46/11/15
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد مدعی المحقّق الحائري/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/ نقد مدعی المحقّق الحائري
إنّ القول الخامس في مسألة دخول الغاية في المغيّى يكون للمحقّق الحائري حيث ذهب إلى التفصيل فقال: «إنّه قد يكون شيئاً له أجزاء متّصلة، كالكوفة في قولنا: «سر من البصرة إلى الكوفة»، والليل في قولنا: «صم من الفجر إلى الليل»، فالحقّ التفصيل بين كون الغاية قيداً للفعل كالمثال الأوّل وبين كونها غاية للحكم كالمثال الثاني، ففي الأوّل داخلة في المغيّى، فإنّ الظاهر من المثال المذكور دخول جزء من السير المتخصّص بالكوفة في المطلوب، كما أنّ الظاهر منه دخول السير المتخصّص بالبصرة أيضاً في المطلوب، وفي الثاني خارجة عنه، فإنّ المفروض أنّها موجبة لرفع الحكم، فلا يمكن بعثه إلى الفعل المتخصّص بها كما لا يخفى.» [1]
ولكنّ السيّد الخميني ناقش هذا التفصيل وقال:«إنّ النزاع يجري في غاية الحكم كما يجري في غاية الموضوع و المتعلّق، فيقال: إنّ وجوب الصوم في قوله: «صم إلى الليل» هل ينقطع بانتهاء اليوم أو يبقى إلى دخول مقدار من الليل أو إلى انقضائه؟ فلا يختصّ النزاع بغاية الموضوع.»[2]
غير أنّه يرد على كلام المحقّق الحائري وكذلك على جواب السيّد الخميني أنّ المثال المذكور عندهما بعنوان غاية الحكم، ليس بصحيح، لأنّ الغاية فيه تتعلّق بمتعلّق الحكم ـ أي بالصوم نفسه ـ لا بالوجوب. فلا فرق بين المثالين المذكورين في كلام المحقّق الحائري، إذ كما أنّ «الكوفة» في المثال الأوّل غاية للسير، فكذلك «الليل» في المثال الثاني غاية للصوم. وإن اعتبرنا الليل غاية لوجوب الصوم، لزم أن نعتبر الكوفة أيضاً غاية لوجوب السير.
وإنّما المثال الصحيح لغاية الحكم ما إذا قيل: «کلّ شيء هو لك حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعينه»[3] [4] أو «کلّ شيء نظيف حتّی تعلم أنّه قذر»[5] [6] حيث أُخذ العلم بالحرمة أو النجاسة فيهما غاية لحكم الحلّيّة والطهارة.
وأمّا المحقّق الخراساني فعلى الرغم من ذهابه إلى القول بعدم دخول الغاية في المغيّى مطلقاً من دون تفصيل، إلّا أنّه يصرّح بخروج هذه الموارد عن محلّ البحث في مسألة دخول الغاية في المغيّى ويقول: إذا كانت الغاية غاية للحكم نفسه، فمن المسلّم عدم دخولها في المغيّى ولا حاجة إلى مزيد بحث ونقاش، لأنّه إذا كان المغيّى هو الحكم لا المحكوم به، فلا معنى حينئذٍ للبحث عن دخول الغاية في حكم المغيّی. نعم، يقع البحث في هذه الصورة في أنّ الحكم هل ينقطع بحصول الغاية أو يستمرّ بعدها؟ والظاهر أنّه ينقطع.[7]
غير أنّ هذه الدعوى أيضاً قابلة للمناقشة، فإنّ البحث في المقام ـ كما تقدّم أنّه بحث لغوي ـ ليس في دخول الغاية في حكم المغيّى، بل في دخولها في المغيّى نفسه.
إذن ينبغي أن يقال: إذ كان المغيّى حكماً شرعيّاً وكانت الغاية حكماً مضادّاً أو نقيضاً له ـ كما في قولنا: «هذا كان حراماً عليّ حتّى زالت حرمته أو صار حلالاً لي» ـ أو كانت الغاية شيئاً ملازماً لوجود حكم مضادّ للمغيّى ـ كما في قولنا: «هذا الخمر كان حراماً حتّى صار خلّاً» ـ فبما أنّه يلزم من دخول الغاية في المغيّى في مثل هذا الفرض اجتماع الضدّين أو النقيضين، فيتعيّن إخراج الغاية عن المغيّى في هذه الموارد، وذلك لأجل القرينة العقليّة ولا صلة لذلك بظهور اللفظ في نفسه خلافاً لما ذكره المحقّق الخراساني.
بل قد يتحقّق هذا المانع العقلي حتّى في غير مورد الحكم الشرعي، كما إذا قيل: «هذا الجدار كان أبيض حتّى صبغ بالأسود»، فإنّ من المعلوم أنّ الغاية في مثل هذا السياق لا يمكن أن تدخل في المغيّى بعين الملاك المتقدّم ذكره.
وينبغي الالتفات إلى أنّه لا يلزم ممّا تقدّم أن تكون الغاية خارجة عن المغيّى في جميع الموارد التي يكون فيها المغيّى حكماً شرعيّاً، إذ ليس من الضروري أن تكون غاية الحكم الشرعي شيئاً مضادّاً أو مناقضاً له، فمثلاً إذا قيل: «هذا العمل حرام إلی الساعة الرابعة عصراً» فلا إشكال في دخول الغاية في المغيّى.
وعليه يمكن القول بأنّ الأصل هو دخول الغاية في المغيّى مطلقاً ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، ولا يختلف في ذلك كون المغيّى حكماً شرعيّاً أو غيره.