود السيرة المتشرعية على العمل و الأخذ بظواهر خطابات الكتاب و السنة و هذه السيرة القطعية بين المتشرعة ناشئة من أمر الأئمة (عليهم السلام) بالأخذ و العمل بظاهر الكتاب في روايات كثيرة:

منها: الروايات الدالة على أن الأئمة (عليهم السلام) أمروا بعرض الأخبار المتعارضة على الكتاب و رد المخالف له و من المعلوم أن هذه الأخبار صريحة في لزوم الأخذ بالخبر الموافق مع ظاهر الكتاب فالمتشرعة يعلمون بظواهر الكتاب بعد ملاحظتهم لهذه الأخبار.

و منها: رواية عبد الأعلى مولى آل سام الّذي سأل الإمام عليه السلام عن رجل انقطع ظفره فوضع عليه مرارة فما ذا يصنع بلحاظ المسح؟ قال عليه السلام: هذا و أمثاله يعرف من كتاب اللَّه ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح على المرارة.

قد يؤمى الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: أن هذا و أشباهه يعرف من كتاب الله إلى أن الحكم في هذه الواقعة لا يحتاج إلى السؤال لأن حكم الواقعة يستفاد من الكتاب و من هنا يعرف أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يحثون الشيعة على المراجعة بالكتاب و استفادة الأحكام منه و لذا قد يظهر من هذه الرواية منع الإمام الصادق عن سؤال حكم مثل هذه الواقعة التي يعرف حكمها من كتاب الله.

أقول: إنّ الاستدلال بالسيرة المتشرعية على العمل بالظواهر في قبال الاستدلال بالسيرة العقلائية على العمل بها خاطئ جدا لأن أمر الشارع بالأخذ و العمل بظواهر الألفاظ لا يوجب حدوث السيرة بين المتشرعة بل كلامه هو إمضاء للسيرة الحادثة بين العقلاء حيث إن السيرة العقلائية ثابتة حتى مع فرض عدم صدور أمر الشارع بالأخذ بظواهر الخطاب فالمتشرعة يعملون بظواهر الخطاب لا بما أنهم متشرعون بل بما أنهم يعدون من أفراد العقلاء و من هنا ليست السيرة المتشرعية سيرة مستقلة في قبال السيرة العقلائية بل المتشرعة يعملون بظواهر الخطاب لكونهم من أفراد العقلاء.

نعم إن قلنا بأن الشارع لم يردع عن السيرة العقلائية بل أمضاها و أكد عليها في الأخبار لكان هذا القول صحيحا و اما الإستدلال بالسيرة المتشرعية في قبال الاستدلال بالسيرة العقلائية فغير صحيح قطعا مع أن الاستدلال بأخبار العرضه و خبر عبد الأعلى مولى آل سام غير تام في المقام إذ أخبار العرضه تدل على وجوب العمل بالخبر الموافق مع الكتاب و أما إنَّ موافق ظاهر الكتاب هل يكون موافقا للكتاب أو يكون مخالفا له فهذا اول الكلام و لا تدل عليه هذه الأخبار إذ بنائا على حجية الظواهر كان الموافق لظاهر الكتاب موافقا له و اما بنائا على عدم حجيته لا يكون الموافق لظاهر الكتاب موافقا له فالاستدلال بهذه الأخبار على كون الموافق لظاهر الكتاب هو الموافق للكتاب غير تام.

نعم إن السيرة العقلائية القائمة على الأخذ بالظواهر تدل على موافقة الظهور الكتابي للكتاب اما هذه الأخبار مع قطع النظر عن هذه السيرة العقلائية قاصرة عن الدلالة على موافقة الظهور الكتابي مع الكتاب فدلالة هذه الأخبار لا تستقيم بدون ضمها إلى السيرة العقلائية مضافا الى أنه لا يستفاد من آية ما جعل عليكم في الدين من حرج وجوب المسح على المرارة بل الآية انما تدل على سقوط وجوب الوضوء فقط اذا كان حرجيا و لذا إن كنا نحن و الآية يسقط بها وجوب الوضوء و الصلاة معا و استدلال الإمام (عليه السلام) بالآية إما أن يكون إقناعيا و إما أن يكون استدلال الإمام بالآية هو لاثبات عدم وجوب المسح على الرجل اذا كان مجروحا فالآية لا تدل على المسح على المرارة بل هو ينفي وجوب الوضوء فقط اذا كان حرجيا.

الأمر السادس: يمكن أن يقال بعدم إمكان ردع الشارع عن السيرة العقلائية القائمة على الأخذ بظواهر الألفاظ لأن ردع الشارع يتحقق بإلقاء الخطاب الظاهر في ردع هذه السيرة و الظاهر لا يصلح لردع الظاهر حيث إن ردع الظاهر بالظاهر متوقف على كون الظاهر الرادع حجة و من المعلوم أن حجية الظاهر الرادع مساوق لعدم حجيته إذ هو ينفي حجية الظواهر مع أن نفس هذا الدليل الرادع يعد من جملة الظواهر و لذا يلزم من نفي حجية الظاهر به نفي حجيته أيضا لأنه يكون مصداقا للظاهر و من هنا لا يصح التمسك بعموم أمثال إن الظن لا يغني من الحق شيئا لردع حجية الظواهر.

أقول:

إن هذا الإشكال ليس بصحيح إذ يمكن أن يجاب عنه بجوابين:

الجواب الأول: يمكن أن يردع الشارع عن هذه السيرة بالكلام الصريح في نفي حجية الظواهر لا بالكلام الظاهر فيه مثل أن يقول بأني لم أجعل الظهور حجة مطلقا و إن كان شخص يعمل بالظاهر فإني أعاقبه في صورة مخالفة الظاهر للواقع و ليس الظاهر عذرا له و من هنا لا ينحصر ردع السيرة بالخطاب الظاهر حتى يستشكل بأنه لا يمكن ردع الظاهر بالظاهر بل يمكن ردع حجيته بالخطاب الصريح في المقصود.

إن قلت:

يستحيل أن يصدر الكلام الصريح فی نفی حجیة الظن من الشارع إذ الكلام الصريح هو ما نقطع بكون مفاده مرادا جديا للمتكلم مع أن القطع بكون مفاد الكلام مراد جديا للمتكلم لا يحصل الا بعد القطع بكونه في مقام البيان و القطع بكون المتكلم في مقام البيان لا يتحقق حتى فيما اذا صرح المتكلم بكونه في مقام البيان لا في مقام التقية أو الاجمال لأن قول المتكلم بأني لم أكن في مقام التقية يمكن أن يصدر منه من باب التقية أيضا فلا یحصل القطع حینئذ بكون المتكلم في مقام البيان و من المعلوم أن القطع بكون المتكلم في مقام البيان يعد من مقدمات القطع بكون مفاد الكلام مرادا جديا له و مع عدم تحقق هذه المقدمة ينتفي القطع بكون مفاد الكلام مرادا جديا للمتكلم فتنتفي صراحة كلامه و من هنا قلنا بأن صدور الكلام الصريح من الشارع فی نفی حجیة الظن غير ممكن و لذا يستحيل ردع السيرة بالكلام الصريح.

قلنا:

إن عدم العلم بكون المتكلم في مقام البيان لا ينافي صراحة كلامه بل ينافي مع العلم بمراده الجدي حيث إن الضابط و المعيار في اتصاف اللفظ بكونه صريحا هو أن يكون استعماله في غير معناه المستعمل فيه غلطا أو مستنكرا بدون القرينة فإذا كان استعمال اللفظ في المعنا بهذا الشكل فيعد اللفظ حينئذ صريحا في المعنا لا ظاهرا فيه و من هنا لا يحتاج إلى التمسك بكبرى حجية الظهورات و من المعلوم أن البحث في باب حجية الظواهر إنما يكون حول ظاهر الفاظ كلام المتكلم فقط و لا يكون البحث هاهنا أعم من ظاهر حال المتكلم و من ظاهر الألفاظ الصادرة منه و أصالة كون المتكلم في مقام البيان تعد من الأصول العقلائية المعينة لظاهر الحال و لذا كان هذا الأصل العقلائي أجنبيا عن بحث حجية الظواهر إذ البحث في حجية الظواهر يدور حول ظاهر الألفاظ لا ظاهر الحال.

نعم اذا كان استعمال اللفظ في المعنا بشكل لا يكون استعماله في المعنى الآخر غلطا و مستنكرا بدون القرينة و لكن كان ارادة المعنى الآخر من اللفظ خلاف الظاهر فحينئذ يعد اللفظ ظاهرا في معناه المستعمل فيه و لذا يحتاج في اثبات حجية ظهور الألفاظ في هذه المعانى إلى كبرى حجية الظواهر مثلا إن استعمال صيغة إفعل في الاستحباب ليس بمستنكر عرفا حتى مع عدم القرينة و لكن مع ذلك كله كان استعماله في الاستحباب خلاف الظاهر و لذا يعد الوجوب معنى ظاهرا من صيغة إفعل و أما استعمال الجبن في الكتاب بدون القرينة يعد مستنكرا في العرف و من هنا يعد استعمال الجبن في معناه صريحا لا ظاهرا و مع ملاحظة هذه المقدمة يعرف أن الشارع يمكن أن يردع عن حجية الظواهر بألفاظ كان استعمالها في غير المعانى المستعملة فيها غلطا أو مستنكرا بدون القرينة و اذا ألقى الشارع خطابه بهذه الكيفية فلا مجال للترديد في كون كلامه صريحا في نفي حجية الظهور.

الجواب الثاني: قد طرحت في المنطق شبهة كان حلها موجبا لاندفاع الاشكال و المناقشة في إمكان ردع الظاهر بالظاهر و هو إن قال شخص بأن كل خبري كاذب فقد تخطر حينئذ في الذهن شبهة و هى أن صدق سائر أخبار المتكلم ينتفي مع صدق خبر المتكلم بكل خبري كاذب و صدق هذا الخبر يوجب كذب نفس هذا الخبر فنفى صدق سائر الأخبار يتوقف على صدق كلّ خبري كاذب و صدق كل خبري كاذب مساوق لكذب نفسه إذ المتكلم يخبر عن كذب جميع إخباراته و يعد نفس هذا الخبر أى كل خبري كاذب من جملة إخباراته فيشمل هذا الخبر نفسَه فيلزم من صدقه كذبه و هذا الإشكال يجري في المقام إذ ظاهر آية إن الظن لا يغني عن الحق شيئا إما لا يكون حجةً و إما يكون حجةً فعلى الاول لا تصلح الآية للردع إذ المفروض عدم حجية الظاهر و على الثاني يلزم من حجيته عدم حجيته إذ الآية ظاهرة في نفي حجية الظواهر فاذاً كان الدليل رادعا عن حجية نفسه إذ هو مصداق للظاهر فلا يصلح الظاهر لردع الظاهر إذ يلزم من نفيه لحجية الظاهر نفي حجية نفسه لمصداقية نفسه للظاهر و هذا الإشكال في المقام ليس صحيحا اذ يمكن أن يجاب عنه بأن الدليل النافي لصدق جميع إخبارات المتكلم لا يشمل نفسه حيث إن ملاحظة سيرة العقلاء و جريهم العملي شاهد على أنهم يرون الخبر النافي لصدق جميع الإخبارات منصرفا عن نفسه لأن شمول خبر كل خبري كاذب لنفسه يستلزم محذور الدور فالعقلاء لأجل اندفاع هذا المحذور يرفعون اليد عن خبر كل خبري كاذب و يرون عدم شمول هذا الخبر لنفسه و هذا الجواب يجري في المقام حيث إن العقلاء يرون الظاهر النافي عن حجية الظواهر منصرفا عن نفسه و قالوا بأن الظاهر الرادع لا يشمل نفسه و من هنا لا يلزم من حجيته عدم حجيته.

الأمر السابع: قد يستفاد من كلام الشيخ _على ما في المنتقى_ بأن دلالة الظاهر على المراد دلالة قطعية و ليست بظنية إذ المتكلم الحكيم اذا كان في مقام البيان و قال جئني بماء فلا يعقل أن يراد من الماء حينئذ غير المعنى الظاهر منه مع العلم بكون المخاطب يفهم من اللفظ المعنى الظاهر لأن ارادة المعنى الآخر من اللفظ يكون نقضا للغرض و يعد خلافا للحكمة إذ هو يستعمل اللفظ في معنى لا يفهمه المخاطب لأن المخاطب يفهم ظواهر الألفاظ مع أن المتكلم لم يستعمل اللفظ في ظاهره.

أقول:

هذا الإشكال باطل أيضا إذ العلم بالمراد الجدي يتوقف على العلم بكون المتكلم في مقام البيان مع أنا لا نعلم أن المتكلم كان في مقام البيان إذ يحتمل كونه في مقام التقية أو كونه في مقام الهزل أو الإجمال و من هنا نثبت كون المتكلم في مقام البيان بالأصل العقلائي حيث إنا لا نعلم ذلك و مع عدم العلم به لا معنى للعلم بالمراد الجدي لأن القطع بكون المتكلم في مقام البيان يعد من مقدمات القطع بمراداته الواقعية و من هنا نقول بأن الظاهر ظنية مضافا إلى أن القطع بالمراد الجدي لا يحصل بواسطة ظواهر كلام الشارع لأن ديدن الشارع و منهجه استقر على بيان العمومات أو الاطلاقات ثم تخصيصها أو تقييدها بالخطابات المنفصلة فالشارع لا يكفي بخطاب واحد لبيان مراداته الجدية بل هو يبين مراداته في ضمن خطابات متعددة و لذا انا لا نعلم مراداته الجدية بواسطة أحد خطاباته الظاهرة فلا يحصل بظاهر كلام الشارع العلم بمراداته الجدية.

الأمر الثامن: قد اختلف بين الأعلام فی وحدة أصالة عدم القرينة مع أصالة الظهور و تعددهما فذهب جمع منهم إلى الوحدة بينما الآخرون ذهبوا إلى التعدد و لكن هذا النزاع لا يترتب عليه أى ثمرة عملية و نحن قلنا كرارا بأن كشف السيرة فيما لم تكن للخلاف ثمرة بين العقلاء غير ممكن فالعقلاء يأخذون بظواهر الألفاظ خارجا و نتيجة الخلاف في وحدة أصالة عدم القرينة مع أصالة الظهور و تعددهما عديم الثمرة فی سيرة العقلاء و من هنا لا طريق لنا إلى كشف السيرة هاهنا يعني انا لا نقدر أن نعلم أن العقلاء يجرون أصلين متعددين ثم يأخذون بمداليل الكلام أو يجرون أصلا واحدا و على فرض كشف وحدة الأصلين معا أو تعددهما في السيرة لا يكشف إمضاء الشارع عن عدم ردع هذه السيرة لأن امضاء الشارع يكشف عن عدم ردع سيرة كان عدم ردعها موجبا لإلقاء الناس في خلاف الشرع مع أن عدم ردع السيرة عن الوحدة أو التعدد لا يوجب القاء الناس في الخلاف.

و بعد ذكر هذه الأمور الثمانية ندخل في البحث عن حجية الظواهر فنقول:

إن الأصوليون ذكروا تفاصيل اربعة في حجية الظواهر:

الأول: التفصيل بين حجية ظواهر الكتاب و حجية ظواهر الأخبار فذهب جمع إلى حجية الثاني دون الأول.

الثاني: التفصيل بين حجية ظواهر الكلام على من قصد إفهامه و عدم حجيتها على من لم يقصد إفهامه و هذا التفصيل قد ينسب إلى المحقق القمي (قدس سره).

الثالث: التفصيل بين حجية الظاهر مع عدم الظن بالخلاف و عدم حجيته مع الظن بالخلاف.

الرابع: التفصيل بين حجية الظاهر مع الظن بالوفاق و عدم حجيته مع عدم الظن بالوفاق (و هذا هو المختار بشرط أن يراد من الظن بالوفاق الظن النوعي لا الظن الشخصى)

تقريب قول المختار:

اذا صدر من المتكلم الذي كان يوصي دائما بإحياء شعائر اهل البيت كلام في تضعیف هذه الشعائر المقدسة فظهور كلامه ليس بحجة إذ الناس مع علمهم بجريه العملي لا يظنون بكون ظاهر كلامه مرادا جديا له و اذا كان الظهور بنحو يستبعد كافة الناس كونه مرادا جديا للمتكلم فهذا الظهور لا دليل على حجيته إذ الدليل لحجية الظواهر هي السيرة العقلائية و السيرة العقلائية يجب أن تكون معاصرة لزمن الإمام (عليه السلام) حتى يكشف الإمضاء عن عدم ردعها مع أن وجود السيرة على الأخذ بالظاهر الغير المظنون موافقته مع المراد الجدي غير معلوم في زمان الإمام (عليه السلام) و لذا لا طريق لنا إلى كشف إمضاء هذه السيرة عن عدم الردع حيث إن وجود هذه السيرة في زمن الإمام (عليه السلام) غير محرزة.

إن قلت:

إن بعض الأخبار يدل على أن الظاهر الغير المظنون موافقته مع المراد الجدي كان حجة و كان على الناس الأخذ بها مثلا إن أبان سمع من قول رسول الله كلاما يستبعد كونه منها و لذا قال بأن هذا الكلام إنما جاء من قبل الشيطان لا من قبل رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) مع أن الإمام (عليه السلام) قال له: مه يا أبان إنّك أخذتني بالقياس، و السنّة إذا قيست محق الدين فالامام (عليه السلام) في هذه الرواية يأمر بأخذ الظواهر حتى مع الظن بعدم كونه من قبل رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و من هنا یکشف وجوب العمل بالظاهر و لو مع عدم الظن بالوفاق.

أقول:

ان هذا الإشكال ليس بصحيح اذ الشخص قد يستبعد كون الظاهر مرادا جديا للشارع مع الإستناد إلى القياس أو سائر الوجوه العقلية التي كانت من قبل نفسه فلا يجوز حينئذ للشخص رد ظاهر كلام الإمام (عليه السلام) بمجرد هذه الوجوه المخترعة عن نفسه كالقياس و بعبارة أخری: بعد أن وصلت إلينا الأخبار الكثيرة الدالة على أن دين الله لا يصاب بالعقول و ليس شئ أبعد عن عقول الرجال من دين الله و السنة اذا قيست محق الدين فلا يبقى مجال للريب في أن الشارع لا يرضى بترك أحكامه في فرض مخالفة الأحكام مع عقول الناس فليس لأحد بعد ملاحظة هذه الروايات رفع اليد عن احكام الشريعة بمجرد كونها مخالفة لعقله فالعقل لا يصلح لأن يكون ميزانا لإعتبار الأحكام الصادرة من الشارع و أبان ردَّ حکم الشریعة بالقياس و الشرع يمنع من رد الأحكام بالقياس و الوجوه العقلية و هذا بخلاف ما اذا ظَنَّ الشخص بعدم موافقة ظهور كلام الشارع مع مراده الجدي لعلمه و معرفته بمذاق الشارع و جريه العملي فلا دليل حينئذ على وجوب العمل بظاهر كلامه اذ المانع عن الاخذ بظاهر کلام الشارع علی هذا التقدیر هی سیرته العملیة لا الوجوه العقلیة کالقیاس حیث ان القیاس او سائر الوجوه العقلية قد یکون موجبا للظن بعدم موافقة ظهور کلام الشارع مع مراده الجدی فلا یجوز حینئذ رفع الید عن ظاهر کلام الشارع بحسب الأخبار و اما اذا کان العلم بمذاق الشارع و سيرته العملية موجبا للظن بعدم موافقة ظهور كلامه مع مراده الواقعي فلا دلیل حینئذ علی وجوب الأخذ بظاهر کلامه اذ المانع عن الاخذ بالظاهر هی السیرة العملیة التی تعلم من الشارع و من هنا قلنا بأن العام الملقى من الشارع في الشرائط المختلفة و بألسن مختلفة لا يخصَّص بالمخصص الواحد مثلا اذا قال المولا أكرم العلماء بخطابات متعددة و بألسن مختلفة و في الشرائط المختلفة فلا يخصص حينئذ هذا العام الملقى منه بالمخصص الواحد لأن القاء العام منه مكررا يدل على كون مراده الجدي هو العام فظهور المخصص الواحد لا يكون حجة لمخالفته مع ما استقر مشى المولا عليه و من هنا كان مشي الفقهاء قديما و حديثا على طرح المخصص الواحد في قبال العمومات الكثيرة أو المتواترة لأن ملاحظة العمومات الكثيرة الصادرة من المولا لا يوجب الظن نوعا بموافقة ظهور المخصص مع مراد المولا جدا و من هنا يعرف أن الظهور اذا لم يظن بموافقته مع مراد المولا فلا دليل على حجيته بل الدليل _و هو مشى الفقهاء و جريهم العملي على طرح ظهور المخالف مع مراد المولا_ قائم على ردعه.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo