< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / أدلة الدالة علی امکان إمتناع الزوجة من تمکين الخاص

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ من أدلّة استحقاق الزوجة لكامل المهر منذ العقد هي الأخبار الدالّة على عدم جواز مطالبة الزوجة شيئاً من المهر بعد الوطء.

وأمّا التمسّك بأدلّة إمكان امتناع الزوجة من التمكين الخاصّ حتّى استلام المهر، فهو مشكل أوّلاً: من حيث إنّ وجود هذه الأدلّة محلّ كلام ونقاش كما تقدّم سابقاً، ومن هنا تقدّم عن السيّد العاملي أنّه قال: «لم نقف في هذه المسألة على نصّ‌. والذي يقتضيه النظر فيها أنّ تسليم الزوجة لنفسها حقّ‌ عليها، وتسليم المهر إليها حقّ‌ عليه، فيجب على كلّ‌ منهما إيصال الحقّ‌ إلى مستحقّه، وإذا أخلّ‌ أحدهما بالواجب عصى ولا يسقط بعصيانه حقّ‌ الآخر، فإن تمّ‌ الإجماع على أنّ لها الامتناع من تسليم نفسها إلى أن تقبض المهر ـ كما ذكره الأكثر ـ أو إلى أن يحصل التقابض من الطرفين، فلا كلام، وإلا وجب المصير إلى ما ذكرناه»[1] .

وثانياً: حتّى لو وجد مثل هذا الدليل، فقد أسلفنا أنّه لا ينافي ملكيّة الزوجة لنصف المهر منذ العقد مشروطاً بالوطء اللاحق على نحو الشرط المتأخّر، بمعنى أنّ الطلاق قبل الدخول يكشف عن عدم ملكيّة الزوجة للمهر منذ العقد، لا أن يكون سبباً لرجوع ملكيّة الزوج لنصف المهر.

5 ـ لعقد النكاح مدخليّة في ثبوت المهر قطعاً، وكون مدخليّته في ثبوت نصف المهر المسمّى مشروطةً بالوطء ـ سواءً كان على نحو الشرط المقارن حتّى يقال: مادام لم يحصل الوطء فالزوجة لا تملك نصف المهر، أو على نحو الشرط المتأخّر حتّى يقال: إنّها تملك كامل المهر منذ العقد ولكن ملكيّتها لنصفه مشروطة بتحقّق الوطء بعد العقد ـ فهو محتاج إلى الدليل، وبدونه يمكن ادّعاء أنّ الأصل كون مدخليّة العقد في ثبوت المهر بنحو كلّ السبب لا جزئه؛ لأنّ سببيّة العقد ثابتة في ثبوت كامل المهر في الجملة، بينما يشكّ في سببيّة الوطء في ثبوت نصفه، والأصل عدمه.

ويؤيّده أنّه لو لم تدلّ الآية الشرفة على تنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول، لم نشكّ في ملكيّة الزوجة لكامل المهر بالعقد، فمنشأ الشكّ هاهنا هو دلالة الآية الشريفة على تنصيف المهر، وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول أعمّ من أن يكون للدخول مدخليّة في ثبوت نصف المهر، وفي حال الشكّ في ذلك، يمكن إجراء أصل العدم.

فاتّضح إلى هنا أنّه لا إشكال في ثبوت ملكيّة الزوجة لجميع المهر منذ العقد، والنتيجة أنّ مقتضى القاعدة هو أنّه كلّما كان المهر عيناً، فللزوجة أن تتصرّف فيه كلّه قبل أن يسلّمه الزوج إليها، فمثلاً لها أن تنقله إلى غيره بالبيع وأمثاله، لأنّ التصرّف في الملك لا يحتاج دليلاً غير العمومات القائلة بأنّ: «الناس مسلّطون علی أموالهم»[2] .

بينما ذهب الشيخ في الخلاف إلى أنّ الزوجة لا يحقّ لها التصرّف في المهر قبل تسليمه، وقال: «ليس للمرأة التصرّف في الصداق قبل القبض؛ و به قال جميع الفقهاء. وقال بعضهم: لها ذلك. دليلنا: أنّ جواز تصرّفها فيه بعد القبض مجمع عليه ولا دليل على جواز تصرّفها فيه قبل القبض. وروي عن النبي(ص) أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض ـ وقد روى ذلك أصحابنا ـ ولم يفصّل.»[3]

والدليل الذي دعا المحقّق للقول بأنّ «الأشبه جواز تصرّف الزوجة في المهر قبل تسلميها إيّاه» أيضاً هو دعوى الشيخ.

ولكن قال الشهيد الثاني في جواب دعوى الشيخ: «الرواية بالنهي مطلقاً ممنوعة، وإنّما وردت بالنهي عن بيع ما اشتراه قبل قبضه لا مطلقاً. سلّمنا، لكن لا يلزم من النهي عن بيعه النهي عن مطلق التصرّف الذي ادّعاه، لأنّ نفي الأخصّ‌ لا يستلزم نفي الأعمّ‌. ويمكن حمل النهي على الكراهة جمعاً بين الأدلّة. ونفي الدلالة على جواز التصرّف فيه قبل القبض ممنوع وقد بيّنّاها، والدليل لا ينحصر في الإجماع. ونفي الدلالة على الجواز لا يدلّ‌ على عدمه، لجواز الاستناد فيه حينئذٍ إلى الأصل.»[4]

وكلمات الشهيد الثاني وإن أمكن الخدشة فيها ـ مثل ما قاله بأنّه إذا لم نملك دليلاً على جواز التصّرف، فيمكن التمسّك بالأصل إثباتاً له، لأنّ التمسك بالأصل إنّما يجوز فيما إذا لم يكن دليل على خلافه، وفي فرض دلالة الرواية التي تمسّك بها الشيخ على عدم جواز التصرّف في أيّ مال قبل قبضه مطلقاً، فلا يمكن التمسّك بالأصل لجواز التصّرف ـ ولكن أصل دعواه من أنّ الدليل الذي تمسّك به الشيخ أخصّ من المدّعى فهي صحيحة، حيث يختصّ نفي إمكان التصّرف فيه بما ملك الشخص مالاً بالشراء ولا يشمل ملكيّة الزوجة للمهر؛ هذا أوّلاً.

وثانياً: فإنّ التصرّف المنهيّ عنه في الرواية هو التصرّف بالبيع، ولم يتمّ النهي عن جميع أقسام التصرّف.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo