< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / جعل الخمر أو الخنزير مهراً

 

قال المحقّق الحلّي:

«ولو عقد الذمّيّان على خمر أو خنزير، صحّ، لأنّهما يملكانه. ولو أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض دفع القيمة لخروجه عن ملك المسلم، سواء كان عيناً أو مضموناً.

ولو كانا مسلمين أو كان الزوج مسلماً قيل: يبطل العقد، وقيل: يصحّ ويثبت لها مع الدخول مهر المثل، وقيل: بل قيمة الخمر.

والثاني أشبه.»[1]

إذا تزوّج الذميّان وجعلا المهر خمراً أو خنزيراً ـ سواء كان المعيّن مهراً عيناً خارجيّة أو كليّاً في الذمّة ـ فالمهر صحيح وتملكه الزوجة، لصحّة تملّك غير المسلمين للخمر والخنزير.

لكن أشكل صاحب الجواهر عليه فقال: «إنّ ما يظهر من المصنّف وغيره من ملكيّة الكافر للخمر والخنزير ونحوهما منافٍ لقاعدة تكليف الكافر بالفروع، ولما دلّ على عدم قابليّتهما للملك شرعاً، من غير فرق بين المسلم والكافر، وعدم التعرّض لما في أيديهم من أديانهم لا يقتضي ملكيّتهم ذلك في ديننا، بمعنى أنّ المسلم فيه لا يملك بخلاف الكافر، فإنّه يملك ذلك، ضرورة منافاته لما عرفت، ولنسخ دينهم، فهو حرام عليهم، والثمن الذي يأخذونه في مقابلته حرام عليهم، وتصرّفهم فيه حرام أيضاً وإن جاز لنا تناوله منهم ومعاملته معاملة المملوك وإجراء حكم الصحيح عليه إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم.»[2]

لكن الذي بنى عليه إشكاله ـ أي تكليف الكفّار بالفروع ـ فقاعدة غير صحيحة، ولا نرى الكفّار مكلّفين بالفرو على أنّ تكليفهم بالفروع لا ينافي معاملتهم في ظاهر الشرع بحسب ما يرون له ماليّة ما داموا كفّاراً ، إذ ليس المراد من تكليفهم بالفروع أنّهم مكلّفون بالفروع بالفعل حال كفرهم، وإلا لأمكن منعهم عن المحرّمات وإلزامهم بالواجبات، وأمكن إجراء الحدود بحقّهم في المحرّمات، وهذا ممّا لم يقل به أحد، بل المراد أنّهم مقصّرون في عدم إيمانهم، فليسوا معذورين في عدم فعليّة التكليف في حقّهم ـ كمن تعمّد في سلب قدرته على الإتيان بالواجب ـ والدليل عليه القاعدة العقلية: «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار».

وأما تمسّكه بأدلّة عدم قابليّة تملّك الخمر والخنزير شرعاً من أنّه لا مدخليّة لخصائص المتملّك ـ مسلماً كان أو كافراً ـ في الحكم المذكور في الأدلّة، فهو مشكل من جهة أنّ تلك الأدلة تبيّن أمراً شرعيّاً، ولا يمكن القول بفعليّتها بحقّ الكفّار كما تقدّم.

ويؤيّد ثبوت ملكيّة الكفّار للخمر والخنزير أنّ إتلاف خمر الذمّي وخنزيره يوجب الضمان حسبما ورد في كلمات الأصحاب.

قال الشيخ في المبسوط: «إذا كان في يد مسلم خمر أو خنزير فأتلفه متلف، فلا ضمان عليه، مسلماً كان المتلف أو مشركاً، وإن كان ذلك في يد ذمّيّ فأتلفه متلف فعليه الضمان عندنا، مسلماً كان المتلف أو مشركاً.»[3] ومثله کلام القاضي في المهذّب[4] .

وقال ابن إدريس في السرائر: «إن كان ذلك في يد ذمّي وقد أخرجه وأظهره في دروب المسلمين، فلا ضمان على المتلف أيضاً، وإن أتلفه في بيته أو بيعته أو كنيسته فالضمان عليه عندنا، مسلماً كان المتلف أو مشركاً.»[5] ومثله کلام ابن سعيد في الجامع للشرائع[6] .

وقال العلامة في التذکرة: «لو أتلف خمراً أو خنزيراً فلا يخلو إمّا أن يكون المتلف مسلماً أو كافراً. وعلى التقديرين فصاحبهما إمّا مسلم أو كافر.

فالأقسام أربعة:

الأوّل: أن يكونا مسلمين، فلا ضمان إجماعاً؛ لأنّهما غير مملوكين للمسلم ولا يصحّ‌ له ملكهما ولا ماليّة فيهما بالنسبة إليه، فلا ضمان في إتلافهما.

الثاني: أن يكونا ذمّيّين، فيجب ضمانهما عندنا بالقيمة عند مستحلّيهما... هذا إذا كان الكافر مستترا به، وأمّا إن أظهره وأظهر منافعه فلا ضمان على متلفه.

الثالث: أن يكون المتلف مسلماً وصاحبه كافراً، فعندنا يضمنان إن كان الذّمّي مستتراً بهما غير متظاهر بهما... ويضمنان بالقيمة هنا عندنا وعند أبي حنيفة؛ لما تقدّم من أنّا أُمرنا بتقريرهم على معتقداتهم، ولا يصحّ‌ هنا أن يضمن المسلم بالمثل، لأنّه لا يثبت مثل الخمر والخنزير في ذمّته، لأنّه ليس مالاً.

وأمّا إذا تظاهر الكافر بهما، فإنّه يجوز إتلافه من غير ضمان، لأنّ‌ الشرع إنّما ألزمنا إقرارهم عليه في دارنا مع الإخفاء، فلا نعرّض لهم فيما ألزمنا تركه، وما أظهروه من ذلك فلا نمكنّهم منه، فإن كان خمراً جاز إراقته، وإن أظهروا صنماً أو صليباً أو طنبوراً جاز كسره، وإن أظهروا كفرهم أُدّبوا على ذلك، ويمنعون من إظهار ما يحرم على المسلمين.

الرابع: أن يكون المتلف كافراً وصاحبه مسلماً، فلا ضمان، لأنّه لا قيمة لذلك عند المسلم ولا يحلّ‌ له تملّكه ولا تملّك ثمنه، فكيف يضمن له القيمة حينئذٍ؟!

...ولو غصبت الخمر من الكافر والعين باقية، وجب ردّها إن لم يتظاهر.

وإن غصبت من مسلم وجب ردّها إن كانت محترمة، وإلا لم يجب ردّها...

ولو أتلفها المسلم أو الكافر وهي في يد المسلم أو تلفت عندهما، لم يلزمهما ضمانها... لأنّ‌ ما حرم الانتفاع به لا يجب ضمانه، كالميتة والدم.»[7]

وقال المحقّق الثاني في جامع المقاصد: «إنّ الإسلام لا يسقط حقّ الذمّي وإن كان خمراً، فتجب قيمته عند مستحلّيه، فإنّه محترم بالنسبة إليه.

ولهذا يمنع المسلم من التعرّض اليه، ويضمن قيمته لو أتلفه مع عدم التظاهر، بل قد بالغ السيّد الفاضل عميد الدين فجوّز كفالة المسلم للذمّي إذا كان في ذمّته خمر أو خنزير لذمّي آخر، محتجّاً بأنّ الكفالة ليست بالمال بل بالنفس مع ثبوت الحقّ للمكفول له في ذمّة المكفول، وهو هنا كذلك.»[8]

وقد ذهب جميع هؤلاء الأعاظم إلى تكليف الكفّار بالفروع من غير اعتباره منافياً لملكيّة الكافر للخمر والخنزير.

إذن يمكن الالتزام بأنّ الذمّي والذمّية إن اتّفقا على جعل الخمر أو الخنزير مهراً ـ سواء على عينهما الخارجيّة أو بنحو الكلّي في الذمّة ـ فيجب على الذمّي إعطاؤه إيّاها والمهر صحيح.


[1] شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام -ط اسماعیلیان)، المحقق الحلي، ج2، ص268.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo