< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / تعيين سورة أو آية فيما جعل المهر تعليمهما

 

تقدّم إشكال جماعة على ضرورة تعيين سورة أو آية فيما جعل المهر تعليمهما.

قال السيّد العاملي: «ربما ظهر من صحيحة ابن مسلم المتضمّنة لقضيّة تلك التي طلبت من النبي(ص) التزويج، جواز كون المهر مجهولاً، فإنّه(ع) زوّجها على ما يحسن من القرآن من غير سؤال عمّا يحسنه من ذلك.»[1]

ومرادهم من صحيحة محمّد بن مسلم هي الرواية السابقة الذکر عن الإمام الباقر (ع) حيث قال: «جاءت‌ امرأة‌ إلى النبيّ(ص)‌ فقالت:‌ زوّجني! فقال‌ رسول‌ الله(ص):‌ من‌ لهذه؟‌ فقام‌ رجل‌ فقال:‌ أنا يا رسول‌ الله! زوّجنيها... فقال‌ رسول‌ الله‌(ص)‌ في المرّة‌ الثالثة:‌ أتحسن‌ من‌ القرآن‌ شيئاً؟ قال:‌ نعم.‌ فقال:‌ قد زوّجتكها على ما تحسن‌ من‌ القرآن‌ فعلّمها إيّاه.»[2] [3]

وقال المحدّث البحراني: «قد عرفت ممّا قدّمنا ذكره أنّ ما ذكره من اشتراط التعيين على الوجه الذي ذكروه ممّا لم يقم عليه دليل، بل ربما ظهر من الأدلّة خلافه.

وصحيح محمّد بن مسلم المتضمّن لحكاية المرأة التي طلبت من النبيّ(ص) أن يزوّجها ظاهر فيما قلناه...

ومن الظاهر أنّ هذه صيغة العقد مع أنّ ما يحسنه غير معلوم ولا مضبوط بكونه سورة أو أقلّ أو أكثر، فأيّ جهالة أشدّ من هذه الجهالة، وهم قد أثبتوا الجهالة فيما لو أصدقها تعليم سورة وهي أعمّ من الطويلة والقصيرة فلابدّ من تعيينها، والخبر قد تضمّن ما يحسن من القرآن وهو أشدّ إجمالاً وإبهاماً...

وقد عرفت أيضاً ورد الأخبار بصحّة التزويج على الدار والبيت والخادم وأنّ لها وسطاً من هذه الأشياء، ومن الظاهر أنً هذه الأشياء إنّما خرجت مخرج التمثيل، فالحكم بالصحّة غير مقصور عليها، لكنّهم من حيث الالتزام بهذه القاعدة التي اتّفقوا عليها في المهر قصّروا الحكم فيها على مورد هذا الأخبار، وإلا فالحقّ أنّ هذه القاعدة وإن اتّفقوا ظاهراً عليها لكن لمّا كانت غير منصوصة ولا دليل عليها في الأخبار فإنّه بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام... لا مانع من صحّة العقد فيما منعوا منه.»[4]

لكن من الواضح عدم منافاة ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم مع كلمات الأصحاب في المقام، إذ كما قلنا سابقاً فإنّه وإن لم يشترط في معلوميّة المهر معلوميّته لدى طرفي العقد، ولكن يجب في صدق التعيين أن يكون المهر في الواقع ذا حدّ معلوم، وبما أنّ الوارد في الصحيحة بعنوان المهر هو المقدار الذي تعلّمه أو حفظه الزوج من القرآن، فهذا المقدار له حدّ معلوم في الواقع، فيمكن أن يقال: إنّ المهر قد تعيّن بذلك وإن كانت الزوجة جاهلة به، بينما المفروض فيما نحن فيه أنّ المجعول مهراً للمرأة فليس له حدّ معيّن حتّى في الواق

فالوجه الوحيد المتصوّر لتصحيح المهر في هذا الفرض هو أن نعتبر لسور القرآن وآياته حدّاً وسطاً فيمكن أن تجعل تلك الآية أو السورة مهراً للمرأة.

ولكن ذلك ـ على فرض إمكان تعيين حدّ أوسط بالنسبة إلى الآيات والسور القرآنية ـ إنّما يرفع المشكلة فيما جعل المهر تعليم آية أو سورة واحدة، لكن إذا جعل المهر تعليم آيات أو سور على نحو الإبهام، فلن يمكن تعيين حدّ أوسط لها.

فلا تخلو المسألة من إشكال.

ثمّ هل يجب أيضاً تعيين القراءة التي يتمّ تعليم القرآن بناءً عليها؟

عبّر المحقّق بأنّه «قيل» بهذا الشرط.

ولکن قال المحقّق الکرکي: «في قول نقله جمع من الأصحاب ـ ولا نعرف القائل به ـ إنّه يشترط تعيين قراءة من القراءات الجائزة، لأنّها متفاوتة في السهولة والصعوبة، فلو لم يعيّن لزم الغرر.»[5]

وقال الشيخ في المبسوط: «هل يجب تعيين القراءة وهي الحرف الذي يعلّمها إيّاه؟ على وجهين، أحدهما: لا يجب، وهو الأقوى، لأنّ النبيّ(ص) لم يعيّن على الرجل؛ والوجه الآخر: لابدّ من تعيين الحروف، لأنّ بعضها أصعب من بعض.

فمن قال: إنّه شرط، فإن ذكره وإلا كان فاسداً ولها مهر مثلها. ومن قال: ليس بشرط، لقّنها أيّ حرف شاء، إن شاء بالجائز، وهو الصحيح عندنا، لأنّ التعيين يحتاج إلى دليل، فإذا ثبت أنّه يصحّ، كان لها المطالبة بأيّ موضع شاءت[6]

ولکن قال صاحب الجواهر: «إنّ التخيير إليه، ضرورة كون الواجب في ذمّته أمر كلّي موكول إليه، كغيره من الدين الكلّي.»[7]

وأمّا ما يمكن قوله في المسألة أنّ ضرورة تعيين القراءة هو بنفس الملاك الذي التزم به الأصحاب في لزوم تعيين الآية والسورة، لأنّه بدون تعيين القراءة لن يكون للمهر واقع معيّن يمكن تطبيق المهر عليه، بل ـ كما تقدّم في كلمات الشيخ وصاحب الجواهر ـ فتعيينه بيد الزوج أو الزوجة، والعرف لا يرى المهر معيّناً في هذه الصورة.

نعم، إن ارتكز العرف على قراءة معيّنة ـ كما في أيّامنا حيث إنّ المشهور والمعروف هي قراءة حفص عن عاصم وسائر القراءات شاذّة لدى العرف ـ فتتعيّن تلك القراءة، إلا إذا اشترط خلافه في ضمن العقد.

وليس الملاك في ضرورة التعيين أن يلزم من عدمه الغرر أو كون بعض القراءات أصعب من الباقيات، بل كما تقدّم سابقاً فإنّه لا دليل على عدم جواز الغرر في المهر، كما يمكن تلافي مشكلة صعوبة القراءات وسهولتها باعتبار ضرورة الحدّ الوسط. وإنّما تنشأ ضرورة التعيين من أنّ المهر لا يكون معيّناً بدونها ولا معنى للحدّ الوسط من القراءات عرفاً، لأنّ النسبة بينها هي التباين، وليست الصعوبة والسهولة السبب الوحيد للتمايز بينها حتّى يرتفع إشكال عدم التعيين بضرورة تعيين الحدّ الوسط صعوبةً وسهولة.

وما قيل من أنّه لو كان التعيين لازماً لسأل النبيّ الأكرم(ص) الرجل حين تزويج المرأة عن القراءة التي سيعلّمها القرآن بها في صحيحة محمّد بن مسلم، فهذا مبنيّ على ثبوت وجود اختلاف القراءات في عهد رسول الله(ص) ـ وهو دعوى جماعة من الأصحاب[8] ـ ولكنّه خلاف ظاهر الأخبار.

منها: خبر زرارة عن أبي جعفر(ع)، قال: «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، ولکنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة.»[9]

ومنها: حسنة فضيل بن يسار، قال: «قلت لأبي عبدالله(ع): إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن نزل علی سبعة أحرف. فقال: کذبوا أعداء الله، ولکنّه نزل علی حرف واحد من عند الواحد.»[10]

قال ابن الأثير في النهاية: «فيه: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كافٍ شافٍ» أراد بالحرف اللغة، يعني: على سبع لغات من لغات العرب، أي: إنّها مفرّقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن؛ وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنّه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة وعشرة، كقوله تعالى: ﴿مِالِكِ يَوْمِ الْدِّينِ﴾[11] و﴿عَبَدَ الْطَّاغُوتَ﴾[12] .

وممّا يبيّن ذلك قول ابن مسعود: «إنّي قد سمعت القَرَأَةَ فوجدتهم متقاربين، فاقرؤوا كما عُلّمتم، إِنّما هو كقول أحدكم: هلمّ وتعال وأقبل.»

وفيه أقوال غير ذلك هذا أحسنها.»[13]

لكنّ المستفاد من حسنة الفضيل أنّ مراد القائلين بذلك هو تعدّد القراءات حين نزول القرآن، فالإمام(ع) يكذّبهم ويقول بأنّ القرآن نزل على قراءة واحدة.

فلا يصحّ التمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم لإنكار ضرورة تعيين القراءة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo