< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / الجمع بين الأخبار

 

ذكرنا في الجلسة السابقة طريقة الجمع بين الأخبار وما يتحصّل منها.

فلا وجه لما قاله الشيخ في مقام توجيه موثّقة منصور بزرج في الاستبصارحيث قال: «فالوجه‌ في هذا الخبر أحد شيئين:

أحدهما: أن‌ يكون‌ محمولاً على الاستحباب،‌ لأنّ‌ من‌ حكم‌ بما تضمّنه‌ الخبر يستحبّ‌ له‌ أن‌ يفي‌ بالشرط الذي بذل‌ لسانه‌ به‌ وإن‌ لم‌ يكن‌ ذلك‌ واجباً.

والوجه‌ الآخر: أن‌ يكون‌ محمولاً على التقيّة،‌ لأنّ‌ من‌ خالفنا يوجبون‌ هذا الشرط ويحنثون‌ من‌ خالفه.»[1]

وكذا ما قاله في توجيهه في التهذيب: «ما تضمّنت‌ أنّه‌ جعل‌ لله‌ عليه‌ ذلك وهذا نذر وجب‌ عليه‌ الوفاء‌ به، وما تقدّم‌ في الرواية‌ الأُولى أنّهما جعلا على أنفسهما ولم‌ يقل‌ لله،‌ فلم‌ يك‌ ذلك‌ نذراً يجب‌ الوفاء‌ به‌ وكان‌ مخيّراً في ذلك‌، فافترق‌ الحديثان.»[2]

على أنّه لو كان الشيء قابلاً للنذر، فهو قابل للشرط أيضاً، ولا فرق بين الشرط والنذر من حيث وجوب الوفاء.

ولا تنحصر الروايات الدالّة على صحّة شرط الفعل أو عدمه في هذه الموثّقة، بل هناك أخبار أُخرى تدلّ عليه تقدّم ذكرها ضمن نقل الأخبار.

وإذا شرط ضمن العقد أن لا يدخل الزوج بالزوجة، فإن كان شرطه بنحو اشتراط عدم الفعل، فصحيح، وإن شرط أن لا يحقّ له الدخول، فالشرط فاسد.

وفضلاً عن عموم دليل لزوم الوفاء بالشرط وعدم مخالفة الشرط للكتاب والسنّة، يمكن الاستدلال في خصوص الفرض الأوّل بالروايتين الآتيتين:

1 ـ خبر سماعة بن مهران عن أبي عبدالله(ع)، قال: «قلت‌ له:‌ رجل‌ جاء‌ إلى امرأة‌ فسألها أن‌ تزوّجه‌ نفسها، فقالت: أُزوّجك‌ نفسي على أن‌ تلتمس‌ منّي ما شئت‌ من‌ نظر أو التماس‌ وتنال‌ منّي ما ينال‌ الرجل‌ من‌ أهله‌ إلا أنّك‌ لا تدخل‌ فرجك‌ في فرجي وتتلذّذ بما شئت،‌ فإنّي أخاف‌ الفضيحة‌؟ قال: ليس‌ له‌ منها إلا ما اشترط.»[3] [4]

2 ـ خبر إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)، قال: «قلت له: رجل تزوّج بجارية عاتق علی أن لا يقتضّها ثمّ أذنت له بعد ذلك. قال: إذا أذنت له فلا بأس.»[5] [6]

ومعلوم أنّ الرواية الأُولى تدلّ على جواز هذا الشرط ولزومه بمنطوقها والثانية بمفهومها.

لكن هناك من الأصحاب من حمل الروايتين على المتعة.

قال الشيخ في المبسوط: «إن كان شرطاً يعود بفساد العقد ـ مثل أن تشرط الزوجة عليه ألا يطأها ـ فالنكاح باطل، لأنّه شرط يمنع المقصود بالعقد، وقد روى أصحابنا أنّ العقد صحيح والشرط صحيح ولا يكون له وطؤها، فإن أذنت فيما بعد كان له ذلك، وعندي أنّ هذا يختصّ عقد المتعة دون عقد الدوام.»[7]

فإنّه يرى وجه فساد هذا الشرط مخالفته لمقتضى العقد الدائم لا مخالفته للكتاب والسنّة.

وقال صاحب الجواهر في توجيه دعوى الشيخ وحمل الخبرين على المتعة: «لأنّه هو الذي لم يطلب فيه النسل وإنّما يراد منه الاستمتاع المتحقّق بغيره، ولذا لم ينافه الشرط المزبور بخلافه في الدائم المراد منه النسل والتوالد، فهو حينئذٍ خلاف مقتضي العقد، بل لعلّه أيضاً من خلاف المشروع، باعتبار تصريح الكتاب والسنّة بأنّ له الوطء أنّى شاء، فيكون شرط عدمه خلاف المشروع.

وربما يومئ إليه الحكم بفساد اشتراط جعل الوطء والطلاق بيد الزوجة في غير واحد من النصوص، وأنّه من خلاف السنّة، ولا ريب في أنّ اشتراط عدم الوطء أصلاً أولى بذلك منه.

بل لعلّه منافٍ لمقتضى العقد أو مخالف للمشروع في الدائم والمنقطع، لكن خرج عنه في الأخير للنصوص بخلاف الأوّل، فإنّه لا نصّ يقتضيه عدا الخبرين، وهما مع ضعفهما يمكن إرادة المؤجّل منهما، لكون المتعارف اشتراط ذلك فيه، بل قد عرفت القرينة عليه في أحدهما.»[8]

ومراده من القرينة، هي حسنة عمّار بن‌ مروان‌ عن‌ أبي عبد الله(ع)، قال: «قلت‌ له: رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوّجه نفسها فقالت: أُزوّجك نفسي على أن‌ تلتمس‌ منّي ما شئت‌ من‌ نظر أو التماس‌ وتنال‌ منّي ما ينال‌ الرجل‌ من‌ أهله‌ إلا أنّك‌ لا تدخل‌ فرجك‌ في فرجي وتتلذّذ بما شئت‌، فإنّي أخاف‌ الفضيحة.‌ قال:‌ ليس‌ له‌ إلا ما اشترط.»[9] [10]

لكن أخطأ صاحب الجواهر في نقل الرواية بذكر «تزوجّه نفسها متعة»[11] حيث لم ترد مفردة: «متعة» في المصدر. نعم، هناك قرينة أُخرى لحمل هذه الرواية وكذا خبر سماعة على المتعة، وهي أنّ الوجه الذي ذكرته المرأة للشرط هو خوفها الفضيحة ممّا يكون غالباً في المتعة دون الدوام.

وقد أتبع صاحب الجواهر كلامه بردّ الوجوه المذكورة لفساد الشرط المذكور في النكاح الدائم وقال: «هو كما ترى تحكّم بلا حاكم، ضرورة عدم الفرق بين الدائم والمنقطع في ذلك، بل ربما كان الوطء في الأخير أشدّ ملاحظةً، وخبر إسحاق بن عمّار وغيره مطلق، والضعف ـ إن كان ـ منجبر بالشهرة.

ولو أنّ الوطء من مقتضيات النكاح على وجه يستلزم اشتراط عدمه بطلانه، لم يجز نكاح المتعذّر وطؤها أو وطؤه، وهو معلوم الفساد، وإنّما الوطء غاية من الغايات.

والنصوص المتضمّنة لبطلان اشتراط كون ولاية الجماع بيدها وولاية الطلاق كذلك إنّما هو لمخالفة نحو قوله تعالى: «اَلرِّجالُ‌ قَوّامُونَ‌ عَلَى النِّساءِ»[12] و«الطلاق بيد من أخذ بالساق» ونحو ذلك، وهو غير عدم الوطء.»[13]

والحقّ ما ذهب إليه، وإن أمكن القول ـ نظراً إلى حسنة عمّار بن مروان ـ أيضاً بأنّ الرواية غير ضعيفة سنداً. بل يمكن ادّعاء أنّ صحة الشرط ولزومه ـ حسب ما تقدّم ـ مطابق للقاعدة ولا يحتاج دليلاً خاصاً.

ومن الغريب ما ذكره في توجيه كلام الشيخ من أنّ شرط عدم الوطء خلاف مقتضى العقد وكذا خلاف المشروع، سواء في النكاح الدائم أو المنقطع، وجوازه في المتعة إنّما هو لوجود أخبار تجوّزه فيه، حيث إنّ الشرط إذا كان مخالفاً لمقتضى العقد فلا يمكن عقلاً تجويز الشارع له، وفي المقابل لا معنى لعدم مشروعيّة ما جوّزه الشارع، إلا إذا أُريد ظهور المخالفة للمشروع بدواً وبالنظر إلى سائر الأدلّة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo