< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الواجب التخييری / الحلّ الخامس / تعريف المسألة

 

من الإشكالات المذكورة في کلمات السيّد الخوئي علی دعوی المحقّق الاصفهاني التي مرّ توضيحها في الجلسة السابقة، فجواب الإشكالين الأوّل والثاني هو عين ما تقدّم من أنّ مخالفة التفسير لظواهر الأدلّة لا يمنع من إمكانه ثبوتاً، ولا وجه في البحث الثبوتي لطرح إشكال في مقام الإثبات، أي عدم الطريق للكشف عن كيفيّة الملاك.

أمّا الإشكال الرابع فجوابه أنّه حتّى على فرض كون مطلوب الشارع وجوداً واحداً من غرض واحد نوعيّ، فلا وجه لتوجّه عقابين للمكلّف، لأنّه وإن جاز ترك كلّ من العدلين في صورة الإتيان بالآخر، ولكن يختلف وجهه عن الوجه المتقدم في الحلّ السابق.

بيانه: أنّ الدعوى في الحلّ السابق هي وجود غرضين للشارع يصحّح كلّ منهما الأمر بأحد العدلين، ولكنّه رخّص في ترك أحدهما تسهيلاً، بينما الحال فيما نحن فيه أنّه ليس للشارع إلا غرض واحد ـ بالوحدة النوعيّة ـ وسبب أمره بكلا العدلين هو المحذور العقلي في الأمر بالفرد المبهم وفي ترجيح أحد العدلين على الآخر من دون مرجّح. فإذن ترك العدلين في الفرض السابق كان يسبّب فوات الغرضين، بينما في فرضنا لا يؤدّي إلا إلى فوات غرض واحد، ومن هنا لم يكن جواز الإتيان بأحد العدلين وترك الآخر في الفرض السابق لعدم فوات غرض الشارع في صورة ترك العدل الآخر بل لمصلحة التسهيل، بينما في فرضنا فوجه جواز ترك أحد العدلين في صورة الإتيان بالآخر هو عدم بقاء غرض في حدّ نفسه يستلزم لزوم تحصيله بعد الإتيان بالعدل الأوّل.

وأمّا الإشكال الثالث للسيّد الخوئيّ فهو وارد علی دعوی المحقّق الإصفهاني وسيأتي تفصيله في الحلّ السادس إن شاء الله.

الحلّ الخامس:

ادّعى الميرزا النائينيّ عدم المانع من تعلّق الإرادة التشريعيّة بالفرد المردّد وما له بدل، وإنّما الممنوع هو تعلّق الإرادة التكوينيّة لهذا الفرد.[1]

وقد حمله السيّد الخوئيّ على تعلّق الأمر بقدرٍ جامعٍ انتزاعيّ بعنوان: «أحدهما» ممّا سيجيء بيانه في الحلّ اللاحق.[2] بينما أنكر السيد الروحانيّ هذه الدعوى فقال: إنّ مراد الميرزا النائيني هو تعلّق الأمر بواقع الفرد المردّد لا بمفهومه.[3]

ويؤيّد مدّعی السيّد الروحانيّ ما جاء في تقريرات الميرزا النائينيّ الأُخرى حيث ورد فيه: «يتّضح ذلك بملاحظة الأوامر العرفيّة، فإنّ أمر المولى عبده بأحد الشيئين أو الأشياء بمكان من الإمكان، ولا يمكن إرجاعه إلى الكلّي المنتزع كعنوان «أحدهما»، فانّ ذلك غير ملحوظ في الأوامر العرفيّة قطعاً ولا يلتفت إليه، فلتكن الأوامر الشرعيّة كذلك.»‌[4]

ومن المعلوم أنّه لا يمكن الالتزام بدعوى الميرزا النائينيّ، إذ الغاية من إيجاد الأمر هي إيجاد متعلّقه في الخارج، فكلّ ما لم يكن له واقع خارجيّ لم يقبل الطلب، وبما أنّ الفرد المردّد والمبهم لم يكن موجوداً لا في الخارج ولا حتّى في الذهن، فلا يمكنه أن يقع متعلّقاً للطلب.

علماً بأنّ السيّد الروحانيّ على الرغم من قبوله لعدم واقعيّة الفرد المردّد، فقد ذهب إلى إمكان طلب مفهوم الفرد المردّد، وعبّر عنه بـ «هذا أو ذاك» أو «أحدهما لا بعينه» واعتبره أمراً مختلفاً عن مفهوم «أحدهما»، فهو على الرغم من الإشكال في تعلّق الطلب بمفهوم «أحدهما» ولكنّه يرى إمكان تعلّق الطلب بمفهوم الفرد المردّد.

ووجه الاختلاف بين المفهومين من وجهة نظره هو أنّ التقسيم إلى معيّن وغير معيّن، يتمّ بحسب واقع «أحدهما» لا بحسب مفهومه، وهذا الفرد لا يمكن تقسيمه إلى فردين «بعينه» و«لا بعينه»، بل يكون معيّناً دائماً.[5]

ولکن فيه: أنّ قيد «لا بعينه» في هذه العبارة توضيحيّ لا احترازيّ. نعم، لو قيل: «فرد لا بعينه» فيكون القيد احترازيّاً لأنّ «الفرد لا بعينه» قسيم لـ «الفرد بعينه» ويمكن تقسيم الفرد إلى هذين القسمين، فلا فرق إذن بين التعبير بـ «أحدهما» و«أحدهما لا بعينه».

والغريب أنّه وإن ذهب في بادئ كلامه إلى أنّ عنوان «أحدهما» له واقع يقبل التقسيم إلى معيّن وغير معيّن وجعله مقابلاً لمفهوم «أحدهما»، ولكنّه سلّم في أثناء الكلام بعدم واقعيّة لـ «أحدهما لا بعينه» وقال بتعلّق الأمر بمفهوم «أحدهما لا بعينه».

وفيه: أنّ المفهوم الذي لا واقع له كيف يمکن أن يكون متعلّقاً للأمر؟ إذ معلوم أنّ الأمر إنّما يتعلّق بالطبيعة لغرض إيجادها في الخارج ضمن فرد من أفرادها، ولا معنی لطلب المفهوم الذي ليس له واقع، فإن ادّعي إمكانيّة تعلّق الأمر بالمفهوم الفاقد للواقع الخارجيّ، لوجب القول بإمكانيّة تعلّق الأمر بمفهوم الجمع بين الضدّين أو النقيضين أيضاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo