47/05/05
بسم الله الرحمن الرحیم
وجوه اختصاص النفقة بالحامل/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / وجوه اختصاص النفقة بالحامل
سبق أن ذكرنا في الجلسة السابقة الإشكالات الواردة على استدلالات الشيخ القائل باختصاص النفقة بالحمل.
أمّا في مقام الاستدلال على أنّ النفقة مختصّة بالحامل نفسها، فقد ذكرت وجوه عدّة وقد تعرّض الشيخ الطوسي لذكر تلك الوجوه في المبسوط، حيث قال: «لو كانت النفقة لأجل الحمل، لوجب نفقته دون نفقتها. ولما كان نفقتها مقدّرة بحال الزوج فيجب عليه بقدره، ونفقة الأقارب غير مقدّرة، دلّ على أنّه لها، لأنّ نفقة الأقارب على الكفاية.
وأيضاً فلو كان لأجل الحمل لوجبت على الجدّ، كما لو كان منفصلاً، فلمّا ثبت أنّها لا تجب عليه، ثبت ما قلناه. وأيضاً فلو كانت نفقة الولد لوجب أن يسقط بيسار الولد، وهو إذا ورث أو أُوصي له بشيء فقبله أبوه، فلمّا لم تسقط بيساره ثبت أنّها ليست نفقة الولد.
وعندنا تسقط بيساره ويقتضي المذهب أنّها يجب على الجدّ، فيخالف في جميع ما قالوه.»[1]
ومقصوده من أنّ نفقة المطلّقة الحامل مقدّرة على حال الزوج هو الإشارة إلى ما ورد في صدر الآية الشريفة من قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾[2] حيث جعل الشارع تقدير النفقة بلحاظ حال الزوج يسراً وعسراً.
غير أنّ شيئاً من هذه الوجوه لا يتمّ.
أوّلاً: لأنّ الشيخ ـ كما تقدّم في كلماته ـ قد التزم بلوازم يناقض بعضها ما استند إليه في مقام الاستدلال على اختصاص النفقة بالحمل.
وثانياً: إنّ ما ورد في صدر الآية الشريفة إنّما هو ناظر إلى المطلّقة الرجعيّة كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة.
وثالثاً: إنّ الآية لم تتعرّض لكون النفقة للحمل بعنوانه وإنّما تعرّضت لوجوب الإنفاق على المطلّقة الحامل. غاية الأمر أنّ الحمل هو السبب في ثبوت النفقة لها، لا أنّ النفقة ثابتة للحمل نفسه.
فلذلك قال صاحب الرياض في هذه المسأله: «استند الجانبان إلى اعتبارات هيّنة ربما أشكل التمسّك بها في إثبات الأحكام الشرعيّة، لكن بعضها المتعلّق بالثاني قويّة معتضدة بالشهرة المحكيّة، فالمصير إليه لا يخلو عن قوّة.»[3]
ومراده من «الثاني» هو القول بتعلّق النفقة بالحمل.
لکن في مقابل ذلك قال صاحب الجواهر: «بل القوّة في القول الآخر، ضرورة ظهور الآية في الأعمّ من الرجعيّات والبائنات، و لا كلام في أنّ نفقة الأُولى نفقة زوجة، كما لا إشكال في ظهورها في اتّحاد النفقة فيهما، بل لعلّ هذا المعنی هو المستفاد من النصوص خصوصاً المعبّرة بقول: «لها النفقة» الظاهر في ملكيّتها لها فضلاً عن إصافتها إليها.»[4]
والحقّ مع صاحب الجواهر في هذا المقام؛ لأنّه أوّلاً: استدلاله بالآية الشريفة استدلال وجيه يمكن الاعتماد عليه. ثانياً: فقد ورد في بعض الأخبار ـ كصحيحة عبدالله بن سنان وحسنة محمّد بن قيس ـ تعبير ظاهر في اختصاص النفقة بالمطلّقة الحامل، وإن لم يكن التعبير الوارد فيها: «لها النفقة» كما ذكر صاحب الجواهر، بل الوارد: «عليه نفقتها»، وإضافة النفقة إليها ظاهرة في كونها ملكاً لها. ثالثاً: إنّ الأمر الوارد في الآية الشريفة بوجوب إعطاء النفقة وإن لم يتضمّن تصريحاً بكونها لها، إلا أنّ الأصل في كلّ ما يلزم المكلّف بدفعه إلى شخص معيّن، أنّه يخصّ به، ولا يعدل عن هذا الظاهر إلى القول بأنّ إعطاءه إليه من باب طريقيّته لإيصاله إلى غيره إلا بقرينة واضحة.
فالحقّ مع من ذهب إلى اختصاص النفقة بالمطلّقة الحامل نفسها دون الحمل.
إلا أنّ صاحب الجواهر قال في توجيه الخلاف الواقع بين الأصحاب في هذه المسألة: «قد يقال في تصوّر هذا النزاع ـ بعد الاتّفاق منهم جميعاً على كون النفقة على الحامل أكلاً وكسوة وسكنىً ونحو ذلك ممّا كان يجب للزوجة ـ أنّه لمّا انعقد الإجماع وتظافرت النصوص في الإنفاق على الحامل المطلّقة المعلوم كون ذلك لأجل الحمل ـ ضرورة انقطاع حكم الزوجيّة التي هي سبب الإنفاق ـ حصل الشكّ في أنّ حكم هذه النفقة حكم نفقة الزوجة، على معنى أنّ وجود الحمل يجعلها بحكمها كالرجعيّة في غيرها، فيجري حينئذٍ على نفقتها حكم نفقة الزوجة، أو أنّه بسبب انقطاع الزوجيّة بينهما وكون الحمل علّة في الإنفاق، يجعلها بحكم نفقة القريب، فيجري عليها حينئذٍ حكمها؟
لا أنّ المراد كونها نفقة للحمل حقيقة، وإن توهّمه بعضهم، حتّى أنّه وجّه ذلك باعتبار صيرورتها سبباً لتعييش الحمل، فاطعامها وكسوتها وسكناها مقدّمة له، فإنّ الإنفاق عليه إنّما يكون بالإنفاق على أُمّه؛ وهو كما ترى من المضحكات.
وإنّما المراد ما عرفت من الإنفاق عليها لا عليه، ولكنّ الشك في ذلك باعتبار ما سمعت.
ولا ريب في أنّ الأقوى كونها بحكم نفقة الزوجة، لكن لا على حدّ السقوط بالنشوز والارتداد ونحوهما ممّا علم كون السبب في إسقاطها فوات التمكين وانقطاع الزوجيّة المعلوم عدمهما في المقام، بل على حدّها في الكيفيّة والقضاء وخطاب الزوج بها ونحو ذلك.
كما أنّ المراد بكونها نفقة للحمل، الإنفاق عليها لأجل الحمل، لا أنّ المراد نفقته على وجه يلاحظ يساره وإعساره اللذين يمكن منعهما حال كونه حملاً كما ستسمعه إن شاء الله تعالى في المتوفّى عنها زوجها.»[5]
ففي الواقع مراده أنّ محلّ النزاع في هذه المسألة إنّما هو في أنّ النفقة المدفوعة للمطلّقة الحامل هل تلحق من حيث المقدار والكيفيّة بنفقة الزوجة أو أنّ لها حكم نفقة الأقارب؟
غير أنّ الفروع التي رتّبها الأصحاب على نتيجة هذه المسألة مخالفة لما ادّعاه صاحب الجواهر، مضافاً إلى أنّه لم يذكر دليلاً واضحاً على مدّعاه من كون نفقة المطلّقة الحامل بحكم نفقة الزوجة.
ونستوفي البحث فيه في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.