46/10/21
بسم الله الرحمن الرحیم
النظر المختار في الحضانة - إمكان إسقاط حقّ الحضانة/ أحکام الحضانة/أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الحضانة/ النظر المختار في الحضانة - إمكان إسقاط حقّ الحضانة
بناءً على ما تقرّر في الجلسة السابقة تبيّن أنّ المستفاد من الأخبار في مسألة الحضانة بعد وقوع الفرقة بين الأبوين، ينحصر في صحيحة الفضيل بن يسار وموثّقة داود الرقّي من جهة، وهما تدلان بإطلاقهما على أرجحيّة الأب في حضانة البنت والابن في جميع الأحوال. ومن جهة أُخرى، تدلّ صحيحة أيّوب بن نوح على تقديم الأُمّ في الحضانة إلى سنّ السبع سنوات، سواءً كان الولد ذكراً أم أُنثى.
ومقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيّد هو حمل إطلاق الصحيحتين الأُوليين على مورد ما بعد سنّ السبع، فيقال: في حال حصول الفراق بين الأبوين، تكون حضانة الابن والبنت للأُمّ إلى سبع سنين ثمُ تنتقل إلى الأب.
فالحاصل من جميع ما تقدّم، أنّ الحضانة إلى سنّ السبع تكون للأُمّ مطلقاً ثمّ تنتقل إلى الأب، من غير فرق بين الذكر والأُنثى، ولا بين استمرار العلاقة الزوجيّة وانحلالها. نعم، إذا كانت الزوجيّة باقية، فإنّ حضانة الولد في مدّة الرضاع تكون مشتركة بين الأبوين.
ثمّ إنّه بناءً على ما توصّلنا إليه من عدم التفصيل بين كون الولد ذكراً أو أُنثى، فإنّ الخنثى المشكل يلحق بهما في الحكم ويكون له حكمهما في الحضانة.
ولكن بناءً على قول المشهور القائل بالتفصيل بين حضانة الابن والبنت، يثار السؤال: ما هو حكم حضانة الطفل إذا كان خنثىً بعد انتهاء مدّة الرضاع؟
قال الشهيد الثاني في هذا السياق: «لو كان الولد خنثى ففي إلحاقه بالذكر أو بالأُنثى قولان، منشؤهما استصحاب الأُمّ حقّ الحضانة الثابت قبل تمام الحولين، للشكّ في المزيل، إذ هو الذكوريّة ولم يتحقّق. وكون استحقاقها مشروطاً بالأُنوثيّة ولم يعلم.
والأقوى إلحاقه بالأُنثى، لوجوب جريان أحكامها عليه من الستر ونحوه، ودخوله في عموم الأخبار الدالّة على استحقاقها الولد مطلقاً، خرج منه الذكر لمناسبة تربيته وتأديبه فيبقى الباقي.»[1]
لكن يرد عليه أوّلاً: أنّ جريان أحكام الأُنثى على الخنثى مطلقاً محلّ تأمّل، إلا في موارد اقتضاء قاعدة الاشتغال لذلك، كما في مسألة الستر في الصلاة. بل المتعيّن في موارد العلم الإجمالي أن يراعی فيه أحكام الجنسين، فمثلاً يجب عليه ستر نفسه عن الرجال الأجانب كما يحرم عليه النظر إلى غير وجه المرأة الأجنبيّة وكفّيها.
وثانياً: لا دلالة في الأخبار على استحقاق الأُمّ لحضانة ولدها بعد فترة الرضاع بنحو العموم سوى ما ورد في مرسلة المنقري وصحيحة أيّوب بن نوح. أمّا الأُولى فغير معتبرة سنداً. وأمّا الثانية فبعد حملها على خصوص البنت، لا يصحّ التمسّك بها لإثبات حكم الخنثى، لأنّه من قبيل التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقيّة.
اللهمّ إلا أن يعتبر الخنثى المشكل طبيعة ثالثة، فعندئذٍ يمكن توجيه ما ذكره الشهيد الثاني، غير أنّ هذا المبنى غير مقبول لدی الأصحاب.
ولذلك فإنّ صاحب الجواهر بعد مناقشة ما ذکره الشهيد الثاني، قال في هذه المسألة: «المتّجه حينئذٍ الرجوع إلى إطلاق ولاية الأب على ولده المقتصر في تقييده على خصوص الحولين في حضانة الذكر والسبع في حضانة الأُنثى، فيبقى الخنثى في غير القدر المشترك ـ أي: الحولين ـ تحت الإطلاق.»[2]
غير أنّ صحّة هذه الدعوى موقوفة على اعتبار الخنثى المشکل طبيعة ثالثة وقد تقدّم أنّ دعوى الشهيد الثاني في هذه الحالة وجيهة، فلا موجب حينئذٍ للرجوع إلى إطلاق ولاية الأب. بل حتّى مع عدم القبول بهذا المبنى لا يصحّ التمسّك بالإطلاق المذكور، لأنّ التمسّك به في فرض كون الخنثى ذکراً أو أُنثى في الواقع، تمسّك بإطلاق الدليل في الشبهة المصداقيّة لموضوعه.
مضافاً إلى أنّ أدلّة ولاية الأب لا تنافي أدلّة حضانة الأُمّ ولا تقيّد بها، لأنّ الحضانة ـ كما تقدّم في بداية البحث ـ لا ارتباط لها بالولاية، وولاية الأب على ولده ثابتة حتّى في الفترة التي تتولّى فيها الأُمّ حضانة الطفل.
ثمّ إنّ صاحب الجواهر قال في ردّ دعوى الشهيد الثاني أنّ التمسّك بعموم صحيحة أيّوب بن نوح يتعارض مع التمسّك بعموم الأخبار التي علّقت حضانة الأُمّ على حصول الفطام. [3]
وفيه: أنّ الأخبار الواردة في حقّ الأُمّ خلال مدّة الرضاع لا علاقة لها بمسألة الحضانة کما تقدّم بيانه، وإنّما تبيّن تلك الأخبار حقّها في الإرضاع لا الحضانة.
وأمّا استصحاب حضانة الأُمّ بعد انقضاء مدّة الرضاع ـ الذي سبق في كلمات الشهيد الثاني ـ فهو غير جارٍ في المقام، لأنّ موضوع حضانة الأُمّ في هذه المدّة بحسب القول المشهور هو الطفل الرضيع، وبعد انقضاء المدّة يتبدّل الموضوع ويمتنع معه جريان الاستصحاب.
وعليه فمقتضى التحقيق ـ بناءً على ما ذهب إليه المشهور من التفصيل بين الذكر والأُنثى في الحضانة بعد الرضاع ـ هو المصالحة بين الأبوين في شأن حضانة الولد الخنثى المشكل بعد مدّة الرضاع إلى بلوغه سبع سنين، ثمّ تكون الحضانة بعد ذلك للأب من دون إشكال.
المقام الرابع: إمكان إسقاط حقّ الحضانة
هل الحضانة الثابتة للأُمّ إلى سنّ السبع ثمّ للأب بعد ذلك، من قبيل ما يجب عليهما ولا يجوز لهما إسقاطه، أم أنّها حقّ يمكن لكلّ منهما التنازل عنه؟
قال الشهيد في القواعد: «لو امتنعت الأُمّ من الحضانة، صار الأب أولى، ولو امتنعا معاً، فالظاهر إجبار الأب.»[4]
وظاهر كلامه أنّ للأُمّ أن تسقط حقّها في الحضانة. وأمّا الأب فإسقاطه لحقّه مقيّد بتكفّل الأُمّ بالحضانة، وإلا لم يكن له ذلك.
ونوکل دراسة بقيّة المسألة إلی الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.