< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / بيان الاصفهاني في رفع إشكال الأمر الترتّبي

 

الدليل الثالث: لقد أُورد على دعوى الميرزا النائينيّ إشكالات تقدّم ذكرها، ولذلك قرّر المحقّق الاصفهانيّ بياناً آخر للأمر الترتّبي وادّعى أنّه يرفع إشكال الأمر الترتّبي.

وقال في بيان دعواه: إنّ نسبة الأمر إلى متعلّقه من قبيل نسبة المقتضي إلى المقتضى، فإذا وجد مقتضيان ولم يكن اقتضاؤهما تقديريّاً وكان غرض كلّ منهما فعليّة مقتضاه في صورة انقياد المكلّف، فلابدّ من عدم إمكان تأثيرهما وفعليّة مقتضاهما، وإن كان المكلّف كامل الانقياد.

وأمّا إذا كان المقتضيان في رتبتين ـ بمعنى أن لا يكون لأحدهما اقتضاء إلا حين فقدان المقتضي الآخر للأثر ـ فلا مانع في هذه الصورة من فعليّة مقتضى الأمر المتأخّر رتبة، إذ الفرض أنّ فعليّة اقتضائه متوقّفة على عدم تأثير الأمر الواقع في رتبة متقدّمة، فلا يمكنه الممانعة من تأثيره.

ثمّ طرح إشكالاً على هذه الدعوى وقال: إنّ الداعي للأمر بالأهمّ هو جعل الداعي للمكلّف وبعثه بهذه الوسيلة، فإذا فرض عدم وجود انبعاث من المكلّف بواسطة الأمر بالأهمّ حين توقّع هذا الانبعاث، فكيف يمكن الحكم ببقائه؟ إذ يستحيل الأمر بطرد العدم بعد تحقّق العدم، لأنّ رفع النقيض مستحيل حال تحقّقه.

ثمّ أجاب (ره) على هذا الإشكال قائلاً: «الأمر الحقيقي هو جعل ما يمكن أن يكون داعياً، والأمر بالأهمّ حال عصيانه على إمكانه الذاتيّ والوقوعي وإن كان الدعوة بعد تحقّق النقيض ممتنعة إلا أنّه امتناع بالغير، والإمكان الذاتي والوقوعي لا ينافي الامتناع‌ الغيري وإلا لم يكن ممكن أبداً، إذ الماهيّة تكون حال وجودها واجبة بالغير وحال عدمها بعدم العلّة ممتنعة بالغير، فمتى تكون ممكنة ذاتاً ووقوعاً؟

ومنه علم أنّ الأمر بطرد العدم البديل مع تحقّق العدم البديل ـ بمعنى جعل ما يمكن أن يكون مقتضياً لطرده ـ معقول وإن امتنع طرده بالغير.»[1]

ولکن ما يتسبّب بفقدان الأمر بالأهمّ لتأثيره، هو أحد الأُمور التالية: 1 ـ الأمر بالمهم، 2 ـ قصد المكلّف للعصيان، 3 ـ تحقّق العصيان من المكلّف، 4 ـ عدم صرف المكلّف قدرته في الواجب الأهمّ.

ومن بين هذه الأربعة، فمن الواضح عدم إمكان إستناد سقوط التأثير الفعليّ للأمر بالأهم إلى الأوّلين، إذ الفرض تأخّر الأمر بالمهمّ عن الأمر بالأهمّ، فلا يمكن المهمّ أن يؤدّي إلى سقوط تأثير


الأهمّ، وليس التأثير الفعليّ للأمر تابعاً لقصد المكلّف لامتثاله.

ولكن عصيان الأمر إمّا أن يكون علّة لسقوطه أو بتعبير المحقّ الاصفهانيّ ـ المتقدّم سابقاً ـ نهاية أمد مقتضي الأمر. وكيف يمكن في هذه الصورة أن نلتزم إمكانه الذاتي والوقوعيّ للدعوة على الرغم من سقوط الأمر أو انتهاء أمد مقتضيه؟ لأنّ بقاء هذا الإمكان متوقّف على عدم قصور الأمر من حيث المقتضي عن الدعوة، بينما لا يبقى مقتضٍ للدعوة بواسطة الأمر بعد سقوط الأمر أو انتهاء أمد مقتضيه بالعصيان.

فإذن الاحتمال الوحيد المتبقّي هو الاحتمال الرابع الذي صرّح به المحقّق الاصفهانيّ أيضاً في كلماته، وقال: «التحقيق أنّ طلب ما لهما المعيّة الزمانية إنّما يستحيل حيث إنّ القدرة الواحدة لا تفي بهما، وأمّا مع الترتّب فالقدرة الواحدة تفي بهما، إذ مع إعمال‌ القدرة في فعل الأهمّ لا أمر بالمهمّ، ومع عدم إعمالها فيه لا مانع من إعمالها في فعل المهمّ، فلا مانع من فعليّة أمره مع فعلية الأمر بالأهمّ؛ حيث لا يسقط الأمر به بمقارنته لعدم إعمال القدرة في امتثاله.»[2]

وقال في حاشيته على هذا البحث: «يتبيّن من هذا البيان أنّ القدرة على الأهمّ والمهمّ فعليّة ولا يتوقّف فعليّة القدرة على المهمّ على عصيان الأمر بالأهمّ، بل القدرة حيث إنّها القوّة المنبثّة في العضلات، فهي فعليّة، ومقدوريّة كلّ من الأهمّ والمهمّ في حدّ ذاتهما هي كونهما في مرحلة القوّة ما بالقوّة، ولا مانع من كونهما كذلك، إنّما الممنوع فعليّة ما بالقوّة منهما بإعمالهما في كليهما.

ومنه يندفع توهّم ابتناء الترتّب على الطوليّة الاصطلاحية في الأمرين بتقريب أنّ المهمّ يتوقّف على القدرة، والقدرة متوقّفة على عصيان الأمر بالأهمّ، وهو متأخّر عن الأمر بالأهمّ، فيتأخّر الأمر بالمهمّ عن الأمر بالأهمّ بمرتبتين، فلا يتزاحمان.

فيورد عليه: بأنّ عصيان الأمر بالأهمّ وإطاعة الأمر بالمهمّ متقارنان كما في الضدّين مطلقاً، حيث إنّه لا توقّف لفعل أحدهما على عدم الآخر، وكذلك لا توقّف لمبادئ أحدهما على عدم المبادئ للآخر، فينهدم حينئذٍ أساس الترتّب.

وجه الاندفاع: ما عرفت من فعليّة القدرة وعدم توقّفها على عصيان الأمر بالأهمّ، بل إعمالها في أحدهما يزاحم إعمالها في الآخر، ومع عدم إعمالها في فعل الأهمّ لا مانع من إعمالها في فعل المهمّ، فما يتكرّر في كلمات المجوّزين للترتّب من التعبير بالطوليّة لا يراد منها إلا مجرّد الترتّب الرافع للتزاحم بين فعليّة الأمر بالأهمّ وفعليّة الأمر بالمهمّ.» [3]

فالصحيح أنّ الفرق بين القول بأنّ السبب لفقدان تأثير الأمر بالأهم هو تحقّق العصيان من المكلّف أو أنّه عدم صرف المكلّف قدرته في الواجب الأهمّ، هو أنّ الثاني لا يلزم فيه تحقّق عصيان الأمر بالأهمّ، بل يكفي لفعليّة الأمر بالمهمّ مجرّد عدم صرف القدرة في الأهمّ وإن بقي وقت لإتيانه ولم يتحقّق عصيان الأهمّ. فيتبيّن بذلك أنّ العصيان الوارد في كلمات المحقّق الاصفهاني الذي اعتبر الأمر بالأهمّ في صورة تحقّقه ممكناً ذاتاً ووقوعاً، ليس عصيان الأمر بالأهمّ، بل عصيان ضرورة صرف القدرة في الأهمّ.


[3] نهاية الدّراية في شرح الكفاية، الغروي الإصفهاني، الشيخ محمد حسين، ج2، ص240.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo