< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التدليس/الغرر/ التزوّج علی أنّ الزوجة حرّة فوجدها أمة

إنّ ما تقدّم من جواز فسخ الزوج للنكاح إذا تزوّج علی أنّ الزوجة حرّة فوجدها أمة هو فيما لو دلّسها غير المولى، وأما إذا دلّس المولى أمته بأنّها حرّة فأنكحها، فقد ذهب الشيخ في ذلك إلى صحّة العقد وعدم الخيار في بعض الصور.

قال في المبسوط: «إذا تزوّج الحرّ امرأة على أنّها حرّة فبانت أمة، كان النكاح فاسداً. وقال قوم يصحّ العقد. وتصحّ هذه المسئلة بأربعة شرائط:

أحدها: أن يكون الحرّ ممّن يحلّ له نكاح أمة... والثاني: أن يكون النكاح بإذن سيّدها... الثالث: أن يكون الشرط مقارناً للعقد... الرابع: أن يكون الغارّ الأمة أو وكيل السيّد، وأمّا إن كان السيّد هو الذي يغرّه كان قوله على أنّها حرّة عتقاً منه لها.»[1]

وقال الشهيد الثاني في المسالك: «إن كان المدلّس المولى، فإن تلفّظ بما يقتضي العتق ـ كقوله: «هي حرّة» ـ حكم عليه بحرّيتها، سواء جعله إنشاءً أم إخباراً، إعمالاً للسبب بحسب مقتضاه. وحينئذٍ فيصحّ‌ العقد ويكون المهر لها دون السيّد... وإن لم يتلفّظ بما يقتضي العتق بل تكلّم بكلام يحتمل الحرّيّة وغيرها ففهم الزوج منه الحرّية ونحو ذلك، فلا شيء للسيّد ولا لها، لأنّ الزوج يرجع به على تقدير الغرور على المدلّس، ولا وجه لغرامته له ثمّ الرجوع عليه به.»[2]

وكلمات الأصحاب في هذا الشأن في مقام الإثبات، وأمّا بالنسبة إلى الثبوت فلو عُلم أنّ المولى لم يعتق الأمة وأنّه لم يقصد العتق ممّا نطق به، فلا يمكن الحكم بحرّيّتها بمجرّد قوله مدلّساً: إنّها حرّة. بل لو كان ظاهر كلامه الإخبار لا الإنشاء ـ كما لو قال: تزوّج هذه الحرّة ـ فقد يشكل حتّى في مقام الإثبات أيضاً، لأنّ الإخبار عن الحرّيّة لا يوجب العتق.

ولكن يرد عليه أنّ الإقرار من الأمارات التي يمكن الأخذ بلوازمها، وبما أنّه يلزم من الإقرار بالحرّيّة إنشاء العتق في زمن سابق على الإخبار، فيمكن الأخذ بهذه اللازمة والحكم بحرّيّة الأمة.

وأمّا إذا لم يكن كلام المولى ظاهراً لا في إنشاء العتق ولا في الإخبار عن الحريّة، بل تصوّر الزوج ذلك من قرائن كلامه ـ بشرط صدق تدليس المولى ـ فللزوج أن يفسخ في هذه الصورة ولا يجب عليه دفع المهر للأمة، لأنّ مهر الأمة ملك لمولاها، فإن فرضنا استحقاق الزوج للرجوع إلى المولى لمطالبة المهر، فلا يلزم عليه أن يدفع إليها شيئاً.

وأمّا إذا دفع الزوج مهرها قبل العلم بالتدليس وأتلفته أو تلف وأنفق عليها غير ذلك من الأموال فكما تقدّم سابقاً كان له في فسخ النكاح أن يستند إلى قاعدة الغرور، فيرجع إلى المولى ويطالبه بالبدل.

ولکن احتمل بعض الأصحاب في المسألة أمراً آخر.

قال السيّد العاملي في نهاية المرام: «ولو كان الزوج قد دفع المهر إليها مع تدليس المولى وعدم تلفّظه بما يقتضي العتق، أخذه منها إن كانت عينه باقية، وإن تلفت في يدها احتمل قويّاً رجوعه به على المولى، لمكان الغرور، فتضعف المباشرة ويكون السبب أقوى، كما إذا قدّم طعاماً إلى مالكه فأكله وهو لا يعلم به. ويحتمل ضمانها المهر في كسبها أو تبعيّتها به بعد العتق.»[3]

لكن نقول أوّلاً: تقدّم أنّه لا علاقة للضمان من باب الغرور بأقوائيّة السبب عن المباشر.

وثانياً: ففي فرض تدليس المولى، فلا وجه للرجوع إلى الأمة، لأنّها أخذت المهر في نكاح صحيح، وهذا المال للمولى فيحتسب التلف أيضاً من أمواله لا من الزوج. ولذلك لا وجه لجريان قاعدة الإتلاف أو اليد في هذا الفرض.

وثالثاً: هذا الاحتمال مخالف للأخبار التي دلّت على الرجوع إلى المدلّس لأخذ عوض المهر.

وذهب بعض آخرون إلى وجوب دفع شيء مقابل الدخول، فلا يجوز بغير مهر.

قال الشيخ في المبسوط: «كلّ موضع قلنا يرجع على غيرها، رجع بكلّ ما غرم عليه، وكلّ موضع قلنا الرجوع عليها فبكم يرجع‌؟ قال قوم: يرجع بكلّه إلا القدر الذي يجوز أن يكون مهراً لئلا يعرى الوطء عن البدل. وقال آخرون: يرجع عليها بكلّه؛ والأوّل أقوى.»[4]

وقال العلامة في المختلف: «إذا كانت هي المدلّسة بعد الدخول وتسليم المهر، فالمشهور أنّه يرجع الزوج عليها بما دفعه، وإن كان الوليّ‌ هو المدلّس، رجع الزوج عليه وكان لها المهر كملاً.

وقال ابن الجنيد: وإن حكم له بالفسخ لأجل العيب وهو به، رجع على الوليّ‌ إلا قدر أقلّ‌ مهر مثلها، إلا أن يكون ممّا لا يظهر وقد خفي على الوليّ‌، فيكون لها أقلّ صداق مثلها، والباقي مردود من مالها على زوجها، وحكمها حكم وليّها إن كانت هي العاقدة على نفسها.

والوجه عندي: أنّه يرجع عليها بما دفعه إلا بأقلّ‌ ما يكون مهراً، لئلا يخلو البضع عن عوض، وهو الذي قوّاه الشيخ في المبسوط أيضا.»[5]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo