< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / إذا کان الصداق عبدا أو داراً مجهولة

 

قال الشيخ في الخلاف: «إذا أصدقها عبداً مجهولاً أو داراً مجهولة، روى أصحابنا: أنّ لها داراً وسطاً أو عبداً وسطاً... دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنّه ما اختلفت رواياتهم ولا فتاواهم في ذلك.»[1]

وقال في المبسوط: «إن أصدقها عبداً فبان مجهولاً... قد روى أصحابنا أنّ لها خادماً وسطاً وكذلك قالوا في الدار المجهولة، وهو الذي نفتي به.»[2]

وإليه ذهب ابنا زهرة والبرّاج والمحقّق في النافع والعلامة في الإرشاد، بل هو ظاهر ابن إدريس في السرائر أيضاً.[3] [4] [5] [6] [7]

وظاهر كلمات هؤلاء الأعلام أنّهم اقتصروا في هذا الحكم على مورد الروايات ـ أي العبد والدار والبيت ـ ولم يقولوا بتعميم الحكم، ولكن صاحب الجواهر نقل عن بعض الأفاضل: «الظاهر أنّ الاقتصار على الخادم والدار والبيت إنّما كان لأنّ السؤال وقع عنها لا لخصوصيّتها، وإلا فالملحفة والخمار والقميص والإزار والقرط والسوار والشاة والبعير ونحو ذلك من الحليّ والحلل والأنعام و غيرها أولى بذلك، لأنّه أقلّ جهالة، ولاتّحاد مدرك الرجوع إليه، إذ هو إمّا انصراف المطلق إلى الفرد الغالب، وليس هو إلا الوسط بخلاف الأعلى والأدنى، بل لا يكاد يتحقّق الفرد الأقصى منهما، وإمّا لأنّه الجامع بين الحقّين، بل ظاهر النصوص المزبورة عدم الخصوصيّة بما فيها كما لا يخفى على من تأمّلها.»[8]

إلا أنّ المحقّق الكركي أشكل على الحكم وقال: «إنّ علي بن أبي حمزة ضعيف لا يستند إلى ما ينفرد به، ورواية ابن أبي عمير مرسلة ومع ذلك لا يمكن العمل بها، لأنّ الوسط من الدور والبيوت والخدام ليس شيئاً معيّناً مضبوطاً، ولا هو مختلف اختلافاً يسيراً، بل هو في غاية البعد عن الضبط، فإنّ الأعلى والأدنى من ذلك لا يكاد يوقف عليه.

والوسط إن أُريد به ما بين الطرفين فمعلوم شدّة اختلاف أفراده وتباين قيمها، وإنّ ذلك مثير للتنازع والتخاصم وموقع للحاكم في التحيّر.

وإن أُريد به أوسط ما بين الطرفين فهو أبعد، لأنّ هذا لا يكاد يوقف عليه.

فالقول بعدم الصحّة والرجوع إلى مهر المثل لا يخلو من قوّة، لأنّ الشارع أحكم من أن ينيط الأحكام بما لا ينضبط.» [9]

وجوابه على الإشكالات هو: أوّلاً ـ وكما تقدّم ـ فروايات عليّ بن أبي حمزة ليست معتبرة إلا إذا نقلها عنه الأجلاء، على أنّه على فرض عدم القبول بهذا المبنى، فعمل الأصحاب لهذه الأخبار يجبر ضعفها السندي.

وثانياً: إنّ اعتبار الحدّ الأوسط يكون حسب أحوال المتوسّط من الناس، بل لا يبعد القول بأنّ أحوال الطرفين وشؤونهما دخيلة فيه، فلا إشكال من هذه الجهة في تعيين الحدّ الأوسط، كما يوجد في موارد أُخرى الأمر بالرجوع إلى الحدّ الأوسط، مثلاً لو نذر شاةً ولم يذكر وصفها في النذر، فعليه أن يؤدّي النذر من الحدّ الأوسط من الغنم.

وثالثاً: ما ذكره ملاكاً لعدم جواز الاستناد إلى الأخبار من أنّه يؤدّي إلى نشوب النزاع والتشاجر، فهو أشبه بالاستحسان ولا يكون دليلاً لحكم شرعيّ.

ويشكل على استناد الحكم بعدم الجواز إلى عدم جواز الغرر في المعاملات أوّلاً: بعدم الدليل على عدم جواز الغرر في مطلق المعاملات، بل إنّ الدليل ينهى عن الغرر في البي وثانياً ـ وكما تكرّر لعدّة مرّات ـ بعدم ترتّب أحكام العوضين على المهر ومنافع البض

وأمّا الدليل الآخر الذي استند إليه بعض على لزوم معلوميّة المهر وعدم جواز الإبهام فيه، هي بعض الأخبار الواردة في مهر المتعة، کصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشميّ، قال: «سألت أبا عبدالله(ع) عن المتعة؟ فقال:‌ مهر معلوم إلى أجل معلوم.»[10] [11]

ووجه استنادهم إليها أنّ المعلوميّة بما أنّها تشترط في مهر المتعة، وهي في العرف إمّا بالمشاهدة وإمّا ببيان الأوصاف، فهي شرط في مهر النكاح الدائم أيضاً، إذ لا فرق بين مهر النكاح الدائم والمنقط

والجواب أنّه فرق بين مهر المتعة والنكاح الدائم، لأنّه في المتعة من الأركان، وعدم ذكره أو فساده يوجب بطلان المتعة، وليس الحال كذلك في النكاح الدائم. على أنّه كما تقدّم في بحث المتعة، فالمهر في المتعة يقابل تمكّن الزوج من الاستمتاع، فإذا تخلّفت الزوجة ولم تمكّنه من نفسها في شطر من مدّة المتعة، فللزوج أن ينقص من مهرها بنسبة المدّة، لكنّ المهر لا يقابل التمكين في النكاح الدائم.

إذن، فوجود دليل خاصّ على لزوم معلوميّة المهر في المتعة لا يوجب لزوم المعلوميّة في مهر النكاح الدائم أيضاً.

إلا أنّ صاحب الجواهر يرى أنّ الإبهام الكلّي في المهر أيضاً لا يخلّ بصحّته حيث قال: «يصحّ جعل المهر شيئاً ونحوه، ويتعيّن على الزوج أقلّ ما يتموّل.»[12]

لكنّ الحقّ أنّه لو كان المهر مبهماً إلى هذه الدرجة، فالمرأة تعدّ في العرف مفوّضة لمهرها، ممّا سيجيء أحكامه إن شاء الله.

وأمّا ما تقدّم سابقاً من أنّ المرأة إذا لم تكن عالمة بما في الإناء وقالت: «إنّ مهري هو ما في داخل الإناء» فلا يبعد في هذه الصورة أن يقال: إنّه إن كان لما في الإناء ماليّة عرفاً وشرعاً، فهو مهر المرأة، إذ لا دليل على اشتراط التعيين في المهر بأكثر من ذلك. وبعبارة أُخرى إذا اعتبر العرف المهر معيّناً بنحو من الأنحاء، فهو كافٍ وإن تطرّقت إليه الجهالة من بعض الجهات.

ولكن إذا تبيّن أنّ محتوى الإناء يفتقد الماليّة الشرعيّة، فمهرها ـ كما تقدّم ـ يكون قيمته لدى مستحلّه، وإن كان يفتقد المالية العرفيّة، فهي مفوّضة لبضعها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo