< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد حسین شوپایی

98/09/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: هل الفقیه منصوبٌ او مأذون فی إقامة صلاة الجمعة

انتهی البحث فی الوجوه و الادلة التي ذکرت لاثبات عدم مشروعیة صلاة الجمعة فی غیبة الامام علیه السلام الی دعوی ان اقامتها من المناصب المختصة بالامام او بالمنصوب من قبله .

ثم أورد علی هذه الوجوه المستندة الی الروایات و غیرها بانها لاتفید هذه النتیجة ای اعتبار النصب فی وجوبها .

و البحث الذی نتعرض له فی خاتمة هذا المطلب هو انه لو فرضنا تمامیة هذه الوجوه المذکورة لاثبات کونها من المناصب المختصة للامام فهل هذا یلازم عدم مشرعیتها فی زمان الغیبة

او یمکن القول بجوازها حتی علی القول بثبوت قید النصب بدلیل ایکال هذا المنصب الی الفقهاء بناء علی القول بثبوت الولایة للفقیه و عدم اختصاص شؤونه بخصوص الافتاء والقضاء وبعبارة اخری علی فرض التنزل عن المناقشة الاولی و قبول کونها منصبا هل الفقیه منصوب او مأذون فی اقامتها باعتبار ثبوت الولایة للفقیة (سواء کان ثبوتها مستندا الی الادلة اللفظیة او من باب الامور الحسبیة التی لایرضی الشارع المقدس بترکها و لم یهملها وحيث لم يعين المتولی و المتصدی لها فیکون الفقیه هو القدر المتیقن من الذي يمکنه التصدي لها .

هل یمکن اثبات هذا الوجه ؟

السید البروجردی قدس سره ذکر هذا البحث فی التذنيب الاول من التذنیبین اللذين ذکرهما لمبحث صلاة الجمعة ، فقال فیه انا نقول بثبوت الولایة للفقیة فی زمن الغیبة و نذکر امورا کمقدمات توصلنا الی هذه النتیجة ای ولایة الفقیه علی الامور المهمة من دون ان نلتجئ الی مقبولة عمر بن حنظلة او روایة ابی خدیجة التی تجعل الفقیه حاکما وان امکن الاستشهاد بهما علی هذه الاموروهي کما يلي : الأوّل: إنّ في الاجتماع أمورا لا تكون من وظائف الأفراد و لا ترتبط بهم، بل تكون من الأمور العامّة الاجتماعية التي يتوقف عليها حفظ نظام الاجتماع، مثل القضاء و ولاية الغيّب و القصّر و بيان مصرف اللقطة و المجهول المالك و حفظ‌الانتظامات الداخلية و سدّ الثغور و الأمر بالجهاد و الدفاع عند هجوم الأعداء و نحو ذلك مما يرتبط بسياسة المدن. فليست هذه الأمور مما يتصدا ها كلّ أحد بل تكون من وظائف قيم الاجتماع و من بيده أزمة الأمور الاجتماعية و عليه أعباء الرئاسة و الخلافة.

الثاني: لا يبقى شك لمن تتبع قوانين الإسلام و ضوابطه في أنّه دين سياسي اجتماعي، و ليست أحكامه مقصورة على العباديات المحضة المشروعة لتكميل الأفراد و تأمين سعادة الآخرة، بل يكون أكثر أحكامه مربوطة بسياسة المدن و تنظيم الاجتماع و تأمين سعادة هذه النشأة، أو جامعة للحسنيين و مرتبطة بالنشأتين، و ذلك كأحكام المعاملات و السياسات من الحدود و القصاص و الديات و الأحكام القضائية المشروعة لفصل الخصومات و الأحكام الكثيرة الواردة لتأمين الماليات التي يتوقف عليها حفظ دولة الإسلام كالأخماس و الزكوات و نحوهما.

الثالث: أنّ سياسة المدن و تأمين الجهات الاجتماعية في دين الإسلام لم تكن منحازة عن الجهات الروحانية و الشؤون المربوطة بتبليغ الأحكام و إرشاد المسلمين، بل كانت السياسة فيه من الصدر الأوّل مختلطة بالديانة و من شئونها، فكان رسول الله صلّى الله عليه و آله بنفسه يدبّر أمور المسلمين و يسوسهم و يرجع إليه فصل الخصومات و ينصب الحكّام للولايات و يطلب منهم الأخماس و الزكوات و نحوهما من الماليات، و هكذا كان سيرة الخلفاء بعده من الراشدين و غيرهم، حتى أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّه بعد ما تصدى للخلافة الظاهرية كان يقوم بأمور المسلمين و ينصب الحكّام و القضاء للولايات. و كانوا في بادئ الأمر يعملون بوظائف السياسة في مراكز الإرشاد و الهداية كالمساجد، فكان إمام المسجد بنفسه أميرا لهم، و بعد ذلك أيضا كانوا يبنون المسجد الجامع قرب دار الإمارة، و كان الخلفاء و الأمراء بأنفسهم يقيمون الجمعات و الأعياد بل و يدبّرون أمر الحج أيضا، حيث إنّ العبادات الثلاث مع كونها عبادات قد احتوت على فوائد سياسية لا يوجد نظيرها في غيرها، كما لا يخفى على من تدبّر. و هذا النحو من الخلط بين الجهات الروحية و الفوائد السياسية من خصائص دين الإسلام و امتيازاته.

الرابع: قد تلخّص مما ذكرناه:

أنّ لنا حوائج اجتماعية تكون من وظائف سائس الاجتماع و قائده.

و أنّ الديانة المقدسة الإسلامية أيضا لم يهمل هذه الأمور بل اهتم بها أشدّ الاهتمام و شرّعت بلحاظها أحكامها كثيرة و فوّضت إجراءها إلى سائس المسلمين.

و أنّ سائس المسلمين في الصدر الأوّل لم يكن إلّا نفس النبي صلّى الله عليه و آله ثم الخلفاء بعده.

و حينئذ فنقول: إنّه لمّا كان من معتقداتنا معاشر الشيعة الإمامية أن خلافة رسول الله صلّى الله عليه و آله و زعامة المسلمين من حقوق الأئمة الاثني عشر عليهم صلوات الله و أن رسول الله صلّى الله عليه و آله لم يهمل أمر الخلافة بل عيّن لها من بعده عليّا عليه السلام ثم انتقلت منه إلى أولاده، عترة رسول الله صلّى الله عليه و آله، و كان تقمّص الباقين و تصديهم لها غصبا‌ لحقوقهم، فلا محالة كان المرجع الحق لتلك الأمور الاجتماعية التي يبتلى بها‌ جميع المسلمين هو الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام و كانت من وظائفهم الخاصّة مع القدرة عليها.

فهذا أمر يعتقده جميع الشيعة الإمامية، و لا محالة كان مركوزا في أذهان أصحاب الأئمة عليهم السلام أيضا. فكان أمثال زرارة و محمّد بن مسلم من فقهاء أصحاب الأئمة و ملازميهم لا يرون المرجع لهذه الأمور و المتصدي لها عن حق إلّا الأئمة أو من نصبوهم لها، و لذلك كانوا يراجعون إليهم فيما يتفق لهم مهما أمكن كما يعلم ذلك بمراجعة أحوالهم.

 

إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: إنّه لمّا كان هذه الأمور و الحوائج الاجتماعية مما يبتلى بها الجميع مدّة عمرهم غالبا و لم يكن الشيعة في عصر الأئمة متمكنين من الرجوع إليهم عليهم السلام في جميع الحالات- كما يشهد بذلك مضافا إلى تفرقهم في البلدان عدم كون الأئمة مبسوطي اليد بحيث يرجع إليهم في كلّ وقت لأيّ حاجة اتفقت- فلا محالة يحصل لنا القطع بأن أمثال زرارة و محمد بن مسلم و غيرهما من خواصّ الأئمة سألوهم عمن يرجع إليه في مثل تلك الأمور إذا لم يتمكنوا منهم عليهم السلام، و نقطع أيضا بأنّ الأئمة عليهم السلام لم يهملوا هذه الأمور العامّة البلوى التي لا يرضى الشارع بإهمالها، بل نصبوا لها من يرجع إليه شيعتهم إذا لم يتمكنوا منهم عليهم السلام، و لا سيما مع علمهم عليهم السلام بعدم تمكن أغلب الشيعة من الرجوع إليهم بل عدم تمكّن الجميع في عصر غيبتهم التي كانوا يخبرون عنها غالبا و يهيئون شيعتهم لها. و هل لأحد أن يحتمل أنّهم عليهم السلام نهوا شيعتهم عن الرجوع إلى الطواغيت و قضاة الجور و مع ذلك أهملوا لهم هذه الأمور و لم يعينوا من يرجع إليه الشيعة في فصل الخصومات و التصرف في أموال الغيب و القصّر و الدفاع عن حوزة الإسلام و نحو ذلك من الأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها؟

و كيف كان فنحن نقطع بأنّ أصحاب الأئمة عليهم السلام سألوهم عمّن يرجع إليه الشيعة في تلك الأمور مع عدم التمكّن منهم عليهم السلام و أنّ الأئمة عليهم السلام أيضا أجابوهم بذلك و نصبوا للشيعة مع عدم التمكن منهم عليهم السلام أشخاصا يتمكنون منهم إذا احتاجوا، غاية الأمر سقوط تلك الأسئلة و الأجوبة من الجوامع التي بأيدينا و لم يصل إلينا إلّا ما رواه عمر بن حنظلة و أبو خديجة.

و إذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم عليهم السلام و أنهم لم يهملوا هذه الأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها- و لا سيّما مع إحاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة- فلا محالة يتعين الفقيه لذلك، إذ لم يقل أحد بنصب غيره. فالأمر يدور بين‌ عدم النصب و بين نصب الفقيه العادل، و إذا ثبت بطلان الأوّل بما ذكرناه صار نصب الفقيه مقطوعا به، و يصير مقبولة ابن حنظلة أيضا من شواهد ذلك.

و إن شئت ترتيب ذلك على النظم القياسي فصورته هكذا: إمّا أنه لم ينصب الأئمة عليهم السلام أحدا لهذه الأمور العامّة البلوى و إمّا أن نصبوا الفقيه لها، لكن الأوّل باطل فثبت الثاني. فهذا قياس استثنائي مؤلّف من قضية منفصلة حقيقة و حملية دلّت على رفع المقدم، فينتج وضع التالي، و هو المطلوب.

و بما ذكرناه يظهر أن مراده عليه السلام بقوله في المقبولة: «حاكما» هو الذي يرجع إليه في جميع الأمور العامّة الاجتماعية التي لا تكون من وظائف الأفراد و لا يرضى الشارع أيضا بإهمالها- و لو في عصر الغيبة و عدم التمكن من الأئمة عليهم السلام- و منها القضاء و فصل الخصومات. و لم يرد به خصوص القاضي، و بالجملة كون الفقيه العادل منصوبا من قبل الأئمة عليهم السلام لمثل تلك الأمور العامّة المهمة التي يبتلى بها العامّة مما لا إشكال فيه إجمالا بعد ما بيناه، و لا نحتاج في إثباته إلى مقبولة ابن حنظلة، غاية الأمر كونها أيضا من الشواهد، فتدبّر.

لکنه يبقي الإشكال في أنّه هل يكون إقامة الجمعة أيضا من قبيل هذه الأمور المفوّضة إلى الفقيه قطعا أو لا؟

يمكن أن يقال: إن الأمور التي ترتبط بالإمام و تعدّ من وظائفه على صنفين:

صنف منها من وظائف الإمام إذا كان مبسوط اليد كحفظ الانتظامات الداخلية‌و سدّ ثغور المملكة و الأمر بالجهاد و الدفاع و نحو ذلك، و صنف منها من وظائفه و لو لم يكن مبسوط اليد إذا أمكنه القيام به و لو بالتوكيل و الإرجاع إلى غيره، و ذلك كالأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها كيفما كان، كالتصرف في أموال اليتامى و المجانين و الغيّب، و كالقضاء بين الناس و نحو ذلك.

و الظاهر أنّ إقامة الجمعة من الصنف الأوّل، كما يستفاد من التعليل الوارد لها في رواية فضل بن شاذان السابقة، حيث قال: «فإن قال: فلم جعلت الخطبة؟ قيل:لأنّ الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم (إلى أن قال:) و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق».

و إذا ثبت كون إقامة الجمعة من وظائف الإمام عليه السلام إذا كان مبسوط اليد فقط أو شكّ في كونها من هذا القبيل أو من قبيل القسم الثاني لم يثبت للفقيه رخصة في إقامتها، إذ القدر المتيقن من أدلّة، ولايته من قبل الإمام عليه السلام في خصوص الصنف الثاني من وظائف الإمام أعني الأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها كيفما كان، فاستفادة الترخيص في إقامتها من أدلّة ولاية الفقيه مشكل.[1]

ولکنه يلاحظ عليه اولاً : بان المقدمات المذکورة في کلامه قده کما تقتضي ثبوت الولاية للفقيه في زمان الغيبة في الصنف الثاني کذلک تقتضي ثبوتها في الصنف الاول فان حفظ الانتظامات الداخلية‌و سدّ ثغور المملكة و الأمرالدفاع عند هجوم الاعداء و نحو ذلك من الامورالمهمة لايرضی الشارع باهمالها نعم الجهادالابتدائی لیس من الامور الحسبیة فيکون مختصاً بالامام المعصوم عليه السلام لایتعدی منه الی زمن الغیبة واما سائر ما اشير اليه في الصنف الاول فهي امور مهمة عامة .

وثانياً : بانه لوسلم اختصاص ولایة الفقیه بالصنف الثانی من الوظائف کالقضاء بین الناس واجراء الحدود و التصرف فی اموال القصّر و الغیب و المجانین فلايمکن التفکیک بین اقامة الحدود والقضاء بين الناس وبین اقامة صلاة الجمعة بحيث يکون الفقيه مأذوناً في اقامة الحدود والتصرف في بعض الشؤون العامة ولايکون مأذوناً في اقامة صلاة الجمعة وهذا يعني ان اقامة صلاة الجمعة من الصنف الثاني وما ذکره قده من ان اقامة صلاة الجمعة من الصنف الاول ومن وظائف الامام علیه السلام إذا كان مبسوط اليد فقط بالاستشهاد بروایة الفضل بن شاذان يرد عليه ان المستفاد من روایة الفضل بملاحظة المناسبة بين الحکم و الموضوع ان اقامة صلاة الجمعة من الصنف الثاني فانه قد رکز فيها ان الامام المعصوم عليه السلام في خطبة صلاة الجمعة یعظ الناس بالتقوی و یخبرهم بما ینفعهم من امور الدين والدنيا من باب انه هاد یهدی الی الحق والهداية انما تؤخذ من بيوتهم ومناسبة الحکم والموضوع تقتضي سراية ذلک الی الفقيه الذي يهدي الناس ويرشدهم بالعلم الذي اخذه من اهل البيت عليهم السلام کما ان الائمة علیهم السلام یرجعون الشیعة الی الفقهاء الذین هم أمناء الله علی الحلال والحرام .

وبهذا البيان يظهران اقامتها تدخل فی الصنف الثانی فيکون للفقيه اقامتها فی فرض عدم بسط الید للامام عليه السلام وان بسط یده علیه السلام لا مدخلیة له فی الحکم لعمومیة الملاک و هو ارشاد الناس وهدایتهم .

 


[1] - البدرالزاهر ص73-80.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo