< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / الإشكالات على دعوى النائينيّ

 

تقدّم في الجلسة السابقة الإشكال الأوّل على دعوى الميرزا النائينيّ.

2 ـ مراده من تقييد التكليف بالقدرة الشرعيّة غير معلوم وكلامه مجمل من هذه الجهة.

يبدو من بعض مواضع كلامه أنّ مراده هو تقييد الوجوب لا الواجب، مثل الموضع الذي مثّل فيه بالحجّ، أو حيث قال: «إنّ ما يكون مشروطاً بالقدرة العقليّة يصلح أن يكون معجزاً مولويّاً عمّا يكون مشروطاً بالقدرة الشرعيّة، لأنّ وجوبه لا يتوقّف على أزيد من القدرة العقليّة الحاصلة بالفرض، ومع التعجيز المولوي لم يتحقّق شرط وجوب الواجب الآخر»[1] . ولكن يستفاد من سائر كلماته أنّه يريد تقييد الواجب، مثل إجابته على إشكال عدم إمكان الأخذ بإطلاق الدليل بسبب تقييد هيئته بالقدرة العقليّة حيث صرّح أنّه لا منافاة بين تقييد الهيئة وإطلاق المادّة، ويُعلم منه أنّ مراده من التقييد هو تقييد المادّة الذي يحاول نفيه في مورد الشكّ بالأخذ بإطلاقها.

فإذا كان يريد تقييد الواجب، فيشكل عليه حينئذٍ بأنّ تقييد الواجب بالقدرة إن كان بنحو تقييد الواجب بعدم وجوب واجب آخر ـ مثل أن يقول المولى لعبده: «إذا لم يجب عليك الفعل كذا، فافعل كذا» ـ فمعلوم في هذه الصورة أنّ مثل هذا التقييد يقدّم واجباً آخر عليه، والوجه فيه ما بيّنه الميرزا النائينيّ.

وأمّا إذا كان تقييد الواجب بحصّة معيّنة من القدرة لا علاقة لها بوجوب واجب آخر ـ مثل أن يقول المولى لعبده: «يجب عليك إتيان الفعل (أ) حال عدم توجّه الواجب (ب) إليك» بحيث يعود القيد إلى الواجب لا الوجوب، فيتوّجه الواجب (ج) في هذه الحالة إلى العبد ـ فمن المعلوم أنّه لا يلزم من تقييد الواجب الأوّل بمثل هذه القدرة تقديم واجب آخر عليه، لأنّ وجوبه لا يستوجب انتفاء القدرة الشرعيّة المأخوذة في الواجب الأوّل.

علماً بأنّ الواجب إذا قيّد بالقدرة على نحو الإطلاق لا بحصّة معيّنة منه، فإنّ المتفاهم من القدرة في هذه الصورة وإن كان هو القدرة العرفيّة لا العقليّة، إلا أنّ ذلك لا يؤدّي إلى تقدّم واجب فاقد لهذا القيد عليه، إذ لا يتسبّب مجرّد وجوب الواجب الثاني عرفاً بالتعجيز عن الواجب الأوّل، بل المناط لسلب القدرة عرفاً هو أهميّة الواجب الثاني من حيث ملاكه.

فمثلاً لو رأى من ضاق عليه وقت الصلاة أنّ المسجد قد تنجّس وعلم أنّه إذا اشتغل بكنس المسجد لم يبق وقت للوضوء ويضطرّ إلى الصلاة بالتيمّم، فالعرف لا يرى أنّ مجرّد تقييد الوضوء في دليله بالقدرة يجعله فاقداً للقدرة على الوضوء، بل بما أنّ الصلاة أهمّ من كنس المسجد فما زال يملك القدرة العرفيّة على الوضوء.

ويتّضح بهذا البيان، إشكال توجيه السيّد الروحانيّ لكلام الميرزا النائينيّ حيث قال في توجيهه: «إنّ الواجب إذا أُخذ في موضوع وجوبه القدرة، فيراد بها القدرة العرفيّة ـ كسائر ما يؤخذ في موضوع الحكم في لسان الدليل، فإنّه يراد به المعنى العرفيّ ـ ومن الواضح أنّه إذا ورد المنع الشرعي عن الفعل لا يكون مقدوراً عرفاً وإن كان مقدوراً عقلاً، إذ القدرة العرفيّة هي التمكّن على الشي‌ء من دون مشقّة ودون منع شرعي؛ وعليه يكون المنع الشرعي رافعاً لموضوع الوجوب فلا يثبت.

وبما أنّ أحد الواجبين المتزاحمين ـ فيما نحن فيه ـ يكون مقيّداً بالقدرة شرعاً ـ وهو الوضوء عند تزاحمه بوجوب حفظ النفس المحترمة ـ كان وجوب الآخر المطلق رافعاً لموضوعه ونافياً له بذلك، فلا يبقى موضوع الحكم المقيّد عند وجود الوجوب الآخر كي يدّعى التمسّك بالإطلاق في إثباته حال العصيان لوجود الوجوب الآخر.»[2]

لكن إشكال الكلام أنّه إذا نهي عن الواجب المشروط بالقدرة أو كان الواجب الآخر المزاحم له أهمّ منه، فلا إشكال في رفع موضوعه، لكنّ البحث هنا ليس في أمثال هذه الموارد، وإنّما المدّعى هو أنّ مجرّد وجوب واجب آخر يوجب مرجوحيّة الواجب المشروط بالقدرة وإن لم يتسبّب بالنهي عن الواجب المشروط ولم يكن متعلّقه أهمّ من متعلّق الواجب المشروط، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به كما تقدّم.

فمثلاً لو نذر أن يقرأ صفحات من القرآن حتّى غروب الشمس، فلو تأخّرت تلاوة القرآن في إحدى الأيّام حتّى آخر الوقت ولم يكن صلّى بعد وكان بحيث إذا أراد أداء النذر لاضطرّ إلى الصلاة بتيمّم ولم يقدر على الصلاة بطهارة مائيّة بدون الوفاء بالنذر، فلا يمكن الالتزام هنا بأنّ عليه الوفاء بالنذر والصلاة متيمّماً محتجّاً بأنّ الوضوء أُخذت قدرة المكلّف عليه في دليله بينما لم تؤخذ في النذر القدرة على المتعلّق.

ثمّ إنّ دعوی رفع موضوع الواجب المشروط بالقدرة بعد انتفائها وعدم امکان تصحيحه بالأمر الترتّبيّ، سنتطرّق إليها في التنبيهات إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo