46/07/07
بسم الله الرحمن الرحیم
إستدلال آخر للمحقق الخوئی و الرد عليه – رد دعوی الميرزا النائيني/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ إستدلال آخر للمحقق الخوئی و الرد عليه – رد دعوی الميرزا النائيني
حاول السيّد الخوئي في حاشيته علی الأجود أن يثبت دعواه بطريقة أُخرى فقال: «الظاهر أنّه لابدّ في محلّ الكلام من رفع اليد عن خصوص الإطلاق المقابل للعطف بكلمة «أو» وإبقاء الإطلاق المقابل للعطف بـ «الواو» على حاله. والسرّ في ذلك أنّ الموجب لوقوع المعارضة بين الدليلين في المقام إنّما هو ظهور كلّ من القضيّتين في المفهوم وظهور القضيّة الأُخرى في ثبوت الجزاء عند تحقّق الشرط المذكور فيها مع قطع النظر عن دلالتها على المفهوم وعدم دلالتها عليه، فلو كان الوارد في الدليلين: «إذا خفي الأذان فقصّر» و«يجب تقصير الصلاة عند خفاء الجدران»، كان ظهور القضيّة الأُولى في المفهوم وظهور القضية الثانية في ثبوت وجوب التقصير عند خفاء الجدران متعارضين لا محالة.
وعليه فالمعارضة في محلّ الكلام إنّما هي بين مفهوم كلّ من القضيّتين ومنطوق الأُخرى الدالّ على ثبوت الجزاء عند تحقّق شرطه. وبما أنّ نسبة كلّ من المنطوقين بالإضافة إلى مفهوم القضية الأُخرى نسبة الخاصّ إلى العامّ، لابدّ من رفع اليد عن عموم المفهوم في مورد المعارضة. وبما أنّه يستحيل التصرّف في المفهوم نفسه ـ لأنّه مدلول تبعي ولازم عقلي للمنطوق ـ لابدّ من رفع اليد عن ملزوم المفهوم بمقدار يرتفع به التعارض، ولا يكون ذلك إلّا بتقييد المنطوق ورفع اليد عن إطلاقه المقابل للتقييد بكلمة «أو».
وأمّا رفع اليد عن الإطلاق المقابل للتقييد بـ «الواو» لتكون نتيجة ذلك اشتراط الجزاء بمجموع الأمرين المذكورين في الشرطيّتين، فهو وإن كان موجباً لارتفاع المعارضة بين الدليلين إلّا أنّه بلا موجب، ضرورة أنّه لا مقتضي لرفع اليد عن ظهور دليل ما مع عدم كونه طرفاً للمعارضة بظهور آخر ولو ارتفع بذلك أيضاً التعارض بين الدليلين اتّفاقاً. ونظير ذلك ما إذا ورد الأمر بإكرام العلماء الظاهر في وجوب إكرامهم ثمّ ورد في دليل آخر أنّه لا يجب إكرام زيد العالم، فإنّه وان كان يرتفع التعارض بينهما بحمل الأمر في الدليل الأوّل على الاستحباب إلّا أنّه بلا موجب يقتضيه، إذ ما هو الموجب للتعارض بينهما إنّما هو ظهور الدليل الأوّل في العموم، فلابدّ من رفع اليد عنه وتخصيصه بالدليل الثاني وإبقاء ظهور الأمر في الوجوب على حاله، مع أنّ ظهور العام في العموم أقوى من ظهور الأمر في الوجوب، وهذا هو الميزان في جميع موارد تعارض بعض الظهورات ببعضها الآخر...»[1]
ولكن يشكل ذلك ـ كما تقدّم في كلمات الشهيد الصدر أيضاً[2] ـ بأنّ الدليل الذي يرتفع التعارض بين دليلين آخرين بواسطة رفع اليد عنه، دخيل في المعارضة لا محالة، بمعنى أنّه إمّا أن يكون طرفاً من أطراف النزاع أو أنّه سبّب إيجاد التعارض بين دليلين آخرين ـ مثل أن يرد في دليل: «أكرم الفقراء» وفي دليل ثانٍ: «لا تكرم زيداً» وفي دليل ثالث: «زيد فقير» ـ وإلّا لم يمكن من خلال رفع اليد عنه أن يزول تعارض لا علاقة له به. والذي سبّب إيجاد التعارض بين الدليلين فيما مثّل به على دعواه هو أنّ الدليل الأوّل ظاهر في الوجوب من جهة، وظاهر في العموم من جهة أُخرى، ولولا هذين الظهورين معاً لم يكن تعارض بين الدليلين. فرفع اليد عن ظهور الدليل الأوّل في العموم بدلاً من رفع اليد عن ظهوره في الوجوب إنّما هو لكونه عرفيّاً لا للجهة التي ادّعاها.
على أنّ رفع اليد عن إطلاق القضيّة الشرطيّة المقابل لـ «أو» يسبّب انتفاء المفهوم من الأساس کما مرّ، لا أن يقيّد بذلك إطلاق المفهوم بمنطوق قضيّة أُخرى.
فينبغي في الإشکال علی دعوى الميرزا النائيني أن يقال: كما تقدّم تفصيله وخلافاً لمقالته فإنّ منطوق الجملة الشرطيّة يدلّ على أنّ الجزاء يتحقّق حتماً بتحقّق الشرط، سواء كان الشرط تمام العلّة للجزاء أو كان الجزء الأخير لعلّته التامّة، وهذه الدلالة وضعيّة وليست بسبب الأخذ بإطلاق القضيّة الشرطيّة. کما لا يمكن من خلال التمسّك بالإطلاق أن نثبت أنّ الشرط علّة تامّة للجزاء، لأنّ المتكلّم ليس في مقام البيان من هذه الجهة، وإنّما يحاول بيان الترتّب الفعليّ للجزاء على الشرط، سواء كان للشرط علّيّة تامّة للجزاء أم لم يكن.
فالذي ادّعاه المحقّق النائيني مبنيّ على ما تقدّم منه ومن المحقّق الخراساني من أنّ الجملة الشرطيّة لا تدلّ وضعاً إلّا على اقتضاء الشرط لترتّب الجزاء عليه ولا تفيد تحقّق الجزاء الفعليّ بعد تحقّق الشرط، وهذا المعنى إنّما مستفاد من إطلاق القضيّة الشرطيّة الذي يفيد نفي الشريك في تأثير الشرط.
ولكن قلنا سابقاً أنّه لا يمكن الالتزام بهذه الدعوى، ويؤيّد ذلك أنّ القضايا الشرطيّة الخبريّة إذا لم يتحقّق فيها الجزاء بالرغم من وجود الشرط، فيمكن وصف المتكلّم بها بالكذب، بينما لا يجوز على أساس دعوى المحقّق النائيني أن يوصف المتكلّم بالكذب في هذه الحالة، لأنّ الترتّب الفعليّ للجزاء على الشرط مستفاد من إطلاق القضيّة الشرطيّة وليس مدلولاً وضعيّاً لها، فإذا لم يتحقّق الجزاء في الخارج رغم تحقّق الشرط لزم أن يقال: إنّ ذلك يدلّ على أنّ الشرط لم يكن علّة تامّة لتحقّق الجزاء وإنّما كان مقتضياً له فقط، وحيث لم تتحقّق سائر أجزاء العلّة التامّة فلم يتحقّق الجزاء.
وعليه فإنّ رفع اليد عن تحقّق الجزاء بتحقّق الشرط في كلا القضيّتين الشرطيّتين معناه أنّ منطوق كليهما ساقط عن الاعتبار حيث لا وجه بعدئذٍ لاعتبار أيّ من شرطي خفاء الجدران وخفاء الأذان لوجوب القصر في الصلاة أو جواز الإفطار، فمع تحقّقهما أيضاً لا يمكن التقصير في الصلاة أو إفطار الصيام، بل ينبغي الانتظار إلى بلوغ المسافة الشرعيّة.
هذا؛ والحال أنّه لا وجه لرفع اليد عن منطوق القضيّتين، إذ لا منافاة أصلاً بين منطوقي القضيّتين الشرطيّتين، كما لا منافاة بين مفهومهما أيضاً، وإنّما التنافي يكون بين منطوق كلّ منهما مع إطلاق مفهوم الآخر ممّا يرتفع بحمل المطلق على المقيّد. على أنّ الدلالة المنطوقيّة أقوى من الدلالة المفهوميّة، ولو فرض وقوع التعارض بين المنطوق والمفهوم بحيث نضطرّ إلى رفع اليد عن أحدهما، فينبغي رفع اليد عن الدلالة المفهوميّة لا المنطوقيّة.
وبعبارة أُخرى: إنّ الإطلاق الذي يُستند إليه في كلّ من القضيّتين لإثبات المفهوم، يُثبت أصل وجود المفهوم كما يُثبت نطاقه أيضاً، فإذا حصل التنافي بين أصل وجود المفهوم في كلّ من القضيّتين مع منطوق القضيّة الأُخرى أو أصل وجود المفهوم فيها، فينبغي الالتزام بأنّ هذا الإطلاق لا يمكن الأخذ به وساقط عن الاعتبار. وأمّا إذا انحصر التنافي في نطاق كلّ من المفهومين مع منطوق القضيّة الأُخرى، فلا وجه لرفع اليد عن أصل الإطلاق المثبِت للمفهوم، بل غايته أن يضيّق نطاقه بحيث يزول التنافي، ويتمّ رفع التنافي برفع اليد عن مفهوم کلّ من القضيّتين بالنسبة إلى ما ورد في منطوق الأُخری من الشرط.