46/08/20
بسم الله الرحمن الرحیم
نهاية الرضاع/ أحکام الإرضاع /أحکام الأولاد
الموضوع: أحکام الأولاد/ أحکام الإرضاع / نهاية الرضاع
قال المحقّق الحلّي:
«وللمولى إجبار أمته على الرضاع.
ونهاية الرضاع حولان. ويجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً ولا يجوز نقصه عن ذلك، ولو نقص كان جوراً. ويجوز الزيادة عن الحولين شهراً وشهرين.
ولا يجب على الوالد دفع أُجرة ما زاد عن حولين. والأُمّ أحقّ بإرضاعه إذا طلبت ما يطلب غيرها.
ولو طلبت زيادة كان للأب نزعه وتسليمه إلى غيرها. ولو تبرّعت أجنبيّة بإرضاعه فرضيت الأُمّ بالتبرّع، فهي أحقّ به، وإن لم ترض فللأب تسليمه إلى المتبرّعة.
فرع:
لو ادّعى الأب وجود متبرّعة وأنكرت الأُمّ، فالقول قول الأب، لأنّه يدفع عن نفسه وجوب الأُجرة؛ على تردّد.
ويستحبّ أن يرضع الصبي بلبن أُمّه، فهو أفضل.»[1]
أغلب ما ورد في كلمات المحقّق الحلّي هذه ـ من قبيل عدم وجوب دفع الأُجرة على الأب فيما زاد على السنتين، وأحقّيّة الأُمّ في الإرضاع ما لم توجد مرضعة تتقاضی أُجرة أقلّ، وجواز أخذ المرتضع من أُمّه في حال وجدت هذه المرضعة، وتقديم قول الأب أو الأُمّ في دعوی وجود متبرّعة ـ قد طرح في المباحث السابقة ونوقش تفصيلاً.
إلا أنّ هناك مسألتين لا تزالان بحاجة إلی الدراسة:
المسألة الأُولى: جواز إرضاع الطفل أقلّ من سنتين
تحدّد الآية الشريفة مدّة رضاع بسنتين، لكن إذا اتّفق الأبوان على فطام الطفل قبل ذلك جاز لهما، غير أنّ الآية لم تبيّن الحدّ الأدنی للرضاع الذي يمكن أن يتّفقا عليه.
وقد وردت روايات بهذا الشأن:
منها: صحيحة الحلبي، قال: «قال أبو عبدالله(ع): ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين، فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما فهو حسن، والفصال الفطام.»[2] [3]
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، قال: «...وإن أرادا الفصال عن تراضٍ منهما قبل ذلك کان حسناً، والفصال هو الفطام.»[4] [5]
ومنها: معتبره ابی بصير عن أبي عبدالله(ع): «...فإذا أراد الفصال قبل ذلك عن تراضٍ منهما كان حسناً، والفصال هو الفطام »[6] [7]
تُظهر هذه الروايات أنّ الفطام قبل السنتين جائز شريطة توافق الأبوين، بل هو مستحسن، وإن لم تقدّر ما يقلّ من السنتين.
ومنها: خبر عبدالوهّاب بن الصبّاح، قال: «الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهراً، فما نقص عن أحد وعشرين شهراً فقد نقص المرضع، وإن أراد أن يتمّ الرضاع فحولين كاملين.»[8] [9]
يُفهم من هذه الرواية أنّ الرضاع التامّ سنتان، لكنّ الواجب منه أحد وعشرون شهرًا.
والجمع بينها ـ بغضّ النظر عن ضعف سندها ـ وبين ما سبق من أنّ الإرضاع لا يجب على الأُمّ أنّه إذا استؤجرت الأُمّ أو غيرها للإرضاع دون تحديد المدّة، فالمقدار الواجب للإرضاع بناءً علی عقد الإجارة هو أحد وعشرون شهرًا، وإن كان الأفضل إتمام السنتين.
ومنها: معتبرة سماعة عن أبي عبدالله(ع)، قال: «الرضاع واحد وعشرون شهراً، فما نقص فهو جور على الصبيّ.»[10] [11]
فإنّها وإن كانت ظاهرة في حرمة الإرضاع لأقلّ من أحد وعشرين شهراً، ولكنّها تُحمل على الكراهة بالنظر إلى ما سبق من أدلّة عدم وجوب الإرضاع. نعم، قد ذهب العلامة إلى تحريمه استناداً إليها حيث قال: «لا يجوز نقصه عن أحد وعشرين شهراً.»[12]
وقال ابن إدريس أيضاً: : «إذا ولد الصبيّ فمن السنّة أن يرضع حولين كاملين، لا أقلّ منهما ولا أكثر. فإن نقص عن الحولين مدّة ثلاثة أشهر لم يكن به بأس، فإن نقص عن ذلك لم يجز وكان جوراً على الصبيّ.
وفقه ذلك أنّ أقلّ الحمل عندنا ستّة أشهر وأكثره على الصحيح من المذهب تسعة أشهر، قال الله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا﴾ً[13] .»[14]
غير أنّ الآية الشريفة لا تريد بيان أنّ مدّة حمل جميع الأولاد وفصالهم ثلاثون شهراً، بل تبيّن الحدّ الأدنى لهما، ولذلك بالنظر إلى قوله تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَين﴾ [15] يستنتج أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر، وإلا للزم القول بأنّ الحمل لا يكون إلا ستّة أشهر بلا زيادة أو نقصان.
وعليه لا يمكن الاستدلال بالآية لإثبات أنّه إذا كان الحمل تسعة أشهر فإنّ مدّة الفصال تكون أحد وعشرين شهراً وإذا كان الحمل ستّة أشهر فإنّ الفصال يكون سنتين، لأنّ ذلك يستلزم الدور في الاستدلال.
فالمستفاد من الأخبار هو أوّلاً: أنّ مدّة الأحد والعشرين شهراً من الرضاع هي المدّة التي ينبغي على المرضعة أو الأُمّ في صورة عقد الإجارة أن ترضع الطفل فيها. وثانياً: أنّ الفطام قبل السنتين مستحسن. وثالثاً: أنّ الإرضاع لمدّة أقلّ من أحد وعشرين شهراً مكروه.
وقد ذهب جماعة إلى وجوب إرضاع الطفل باللبأ، وهو أوّل ما يجري من لبن الأُمّ بعد الولادة.
قال العلامة في القواعد: «تجبر على إرضاع اللبأ، لأنّ الولد لا يعيش بدونه، ولها الأجر عنه.»[16]
والشيخ أيضاً في كتاب القصاص بعد أن ذهب إلى وجوب الإمهال إلى وضع الحمل بالنسبة إلى قصاص المرأة القاتلة الحامل، قال: «إذا وضعته فعليها أن ترضعه اللبأ الذي لا يقوم بدنه إلا به، لأنه يقال المولود به يعيش.»[17]
وظاهره أنّه يرى وجوب الإرضاع باللبأ.
غير أنّ الشهيد الثاني قال في المسالك: «هو ممنوع بالوجدان، ولعلّهم أرادوا الغالب، أو أنه لا يقوى ولا تشتدّ بنيته إلا به.
وعلى تقدير وجوبه هل تستحقّ أُجرة عليه؟ قيل: لا، لأنّه فعل واجب ولا يجوز أخذ الأُجرة على الواجب. وكلّيّته ممنوعة، فإنّ مالك الطعام يلزمه بذله للمضطرّ ولكن بالعوض باعتراف هذا القائل، وإن كان فيه خلاف أيضاً.»[18]
والحقّ أنّه لا دليل على وجوبه، وما قيل في الاستدلال عليه مخالف للوجدان. نعم، إذا ثبت أنّ عدم الإرضاع يؤدّي إلی توجّه ضرر كثير إلى الطفل ولو في المستقبل بحيث يعزی هذا الضرر إلى ترك الإرضاع باللبأ، فإنّه يجب في تلك الحالة، وقد سبق وجه جواز أخذ الأُجرة عليه في حالة الوجوب.
المسألة الثانية: جواز الإرضاع لأكثر من سنتين
لا دليل على حرمة الإرضاع لأكثر من سنتين، إذ إنّ الآية الشريفة لم ترد لبيان حكم تشريعي يقيّد مدّة الإرضاع بسنتين، بل تبيّن حقّ الأُمّ للإرضاع خلال هذه المدّة. بل حتّى لو دلّت الآية على وجوب الإرضاع على الأُمّ فإنّها لا تدلّ على حرمة الإرضاع لما زاد علی السنتين، بل غايتها أن تفيد عدم وجوبه.
على أنّه قد وردت بعض الأخبار التي تصرّح بجواز الإرضاع لأكثر من سنتين، وهي صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا(ع)، قال: «سألته عن الصبيّ، هل يرضع أكثر من سنتين؟ فقال: عامين. قلت: فإن زاد على سنتين هل على أبويه من ذلك شيء؟ قال لا.»[19] [20]
والرواية مطلقة من حيث الزيادة على السنتين.
لكن ادّعى بعض أنّه لا يمكن الزيادة على مدّة إرضاع الطفل في السنتين غير شهر أو شهرين كما مرّ ذلك في كلمات المحقّق الحلّي.
وقال ابن إدريس: «لا بأس أن يزاد على الحولين في الرضاع، إلا أنّه لا يكون أكثر من شهرين على ما روي.»[21]
ولكن لا توجد هذه الرواية في مجاميعنا الروائيّة، بل تقدّم أنّ إطلاق صحيحة سعد بن سعد على خلافها.
نعم، قد يستدلّ عليه بأنّ الرضاع من لبن الأُمّ بعد كبر الطفل، حرام من باب أكل الخبيث.
ولكنّه أوّلاً: إنّ الطفل غير مكلّف ما لم يبلغ، إلا أن يدّعى حرمة الإرضاع على الأُمّ.
وفيه: أنّه إذا بادر الطفل نفسه بالرضاع فلا حرمة.
وثانياً: إنّ صدق الخبيث على لبن الأُمّ محلّ كلام، إذ لا يوجد دليل ناهض للقول بحرمة أكل الخبيث وتفصيله موكول إلی محلّه.