< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

45/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: النواهي / إجتماع الامر و النهي / مقام الثبوت

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ المراد من اشتمال الحكمين للملاك والمناط في مورد الاجتماع هو وجود المقتضي للجمع بين الحكمين في مورد الاجتماع، حتّى وإن لم يحصل الاجتماع لوجود المانع.

فبناءً على وجود المقتضي لاجتماع الحكمين في مصداق واحد لمتعلّقيهما، فالقول بامتناع الاجتماع مبنيّ على وجود التعارض بين الدليلين، ومن دون التسليم بوجود التعارض، فلن يكون الاجتماع ممتنعاً؛ إذ وإن أمكن مع غضّ النظر عن أيّ من دليلي التحريم والوجوب أن يشمل الدليل الآخر مورد الاجتماع أيضاً، ولكن وجود الدليل الآخر يسبّب المانع من شمول متعلّق كلّ منهما لمورد الاجتماع، وخلافاً لما قال به المحقّق الخراسانيّ فهذا غير متوقّف على دلالة كليهما على حكم فعليّ ـ بالمعنى الذي سنبيّنه تباعاً إن شاء الله ـ وذلك لأنّ التمانع بين المقتضيين حسب الفرض ذاتيّ راجع إلى امتناع الجمع بين الضدّين شامل للحكم الاقتضائيّ أيضاً.

ولكن مع ذلك يمكن الرجوع إلى مرجّحات باب التزاحم فيرجّح الحكم التابع للملاك الأقوى على الآخر من باب ترجيح الملاك الأقوى على الأضعف، لأنّ التعارض إن كان بنحو يكذّب كلّ من الدليلين الآخر مطلقاً ـ كما لو كان فعل واحد متعلّقاً للحرمة في دليل ومتعلّقاً للوجوب في آخر ـ ففي هذه الصورة يشكل أصل وجود الملاك لكلّ من الحكمين وينبغي التسليم بأنّ أحدهما يفتقد الملاك مطلقاً، وأمّا إذا كان هناك تعارضاً بين إطلاق الدليلين، فيلزم منه أن ينفي كلّ من الدليلين إطلاق الآخر ويقيّد ملاك الحكم المبيّن في الدليل الآخر، حيث يمكن في هذه الصورة تقديم أحد الحكمين على الآخر بواسطة تقديم ملاكه.

فمثلاً دليل: «أكرم العلماء» و«لا تكرم الفسّاق» متعارضان في مادّة الاجتماع ـ أي العالم الفاسق ـ فلو استطعنا ـ بأيّ طريقة كانت ـ أن نعرف الملاك الأهمّ عند الشارع من بين ملاكي العلم والفسق، تمكّنّا من ترجيح الحكم المترتّب على الملاك الأهمّ على الحكم الآخر في مادّة الاجتماع.

وبعبارة أُخرى: فالذي ينفيه كلّ من الدليلين في الصورة الثانية، ليس مطلق الملاك للحكم الآخر وإنّما إطلاقه، ويمكن على أساس تعيين أقوائيّة الملاك أن نعيّن الملاك الذي يمكنه تقييد الملاك الآخر.

وأمّا ما ادّعاه السيّد الخوئيّ من أنّ التزاحم بين الملاكات في مقام الجعل يكون بيد الشارع ولا علم لنا بملاكات الأحكام حتّى نرجّح أحدها على غيره في مرحلة الجعل، فهو وإن كان صحيحاً غير أنّه لا يضرّ بما قلناه.

توضيحه: أنّه إذا كان ترجيح الملاكات قبل جعل الحكم الشرعيّ، فالذي يدّعيه صحيح، حيث لا نستطيع ترجيح الملاكات على بعضها لعدم العلم بالملاكات والجهات الواقعيّة.

وأمّا إذا تمّ جعل حكمين شرعيّين بالنظر إلى ملاكيهما ثمّ علمنا بوجود التعارض بينهما ـ بالنحو المتقدّم ـ فإذا تبيّن ملاك كلّ من الحكمين بعد الجعل الشرعيّ، أمكن إجراء قواعد الترجيح بين الملاكين.

وبعبارة أُخرى: هناك فرق بين الأُمور التي من شأنها أن تقع ملاكاً للحكم ولكنّنا لا نعلم بترتّب الحكم عليها، وبين الأمور التي نعلم بترتّب الحكم الشرعيّ عليها، إذ في الأوّل ـ كما قال السيّد الخوئيّ ـ لا سبيل لنا إلى معرفة ما إذا كانت هذه الأُمور في الواقع ملاكاً للحكم الشرعيّ أو أنّه لم يترتّب عليها حكم للتزاحم مع سائر الملاكات؛ وذلك لأنّ السبيل الوحيد لذلك هو بيان الشارع للحكم ممّا يكشف عن الملاك بطريق «الإنّ»، والفرض هنا عدم وصول حكم من قبل الشارع. بينما الفرض الثاني هو بيان الشارع لحكمين شرعيّين مترتّبين على ملاكين، فمع كشف كلّ من الحكمين عن ملاكه يمكن الترجيح بين الملاكين أيضاً.

وأمّا إذا قلنا بأنّنا لا نستطيع ترجيح الملاكات على بعضها حتّى بعد بيان الشارع للحكم الشرعيّ، فحاصله عدم الترجيح بين الملاكات حتّى في مقام فعليّة الحكم أيضاً. فمثلاً إذا علم الصائم في شهر رمضان بوجود غريق يستلزم إنقاذه ارتكاب مفطر، فلا شكّ في رجحان إنقاذ الغريق المؤمن على الصوم، وهذا لا دليل عليه سوى ترجيح الملاك، ومع الالتزام بعدم إمكان الترجيح من حيث الملاك، لا وجه لتقديم إنقاذ المؤمن على الصوم.

فالمحقّق الخراساني وإن لم تصحّ دعواه من عدم تعارض الدليلين في فرض وجود المقتضي لكلّ من الحكمين والقول بامتناع اجتماع الأمر والنهي، والقول بالامتناع في الفرض المذكور متوقّف على وجود التعارض بين الدليلين، ولكن يمكن ـ حسب ما قلناه ـ توجيه ما قاله فيما بعد من الرجوع إلى مرجّحات باب التزاحم لرفع التنافي بين الحكمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo