< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / الشرط المخالف للکتاب والسنة

 

قمنا في الجلسة الماضية ببيان معنى الشرط المخالف للكتاب والسنّة.

ولكن هل يسبّب ذكر الشرط المخالف للكتاب والسنّة فساد العقد أيضاً؟

قد عدّت وجوه لفساد العقد بالشرط الفاسد، ومنها ما ذكره الشيخ الطوسي في المبسوط: «قال قوم: إنّ الشرط إذا كان فاسداً، فسد البيع لجهالة الثمن في المبيع، لأنّه لا يخلو من أن يكون الشرط يقتضي الزيادة في الثمن أو النقصان منه. فإن كان يقتضي الزيادة في الثمن، فإذا سقط الشرط يجب أن يسقط ذلك القدر من الثمن وذلك مجهول، وإن كان يقتضي النقصان، فإذا سقط وجب أن يضاف ذلك القدر إلى الثمن وصير الثمن مجهولاً، لأنّ نقصان جزء مجهول من معلوم يجعل الجميع مجهولاً.»[1]

لكن قال الشيخ الأعظم في الجواب على هذا الاستدلال:

أولاً: إنّ غاية ما يمكن قوله في خصوص الشرط هو أنّه القيد المؤدّي إلى زيادة العوضين أو نقصانهما، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون الشرط جزءً من العوضين.

وثانياً: إنّ الذي يكون بإزاء الشرط من العوض أو المعوض، ليس مجهولاً لدى العرف، لأنّ العوض المنضمّ إلى الشرط والمجرّد هما في حكم العوض المتّصف بوصف الصحّة والخالي عنه، وهو مضبوط لدى العرف.

وثالثاً: إنّ سبب فساد العقد هو جهالة العوضين حين إنشاء العقد، فلا تخلّ بالعقد الجهالة العارضة عليهما لاحقاً.[2]

وبالنسبة إلى ما ذكره في الجواب الأوّل، فهو صحيح، وتوضيحه أنّ الذي يقال في تعريف الشرط هو أنّه: «الالتزام في الالتزام» والمراد من الالتزام الثاني هو الالتزام بالعقد. فالشرط الالتزامي هو الواقع ضمن الالتزام العقدي، ويلزم منه وقوع الالتزام الشرطيّ بعد تماميّة الالتزام العقديّ الذي يتوقّف على تماميّة العوضين. فالشرط لا يكون جزءً من عوضي العقد وإن أمكن أن يؤثّر في تعيين العوضين.

وأمّا بالنسبة إلى ما قاله في جوابه الثاني فيمكن إيراد الإشكال فيه بأنّ الجزء الواقع إزاء الشرط من العوض أو المعوّض، فهو غير معلوم لدى العرف ـ بمعنى أنّ العرف لا يحكم بعلم الطرفين به ـ وإنّما يعتبره معيّناً وقد تقدّم الفرق بين المعلوميّة والتعيّن في بحث المهور حيث قلنا: إنّ المعلوميّة معناها هو علم طرفي العقد بالشيء المتعيّن خارجاً، خلافاً للتعيّن حيث لا يتطلّب علم طرفي العقد به. فغاية ما يمكن قوله في هذه الموارد أنّ العرف يرى إمكان تعيين جزء من العوض والمعوّض الواقع إزاء الشرط، لأنّه يراه معيّناً ولو لم يكن المقدار معلوماً للطرفين حين العقد، بينما الذي يشترط في صحّة العقد ليس مجرّد تعيّن الطرفين، وإنّما ينبغي علمهما به أيضاً. فتماميّة الجواب متوقّفة على تماميّة ما سننقله عن المحقّق الاصفهانيّ فيما يلي.

قال في الإشكال على الجواب الثالث للشيخ الأنصاري: يظهر من كلامه أنّ الجهالة عرضت لاحقاً ولم تكن منذ البدء، بينما لم يكن معلوماً منذ البداية وحين العقد مقدار المعوّض المجرّد عن الشرط ولا مقدار العوض الواقع بإزائه.

فالأفضل أن يقال في الجواب: إنّ الذي يشترط في العوضين حين المعاملة معلوميّة ما يأخذه الطرفان بعنوان العوضين في المعاملة لهما، لا أن يلزم معلوميّة ما سيقع في النهاية عوضاً للمعاملة لهما، وهو کما إذا باع ما يملكه مع ما لا يملكه، فإنّ المعاملة لا تفسد بسبب عدم معلوميّة العوض الواقع بإزاء ما كان يملكه.[3]

والحقّ ما ذهب إليه المحقّق الاصفهانيّ.

وقد ذُكر وجه آخر لفساد العقد بفساد الشرط وهو أنّ تراضي الطرفين كان على عقد مشتمل على الشرط، فإذا كان الشرط فاسداً انتفى التراضي أيضاً ولم يصدق: ﴿تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾[4] ، وبذلك تحتاج المعاوضة بين العوض والمعوّض الفاقد للشرط معاملة جديدة.

قال الشيخ الأنصاري في الجواب على هذا الإشكال: إنّ علاقة الشرط بالعقد ليست بنحو يحتاج بارتفاع الشرط معاملة جديدة بين العوض والمعوّض عن تراضٍ جديد بين المتعاملين، كما أنّه لو فقدت بعض الخصائص المأخوذة في المبيع ـ مثل الكتابة أو الصحّة ـ أو تعذّر جزء من العوضين، لم يسبّب ذلك فساد العقد.

والقول بأنّ عدم الفساد في هذه الموارد مبنيّ على الدليل وأنّ الأصل أنّه لو فقد الشيء المتعلّق فالشيء المتعلّق به مفقود أيضاً وبالنتجية فالأصل في فساد الشرط هو أنّه يوجب فساد العقد إلا إذا دلّ دليل على خلافه، فهذه دعوى باطلة، إذ مجرّد إمكان القول بصحّة العقد ولو في مورد معيّن بحسب الدليل، يلزم منه عدم استحالة التفكيك بين الشرط والعقد، إذ من المعلوم أنّه لو دلّ الدليل على بقاء العقد فهذا لا يكشف عن حكم الشارع قهراً ببقاء المعاملة من غير تراضي الطرفين، وإنّما يدل على عدم توقّف التراضي المعامليّ بين المتعاملين على صحّة ما يتعلّق بالعوضين.[5]

والحقّ ما ذهب إليه الشيخ، ووجهه عين ما تقدّم من أنّ الالتزام بالشرط يقع في رتبة متأخّرة عن الالتزام بالعقد وتماميّته، ولا يمكن لانتفاء الشرط أن يسبّب انتفاء الالتزام المعامليّ.

نعم، صحيح أنّه يمكن أخذ الشيء في المعاملة بنحو القيد بحيث لو انتفى، انتفى المقيّد أيضاً، إذ القيد في هذه الصورة دخيل في الالتزام المعامليّ، لا أن يكون هناك التزام مستقلّ عن الالتزام المعاملي، ولكن ذلك خارج عن بحثنا، لأنّه يدور فيما إذا أخذ الطرفان شيئاً في المامعلة شرطاً لا قيداً.

وإذا شكّ بأن المأخوذ في المعاملة هل كان قيداً أم شرطاً؟ فيتمّ تعيينه بالنظر إلى القرائن الحاليّة والمقاليّة ولا يوجد أصل يساعد على إحراز المتعيّن منهما.

هذا ولكنّ السيّد الوالد كان يرى أنّ المتفاهم العرفيّ من الشرط هو القيديّة إلا إذا دلّ على خلافه دليل، كما ذهب إليه المحقّق الإيروانيّ صاحب الحاشية على المكاسب[6] ولا يسعني القبول بهذه الدعوى.

وقد عدّ لفساد العقد بفساد الشرط وجوه أُخرى لا يتمّ أيّ منها يمكن الاطلاع عليها في كتب الأصحاب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo