< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس / الغرور / إشکال الشيخ الأعظم على دعوى صاحب الجواهر

 

أورد الشيخ الأعظم على دعوى صاحب الجواهر في صحّة المهر في الفرض الأوّل ـ أي فرض كون المهر من الحقوق الماليّة القابلة للنقل ـ وقال: «هو مشكل؛ لأنّ‌ عموم قوله: «ما تراضى عليه» يمكن أن يدّعى أنّه مخصّص بما دلّ‌ على أنّ‌ الصداق «ما تراضى عليه الناس من كثير أو قليل»، فإنّ‌ ظاهر ذلك ـ بقرينة القليل والكثير ـ المال، فهو حيث وقع في مقام تحديد الصداق حدّاً ـ مانعاً وجامعاً ـ يخصّص عموم «ما تراضى عليه الناس».

مضافاً إلى إمكان دعوى أنّ‌ السؤال في الخبر العام بقول السائل: «المهر ما هو»؟ سؤال عن الكمّ لا الحقيقة؛ لعدم الحاجة إليها.

مضافاً إلى ما دلّ‌ على أنّه لا يصحّ‌ النكاح إلا عن درهم أو درهمين، فإنّه أُلحق بالإجماع المركّب مطلق المال، وأمّا الحقّ‌ فلا.

مضافاً إلى تسميته في القرآن صدقة وأجراً سيّما في المتعة، فإنّ‌ الظاهر أنّه لا قائل بالفصل.

وأمّا كون الصداق منفعة ـ مع أنّ‌ منفعة الحرّ لا يكون مالاً ـ وأنّه لا يضمن بحبس الحرّ كما يضمن بحبس العبد، ففيه: أنّه لو سلّم عدم كونه مالاً أمكن التزام خروجه بالدليل، مع جواز الفرق بأنّ‌ منفعة الحرّ يمكن أن يجعل عوضاً للمبيع وفي الإجارة بخلاف حقّ‌ التحجير. والمحكيّ عن الشيخ في الخلاف أنّ‌ الصداق ما يصلح أن يكون ثمناً للمبيع أو أُجرة، قلّ‌ أو كثر، وادّعى الإجماع على ذلك، مضافاً إلى كلمات الفقهاء في تفسير الصداق.

هذا في الحقوق المالية، وأمّا الحقوق [التي] لا تقبل الانتقال بل الإسقاط، فقد اعترف هذا المعاصر بعدم جوازها مهراً، مع أنّ‌ الدليل جارٍ فيه، فتأمّل فيه...

ثمّ‌ ظاهر العموم في ما دلّ‌ على «أنّ‌ المهر ما تراضى عليه الناس» أو «كلّ شيء تراضى عليه الناس» هو جواز جعل الحقوق الغير الماليّة أيضاً صداقاً، كحقّ‌ التحجير وغيره من الحقوق الغير الماليّة القابلة للنقل.»[1]

لكنّ الحقّ أنّه يمكن الالتزام بدعوى صاحب الجواهر في الموضعين ولا يرد عليه إشكال الشيخ. فأوّلاً: الحقوق التي تقع عوضاً في المعاملات الماليّة، حقوق ماليّة ومنها حقّ التحجير، فلا تصحّ دعوى الشيخ من عدم جواز جعل حقّ التحجير عوضاً في الإجارة أو البيع. ولا إشكال في جعل أمثال هذه الحقوق مهراً، كما التزم به الشيخ نفسه في نهاية كلامه.

وأمّا عمل الحرّ أيضاً ـ بما أنّه يقبل التمليك والتملّك ـ فتشمله إطلاقات الأدلّة، وليس من الصحيح اعتباره غير مضمون مطلقاً.

وثانياً: الحقوق التي تقبل الإسقاط فقط لا النقل، فلا ماليّة لها عرفاً، فلا تشملها إطلاقات الأدلّة.

لا يقال: كلّ ما أمكن مقابلته بالمال فله ماليّة.

لأنّ الجواب أنّ ما يقابَل بالمال أعمّ من المال، والمال هو ما يمكن تمليكه وتملّكه، فإذا قام الإنسان في عقد الصلح، بمصالحة النكاح أو الطلاق بمال، فلا يعني ذلك أنّ النكاح أو الطلاق لهما ماليّة في العرف.

ويؤيّده أن كلمات الأصحاب ـ التي تقدّمت ـ احتوت على قيدين للمهر: الماليّة وإمكانيّة التمليك والتملّك.

والنتيجة أنّه لا يصحّ إشكال الشيخ من أنّ ما يرد على جعل هذه الحقوق مهراً فهو وارد على حقوق مثل حقّ التحجير أيضاً.

وأمّا إذا جعل الزوج مال غيره مهراً لزوجته، فهل يصحّ المهر أم أنّه فاسد؟

اعتبر صاحب الجواهر كلام المحقّق الدالّ على لزوم إمكان تملّك المهر بمعنى إمكانه فعلاً، فإذا جعل الزوج مال غيره مهراً لزوجته بغير رضا صاحب المال، فهو يرى المهر فاسداً.

بل حتّى لو أجازه صاحب المال فيما بعد، فهو لا يراه مصحّحاً لاعتبار ذلك المال مهراً، إلا إذا كانت الإجازة بمعنى انتقال المال أوّلاً إلى ملك الزوج، ثمّ انتقاله منه إلى ملك الزوجة، لأنّ المهر يكون بمثابة عوض منافع البضع، ويجب أن يخرج عن ملك من أصبح مالكاً لمنافع البضع[2] .

لكنّ الحقّ أنّ إجازة صاحب المال اللاحقة تصحّح جعل المال مهراً، ولا حاجة إلى انتقال المال إلى ملك الزوج أولاً ثمّ منه إلى ملك الزوجة، إذ أوّلاً: على الرغم من أنّنا قلنا في المعاوضات سابقاً أنّ العوض لمن يخرج المعوّض عن ملكه وبالعكس، لكنّنا التزمنا بذلك بسبب أنّ العرف يرى ذلك، وإلا لا مانع عقلاً من أن يدفع العوض شخصٌ ويسلّم المعوّض إلى شخص آخر. ولذلك بما أنّ العرف لا يرى مانعاً في أن يملّك أحدٌ غير الزوج المهرَ للزوجة، فيمكن القول بإمكانه.

وثانياً: ليست العلاقة بين المهر والبضع علاقة العوض والمعوّض، وحتّى لو قلنا في المعاوضات باشتراط ما تقدم، فلا تجري هذه القاعدة في المهر.

ولذلك ورد في بعض الأخبار أنّه لو زوّج الوليُ الصغيرَ ولم يكن للصغير مالٌ، فالمهر على ذمّة الوليّ.

وقال العلامة (ره) في القواعد: «لو زوّج الأب أو الجدّ له الصغير صحّ والمهر على الولد إن كان موسراً، وإلا كان المهر في عهدة الأب أو الجدّ. فإن مات أُخرج المهر من صلب تركته، سواء بلغ الولد وأيسر أو لا.»[3]

ثمّ إنّ تفصيل المسألة التي ذکرها العلامة وأيضاً حکم المهر فيما إذا تبيّن لاحقاً أنّ العين الخارجيّة المجعولة مهراً كانت من مال الغير ولم يجزها صاحب المال، سيأتي في المسائل الآتية إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo