« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 المقدّمة الثانية/ المقدمات /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / المقدّمة الثانية

 

المقدّمة الثانية: أقسام العموم

يقسّم العموم إلى ثلاثة أقسام: العموم الاستغراقي، والعموم المجموعي، والعموم البدلي.

وقد قال الآخوند في تعريف هذه الأقسام الثلاثة: إنّ العموم في جميعها ذو معنىً واحد، وهو شمول المفهوم لكلّ ما يصلح أن ينطبق عليه. غير أنّ كيفية تعلّق الحكم به تختلف باختلاف الأقسام؛ ففي العموم الاستغراقي يكون كلّ فرد موضوعاً للحكم على نحو مستقلّ. وأمّا في العموم المجموعي فالأفراد جميعاً يعدّون موضوعاً واحداً للحكم بحيث لو تخلّف إكرام واحد منهم في مثل: «أكرم كلّ فقيه» لم يتحقّق الامتثال أصلاً، بخلاف القسم الأوّل حيث يتحقّق فيه الطاعة والعصيان معاً. وأمّا في العموم البدلي فكلّ واحد من الأفراد موضوع للحكم على سبيل البدل، بمعنى أنّه إذا وقع الإكرام على واحد منهم تحقّقت الطاعة والامتثال.[1]

و کن إشكال مدّعاه هو أنّ المدلول التصوّري في الأقسام الثلاثة من العموم يكون واحداً بناءً عليه، ولا يزيد على شمول المفهوم لكلّ ما يصلح أن ينطبق عليه، وأنّ اختلافها إنّما يظهر في مرحلة ترتّب الحكم على العام، بمعنى أنّ كيفيّة ترتّب الحكم على موضوعه في كلّ قسم تختلف عن كيفية ترتّبه في القسمين الآخرين.

مع أنّ الواقع أنّ اختلاف هذه الأقسام الثلاثة من العموم إنّما هو في مرحلة الدلالة التصوّريّة وقبل تعلّق الحكم بالعامّ، كما ندرك بالوجدان أنّ المعنى المستفاد من قولنا: «کلّ عالم» يغاير المعنى المفهوم من نحو: «أيّ عالم» أو «مجموع العلماء».

بل إنّ السيّد الخميني اعتبر تقسيم العامّ على أساس كيفية تعلّق الحكم به غير معقول حيث صرّح قائلاً: إنّ تقسيم العامّ باعتبار نحو تعلّق الحكم به غير قابل للتصوّر؛ لأنّ الحكم تابع لموضوعه، وتعلّق حكم وحداني بموضوعات متعدّدة مأخوذة على نحو الاستغراق غير معقول، كما أنّ تعلّق حكم استغراقي بموضوع مأخوذ على نحو الوحدة أيضاً غير معقول. وأمّا الإهمال الثبوتي في موضوع الحكم فلا يتصوّر.[2]

وبعبارة أُخرى: إنّ بيان كيفيّة تعلّق الحكم بالموضوع يتوقّف أوّلاً على تحديد كيفيّة لحاظ الموضوع نفسه؛ فمتى ما لوحظ الموضوع على نحو خاصّ، امتنع أن يتعلّق به الحكم على نحو آخر. وأمّا القول بأنّ الموضوع كان مهملاً من دون أيّ لحاظ وأنّ كيفية تعلّق الحكم به تتحدّد بعد ثبوت الحكم، فدعوىً واضحة الفساد.

وقد أذعن المحقّق الإصفهاني باستحالة تعيين نوع لحاظ الموضوع بمجرّد تعلّق الحكم به، وبيّن في توضيح مراد الآخوند أنّ مقصوده ليس ذلك، بل المراد أنّ العامّ باعتبار وقوعه في موضوع الحكم، يمكن أن يلحظ على أنحاء متعدّدة.[3]

ولكن نظراً إلى ورود الإشكال علی ظاهر تعريف الآخوند، ذكر السيّد الخميني في تعريف هذه الأقسام الثلاثة من العموم أنّ اللفظ الدالّ على العموم إذا دلّ على مصاديق الطبيعة على نحو عرضي من دون لحاظ اجتماعها ـ كألفاظ: «كلّ» و«جميع» و«تمام» ـ كان ذلك هو العامّ الاستغراقي؛ فقولنا: «كلّ عالم» يدلّ على أفراد طبيعة «العالم» من دون أن يلحظ اجتماعهم أو تحوّلهم إلى موضوع واحد، بل يكون شموله لهم على نحو عرضي. وأمّا إذا لوحظت الوحدة والاجتماع في الأفراد على نحو تعرض عليهم وحدة اعتباريّة ويجعلون بمنزلة الأجزاء لكلّ واحد، كان ذلك هو العامّ المجموعي، ولا يبعد أن يكون لفظ «مجموع» في العرف مفيداً لهذا المعنى. وإذا دلّ اللفظ على الأفراد على نحو البدل لا على نحو العرضيّة، كان ذلك هو العامّ البدلي، كما في «أيّ» الاستفهاميّة. بل قد يستعمل العموم البدلي في غير الاستفهام أيضاً، نحو: «زكِّ مالك من أيّ مصداق شئت»، و«اذهب من أيّ طريق أردت»، وهذه الموارد أيضاً تدلّ بالوضع على العموم البدلي.[4]

وسنستكمل بقيّة المطالب في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.

 


logo