< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / کلام للشهيد الثاني حول الأقوال

 

إنّ للشهيد الثاني حول الأقوال التي مرّت في الجلسة السابقة کلاماً نافعاً حيث قال في المسالك: «البحث هنا يقع في موضعين:

أحدهما: في صحّة العقد وفساده، فقد ذهب جماعة... إلى البطلان، لوجوب اقتران الرضا بالعقد ولم يقع الرضا إلا على الباطل، فما وقع عليه الرضا لم يصحّ‌ وما هو صحيح لم يتراضيا عليه. ولقول الباقر(ع): «المهر ما تراضى عليه الزوجان» وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا: «ما لا يتراضيان عليه لا يكون مهراً» وهو يوجب كون كلّ‌ ما عدا المذكور لا يكون صداقاً، لعدم التراضي عليه، ولا يمكن إخلاء البضع من مهر بعد الدخول، فلم يبق إلا البطلان. ولأنّه عقد معاوضة فيفسد بفساد العوض كالبيع...

واختار المصنّف وجماعة... الصحّة، لوجود المقتضي لها ـ وهو الإيجاب والقبول ـ وعدم المانع، إذ ليس إلا بطلان المهر، لكن بطلانه لا يؤثّر في بطلان العقد، لصحّة عرائه عنه، بل صحّة العقد مع شرط عدمه، فلا يكون ذكر المهر أبلغ من اشتراط عدم المهر. ولأنّ العقد والمهر غيران، ففساد أحدهما لا يوجب فساد الآخر. والغيريّة تظهر فيما لو عقد بغير مهر، فإنّه يصحّ‌ بلا خلاف.

وأُجيب بالفرق بين عدم التسمية وتسمية الفاسد، لأنّهما في الأوّل قد تراضيا على عدم المهر فصحّ‌ العقد، للرضا به خالياً عن العوض، ويثبت مهر المثل، لأنّه العوض شرعاً في مثل ذلك، بخلاف الثاني، لأنّ التراضي لم يقع بالعقد خالياً عن العوض، والمسمّى باطل شرعاً، وغيره غير مرضيّ‌ به، فلا يصلح للعوضيّة.

ولا يلزم من تغايرهما مع التفويض تغايرهما مع التسمية، لأنّ التراضي إنّما وقع على العقد المشخّص بالمهر المعيّن، فكانا أمراً واحداً مركّباً، فيفوت بفوات بعض أجزائه.

وعن حجّة الأولين: بأنّ بطلان المسمّى لا ينفي أصل الرضا بالنكاح، وإلا لم يصحّ‌ لو ظهر كونه مستحقّاً. وبهذا يظهر أنّه ليس كالمعاوضة المحضة من كلّ‌ وجه، لأنّها تفسد باستحقاق أحد العوضين إذا كان معيّناً، ومن ثمّ سمّاه الله نحلة، وهي العطيّة. وركن العقد يقوم بالزوجين كما مرّ.

وبأنّ المراد من المهر الذي تراضى عليه الزوجان في الحديث المهر الذي يذكرانه في العقد لا مطلق المهر، لأنّ المهر الواجب مع عدم ذكره في العقد لم يتراضيا عليه وقد صحّ‌ مهراً.

وبأنّ الظاهر منه كون التراضي في جانب القلّة والكثرة مع التعيين أيضاً، بقرينة قوله «قلّ‌ أو كثر».

وتوقّف العلامة في المختلف وله وجه، وإن كان جانب الصحّة لا يخلو من رجحان ما.

الثاني: على تقدير الصحّة ما الذي يجب فيه‌؟ أقوال:

أحدها: وهو الذي اختاره المصنّف وجوب مهر المثل مع الدخول كالمفوّضة؛ وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس والعلامة، إلا أنّه لم يقيّد بالدخول في غير الإرشاد، فيحتمل أن يريد المطلِق وجوب مهر المثل بالعقد بدل المسمّى حيث تعذّر. وتظهر الفائدة فيما لو طلّق قبل الدخول فيجب نصف مهر المثل، أو مات أحدهما فيجب الجميع، بخلاف قول من قيّد بالدخول، فإنّه مع الموت قبله لا شيء. وعلى هذا فيكون القول بوجوب مهر المثل منقسماً إلى قولين. وقد نبّه عليهما الشهيد في شرح الإرشاد ونقل القول بوجوب مهر المثل بنفس العقد عن الشيخ.

ووجه القول بمهر المثل أنّ عدم صلاحيّة المسمّى لأن يكون صداقاً يقتضي بطلان التسمية، فيصير العقد خالياً عن المهر، فيجب بالوطء مهر المثل، لأنّه قيمة البضع، وهذا وجه القول الأوّل.

أو لأنّ العقد واقع بالعوض فلا يكون تفويضاً، لكن لمّا تعذّر العوض المعيّن بفوات ماليّته شرعاً انتقل إلى بدله، وهو مهر المثل، وهو وجه القول الثاني.

لكنّه يضعّف بأن مهر المثل إنّما يكون عوضاً للوطء لا لمجرّد العقد، فالقول الثاني ضعيف جدّاً.

وثانيها: أنّ الواجب قيمته عند مستحلّيه حتّى لو كان المهر حرّاً قدّر على تقدير عبوديّته؛ وهو قول الشيخ في موضع من المبسوط.

ووجهه: أنّ الزوجين لمّا ذكرا في العقد عوضاً كان مقصودهما ذلك العوض دون قيمة البضع وهو مهر المثل، ولذلك العوض خصوص وهو عينه، وعموم وهو ماليّته باعتبار مقابلته البضع، وهو متقوّم في الجملة، فإذا لم يمكن اعتبار خصوصيّته لمانع بقي اعتبار الماليّة، فيعتبر قيمته على ذلك التقدير.

وردّ بأن تقدير الماليّة هنا ممتنع شرعاً، فيلغو كما لغا التعيين.

وبأنه لمّا بطل تعيينه لم يكن اعتبار ماليّته مستلزماً لوجوب قيمته، لأنّ وجوب المال المخصوص عوضاً إنّما يكون بذكره في العقد، فإذا فات لم يبق إلا مهر المثل.

وثالثها: الفرق بين كون المهر المتعذّر اعتبار قيمته متقوّماً في الجملة كالخمر والخنزير، وغير متقوّم كالحرّ، فيعتبر قيمة الأوّل ومهر المثل في الثاني.

ووجه الفرق أنّ الحرّ ليس مالاً أصلاً، فيكون ذكره كالمعدوم، بخلاف الخمر، فإن ماليّته منفيّة للمسلم لا عليه، لأنّه مضمون عليه للذمّي المستتر، وللذمّي على مثله، فتكون الماليّة فيه ملحوظة في الجملة، فلا يكون العقد خالياً عن المهر أصلاً، بخلاف الحرّ.

واعلم أنّه على القول الثاني يكون وجوب القيمة منوطاً بمجرّد العقد وإن لم يدخل بغير خلاف، بخلاف القول الأوّل، فإنّ فيه وجهين. وكذا على الثالث، فإنّ الجهة التي توجب فيه القيمة تلحقه بالثاني، والتي توجب مهر المثل تلحقه بالأوّل.»[1]

وفي الجلسة القادمة سنبين أقسام المسألة وحكم كل منها إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo