< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / الأشکالات علی الوجوه التي ذكرها المحقّق النائينيّ

 

ذكرنا في الجلسة السابقة الوجوه التي ذكرها المحقّق النائينيّ في الفرق بين التخيير الشرعي والعقليّ.

ولكن يرد عليها أوّلاً: أنّه إذا لم يكن للمكلّف إلا قدرة واحدة على امتثال الأمر، فتوجّه عقابين إليه لترك المتزاحمين مشكل عقلاً، وما بيّنه المحقّق النائيني من أنّ العقاب هو بسبب الجمع بين التركين ليس صحيحاً، لأنّنا لو اعتبرنا الترك عدميّاً، فيكون التقابل بينه وبين الفعل من باب الملكة وعدمها، فحيث لم يتمكّن المكلّف من الفعلين، فلا يصدق عليه أيضاً أنّه حقّق تركين حتّى نقول بتوجّه عقابين إليه. وإن اعتبرناه وجوديّاً ـ بمعنى كفّ النفس ـ فأيضاً بما أنّه يستحيل صدور أمرين وجوديّين من المكلّف في زمان واحد، فلا يمكن القول بأنّه صدر منه تركان حتّى يترتّب عليه عقابان.

والوجه فيه أنّ الواجب على المكلّف فعلاً هو الإتيان بأحد الواجبين بنحو لا على التعيين، ومعنى ترك الاثنين ليس إلا ترك هذا الواجب، ومن المعلوم أنّه واجب واحد. وبالنتيجة، إذا ترك مثل هذا الواجب، فإذا كان عقابهما متساوياً، فيتوجّه إليه عقاب واحد، وإن اختلفت مراتب العقاب، فيتوجّه إليه القدر المتيقّن من العقاب، إذ لا وجه للزائد عليه.

وبعبارة أُخرى فكما أنّ ترك العِدلين في الواجبات التخييرية لا يعني تركين ولا يتوجّه إلی المكلّف به عقابين، فبناءً على التخيير العقلي في باب التزاحم أيضاً فلا يلزم من ترك الواجبين حصول تركين. غير أنّ الفرق بين التخيير العقلي في باب التزاحم والواجب التخييريّ في أنّ المجعول للمكلّف في الثاني في مرحلة الجعل هو أحد الواجبين لا على التعيين أو القدر الجامع بينهما، بينما أنّ الحكم الفعليّ بحكم العقل في التخيير من باب التزاحم هو أحد الواجبين لا على التعيين أو القدر الجامع بينهما، ولكن لا يؤدّي ذلك إلى وجود اختلاف بينهما من حيث إنّه لم يصدر بترك الواجبين إلا ترك واحد من المكلّف.

وثانياً: ما ذكره من لزوم ترجيح الواجب المحتمل أهميّته فهو وإن كان صحيحاً، إلا أنّ الوجه فيه هو ما تقدّم منّا سابقاً من أنّ العقل إنّما يحكم بالتخيير فيما إذا لم يوجد مرجّح قطعيّ ولا ما يحتمل كونه مرجّحاً، لأنّ حكم العقل بالتخيير مبنيّ على الحكم بقبح الترجيح بلا مرجّح، فإذا وجد ما يحتمل مرجّحيّته، فالعقل لا يحكم بقبح الترجيح به حينئذٍ.

وأمّا دعواه من أنّ التخيير إن كان عقليّاً فالمسألة لا تکون من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فإنّها دعوىً باطلة، إذ الأمر بناءً على قوله دائر بين أن يكون الواجب المحتمل الأهمّيّة أهمّ في الواقع کي يكون فعليّاً ويجب على المكلّف أن يبرئ ذمّته بالإتيان به، وإمّا أن تتوقّف فعليّة ذلك الواجب على ترك واجب آخر ويتخيّر المكلّف في أن يبرئ ذمّته إمّا بالإتيان به أو بإتيان الواجب الآخر، وهذا ليس إلا دوران الأمر بين التعيين والتخيير.

وثالثاً: ما ادّعاه في الواجب ذي المقدّمة المحرّمة، فليس دعوىً صحيحة، إذ تقدّم سابقاً أنّ هذا المورد ليس من التزاحم بل من موارد التعارض.

وأمّا بالنسبة إلى الواجبين الطوليّين من حيث الزمان اللذين لا يقدر إلا على أحدهما، فحكم العقل بوجوب حفظ القدرة على الواجب لا يختصّ بما إذا كان الواجب المتأخّر أهمّ فيه، بل يعمّ كلّ واجب طوليّ، سواء الأهمّ أو المهمّ أو المساوي. فإذا كان الواجب المتقدّم أهمّ ملاكاً، فكما يقدّم على أصل الخطاب بالمهمّ، فكذلك يقدّم على حكم العقل بوجوب حفظ القدرة عليه أيضاً، إذ من المعلوم أنّه ليس لهذا الحكم ملاك مستقلّ بل يتبع ملاك الواجب الذي يتطلّب القدرة، وإذا كان واجباً أهمّ فيجب عليه ترك الواجب المتقدّم كما قال به الميرزا النائينيّ أيضاً.

وأمّا إذا كان الواجبان متساويين ملاكاً، فكما أنّ المكلّف مختار بينهما في صورة كونها في عرض واحد، فكذلك مخيّر في صورة كونهما طوليّين.

وبعبارة أُخرى، إذا كان الخطابان بنحو كانت مخالفة أحدهما مقدّمة لامتثال الآخر ـ مثل توقّف حياة شخص على قتل آخر ـ فيمكن القول بعدم جواز مخالفة الخطاب المتقدّم في صورة عدم إطلاق الخطاب المتأخّر.

ولكن إذا لم يكن عدم إمكان امتثال الخطابين بسبب مقدّميّة مخالفة أحدهما للآخر بل بسبب عدم القدرة على امتثال الخطابين عقلاً ـ مثل القيام في ركعتين أو فيما كان يغرق الشخص فعلاً والمكلّف يعلم أنّه إذا أنقذه فلن يتمكّن من إنقاذ الشخص الآخر الذي سيغرق بعد دقائق قطعاً وكان إنقاذ الاثنين متساوٍ الملاك ـ ففي هذه الصورة، لا وجه لتقدّم الواجب المتقدّم على المتأخر بل المکلّف يتخيّر بينهما.

هذا، وسوف نتناول في الجلسات الآتية دراسة الأدلّة التي ذكرت على إمكان الالتزام بأمر ترتّبي إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo