< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المهور / أحکام المهر / الحدّ الذي يجوز للزوجين التوافق عليه

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ الآية الشريفة تدلّ على جواز توافق الزوجين على تسمية مهر بعد نكاح لم يذكر فيه مهر، ولكن لا دليل على استحقاق الزوجة لإلزام الزوج على تعيينه.

أمّا بالنسبة إلى الحدّ الذي يجوز لهما التوافق عليه، فلا وجه لتحديده كما تقدّم في كلمات المحقّق، كما لا دخل لعلم الزوجين وجهلهما بمقدار مهر المثل في تعيينه؛ إذ على فرض جواز التراضي فإنّ تحديد المقدار المتّفق عليه يحتاج إلى دليل لا يوجد في المقام.

قال الشيخ في المبسوط: «مفوّضة البضع لا تملك بالعقد مهراً أصلاً وإنّما تملك بالعقد أن تملك، وما ذلك المهر؟ قال قوم: هو مهر المثل، وقال آخرون: ما يتقدّر بالفرض، وهذا هو الصحيح عندنا...

فأما فرض الزوجين فلا يخلو حالهما من أحد أمرين إمّا أن يعلما مبلغ مهر المثل‌، أو لا يعلما.

فإن كانا به عالمين، فإن اتّفقا على فرض مهر المثل صحّ ولزم، لأنّهما فعلا ما هو الواجب، وإن اتّفقا على فرض هو دون مهر المثل صحّ ولزم أيضاً وعلمنا أنّها تركت بعض حقّها، وإن اتّفقا على فرض أكثر من مهر المثل، صحّ ولزم أيضاً وعلمنا أنّه اختار أن يزيدها، وإن اتّفقا ففرضا ثوباً أو غيره ممّا هو غير مهر المثل، صحّ ولزم أيضاً وعلمنا أنّهما اتّفقا على أخذ العوض عمّا وجب لها، وهذا جائ

وأمّا إن كانا جاهلين بموضع مهر المثل فاتّفقا على شيء ففرضاه ورضيا به، فهل يصح أم لا؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: لا يصحّ، لأنّ الواجب مهر المثل، فإذا لم يعلما قدر المثل كان فرضهما مع الجهل باطلاً. والثاني: يصحّ ولزم ما فرضناه، وهو الصحيح عندنا، لأنّ الواجب ما يتّفقان عليه.»[1]

والدليل هو ما ذکره الشيخ في نهاية كلامه من أنّ الواجب هو ما توافق عليه الزوجان، ولا وجه لدعوى وجوب مهر المثل؛ إذ تقدّم أنّ وجوب مهر المثل متوقّف على الدخول، ومن دونه لا يثبت مهر المثل بمجرّد العقد.

ثمّ إنّه نظراً لما تقدّم من أنّ تعيين المهر المسمّی بعد العقد متوقّف على توافق الطرفين، فلا وجه للبحث عن جواز الرجوع إلى الحاكم حال نشوب النزاع بينهما وعدم التوافق، وكذا المقدار الذي يحدّده الحاكم مهراً وهل يجوز له تعيين الزائد على مهر المثل أم لا؟ لأنّ أصل تعيين المهر متوقّف على توافقهما، فيحقّ للزوج أو الزوجة أن يأبيا التعيين، ولا يحقّ للحاكم أن يجبرهما.

وتابع الشيخ بذكر فرع في المسألة. قال في المبسوط: «إذا تزوّجها مفوّضة البضع فجاء أجنبيّ ففرض معها مهر مثلها وهما يعلمان مبلغه وسلّمه إليها وتسلّمته وقبضته، ثمّ إنّ الزوج طلّقها قبل الدخول بها، قيل: فيه ثلاثة أقوال، أحدهما: يعود كلّه إلى الأجنبيّ، والثاني: يعود نصفه إلى الأجنبيّ، والثالث: يعود نصفه إلى الزوج.

وإنّما قيل: يعود كلّه إلى الأجنبيّ لأنّ الفرض إنّما يصحّ من الحاكم أو الزوجين، وليس هذا واحداً منهما، فبطل فرضه، ووجب لها المتعة على زوجها.

والوجه الثاني أنّ فرضه صحيح، لأنّه لمّا جاز أن يقوم مقام الزوج في قضاء ما يجب عليه ويبرئ ذمّة الزوج به، فكذلك جاز أن يقوم مقامه في الفرض معها وقضائه عنه. فعلى هذا إذا طلّقها قبل الدخول عاد نصفه. وإلى من يعود؟ على الوجهين، أحدهما: إلى الأجنبيّ الذي فرضه، والثاني: يعود إلى الزوج دونه.

ويجيء على هذين الوجهين إذا تبرّع أجنبيّ فقضى عن الزوج ما وجب عليه من المسمّى ثم طلّقها زوجها قبل الدخول، عاد نصفه بالطلاق، وعلى من يعود؟ على الزوج أو على من تبرّع بقضائه‌؟ على الوجهين، والوجه الأوّل من الوجوه أقوى.»[2]

أقول: ما يمكن قوله في المسألة أنّ الأجنبيّ إذا عيّن المهر وكالةً أو ولايةً عن الزوج ودفعه، فلا إشكال ويمكن تصحيح فعله، ولكنّ هذه الصورة ـ كما قاله المحقّق الكركيّ[3] وخلافاً لمذهب صاحب الجواهر[4] ـ خارجة عن فرض المسألة، إذ فرض المسألة إنّما هو ما إذا عيّن الأجنبيّ من ماله مالاً للزوجة مهراً ودفعه إليها من دون إذن الزوج ومن غير أن تكون له وكالة أو ولاية عنه.

ومقتضى التحقيق في هذا الفرض هو أنّ ما عيّنه الأجنبيّ مهراً فضولاً فإن رضي به الزوج فيجري عليه حكم المهر، وعلى الزوجة في هذه الصورة أن تعيد نصفه في الطلاق من غير دخول، ويملك الأجنبيّ النصف المُعاد؛ لأنّ المفروض أنّ المهر مدفوع إليها من مال الأجنبيّ لا مال الزوج، وما ادّعي من دخول المهر من ملك الأجنبيّ إلى ملك الزوج أوّلاً ثمّ يملّك للزوجة، فهو غير صحيح؛ إذ حتّى لو سلّمنا بقاعدة خروج العوض عن ملك من دخل المعوّض إلى ملكه أيضاً، فبما أنّه لا عوضيّة بين المهر والبضع فيما نحن فيه، فلا تجري القاعدة، ولأيّ أحد أن يدفع مهر الزوجة إليها من غير أن يدخل المال في ملك الزوج ابتداءً.

وأمّا إذا لم يمض الزوج عمل الأجنبيّ، فلا وجه لترتّب حكم المهر المسمّى على المال الذي دفعه الأجنبيّ إلى الزوجة، ولا يلزم من جواز تحصيل براءة ذمّة الزوج بإعطاء المال من قبل الأجنبي أن يجوز للأجنبيّ أن يتعهّد شيئاً عن الزوج فيشغل ذمّته به. فيجب على الزوج في هذا الفرض أن يمتّع الزوجة بعد الطلاق، وللأجنبيّ أن يستعيد ماله الذي دفعه إليها.

قال المحقق الثاني: «في صحة الفرض والدفع احتمالان:

...الثاني: الصحّة، لأنّ المهر كسائر الديون يصحّ من الأجنبيّ قضاؤه عن الزوج فيصحّ فرضه، لأن القضاء فرع الفرض، فلو لم يصحّ الفرض لم يصحّ القضاء، والتالي باطل.

ولقائل أن يقول: تمنع صحّة القضاء في محلّ النزاع، لأنّ الذي يصحّ قضاؤه من الأجنبيّ هو الدين الثابت في الذمّة دون غيره، والمهر في محلّ النزاع ليس كذلك.»[5]

والحقّ ورود الإشكال المذكور على الاستدلال، وإلا لزم القول بأنّه يجوز لكلّ أحد أن يشغل ذمّة شخص آخر بالاستقراض وأمثاله فضولاً، ثمّ يُبرئها بدفع مال، وهو واضح الفساد.

وقد أشار المحقّق الكركيّ في نهاية كلامه إلى أمرين، يجدر ذكرهما:

قال في جامع المقاصد: «الأوّل: إنّ المصنّف هنا وفي التحرير، فرض المسألة ـ أعني فرض الأجنبي للمهر ـ فيما إذا فرضه ودفعه، وكذا الشيخ في المبسوط، فيلوح من ذلك أنّ فرضه من دون الدفع لا أثر له وهو متّجه، لأنّه حينئذٍ حكم على من لا سلطنة له عليه.

الثاني: إنّ رضا الزوجة لابدّ منه، لامتناع القضاء من دونه، وهذا وإن لم يصرّح به المصنّف إلا أنّ عبارته يستلزمه، من حيث إنّ دفعه إليها وأخذها له يستلزم رضاها[6]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo