< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / إشتراط الزوجة علی عدم الخروج من بلدها

قال المحقّق الحلّي: «الثامنة: إذا شرط أن لا يُخرجها من بلدها، قيل: يلزم، وهو المرويّ ولو شرط لها مهراً إن أخرجها إلى بلاده وأقلّ منه إن لم تخرج معه فأخرجها إلى بلد الشرك، لم يجب إجابته ولزم الزائد، وإن أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازماً؛ وفيه تردّد.»[1]

للأصحاب في أنّ المرأة هل يمكنها أن تشترط على الزوج ضمن عقد النكاح أن لا يخرجها من محلّ عيشها، قولان:

القول الأوّل: جواز الشرط

قال الشيخ في النهاية: «متى شرط الرجل لامرأة في حال العقد ألا يخرجها من بلدها، لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها.»[2]

وذهب إليه ابن برّاج وابن حمزة والمحقّق في النافع ونكت النهاية وابن سعيد والعلامة في المختلف والتحرير والتبصرة.[3] [4] [5] [6] [7] [8] [9]

القول الثاني: عدم جواز الشرط

قال الشيخ في الخلاف: «إذا أصدقها ألفاً وشرط أن لا يسافر بها... كان النكاح والصداق صحيحين، والشرط باطلاً...

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.»[10]

وقال ابن إدريس في توجيه فساد الشرط: «لأنّها يجب عليها مطاوعة زوجها والخروج معه إلى حيث شاء، فإن لم تجبه إلى ذلك كانت عاصية لله تعالى وسقطت عنه نفقتها.

وإن كان قد ذكرها وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته فقد رجع عنها في مسائل خلافه...»[11]

وقال المحقّق في نكت النهاية موجّهاً دعوى الشيخ في الخلاف: «وجه ما ذكره في الخلاف أنّ مقتضى العقد تسلّط الزوج على الزوجة استمتاعاً وإسكاناً، والشرط المذكور منافٍ لمقتضاه، فيكون مخالفاً للكتاب والسنّة، فلا يثبت الشرط.»[12]

وقال به فخر المحقّقين أيضاً.[13]

ثمّ إنّه تبيّن جواب ما قيل في تعليل الفساد ممّا تقدّم، حيث إنّه أوّلاً: ليس إخراج الزوج زوجته من مدينتها من مقتضيات ذات العقد حتّى يكون شرط عدمه مخالفاً لمقتضى ذات العقد.

وثانياً: إنّ المشروط في العقد ليس عدم جواز إخراج الزوجة من مدينتها حتّى يستشكل بأنّه مخالف للكتاب والسنّة، وإنّما هو عدم إعمال حقّ الزوج خارجاً ممّا لا يخالف الكتاب والسنّة كما تقدّم بيانه بالتفصيل.

ومن هنا ردّ صاحب الجواهر على هذه الدعوى قائلاً: «إنّا نمنع الاستحقاق المزبور حتّى مع الشرط. ودعوى مخالفة الشرط استحقاقه كذلك، يدفعها أنّ ذلك آتٍ في كلّ شرط يمنع ما يقتضيه إطلاق العقد لولا الشرط ـ كالأجل ونحوه ـ ممّا هو معلوم أنّه ليس منافياً للكتاب والسنّة.»[14]

وكلامه يؤيّد الملاحظة التي سبقت منّا من أنّ وظيفة الشرط هي تضييق إطلاق العقد من حيث إيجاد المانع لما يقتضيه العقد، وهذا لا يسبّب مخالفة الشرط للكتاب والسنة، وإلا لكانت جميع الشروط مخالفة لهما، وإنّما الشرط يخالفهما فيما إذا نفى الاقتضاء الموجود في العقد أو أراد جعل المقتضي في الموارد التي يكون المقتضي فيها توقيفيّاً.

على أنّ هناك من النصوص في المسألة ما يدلّ على صحّة هذا الشرط.

منها: صحيحة أبي العبّاس‌ عن‌ أبي عبدالله(ع)‌: «في الرجل‌ يتزوّج‌ المرأة‌ ويشترط لها أن‌ لا يخرجها من‌ بلدها، قال:‌ يفي لها بذلك‌، أو قال:‌ يلزمه‌ ذلك.»[15] [16]

ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن‌ عليّ‌ بن‌ إسماعيل‌ الميثميّ‌ عن‌ ابن‌ أبي عمير وعليّ‌ بن‌ حديد جميعاً عن‌ جميل‌ بن‌ درّاج‌ عن‌ بعض‌ أصحابنا عن‌ أحدهما(ع): «في الرجل‌ يشتري الجارية‌ فيشترط لأهلها أن‌ لا يبيع‌ ولا يهب‌ ولا يورِث‌، قال‌: يفي بذلك‌ إذا شرط لهم‌ إلا الميراث‌. قال‌ محمّد: قلت‌ لجميل:‌ فرجل‌ تزوّج‌ امرأة‌ وشرط لها المقام‌ بها في أهلها أو بلد معلوم‌، فقال:‌ فقد روى أصحابنا عنهم(ع)‌ أنّ‌ ذلك‌ لها وأنّه‌ لا يخرجها إذا شرط ذلك‌ لها.»[17] [18]

وسندها صحيح إلى جميل بن درّاج، ولكنّه رواها عن بعض الأصحاب، فهي مرسلة وإن كان جميل من أصحاب الإجماع.

ثمّ إنّ ذيل الرواية وإن كان مرويّاً عن جميل بواسطة ابن أبي عمير ولا إشكال في السند إلى هذه الطبقة، ولكن جميل رواها عن الإمام(ع) مرسلاً لا مسنداً، فتكون مرسلة أيضاً.

وأمّا ما ورد في صدرها من صحّة شرط عدم البيع وعدم الهبة دون شرط عدم الإرث الفاسد، فهو يؤيّد الملاك الذي سبق في مخالفة الشرط للكتاب والسنّة من أنّ الشرط إذا تسبّب في تضييق اختيار المشروط عليه في إعمال الحقّ، فلن يكون مخالفاً للكتاب والسنّة، وأمّا إذا أراد نفي اقتضاء شرعيّ، فهو مخالف للكتاب والسنّة، وبالنسبة إلى الإرث فبما أنّ وراثة الورّاث لمال الميّت حكمٌ شرعيّ، فاشتراط عدم إرثهم مالاً من أمواله خلاف الكتاب والسنّة، دون ما إذا شرط عدم بيع صاحب المال ماله أو عدم هبته إيّاه، حيث لا يخالف الشرط استحقاقه الشرعيّ له.

ولكن بناءً على القول بالجواز، فهل ينبغي الاقتصار على شرط عدم الإخراج من البلدة أم يصحّ أن تشترط الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بيت معيّن؟

تردّد العلامة في القواعد في إمكان التعدّي عن مورد الرواية[19] ، ولكن يتّضح بما تقدّم عدم اتّجاه هذه الدعوى، لأنّ جواز هذا الشرط ولزومه مطابق للقاعدة وليس خلافها حتّى نصحّحه بالتمسّك بالأخبار وبالتعبّد. على أنّه حتّى لو قلنا بجواز الشرط من باب التعبّد، لأمکن إلغاء خصوصيّة مورد الرواية وتعميمها على شرط عدم إخراج الزوجة من أمثال البيت والقرية ونظائرهما.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo