47/03/29
بسم الله الرحمن الرحیم
المعنی اللغوی للفظ «النفقة»/ النفقات/نکاح
الموضوع: نکاح/ النفقات/ المعنی اللغوی للفظ «النفقة»
قال المحقّق الحلّي: «النظر الخامس في النفقات:
لا تجب النفقة إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجيّة والقرابة والملك.»[1]
قبل الشروع في مبحث النفقات، من المناسب أن نقدّم تمهيداً إجمالياً في بيان المعنى اللغوي للفظ «النفقة».
قال الخليل في كتاب العين: «نفقت الدابّة تنفُق نُفوقاً: أي ماتت... ونفق السعر ينفُق نَفاقاً: إذا كثر مشتروه. والنفقة: ما أنفقتَ واستنفقتَ على العيال ونفسك. والنفق: سَرَب في الأرض له مخلص إلى مكان.»[2]
وقال الجوهري في الصحاح: «نفقت الدابّة تنفُق نُفوقاً: أي ماتت. ونفق البيعُ نَفاقاً بالفتح: أي راج. والنفاق بالكسر: فعل المنافق. والنفاق أيضاً: جمع النفقة من الدراهم؛ يقال: نفِقت ـ بالكسر ـ نِفاق القوم: أي: فنِيت.
ونفِق الزادُ يَنفَق نَفَقاً: أي نفِد...
وأنفق القوم: أي نفقت سوقهم. وأنفق الرجل: أي افتقر وذهب ماله؛ ومنه قوله تعالى: ﴿إِذاً لَأَمْسَكـْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفٰاقِ﴾[3] ...
ورجل منفاق: أي كثير النفقة.
والنفق: سرب فى الأرض له مخلص إلى مكان...
والنافِقاء: إحدى جِحَرة اليربوع، يكتُمها ويُظهر غيرها، وهو موضع يرقّقه، فإذا أُتي من قبل القاصعاء، ضرب النافقاء برأسه فانتفق، أي خرج؛ والجمع: النوافق. والنُفَقة أيضاً ـ مثال الهُمَزة ـ النافِقاء؛ تقول منه: نفّق اليربوعُ تَنفيقاً ونافق: أي أخذ في نافِقائه. ومنه اشتقاق المنافق في الدين.»[4]
وقال ابن منظور في معناها: «نفَق الفرس والدابّة وسائر البهائم ينفُق نُفوقاً: مات...
ونفق البيع نَفاقاً: راج.
ونفَقت السِلعة تنفُق نَفاقاً، بالفتح: غلت ورُغب فيها، وأنفقها هو ونفّقها... وفي الحديث عن ابن عبّاس: «لا يُنفّق بعضكم بعضاً» أي: لا يقصِد أن ينفّق سِلعته على جهة النجش، فإنّه بزيادته فيها يرغّب السامع فيكون قوله سبباً لابتياعها ومُنفّقاً لها...
ونفَق ماله ودرهمه وطعامه نَفقاً ونَفاقاً ونفِق، كلاهما: نقص وقلّ، وقيل فني وذهب. وأَنفقوا: نفَقت أَموالهم. وأنفق الرجلُ إذا افتقر...
وأنفق المال: صرفه... واستنفقه: أَذهبه. والنفقة: ما أُنفق، والجمع نِفاق... والنِفاق، بالكسر: جمع النفقة من الدراهم، ونفق الزاد ينفَق نَفَقاً: أَي نفِد، وقد أنفقت الدراهمُ من النفقة. ورجل مِنفاق: أي كثير النفقة. والنفقة: ما أَنفقتَ واستنفقتَ على العيال وعلى نفسك...
أبو عبيد: سمّي المنافق منافقاً للنفق، وهو السَرَب في الأرض. وقيل: إنّما سمّي منافقاً لأنّه نافق كاليربوع، وهو دخوله نافِقاءَه. يقال: قد نفَق به ونافق، وله جُحر آخر يقال له القاصعاء، فإذا طَلِب قصّع فخرج من القاصِعاء، فهو يدخل في النافِقاء ويخرج من القاصِعاء، أو يدخل في القاصعاء ويخرج من النافِقاء، فيقال: هكذا يفعل المنافق، يدخل في الإسلام ثمّ يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه.»[5]
يستفاد من مجموع ما تقدّم أنّ لفظ «النفقة» يطلق على ما يصرف من المال، سواء أنفقه الإنسان على نفسه أو على غيره، ولو كان في غير الضروريّات. وعليه فما قد يدّعى من أنّ «النفقة» في اللغة بمعنى سدّ الخلل وأنّها لا تستعمل إلا في خصوص ما يصرف لتأمين الحاجة الضروريّة دون ما ينفق في غيرها، لا وجه له.
وأمّا الذي يراد البحث عنه في هذا المقام هو تعيين من تجب نفقته على الإنسان شرعاً.
قد تقدّم عن المحقّق الحلّي أنّ وجوب النفقة إنّما يثبت بأحد الأسباب الثلاثة: الزوجيّة، والقرابة، والملك.
وقال صاحب المدارك: «لا خلاف بين علماء الإسلام في وجوب النفقة بهذه الأسباب الثلاثة.»[6]
كما ادّعى كلّ من صاحبي الرياض والجواهر إجماع الأُمّة على ثبوت وجوب النفقة بالأسباب الثلاثة المذكورة.[7] [8]
غير أنّه ليس الكلام في أصل ثبوت النفقة بهذه الأسباب، بل في انحصار أسبابها في الأُمور الثلاثة المذكورة.
وقد أضاف السيّد السيستاني (دام ظله) سبباً رابعاً إليها وهو «الاضطرار»[9] ؛ وسينتهي بنا البحث إلى التعرّض لمبناه في ذلك إن شاء الله تعالى.
أقول: قد تقدّم في أحكام الإرضاع أنّ نفقة الأُمّ المرضعة ـ ولو في خصوص الطعام والكسوة دون غيرهما ـ واجبة على المولود له وإن لم تكن بينهما زوجيّة ولا علاقة ملك. وبناءً على ذلك يمكن القول بأنّ من أسباب النفقة أيضاً «الإرضاع».
وكذلك فإنّ نفقة الحامل المطلّقة بائناً تجب على الزوج كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله، ولا يصحّ إرجاع سبب وجوبها إلى الزوجيّة؛ لأنّ المطلّقة البائن قد خرجت عن حدّ الزوجيّة ولا تلحق بالزوجة أيضاً، بل السبب في ذلك هو «الحمل». اللهمّ إلا أن يقال: إنّ الزوجيّة السابقة التي وقع الحمل في أثنائها هي المقتضية لوجوب النفقة في هذا المورد؛ ولذا إذا حملت الأمة من مولاها ثمّ أُعتقت وهي حامل، لم تجب نفقتها بعد العتق على معتقها.
غير أنّه وإن سلّمت سببيّة الزوجيّة لوجوب النفقة في خصوص المطلّقة البائن الحامل إلا أنّ الزوجيّة وحدها لا تکون سبباً تامّاً له، بل غايتها أنّها جزء السبب والجزء الآخر هو «الحمل». فالحمل على كلّ تقدير يعدّ من أسباب النفقة.