< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / النسبة بين الواجبين الشرعيّين

 

تقدّم في الجلسة السابقة أنّ المحقّق النائينيّ عدّ للتزاحم خمسة مناشئ.

لكنّ الحقّ أنّه ـ كما تقدّم ـ لا منشأ للتزاحم إلا عدم قدرة المكلّف وعجزه، بمعنى أنّ المكلّف عندما تُصرف قدرته على أحد التكليفين فلن يقدر على التكليف الثاني، ولا فرق في ذلك بين أن ينشأ ذلك عن كون قدرته واحدة في مقطع زمنيّ محدّد، أم عن وحدة قدرته على طول عمود الزمان.

وأما سائر الموارد التي عدّها فلا ينشأ التزاحم عن شيء منها، بل بعضها يؤدّي إلى التعارض. فمثلاً إنّ التلازم بين المتعلّقين مع اختلافهما في الحكم، إمّا أن يسبّب التعارض في أصل الحكمين ـ إذا صرّح الدليلان بوجود الحكم في شرائط مختلفة ـ وإمّا أن يسبّب التعارض في إطلاقهما ـ فيما إذا ابنتی شمولهما لمختلف الشرائط على مقدّمات الحكمة ـ وكذلك الحال بالنسبة إلى مقدّميّة أحد المتعلّقين للمتعلّق الآخر على الرغم من اختلافهما في الحكم.

وأمّا بالنسبة إلى اتّحاد متعلّق الحكمين وجوداً، فإذا كان المورد ممّا تكون جميع مصاديق المأمور به مصاديقَ للمنهيّ عنه أيضاً، فلا إشكال في أنّه من باب التعارض لا اجتماع الأمر والنهي، لأنّ من قال بجواز الاجتماع فلا يقول به في مثل هذه الموارد. وإذا كان المورد ممّا وجد للمأمور به فيه مصاديق غير مصاديق المنهيّ عنه أيضاً، فعلى القول بجواز اجتماع الأمر والنهي، فالمورد ليس من باب التزاحم ولا التعارض، لأنّ المكلّف قادر على امتثال الاثنين، والفرض أنّه لا تعارض بين الحكمين في مورد الاجتماع.

وبما تقدّم عُلم أنّ كون الحكمين دائميّين أو مؤقّتين لا مدخليّة له في كون التنافي بينهما تعارضاً أو تزاحماً، وإنّما المدخليّة تعود إلى أنّ التعارض هل هو بين أصل الحكمين أم بين إطلاقهما.

ومن الصحيح دعوى استحالة التزاحم بين قضيّتين خارجيّتين وأنّه إذا حصل التنافي بينهما فهو لا محالة من باب التعارض، والوجه فيه ما بيّنه المحقّق النائينيّ، وإن أمكن التزاحم بين قضيّة حقيقيّة وأُخرى خارجيّة.

الفائدة الثالثة
: لا تخلو النسبة بين واجبين شرعيّين في مقام الامتثال عن إحدى حالات ثلاث:

1 ـ كلاهما موسّعان؛ كالصلاة اليوميّة في وقتها الموسّع والطواف الواجب قبل ضيق وقته.

2 ـ أحدهما موسّع والآخر مضيّق؛ كالصلاة اليوميّة في وقتها الموسّع وأداء الدين الحالّ بطلب فوريّ من الدائن.

3 ـ كلاهما مضيّقان؛ كالصلاة اليوميّة في وقتها المضيّق وإنقاذ الغريق.

لا شكّ في الصورة الأُولى في عدم التزاحم بين الواجبين، إذ من المعلوم إمكانيّة امتثال الاثنين وعدم مزاحمة امتثال أحدهما لامتثال الآخر.

كما لا شكّ في التزاحم في الصورة الثالثة وأنّها هي القدر المتيقّن من التزاحم.

وأمّا في الصورة الثانية فقد نسب المحقّق الخوئيّ إلى الميرزا النائيني أنّه ذهب إلى التزاحم فيها وقال في توجيه الدعوى: حيث إنّ الميرزا يرى تقابل التقييد والإطلاق من باب تقابل الملكة وعدمها الذي نتيجته استحالة الإطلاق فيما إذا استحال التقييد، وبما أنّ تقييد الواجب الموسّع بخصوص الفرد المزاحم مستحيل فيما نحن فيه، فالإطلاق بالنسبة إلى هذا الفرد مستحيل أيضاً.

فالنتيجة إمّا رفع اليد عن فعليّة خطاب الواجب المضيّق والقول بإطلاق الواجب الموسّع، وإمّا القول بفعليّة الواجب المضيّق وعدم إطلاق الواجب الموسّع بالنسبة إلى الفرد المزاحم.

فيكون الفرق بين الصورة الثانية والثالثة في أنّ التزاحم في الصورة الثانية يکون بين إطلاق أحد الخطابين والخطاب الآخر نفسه، وأمّا الصورة الثالثة فالتزاحم فيها يکون بين الخطابين نفسيهما، ولو قلنا بصحّة الأمر الترتّبي فيمكن الحكم بصحّة امثتال الواجب الموسّع في ضمن الفرد المزاحم في الصورة الثانية أيضاً.[1]

ثمّ أشكل المحقّق الخوئيّ على دعوى المحقّق النائيني وقال: إنّ صحّة الدعوى قائمة على القول بمبناه من كون التقابل بين التقييد والإطلاق من باب الملكة وعدمها، وأمّا على مبنانا حيث نراه من أقسام تقابل التضادّ، فإذا لم يمكن تقييد الواجب الموسّع بالفرد المزاحم، فالإطلاق ضروريّ بالنسبة إليه، والنتيجة أنّه لا منافاة بين إطلاق الواجب الموسّع وبين فعليّة خطاب الواجب المضيّق.[2]

ولكن دعواه عجيبة، حيث لو قلنا بكون التقابل بين التقييد والإطلاق من باب تقابل الملكة وعدمها، فيمكن القول بأنّه في صورة عدم إمكان انحصار الواجب الموسّع بالحصّة المزاحمة للواجب المضيّق، يلزم عدم وجود إطلاق في الواجب الموسّع ليشمل الفرد المزاحم أيضاً. وأمّا إذا قلنا بأنّ التقابل بينهما من باب التضادّ، فضرورة الإطلاق متوقّف على إثبات عدم إمکان إخراج الفرد المزاحم من تحت الواجب الموسّع لا أن نستنتج من عدم إمكان انحصار الواجب الموسّع في الفرد المزاحم أنّ للواجب الموسّع إطلاق بالنسبة إليه ضرورةً.

إذن سواء قلنا بكون التقابل بين التقييد والإطلاق من باب تقابل الملكة وعدمها أم من باب التضادّ، ففي كلتا الصورتين تؤدّي فعليّة خطاب الواجب المضيّق إلى عدم إطلاق الواجب الموسّع بالنسبة إلى الفرد المزاحم، علماً بأنّ عدم إطلاق الواجب الموسّع على القول بتقابل الملكة وعدمها فهو من باب عدم وجود الملكة، وعلى القول بالتضادّ فهو من باب خروج الفرد المزاحم بالتقييد من شمول الواجب الموسّع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo