< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / المراد من العبادة في المسألة

 

تناولنا في الجلسة السابقة البحث في دعوى المحقّق الخراسانيّ في اختصاص البحث في العبادات بما إذا اعتبرنا العبادة ما يكون مقرّباً بذاته حال عدم حرمته أو الفعل الذي إذا تعلّق به أمر فلا يمكن سقوطه إلا إذا أُتي به قربةً، وقلنا بأنّ الدعوى غير صحيحة.

ولكنّ المحقّق الاصفهاني يرى أنّ الوجه في اختيار الآخوند للمعنيين الأوّلين هو أنّ ما يوجب القربة والثواب ينبغي فيه جهتان: 1 ـ جهة يشتمل بها على الحسن الذاتي أو يكون معنوناً بعنوان ينتهي إلى الحسن الذاتي، 2 ـ جهة تتعلّق بالمولى حتّى يستحقّ منه المدح والقرب.

فبعض العناوين تشتمل على الجهتين في حدّ ذاتها، مثل التعظيم والخشوع والخضوع للمولى. ولكن بعضها لا تتعلّق بالمولى في حدّ ذاتها ـ مثل إكرام زيد ـ وعلاقتها به إنّما تحصل من خلال أمر المولى بذلك الفعل، فإذا أكرم العبدُ زيداً بداعي أمر المولى، انطبق على فعله عنوان الطاعة والانقياد.

علماً بأنّ الذي ذكره المحقّق الخراسانيّ في تعريفه الثاني للعبادة ـ من أنّ الفعل العبادي هو الذي إذا تعلّق به أمر فلا يمكن سقوطه إلا إذا أُتي به قربيّاً ـ يسبّب خروج الفعل التوصّلي المأتيّ به بداعي الأمر من دائرة الكلام، لأنّ سقوطه لا يتوقّف على إتيانه کذلك.

وقد يشكل على هذه الدعوى بأنّ الذي ينافي المبغوضيّة الذاتيّة هو التقرّب لا الغرض الملازم له، فالعبادة بالمعنى الأعمّ الشاملة لإتيان الفعل التوصّلي بداعي القربة أيضاً داخلة في محلّ الكلام.

ولكن قد يجاب عليه بأنّ قيد صحّة الفعل العباديّ أو فساده هو ترتّب الأثر المتوقّع من العبادة منه أو عدم ترتّبه، وأمّا عدم إمكان قصد القربة من خلال الفعل الذي تعلّق به النهي والمبغوضيّة فحيثيّته في فساد العبادة ليست حيثيّة تقييديّة ـ لأنّ القرب ليس من الأغراض الموجبة للأمر العباديّ ـ وإنّما هي حيثيّة تعليليّة. فإذن يمكن الالتزام بعدم المنافاة بين المبغوضيّة المنافية لقصد القربة والغرض المترتّب على الفعل.[1]

ولكنّ الجواب على دعواه الأخيرة هي أنّ القرب من الأغراض الموجبة للأمر العباديّ، وحيثيّة مدخليّته في الفعل العباديّ حيثيّةٌ تقييديّة، ولذلك يكون دخيلاً في ترتّب الأثر على الفعل العباديّ وينتفي الأثر بعدمه ولا يمكن تصحيح العبادة من دونه. والقرب في التوصّليّات وإن لم يكن دخيلاً في ترتّب الأثر على الفعل، ولكنّ الفرض هو إتيان الفعل التوصّلي بقصد القربة، ويختلف الأثر المترتّب على إتيان الفعل التوصّلي بقصد القربة عن الأثر المترتّب عليه في حدّ نفسه، وقصد القربة دخيل في ترتّب الأثر بالنحو الثاني.

فإذا نذر شخص أن يغسل ثوباً من ثيابه بقصد القربة وقد ورد نهي شرعيّ في خصوص غسل أحد ثيابه، فإذا غسل نفس ذلك الثوب بقصد القربة، فهل وفى بنذره أم لا؟ إذ على الرغم من عدم الشكّ في طهارة الثوب بعد الغسل، ولكنّ الأثر المترتّب على غسل الثوب بقصد القربة ليس مجرّد طهارته.

فإذن لا وجه لخروج الأفعال التوصّليّة المأتيّ بها بقصد القربة عن فرض المسألة.

كما يمكن القبول بما ذكره في وجه اختيار الآخوند للمعنيين الأوّلين من بين المعاني الخمسة بعنوان معنى العبادة، ولكنّه لا يسبّب عدم أخذ سائر المعاني ـ التي يصرّح الآخوند أنّها معانٍ شرح الاسميّة ـ في عنوان المسألة بعين الاعتبار.

أمّا المحقّق العراقيّ فإنّه يرى أنّ المعنى الثاني هو الصحيح فقط، ويعتبره بمعنى الشأنيّة حتّى لا يرد عليه الإشكال المتقدّم. ويشكل على المعنى الأوّل قائلاً: لا يصحّ هذا المعنى من العبادة، لأنّ جميع العبادات ليست من هذا النوع، فلا يصحّ التعريف عكساً.[2]

غير أنّ هذا الإشكال لا يرد على دعوى المحقّق الخراساني، لأنّ ظاهر كلامه أنّه يرى في عباديّة الفعل كفايةَ أن ينطبق أحدُ التعريفين على الفعل، لا أن يريد أنّ التعريفين مستقلان ويشمل كلّ منهما جميع أقسام العبادات.

وأمّا في خصوص المعاملات فإنّ المحقّق الخراسانيّ يقول بأنّ المعاملات التي تشملها هذه المسألة فهي المعاملات بالمعنى الأعمّ ـ أي العقود والإيقاعات ـ التي يكون للصحة والفساد فيها معنىً محصّل.[3]

ويظهر من دعوى الشيخ في المبسوط أنّه يرى دخول المعاملات بالمعنى الأعم في المسألة، لأنّه قال في بحث الاستنجاء: «كلّما قلنا: إنّه لا يجوز استعماله في الاستنجاء إمّا لحرمته أو لكونه نجساً إن استعمل في ذلك ونقي به الموضع ينبغي أن يقول: إنّه لا يجزي، لأنّه منهيّ عنه، والنهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه.»[4]

ولم يشكل المحقّق في المعتبر بعد نقل هذا الكلام عن الشيخ بأنّ هذه المسألة ليست من مسائل مبحث دلالة الأمر على فساد المنهيّ عنه، فالظاهر أنّه أيضاً يرى شمول البحث لمثل هذه الموارد. نعم، لم يستدلّ هو على وجه عدم حصول الطهارة به، بل استنده إلى أنّا نشكّ في الطهارة والمانع من استصحاب النجاسة بعد الاستنجاء مانع شرعيّ، فإذن لا مانع من استصحاب النجاسة بعد وجود النهي الشرعيّ عن الاستنجاء.[5]

وسنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo