47/04/27
بسم الله الرحمن الرحیم
عدم سقوط نفقة الزوجة بسفرها _ سقوط النفقة باتيان العبادة/ النفقات /النکاح
الموضوع: النکاح / النفقات / عدم سقوط نفقة الزوجة بسفرها _ سقوط النفقة باتيان العبادة
قد ذكرنا دعوى صاحب المسالك في أنّ نفقة الزوجة لا تسقط بسفرها الواجب ولو كان من غير إذن الزوج، بل حتّى في الواجب الموسّ
وأمّا صاحب الجواهر فبعد أن أشكل على ما ذكره الأصحاب من عدم سقوط النفقة في السفر الواجب مطلقاً، اعترض أيضاً على ما أفاده صاحب المسالك من القول بعدم سقوط نفقة الزوجة إذا سافرت في واجب موسّع من دون إذن زوجها، فقال: «لا يبعد القول بسقوط نفقتها أيضاً في السفر بغير إذنه في الواجب الموسّع، لتضييق حقّه، فلا يعارضه الموسّع.
ودعوى كون الواجب مستثنىً بالأصل وتعيّنه منوط باختيارها شرعاً وإلا لم يكن موسّعاً، واضحة المن
فما عساه يظهر من المتن بل هو المحكي عن بعضهم بل هو خيرة ثاني الشهيدين من عدم اعتبار الإذن فيه كالمضيّق، لا يخلو من منع.»[1]
والحقّ مع صاحب الجواهر في ما ذكره، بمعنى أنّه أوّلاً: بناءً على مبنى الأصحاب، القول بسقوط النفقة ـ ولو في الواجب الموسّع ـ وجيه، وأمّا على ما تقدّم من مبنانا فلا وجه له. وثانياً: إنّ كون الواجب موسّعاً لا يعني أنّ المكلّف يملك اختيار وقت الامتثال على الإطلاق وفي جميع الظروف، بل المراد أنّه لو خلّي وطبعه لكان له هذا الاختيار، وإنّما قد تقيّده الموانع الخارجيّة وتحدّ من حريّته في التطبيق. ولأجل ذلك يقدَّم الواجب المضيّق عند تعارضه مع الواجب الموسّع، لأنّ وقت امتثاله لا يسع التأخير بخلاف الآخر.
الثامن: هل إتيان العبادات الواجبة والمستحبّة يستلزم سقوط نفقة الزوجة؟
قال الشيخ في المبسوط: «إذا أحرمت ففي إحرامها ثلاث مسائل:
إحداها: أحرمت بإذنه وأحرم معها وهي معه، فلها النفقة، لأنّها ما خرجت من يده وقبضه.
والثانية: أحرمت بغير إذنه، فإن كان إحرامها بحجّة الإسلام أو كان تطوّعاً فأذن لها فيه، لم تسقط نفقتها عندنا، وإن كان تطوّعاً بغير إذنه فلا ينعقد عندنا إحرامها ولا تسقط نفقتها...
الثالثة: أحرمت وحدها بإذنه، فعندنا لها النفقة...
فأما الاعتكاف ففيه ثلاث مسائل مثل الحجّ:
إن اعتكفت بإذنه وهو معها، فالنفقة لها، وإن اعتكفت بغير إذنه فعندنا لا يصحّ اعتكافها ولا تسقط نفقتها... وإن اعتكفت بإذنه وحدها فلها النفقة عندنا...
وأمّا الصوم فضربان: تطوّع وواجب.
فإن كان تطوّعاً فله منعها منه... فإن صامت نظرت؛ فإن طالبها بالفطر فأفطرت فلا كلام، وإن امتنعت كان نشوزاً وتسقط نفقتها...
وإن كان واجباً فعل ضربين: نذراً وشرعاً.
فإن كان نذرا لم يخلُ من أحد أمرين: إمّا أن يكون في الذمّة أو متعلّقاً بزمان.
فإن كان في الذمّة فلا فصل بين أن يكون بإذنه أو بغير إذنه، فله منعها، لأنّه على التراخي عندهم.
وإن كان معيّناً بزمان نظرت؛ فإن كان بغير إذنه فله منعها أيضاً، لأنّه تعيّن عليها من جهتها بغير إذنه. وإن كان باذنه فليس له المنع، لأنّه تعيّن عليها بإذنه.
فأمّا إن كان شرعيّاً نظرت؛ فإن كان في شهر رمضان، فليس له منعها، لأنّ هذا يقع مستثنىً بعقد النكاح، لأنّ عقد النكاح يعمّ كلّ الأزمان إلا ما وقع مستثنى، وهو زمان العبادات، وزمان الأكل.
فأمّا قضاء رمضان، فله منعها منه إن لم يضق الوقت، لأنّه على التراخي، فإن ضاق الوقت وهو أن يبقى إلى رمضان السنة القابلة بقدر ما عليها من الصيام، لم يكن له منعها، لأنّه متى أخّرته عن وقته كان عليها القضاء والكفّارة...
وأمّا الصلاة فليس له منعها منها، لأنّها عبادة تعلّقت بزمان بعينه، ولها أن تصلّي في أوّل الوقت وليس له منعها منها، لأنّه يفوتها فضيلة أوّل الوقت. وإن كانت الصلاة في الذمّة كان له منعها، وإن كان قضاءً أو نذراً كالصوم في الذمّة سواء.»[2]
أقول: إنّ ما يمكن أن يقال في هذه المسألة بناءً على مبنى الأصحاب، فهو أنّه إذا كانت العبادة واجبة مضيّقة، فإنّ نفقة الزوجة لا تسقط؛ لأنّه وإن كان التمكين شرطاً في وجوب النفقة إلا أنّ التمكين حال الاشتغال بالعبادات الواجبة المضيّقة في أوقاتها ممّا يستثنى ارتكازاً عند العقد، فكأنّ الزوج قد التزم ضمنيّاً بدفع النفقة في هذه الموارد. فثبوت وجوب النفقة في مثل هذه الحالات على مبنى الأصحاب إنّما يكون من جهة الشرط الارتكازي.
بل ربّما يمكن إجراء هذا الكلام في بعض العبادات المستحبّة أيضاً، كالنوافل اليوميّة، إذا كان الارتكاز على استثنائها موجوداً بين الزوجين.
وأمّا في غير الموارد التي يثبت فيها هذا الارتكاز، فينبغي ـ على مبنى الأصحاب ـ القول بأنّ الزوجة لا تستحقّ النفقة إذا أتت بالعمل ولو بإذن الزوج؛ لأنّ إذنه وإن كان يرفع الحرمة التكليفيّة إلا أنّه لا يرفع شرطيّة التمكين في وجوب النفقة.
نعم، بناءً على ما اخترناه في المسألة، فإنّ نفقة الزوجة لا تسقط بإتيان العبادات الواجبة المضيّقة مطلقاً.