46/07/19
بسم الله الرحمن الرحیم
تتمّة الإشکالات على كلام فخر المحقّقين والمحقق النراقيّ/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ تتمّة الإشکالات على كلام فخر المحقّقين والمحقق النراقيّ
متابعة للإشكال الذي أوردناه على دعوى المحقّق النراقي نقول: إنّ الذي ذكره من أنّ الموجود الذهني الواحد قد ينتزع من موجودات خارجيّة متعدّدة وينطبق عليها جميعاً، ناتج عن الخلط بين الموجود الذهني والملحوظ في الذهن، إذ كما تقدّم فإنّ الذي يوجد في الذهن تحت عنوان موجود ذهني ـ بناءً على قاعدة أنّ «الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد» ـ جزئي لا يقبل الانطباق على شيء ـ والذي يقبل الانطباق على الجزئيّات هو أمر كلّي موقعه عالم نفس الأمر.
ورابعاً: لا علاقة لتعدّد الاستدلالات الواردة لمدلول واحد بإمكان تعدّد الموجود الذهني الواحد، وإنّما ينتج ذلك عن تعدّد الجهات في الشيء الواحد ممّا يسبّب إمكان تعدّد اللحاظ فيه، وهذا كما يمكن في الموجود الذهني فكذلك يمكن في الموجود الخارجي أيضاً. وعليه فإنّ عدم بطلان المدلول بفساد أحد هذه الاستدلالات ناشئ عن أنّ بقاء سائر الاستدلالات يكشف عن وجود وجه يمكن لحاظ المدلول من جهته.
وخامساً: إذا اعتبرنا الأسباب الشرعيّة مجرّد معرّفات، فما الوجه في أن يقال مثل مقالة فخر المحقّقين بأنّه إذا تعلّق النذر بالفريضة فإنّه يفيد أنّ الفريضة إذا لم يؤت بها ففضلاً عن حرمة ترك الواجب ووجوب القضاء المسبّب عن وجوب الفريضة النفسي، وجبت كفّارة النذر على الناذر أيضاً، لأنّ وجوب الكفّارة ناشئ عن مؤثّريّة النذر لا مجرّد معرّفيّته.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني اعتبر معرّفيّة الأسباب الشرعيّة بمعنى أنّ الشرط المذكور للحكم الشرعيّ في القضايا الشرطيّة تارة لا تكون فيه سببيّة للحكم بل يكون أمارة على حدوث سبب الحكم، وفي المقابل بيّن مؤثّريّتها بأنّ الشرط نفسه يكون سبباً لترتّب الحكم بحيث تُفقد بفقده علّة ترتّب الحكم، ثمّ قال: الجملة الشرطيّة ظاهرة في مؤثّريّة الشرط في ترتّب الحكم.[1]
غير أنّ المعرّفيّة بهذا المعنى تخالف الفرض، لأنّ البحث كان فيما إذا اعتبرت الشروط المذكورة في الجمل الشرطيّة ـ ولو تمسّكاً بظهور الكلام ـ أسباباً شرعيّة إثباتاً، حيث يبحث في هذا الفرض عن أنّ الذي تكون له سببيّة إثباتاً هل يكون كذلك ثبوتاً أم لا؟ ولكن إذا انتفت السببيّة في مقام الإثبات وعلمنا أنّ تلك الشروط معرّفة للأسباب الشرعيّة ولا تعدّ أسباباً شرعيّة في حدّ ذاتها ـ مثل الأمارات والإقرار ـ فينتفي فرض المسألة؛ مثل ما إذا قيل في دليل: «إذا أُقيمت البيّنة علی کون زيد قاتلاً عمداً فاقتصّ منه» وورد في دليل ثانٍ: «إذا أقرّ زيد بأنّه قاتل عمداً، فاقتصّ منه»، فبما أنّنا نعلم أنّ الذي يسبّب وجوب القصاص هو قتل النفس عمداً وليس لإقامة البيّنة أو الإقرار سببيّة لوجوب القصاص وإنّما هما أمارتان لذلك السبب، فلا يجري البحث عن أنّ الأسباب هل تتداخل في المقام أم لا؟
وقد اعتبر المحقّق النائيني معرّفيّة الأسباب الشرعيّة بمعنى كاشفيّتها عن الأحكام الشرعيّة وقال مستشكلاً عليه: المراد من العلّة أو السبب إمّا هو الملاك الداعي إلى جعل الحكم الشرعيّ لموضوعه، وإمّا هو المقتضي للحكم المجعول، وإمّا الموضوع الذي يترتّب عليه الحكم. كما أنّ المراد من المعرّفيّة إمّا كونُ المعرِّف معلولاً أو لازماً عقليّاً للمعرَّف، وإمّا وجودُ ملازمة وجوديّة عاديّة بينهما مع إمكان انفكاكهما عقلاً.
ثمّ أشكل على صدق المعرّف بكلا معنييه على الأسباب الشرعيّة بمعانيها الثلاثة.[2]
ولكن بغضّ النظر عن الإشكالات الواردة على تصويره للمسألة وكذا استدلالاته، فأصل الإشكال ـ كما اتّضح من كلمات المحقّق النراقي ـ أنّ دعوى من اعتبر الأسباب الشرعيّة معرّفة ليس اعتبارها معرّفة للأحكام الشرعيّة وإنّما أراد معرّفيّة الأسباب لعلل الأحكام الشرعيّة.