< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد عبدالله احمدی‌شاهرودی

1401/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: الأمارات/حجیة الظواهر /مقدمة البحث

 

بعد التكلم حول مقتضى الأصل في مشكوك الحجية تصل النوبة إلى البحث في الأمارات المعتبرة العقلائية أو الشرعية و من المعلوم أن ظواهر كلام المتكلم إنما تعد من الأمارات العقلائية و لذا نبحث في هذا الفصل عن حجية الظواهر و لكن ينبغي أن نتذكر أمورا قبل الورود في أصل البحث:

الأمر الاول: كبرى حجية الظواهر تعد من الكبريات المسلمة عند الكل و لا اشكال لأحد فيها بداهة أن الشارع إن اخترع طريقا آخر غير الطريقة المتداولة العقلائية في مقام تفهيم مقاصده و مراداته لبيّنه و علمه الناس مع أن الشارع لم يتذكر في آية أو رواية بأن له طريقا آخر غير الطريقة العقلائية فيعلم من ذلك أن الشارع لم يسلك طريقا آخر غير الطريقة العقلائية في مقام تفهيم مقاصده و بهذا البيان كان حجية ظواهر كلام الشارع أظهر من الشمس و أبين من الأمس.

دفع توهم:

يمكن أن يقال في مقام الإشكال بأن مدرك حجية الظواهر هي السيرة العقلائية مع أنكم تنكرون حجية السيرة فكيف تستندون إليها لإثبات حجية الظواهر؟!

 

الجواب:

نحن أنكرنا حجية السيرة العقلائية لعدم وجود دليل على اعتبارها بل الدليل يساعد على عدم اعتبارها و من تلك الأدلة هي ما وردت عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بمضمون أن عليكم أن تسألوا و لكن ليس علينا الجواب و إليك نص الخبر:

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا ع فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ‌ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‌ فَقَالَ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ وَ نَحْنُ الْمَسْئُولُونَ قُلْتُ فَأَنْتُمُ الْمَسْئُولُونَ وَ نَحْنُ السَّائِلُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ‌ حَقّاً عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ حَقّاً عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا قَالَ لَا ذَاكَ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا فَعَلْنَا وَ إِنْ شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ‌ بِغَيْرِ حِسابٍ‌.

و هذا الخبر ينادى بأعلى صوته ان بيان الأحكام الواقعية الإلهية لایجب على الأئمة (عليهم السلام) و لذا قال الإمام (عليه السلام): بأن عليكم السؤال و لكن نحن الأئمة إن شئنا أجبنا و إن شئنا لم نجب و من هنا يظهر أن ما إستدل به على حجية السيرة فاسد جدا لأنه قد يقال: بأن عدم ردع الإمام (عليه السلام) عما يخالف الشريعة كاشف عن إمضائه له لأن على الإمام بيان الحكم الواقعي و من عدم بيان الحكم الواقعي بواسطة الإمام (عليه السلام) يظهر مطابقة ما كان بمنظره و مرئاه للشريعة و هذا الكلام فاسد جدا بملاحظة هذه الأخبار حيث إنه يمكن أن يسكت الإمام (عليه السلام) عن بيان الحكم الواقعي لأجل مصلحة من المصالح كالتقية مثلا و قد نری کثیرا ما في اخبار الأئمة (عليهم السلام) أن إماما ألقى خطابا عاما و لكن الإمام الآخر يبين مخصِّصه فالامام (عليه السلام) عند القائه للخطاب العام لم يبين حكما واقعيا بل الإمام يبين حكما ظاهريا فيعلم من ذلك أنه لا يجب على الإمام (عليه السلام) بيان الحكم الواقعي في كل زمان و مكان و الا لما صح أن تصدر خطابات العام المتكفل لبيان الحكم الظاهري منهم و إن سلمنا و قلنا بوجوب بيان الحكم الواقعي على الإمام و لكن لا دليل على وجوب بيان كل حكم واقعي بواسطة كل واحد من الأئمة (عليهم السلام) حيث إن الدليل على فرض وجوده يدل على وجوب بيان الأحكام الواقعية تدريجا على مجموع المعصومين الاربعة العشر لا على كل واحد منهم و من هنا نری أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مثلا ألقى خطابا عاما مع أن مخصصه یأتی بالتدريج في لسان الإمام الصادق (عليه السلام) فالمعصومون بأجمعهم كانوا متصدین لبيان الأحكام الواقعية و ليس على كل إمام بوحده بيان جميع الأحكام الواقعية و من هنا يمكن أن يكون بأيدينا خطابٌ عام مع أن مخصصه يأتي في زمان مولانا بقية الله الأعظم (أرواحنا فداه) كما يمكن أن استقرت سيرة مخالفة للشريعة في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) مثلا مع أن الردع عنها يصدر من مولانا بقية الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمان ظهوره لأن بيان جميع الأحكام الواقعية كما قلنا مفترض على مجموع المعصومين الاربعة عشر (عليهم السلام) لا على كل واحد منهم و لذا لا يجب على الامام الصادق (عليه السلام) ردع كل السير المخالفة للشرع و بيان الحكم الواقعي فی ذلک المورد بل يمكن وجود السيرة المخالفة للشريعة في زمانه مع أن الردع عنها يصدر في زمان مولانا بقية الله (أرواحنا فداه) فتحصل مما ذكرناه:

اولا: لا دليل على وجوب بيان الحكم الواقعي على الأئمة (عليهم السلام) في كل زمان و مكان بل الدليل يساعد على خلاف ذلك.

ثانيا: لو سلمنا و قلنا بوجوب بيان الحكم الواقعي على الإمام (عليه السلام) و لكن مع ذلك كله لا دليل على أن الواجب على كل واحد من الأئمة (عليهم السلام) بيان جميع الأحكام الواقعية بل يجب على مجموع المعصومين الاربعة عشر (عليهم السلام) بيان الأحكام الواقعية على نحو التدريج و من هنا قلنا بأنه يمكن أن يصدر من الإمام الصادق (عليه السلام) خطاب العام مع أن مخصِّصه یأتی في زمان ظهور مولانا بقية الله الأعظم (ارواحنا فداه) و على ضوء ما ذكرناه تعرف أن حجية السيرة العقلائية لا أساس لها و لكن مع ذلك كله إنا نقول بحجية السيرة العقلائية على اتباع ظهورات كلام المتكلم و منه الشارع لأن القول بعدم حجية ظهورات كلام الشارع يستتبع هدم الشريعة و لغوية البعثة و لغوية الخطابات الصادرة من الشارع فيكشف من هذه التوالي الفاسدة حجية ظواهر كلامه.

الأمر الثاني: قد أشكل جمع من العلماء في حجية بعض الظهورات كظواهر الكتاب و قد طرح جمع من العلماء الاشكال صغرويا يعني انهم أنكروا انعقاد الظهور للكتاب بينما طرح الآخرون الاشكال كبرويا بمعنى أنهم انكروا حجية الظهورات بعد الاعتراف بانعقادها و سيأتي إن شاء الله المناقشة و الاشكال في قولهم.

الأمر الثالث: في معني الظهور:

الظاهر عبارة عما يفهمه عامة الناس و لذا قلنا بأن الضابط لتعيين المعنى الظاهر هو أن يكون المعنى على وجه يفهمه عموم الناس و اما اذا كان المعنى يحصل بالاجتهاد و الدقة فلا يعد معنى ظاهرا من اللفظ لأجل خفائه عن نظر العرف فالمعنى المستند إلى القرائن الخفية لا يعد معنى ظاهرا من اللفظ فلا قيمة له مع أنا ان سلمنا و قلنا بأن الظهور قد ينعقد بالقرائن الخفية عن نظر العرف و لكنه لا قيمة له لأن الوجه في حجية الظهور هى السيرة العقلائية و السيرة العقلائية يجب أن تكون معاصرة لزمن المعصوم حتى يكشف الإمضاء عن عدم ردعها و لكن وجود السيرة على الأخذ بمعنى تحصل من القرائن الاجتهادية غير محرزة حيث إنه لم يشهد شاهد و لا يدل دليل على أن سيرة الأصحاب قد استقرت على الأخذ و العمل بظهورات قد خفيت على عامة الناس مع كونها جلية عند خواص الاصحاب و أجلائهم و مع عدم العلم بوجود هذه السيرة بين الأصحاب في زمان الأئمة (عليهم السلام) لا طريق لنا لكشف امضاء الشارع لها لأن السيرة يجب أن تكون محرزة في زمن الإمام حتى يكشف الامضاء عن عدم ردعها و مع عدم احراز وجود السيرة في زمان الإمام (عليه السلام) لا طريق لنا إلى كشف امضاء الشارع لتلك السيرة و من هنا قلنا بأن القرائن الخفية عن نظر العرف لا توجب انعقاد الظهور للرواية مطلقا حتى في مورد نطمئن بأن العرف اذا عرضت تلك القرائن الخفية عليهم لفهموا من الرواية معنى غير ما يفهمونه منها اولا حيث إن القدر المتيقن من الدليل أي السيرة هو حجية الظهورات البدوية للكلام لا ما هو ظاهر منه بعد اعمال النظر و الدقة و على هذا الاساس قد ناقشنا في كلمات بعض الأعلام فقها و اصولا:

منها: قد وقع الخلاف في قرائة يطهرن في آية ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ فقرأ جمع حتى يَطهُرْنَ بينما قرأ الآخرون حتى يَطَّهَّرنَ و هذا النزاع في القراءة له ثمرةٌ فقهيةٌ لأن الآية إن قرئت بالنحو الأول فالنتيجة هو جواز الوطى بعد حصول النقاء من الحيض و قبل تحقق الاغتسال مع أن الآية إن قرئت بالنحو الثاني فلا يجوز حينئذ الوطي بعد النقاء و قبل الاغتسال بل الجائز من الوطي انما هو بعد الاغتسال فقط و لكن قد أنكر البعض ترتب الثمرة على هذا النزاع و قالوا بأن ذيل الآية يرفع اجمال الصدر حيث إنه ورد في ذيل الآية ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ فلفظ تَطَهَّرْنَ في ذيل الآية يرفع اجمال الصدر حيث إنه بمفهومه يدل على عدم جواز الوطي في فرض عدم وجود التطهر و لكن قد أشكل جمع کالسيد الخوئي و الشيخ التبريزي (قدس سرهما) في هذا الكلام و قالوا بأن المفهوم لا يستفاد من الذيل لدخول فاء النتيجة على لفظ يَطَّهَرْنَ فلفظة فاء تدل على أن الجملة بعدها مترتبة على الجملة قبلها و من هنا ليست الجملة الواقعة بعد الفاء جملة مستقلة عما قبلها و لذا لا يكون لها مفهوم رافع لإجمال الصدر.

نعم إن دخل لفظ الواو على الجملة الواقعة في الذيل فيصح حينئذ القول بوجود المفهوم له.

هذا الكلام من السيد الخوئي ليس بتام حيث إن مناقشته في وجود المفهوم للجملة و تفريقه بين الفاء و الواو يكون ناشئا من الدقة الخفية عن نظر العرف مع أن الظهور لا يحصل بالدقة الحاصلة من الاجتهادات الشخصية بل الظهور هو ما يفهمه كل الناس حتى العوام منهم و اما ادعاء انعقاد الظهور للألفاظ بواسطة الآراء الاجتهادية الشخصية فغير صحيح قطعا.

و منها: قد نهى الامام (عليه السلام) بحسب الأخبار عن تنخيع الذبيحة قبل موته حيث قال (عليه السلام): لَا تَنْخَعِ الذَّبِيحَةَ حَتّى تَمُوتَ، فَإِذَا مَاتَتْ فَانْخَعْهَا

قد أفتى السيد الخوئي بعدم تحقق الذبح الشرعي في فرض وقوع التنخيع قبل موت الذبيحة لظهور النهي في المعاملات في الارشاد الى الفساد مع أن كل الفقهاء قد أفتوا بالحرمة أو الكراهة التكليفيين و لم يفتِ أحد بالحرمة الوضعية أي عدم تحقق الذبح الشرعي فيعلم من ذلك عدم تمامية فتوى السيد الخوئي لأنه استفاد من الرواية معنى يخالف ظهور الرواية فيه حيث إن فتوى كل الفقهاء شاهد على ظهور الرواية في معنى غير ما أفتى به السيد الخوئي ففهم الأصحاب كلهم من الرواية أقوى شاهد على أن المعنى الذي استفاده السيد الخوئي (قدس سره) منها مخالف لظهور الرواية.

منها: انا أنكرنا حجية استصحاب العدم الأزلي لأن دليل الاستصحاب و هو لا تنقض اليقين بالشك قاصر عن شموله لاستصحاب العدم الأزلي حيث إن لفظ اليقين ظاهر عرفا في اليقين بالقضية السالبة بانتفاء المحمول لا اليقين بالقضية السالبة بانتفاء الموضوع مثلا اذا قيل بأن المرأة لم تكن قرشيا فهذه القضية ظاهرة عرفا في أن الموصوف أي المرأة موجود و في ظرف وجوده لم تتصف بكونها قرشية لا أن المرأة في ظرف عدم تحققها لم تتصف بوصف القرشية و لذا لا یصح أن يقال: بكون هذه القضية متيقنة سابقا فنستصحبها و من هنا لا يجوز استصحاب عدم كون المرأة قرشية لليقين بعدم اتصافها بوصف القرشية في ظرف عدم تحقق المرأة خارجا لأن اليقين بالقضية السالبة بإنتفاء الموضوع و إن كان يعقل ثبوتا الا ان لفظ اليقين الوارد في ادلة الاستصحاب منصرف عرفا عن اليقين بالقضية السالبة بانتفاء الموضوع فلا دليل اثباتا على جواز الاستصحاب اذا تعلق الیقین بالقضیة السالبة بانتفاء الموضوع.

الامر الرابع: ان الاصول اللفظیة العقلائیة علی قسمین:

الاول: الاصول العقلائية المنقحة لصغرى الظهور و هي عبارة عن الطرق المستكشف منها ظهور كلام المتكلم و مراده الاستعمالي و قد یعد منها التبادر و صحة الحمل و الإطراد و قد يذكر في علم الاصول بأن التبادر كاشف عن المعني الحقيقي مع أن تبادر المعنا من اللفظ ليس بكاشف عن المعنى الحقيقي إذ التبادر أعم من الحقيقة و المجاز حيث إنه يمكن أن يكون تبادر المعنى من اللفظ معلولا لمناشئ أخرى غیر الوضع كالاطلاق و الانصراف مثلا إن المتبادر من لفظ الحيوان هو غير الإنسان مع أن وضعه یکون لمعنی أعم من الإنسان و غيره من سائر الحيوانات فتبادر غير الإنسان من لفظ الحيوان لا يدل على أن لفظ الحيوان وضع لغير الإنسان لأن التبادر لا يكشف عن المعني الوضعي بل يكشف عن المعني الظاهر فيه اللفظ و من المعلوم أن المهم للفقيه هو تعيين ظهورات الالفاظ لا تمييز الظهور الوضعي عن الظهور الانصرافي او الاطلاقي لأن الدليل قائم على حجية ظهورات كلام المتكلم من أى طريق حصلت.

الثاني: الاصول العقلائية التي تعين المراد الجدي كأصالة الحقيقة و أصالة عدم القرينة و أصالة العموم و هذه الاصول تعين المراد الجدي للمتكلم بعد تعيين مراده الاستعمالي بواسطة النوع الأول من الاصول العقلائية يعني بعد تنقيح صغرى الظهور بواسطة النوع الأول من الاصول العقلائية تنقح حجية الظهورات و تطابقها للمراد الجدي بواسطة النوع الثاني من الاصول العقلائية مثلا إن معنى أصالة الحقيقة الجارية في الالفاظ هو أن المعنى الحقيقي للفظ هو مراد جدى للمتكلم لا أن هذا المعنى هو المعنى الظاهر من اللفظ فأصالة الظهور مثلا لا تعين الظهور الاستعمالي حتى يقال بأن معنى أصالة الظهور هو كون اللفظ ظاهرا في هذا المعنا الخاص لأن أصالة الظهور تعين المراد الجدي و لذا كان معنى أصالة الظهور هو أن المعنى الظاهر فيه اللفظ هو مراد جدي للمتكلم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo