< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / الإختلاف بين التزاحم والتعارض في كلمات النائيني

 

بيّنّا في الجلسة السابقة وجهين من وجوه الاختلاف بين التزاحم والتعارض على أساس كلمات المحقّق النائيني.

ثمّ إنّه عدّ جهتين أُخريين لهذا الاختلاف حسبما يلي:

الجهة الثالثة: إنّ مرجّحات باب التعارض إمّا صدوريّة وإمّا دلاليّة، ولكن لا علاقة لمرجّحات باب التزاحم بهاتين الجهتين، بل قد يقدّم في باب التزاحم الدليل ذوالدلالة والسند الأضعف على الدليل الآخر.

نعم، قد يقع بعض المرجّحات مستنداً للترجيح في كلا المقامين، لكن هذا الاستناد بمناطين لا بمناط واحد.

فمثلاً في التعارض بين الواجب والحرام، فقد ذهب جماعة إلى تقديم الحرام على الواجب لأهمّيّة دفع المفسدة على جلب المصلحة، وعلى الرغم من أنّ أهمّيّة الدليل في باب التزاحم أيضاً تؤدّي إلى ترجيحه على الدليل الآخر ولكن ليس ذلك من باب تقديم دفع المفسدة علی جلب المنفعة، بل هناك جهة أُخرى جعلت أحد الدليلين أهمّ من الآخر حسب المقام والظروف.

كما نجد في باب التعارض أنّ الذي ليس له بدل مقدّم على ذو البدل، والمناط فيه أنّ فاقد البدل حاكم ومبيّن لذي البدل. وهذا وإن كان يسبّب الترجيح في باب التزاحم، ولكن مناط الترجيح في التزاحم هو أنّ ذا البدل لا يمكنه أن يكون سبباً للتعجيز المولويّ لفاقد البدل، وخلافه في العكس.

الجهة الرابعة: إنّ التزاحم لا يحصل إلا باعتبار شرائط محدّدة في التكليف ممّا لا يمكن وضعه ورفعه في عالم التشريع، فلا يحصل التزاحم في أُمور كالعقل والبلوغ وهما من الأُمور التكوينيّة المأخوذة في التكليف، بل ما يحصل فيه التزاحم هو خصوص القدرة، حيث للشارع أن يعجّز العبد بأمره بصرف قدرته على أحد الواجبين وإن لم يسلبه قدرته التكوينيّة.

وبعبارة أُخرى فإنّ التزاحم لا يحصل إلا فيما إذا لم تكن للشرائط مدخليّة في الملاك بل كانت سبباً لحسن الخطاب، فإذن البلوغ والعقل وأمثاله ممّا له دخل في ثبوت الملاك لا يكون محلاً للتزاحم، ولكنّ القدرة التي تعدّ من شرائط حسن الخطاب فهي محلّ التزاحم.

علماً بأنّ التزاحم قد يقع أحياناً في غير باب القدرة أيضاً، كمن كان يملك 25 بعيراً خلال ستّة أشهر، ثمّ ملك بعيراً آخر، فمقتضى القاعدة الأوّليّة أنّه عندما ينقضي حول الخمس والعشرين، فعليه أن يتزكّى بخمسة أغنام، وأن يزكّي ماله بعد ستّة أشهر ببنت لبون للستّ والعشرين، والنتيجة أنّه يدفع الزكاة مرّتين في سنة واحدة، ولكن هناك دليل آخر على عدم وجوب دفع الزكاة في السنة إلا مرّة واحدة، فيحصل التزاحم بين حول نصاب الخمس و العشرين وحول نصاب الستّ والعشرين، فيجب التصرّف في أحد الحولين بستّة أشهر.

فعلى ما تقدّم يُعلم أنّ دعوى جماعة من أنّ كون التزاحم من باب تزاحم المقتضيين وكون التعارض من باب تعارض المقتضي واللامقتضي، فإنّها غير صحيحة، وإلا لعادت جميع موارد التعارض إلى التزاحم، إذ كلّ دليل يدلّ على ثبوت المقتضي لمؤدّاه.[1]

لكن يرد على ما أفاده عدّة إشكالات:

1ـ إنّ الملاك الذي بيّنه لوجود التعارض بين دليلين، غير دقيق، بل ينبغي القول بأنّ التعارض بين دليلين هو من حيث إرادة الشارع دائماً، ويكون لإحدى العلل التالية:

أ ـ استلزام الجمع بين الدليلين تنقاضاً في إرادة المولى، والتناقض ناشئ عن دلالة أحدهما على تعلّق حبّ المولى أو بغضه بأحد المتعلّقين ودلالة الدليل الثاني على عدمه، مثل أن يدلّ أحد الدليلين على الحرمة وتعلّق العقاب على عمل ويدلّ الآخر على جوازه وإباحته.

ب ـ استلزام الجمع بين الدليلين تضادّاً في أصل إرادة الشارع وهي إمّا أن تكون بواسطة تعلّق الحبّ والبغض بمتعلّق واحد ـ كما بيّنه المحقّق النائيني ـ وإما لتعلّق الحبّ والبغض بمتعلّقين يوجد بينهما تلازم، والمثال عليه هو إيجاب استقبال المشرق وتحريم استقبال المغرب ـ وهو مثال لهذا الفرض لا لما ذكره ـ إذ وإن كان الحبّ والبغض لا يسريان من اللازم إلى الملزوم وبالعكس، ولكن لا يمكن الجمع بين حبّ أحدهما وبغض الآخر من حيث لزوم التناقض أيضاً.

ج ـ استلزام الجمع بين الدليلين تضادّاً في متعلّق إرادة الشارع، ومنشؤه تارة يكون وجود دليل ثالث، كما لو قام دليل على وجوب صلاة الجمعة وقام آخر على وجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة، بينما نعرف من دليل خارجيّ أنّ إرادة الشارع لم تتعلّق إلا بصلاة واحدة في ظهر يوم الجمعة.

وتارة يكون التضادّ بين المتعلّقين أمراً تكوينيّاً وليس مسبّباً عن دليل شرعي، كما لو ورد في دليل شرعی الأمر بالقيام في زمان معيّن على نحو القضية الخارجيّة وأمر الدليل الثاني بالقعود في ذلك الزمان كذلك، لأنّ تعلّق الأمر بالقيام في زمان معيّن يستلزم وجود مصلحة ملزمة فيه، ويستلزم تعلّق الأمر بالقعود في ذلك الزمان وجود مثل هذه المصلحة فيه، بينما من المعلوم استحالة وجود مصلحة ملزمة في ضديّن، إذ يؤخذ في تعيين المصلحة الملزمة لكلّ فعل خارجي ـ إضافة إلى الأُمور الذاتية ـ ما يلزم من إتيانه من مفسدة لازمه أو فوات مصلحته، وبعد الكسر والانكسار بين مصلحة هذا الفعل والمفسدة المترتّبة علی لازمه أو فوات المصلحة الموجودة فيه، يُعلم هل أنّ له مصلحة ملزمة أم لا. وبما أنّه يلزم من إتيان أحد الضدّين ترك الآخر، فإذا تعلّق أمر الشارع بالقيام الدائميّ فمعناه أنّ للقيام مصلحة ملزمة مع ملاحظة جميع شرائطه وعواقبه المترتّبة عليه في مختلف الموارد، ومن جملة هذه الشرائط ترك القعود، وللقعود أيضاً على النحو المذكور مصلحة ولو من حيث ترك القيام، ومن المعلوم أنّ هذا يستدعي التضادّ.

إلا أنّه لو تعلّق الأمر بالقيام والقعود بطبيعتهما ولم يكن على نحو القضيّة الخارجيّة، فلا يترتّب عليه هذا المحذور، إذ لا ملازمة بين طبيعتهما وترك طبيعة الأُخرى، بل الملازمة متعلّقة بالتحقّق الخارجيّ لهما، فإذا لم يمكن الجمع بينهما في مورد خاصّ، فهو من باب التزاحم لا التعارض.

وأمّا ما ادّعاه الميرزا النائينيّ من كون التكليف بما لا يطاق من جملة ملاكات التعارض، فهو دعوىً غير صحيحة، إذ كما تقدّم فإنّ قدرة المكلّف على المأمور به غير ملحوظة في زمان الجعل، ولا يمكنها أن تكون ملاكاً للجعل، فضلاً عن أن يناط التعارض بها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo