< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

44/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: مسألة الضد / الضد العام / إشكال السيّد الخوئي على استدلال الميرزا النائينيّ

 

أشكل السيّد الخوئي على استدلال الميرزا النائينيّ من بقاء المدلول الالتزامي على الرغم من سقوط حجّيّة المدلول المطابقي وقال: إنّ ثبوت المدلول الالتزامي للدليل، متوقّف على وجود صغرى القياس وكبراها، والصغرى ثبوت الملزوم والكبرى ثبوت الملازمة بين الملزوم واللازم، وبانتفاء أحد المقدّمتين ينتفي القياس الذي نتيجته ثبوت اللازم، ولا فرق في المسألة بين الحدوث والبقاء، فكما أنّ المدلول الالتزامي يحتاج إلى تماميّة القياس المذكور حدوثاً فهو محتاج إليه بقاءً.

وبعبارة أُخرى فإنّ ظهور الكلام في المدلول الالتزامي ليس مطلقاً، وإنّما يشمل الحصّة المعيّنة الملازمة للمدلول المطابقيّ فقط، فمثلاً إنّ الإخبار عن ملاقاة البول للثوب يلازم تنجّسه بالبول لا مطلق نجاسته، وبانتفاء المدلول المطابقي يعلم انتفاء مدلوله الالتزاميّ أيضاً وهو تلك الحصّة المعيّنة، ولا عبرة باحتمال ثبوت غير تلك الحصّة المعيّنة من دون دليل عليها، لأنّه خارج عن المدلول الالتزاميّ[1] .

وقد أجاب السيّد الروحانيّ على إشكاليّات السيّد الخوئيّ أوّلاً: بأنّ انتفاء المدلول الالتزاميّ بانتفاء المدلول المطابقي يكون فيما كان المطابقيّ علّة والالتزاميّ معلولاً، إذ في هذه الصورة يكون الإخبار عن العلّة إخباراً عن حصّة معيّنة من المعلول، لأنّه يحصّص من قبل العلّة ـ كما أنّ الإحراق بالنار غير الإحراق بالماء الساخن ـ فبانتفاء العلّة يمكن البتّ في انتفاء تلك الحصّة المعيّنة من المعلول أيضاً.

أمّا إذا كان المدلول المطابقيّ معلولاً والالتزاميّ علّة ـ كما نحن فيه ـ فبما أنّ العلّة لا تحصّص بواسطة المعلول، فلا مانع من بقاء المدلول الالتزاميّ مع انتفاء المطابقيّ؛ فمثلاً لو أُخبر بعدم إمكان الإتيان بالصلاة في ثوب لتنجّسه وعُلم بدليل خارجي أنّ النجاسة الوحيدة التي لاقت الثوب هي الدم ثمّ تبيّن بطلان المدلول المطابقيّ، فهذا لا يعني انتفاء المدلول الالتزاميّ ـ أي ملاقاة الدم للثوب ـ بل قد تكون صحّة الصلاة في الثوب لكون الدم أقلّ عن الدرهم.

وثانياً: بأنّ توقّف المدلول الالتزامي على وجود القياس إنّما يعود إلى الملازمة العقليّة، إذ لا يحكم العقل بثبوت اللازم إلا فيما علم بثبوت الملزوم ووجود الملازمة. ولكن في الدلالة الالتزاميّة اللفظيّة فلا يحتاج الحكم بثبوت اللازم إلى ثبوت الملزوم، بل تحقّقه ناشئ عن دلالة الكلام على ثبوت الملزوم، والفرض وجود مثل هذه الدلالة، لأنّ الدلالة المطابقيّة إنّما سقطت عن الحجّيّة لا عن الثبوت. ويشهد عليه أنّه يمكن الأخذ بدلالة الكلام الالتزاميّة مع العلم بانتفاء الملزوم وعدم إرادة المطابقيّ بنحو جادّ، مثل الاستعمالات الكنائيّة[2] .

لكنّ الحقّ أنّ الإشكال الثاني غير وارد على دعوى السيّد الخوئيّ، لأنّه لم يدّع أنّ المدلول المطابقيّ بسقوطه عن الحجّيّة وبمجرّد العلم بأنّه لم يكن مراداً للمتكلّم مع بقاء دلالة الكلام عليه، يوجب سقوط حجيّة الدلالة الالتزاميّة أيضاً ولا يمكن اعتبار المدلول الالتزامي مراداً له حتّى ينتقض بالاستعمال الكنائيّ، وإنّما مراده أنّ المدلول المطابقي إذا انتفى كلاً بنحو أمكن دعوى أنّ الكلام ليست فيه هذه الدلالة، فسينتفي الالتزامي أيضاً، وما نحن فيه من هذا القبيل، إذ بقبول دعوى الميرزا النائيني من مدخليّة القدرة على التكليف في مرحلة الجعل، فإنّ المدلول المطابقيّ للأمر لن يشمل الأفراد الخارجة عن دائرة القدرة العقليّة والشرعيّة، وبالنتيجة لن يشمل الدلالة الالتزاميّة للأمر ـ وهو وجود المصلحة في الأفراد المشمولة بالدلالة المطابقيّة ـ هذه الأفراد.

علی أنّه ـ كما ذکر السيّد الروحاني أيضاً في نهاية كلامه[3] ـ تکون دلالة الأمر على وجود الملاك في متعلّقه من الدلالة العقليّة لا العرفيّة واللفظيّة.

کما أنّ أصل الدعوى من عدم تبعيّة حجّيّة الدلالة الالتزامية لحجّيّة واعتبار الدلالة المطابقيّة أيضاً مردود، لأنّ سقوط الحجّيّة معناها اعتبار الدلالة المطابقيّة وكأنّها لم تكن أساساً، ويلزم من انتفائها ـ ولو بناءً وتعبّداً ـ انتفاء الدلالة الالتزاميّة. وبعبارة أُخرى، عندما يقال: إنّ مدلول الدليل المطابقيّ لا حجّيّة له فمعناه أنّه ينبغي أن يفرض فقدان الكلام لمثل هذه الدلالة، ولا يناسب ذلك بقاء حجّيّة الدلالة الالتزاميّة، وهذا بديهيّ لدى العرف.

فمثلاً لو قال المولى للعبد أنّ عليك أن تشارك في امتحان يوم السبت وتحصل على درجة القبول، فإنّ كلامه يدلّ بالملازمة على أنّ على العبد دراسة وتعلّم جميع ما يحتاجه للقبول في الامتحان قبل يوم السبت. فإذا قيل له في خطاب آخر: إنّ موعد الامتحان قد أُجّل شهراً، فإنّ ذلك وإن لم يدلّ على انتفاء المدلول المطابقيّ للكلام الأوّل حقيقةً، لكنّه يعني افتراضه معدوماً والحاصل عدم اعتبار المدلول الالتزاميّ المذكور أيضاً.

وما تمسّك به السيّد الروحاني تأييداً لدعواه ـ أي الاستعمالات الكنائيّة ـ فلا علاقة له بالبحث، إذ نعرف خارجاً أنّ المراد الجدّي للمتكلّم في الكنايات هو المدلول الالتزاميّ للكلام، وفي هذه الصورة لن يكون اعتبار المدلول الالتزاميّ تابعاً لاعتبار المدلول المطابقيّ، ولكن ذلك حاصل بقرينة خارجيّة ـ إذ ما لم توجد القرينة لإرشاد المخاطب إلى المراد من الاستعمال الكنائي، فإنّه لن يفهم المعنى، ولذلك لو لم يعرف المستمع مورد استعمال العرب لتعبيرهم: «فلان كثير الرماد» فلن يفهم المراد منه ـ وما نبحثه في هذا المقام هو دلالة الكلام في حدّ ذاته لا مبنيّاً على القرائن الخارجيّة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo