< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد سیدعلی موسوی‌اردبیلی

1400/08/30

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: کتاب النکاح/ متعه /اقوال عامه

 

قال الفخر الرازي في تفسيره: «فيه مسائل:

المسألة الأُولى: الاستمتاع في اللغة الانتفاع، وكلّ ما انتفع به فهو متاع، يقال: استمتع الرجل بولده، ويقال فيمن مات في زمان شبابه: لم يتمتّع بشبابه…

وفي قوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ وجهان:

الأوّل: فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو عقد عليهنّ، فآتوهنّ أُجورهنّ عليه، ثمّ أسقط الراجع إلى «مَا» لعدم الالتباس…

والثاني: أن يكون «ما» في قوله: ﴿مَا وَراءَ ذلِكُمْ﴾ بمعنى النساء و«مِن» في قوله: ﴿مِنْهُنَّ﴾‌ للتبعيض، والضمير في قوله: «بِهِ»‌ راجع إلى لفظ «ما»، لأنّه واحد في اللفظ، وفي قوله: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‌﴾ إلى معنى «مَا» لأنّه جمع في المعنى، وقوله: ﴿أُجُورَهُنَّ﴾‌ أي مهورهنّ… وإنّما سمّي المهر أجراً لأنّه بدل المنافع وليس ببدل منالأعيان، كما سمّي بدل منافع الدار والدابّة أجراً؛ والله أعلم…

المسألة الثالثة: في هذه الآية قولان:

أحدهما: وهو قول أكثر علماء الأُمّة أنّ قوله: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ﴾‌ المراد منه ابتغاء النساء بالأموال على طريق النكاح، وقوله: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾‌ فإن استمتع بالدخول بها آتاها المهر بالتمام، وإن استمتع بعقد النكاح آتاها نصف المهر.

والقول الثاني: أنّ المراد بهذه الآية حكم المتعة، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معيّن فيجامعها، واتّفقوا على أنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام... واختلفوا في أنّها هل نسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمّة إلى أنّها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنّها بقيت مباحة كماكانت وهذا القول مرويّ عن ابن عبّاس وعمران بن الحصين...

 

واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه:

الأوّل: أنّ الوطء لا يحلّ إلا في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى: ﴿وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى‌ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَـتْ أَيْمانُهُمْ﴾[1] [2] وهذه المرأة لا شكّ أنّها ليست مملوكة وليست أيضاً زوجة.

ويدلّ عليه وجوه:

أحدها: لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى: ﴿وَ لَكُـمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ﴾[3] ‌ وبالاتّفاق لا توارث بينهما.

وثانيها: ولثبت النسب لقوله عليه الصلاة والسلام: «الولد للفراش» وبالاتّفاق لا يثبت.

وثالثها: ولوجبت العدّة عليها، لقوله تعالى: ﴿وَ الَّذِينَ‌ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً﴾[4] .

واعلم أنّ هذه الحجّة كلام حسن مقرّر.

الحجّة الثانية: ما روي عن عمر أنّه قال في خطبته: «متعتان كانتا على عهد رسول الله(ص) أنا أنهی عنهما وأُعاقب عليهما»، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد، فالحال هاهنا لا يخلو إمّا أن يقال: إنّهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا عالمين بأنّها مباحة ولكنّهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها فسكتوا لكونهم متوقّفين في ذلك، والأوّل هو المطلوب، والثاني يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة، لأنّ من علم أنّ النبي(ص) حكم بإباحة المتعة ثمّ قال: إنّها محرّمة محظورة من غير نسخ لها فهو
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾.[5]

والقسم الثالث: وهو أنّهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا، فهذا أيضاً باطل، لأنّ المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كلّ واحد منهما عامّ في حقّ الكلّ، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفياً بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أنّ الكلّ كانوا عارفين بأنّ النكاح مباح وأنّ إباحته غير منسوخة، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك، ولمّا بطل هذان القسمان ثبت أنّ الصحابة إنّما سكتوا عن الإنكار على عمر لأنّهم كانوا عالمين بأنّ المتعة صارت منسوخة في الإسلام.

فإن قيل: ما ذكرتم يبطل بما أنّه روي أنّ عمر قال: «لا أُوتي برجل نكح امرأة

قلنا: لعلّه كان يذكر ذلك على سبيل التهديد والزجر والسياسة، ومثل هذه السياسات جائزة للإمام عند المصلحة...

الحجّة الثالثة على أنّ المتعة محرّمة: ما روى... وظاهر أنّ النكاح لا يسمّى استمتاعاً، لأنّا بيّنّا أنّ الاستمتاع هو التلذّذ، ومجرّد النكاح ليس كذلك.

أمّا القائلون بإباحة المتعة فقد احتجّوا بوجوه:

الحجّة الأُولى: التمسّك بهذه الآية... وفي الاستدلال بهذه الآية طريقان:

الطريق الأوّل: أن نقول: نكاح المتعة داخل في هذه الآية وذلك لأنّ قوله: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ﴾‌ يتناول من ابتغى بماله الاستمتاع بالمرأة على سبيل التأبيد، ومن ابتغى بماله على سبيل التأقيت، وإذا كان كلّ واحد من القسمين داخلاً فيه كان قوله: ﴿وَ أُحِلَّ لَكُـمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ﴾‌ يقتضي حلّ القسمين، وذلك يقتضي حلّ المتعة.

الطريق الثاني: أن نقول: هذه الآية مقصورة على بيان نكاح المتعة، وبيانه من وجوه:

الأوّل: ما روي أنّ أُبيّ بن كعب كان يقرأ (فما استمعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أُجورهنّ) وهذا أيضاً هو قراءة ابن عبّاس، والأُمّة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعاً من الأُمّة على صحّة هذه القراءة، وتقريره ما ذكرتموه في أنّ عمر لمّا منع من المتعة والصحابة ما أنكروا عليه كان ذلك إجماعاً على صحّة ما ذكرنا، وكذا هاهنا، وإذا ثبت بالإجماع صحّة هذه القراءة ثبت المطلوب.

الثاني: أنّ المذكور في الآية إنّما هو مجرّد الابتغاء بالمال، ثمّ إنّه تعالى أمر بإيتائهنّ أُجورهنّ بعد الاستمتاع بهنّ، وذلك يدلّ على أنّ مجرّد الابتغاء بالمال يجوّز الوطء، ومجرّد الابتغاء بالمال لا يكون إلا في نكاح المتعة، فأمّا في النكاح المطلق فهناك الحلّ إنّما يحصل بالعقد ومع الوليّ والشهود، ومجرّد الابتغاء بالمال لا يفيد الحلّ، فدلّ هذا على أنّ هذه الآية مخصوصة بالمتعة.

الثالث: أنّ في هذه الآية أوجب إيتاء الأُجور بمجرّد الاستمتاع، والاستمتاع عبارة عن التلذّذ والانتفاع، فأمّا في النكاح فإيتاء الأُجور لا يجب على الاستمتاع البتّة بل على النكاح، ألا ترى أنّ بمجرّد النكاح يلزم نصف المهر، فظاهر أنّ النكاح لا يسمّى استمتاعاً، لأنّا بيّنّا أنّ الاستمتاع هو التلذّذ ومجرّد النكاح ليس كذلك.

الرابع: أنّا لو حملنا هذه الآية على حكم النكاح لزم تكرار بيان حكم النكاح في السورة الواحدة، لأنّه تعالى قال في أوّل هذه السورة: ﴿فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‌ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ﴾[6] ثمّ قال: ﴿وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾[7] أمّا لو حملنا هذه الآية على بيان نكاح المتعة كان هذا حكماً جديداً، فكان حمل الآية عليه أولى والله أعلم.

الحجّة الثانية على جواز نكاح المتعة: أنّ الأُمّة مجمعة على أنّ نكاح المتعة كان جائزاً في الإسلام، ولا خلاف بين أحد من الأُمّة فيه، إنّما الخلاف في طريان الناسخ، فنقول: لو كان الناسخ موجوداً لكان ذلك الناسخ إمّا أن يكون معلوماً بالتواتر أو بالآحاد، فإن كان معلوماً بالتواتر كان عليّ بن أبي طالب وعبدالله بن عبّاس وعمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمّد(ص) وذلك يوجب تكفيرهم وهو باطل قطعاً، وإن كان ثابتاً بالآحاد فهذا أيضاً باطل، لأنّه لمّا كان ثبوت إباحة المتعة معلوماً بالإجماع والتواتر، كان ثبوته معلوماً قطعاً، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعاً للمقطوع وإنّه باطل.

قالوا: وممّا يدلّ أيضاً على بطلان القول بهذا النسخ أنّ أكثر الروايات أنّ النبي(ص) نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهليّة يوم خيبر، وأكثر الروايات أنّه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجّة الوداع وفي يوم الفتح، وهذان اليومان متأخّران عن يوم خيبر، وذلك يدلّ على فساد ما روي‌ أنّه عليه السلام نسخ المتعة يوم خيبر، لأنّ الناسخ يمتنع تقدّمه على المنسوخ، وقول من يقول: إنّه حصل التحليل مراراً والنسخ مراراً ضعيف لم يقل به أحد من المعتبرين إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات.

الحجّة الثالثة: ما روي‌ أنّ عمر قال على المنبر: «متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول‌ الله(ص) وأنا أنهی عنهما: متعة الحجّ ومتعة النكاح» وهذا منه تنصيص على أنّ متعة النكاح كانت موجودة في عهد الرسول(ص) وقوله: «وأنا أنهی عنهما» يدلّ على أنّ الرسول(ص) ما نسخه وإنّما عمر هو الذي نسخه.

وإذا ثبت هذا فنقول: هذا الكلام يدلّ على أنّ حلّ المتعة كان ثابتاً في عهد الرسول(ص) وأنّه عليه السلام ما نسخه وأنّه ليس ناسخ إلا نسخ عمر، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخاً، لأنّ ما كان ثابتاً في زمن الرسول(ص) وما نسخه الرسول، يمتنع أن يصير منسوخاً بنسخ عمر، وهذا هو الحجّة التي احتجّ بها عمران بن الحصين حيث قال: «إنّ الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أُخرى، وأمرنا رسول الله(ص) بالمتعة وما نهانا عنها، ثمّ قال رجل برأيه ماشاء»، يريد أنّ عمر نهى عنها، فهذا جملة وجوه القائلين بجواز المتعة.

والجواب عن الوجه الأوّل أن نقول: هذه الآية مشتملة على أنّ المراد منها نكاح المتعة وبيانه من ثلاثة أوجه:

الأوّل: أنه تعالى ذكر المحرّمات بالنكاح أوّلاً في قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ﴾ ثم قال في آخر الآية: ﴿وَ أُحِلَّ لَكُـمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ﴾‌ فكان المراد بهذا التحليل ما هو المراد هناك بهذا التحريم، لكنّ المراد هناك بالتحريم هو النكاح، فالمراد بالتحليل هاهنا أيضاً يجب أن يكون هو النكاح.

الثاني: أنّه قال: «مُحْصِنِينَ»‌ والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح.

والثالث: قوله: ﴿غَيْرَ مُسافِحِينَ﴾‌ سمّي الزنا سفاحاً لأنّه لا مقصود فيه إلا سفح الماء، ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النكاح، والمتعة لا يراد منها إلا سفحالماء فكان سفاحاً؛ هذا ما قاله أبو بكر الرازي.

أمّا الذي ذكره في الوجه الأوّل: فكأنّه تعالى ذكر أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهنّ ثمّ قال: ﴿وَ أُحِلَّ لَكُـمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ‌﴾ أي وأُحلّ لكم وطء ما وراء هذه الأصناف، فأيّ فساد في هذا الكلام؟

وأمّا قوله ثانياً: الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح فلم يذكر عليه دليلاً.

وأمّا قوله ثالثاً: الزنا إنما سمّي سفاحاً لأنّه لا يراد منه إلا سفح الماء، والمتعة ليست كذلك، فإنّ المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله، فإن قلتم: المتعة محرّمة، فنقول: هذا أوّل البحث...

والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول: إنّا لا ننكر أنّ المتعة كانت مباحة، إنّما الذي نقوله: إنّها صارت منسوخة، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالّة على أنّها مشروعة لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا، وهذا هو الجواب أيضاً عن تمسّكهم بقراءة أُبيّ وابن عبّاس، فإنّ تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدلّ إلا على أنّ المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه، إنّما الذي نقوله: إنّ النسخ طرأ عليه، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا.

وقولهم: الناسخ إمّا أن يكون متواتراً أو آحاداً قلنا: لعلّ بعضهم سمعه ثمّ نسيه، ثمّ إنّ عمر لمّا ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكّروه وعرفوا صدقه فيه فسلّموا الأمر له.

قوله: إنّ عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه.

قلنا: قد بيّنّا أنّه لو كان مراده أنّ «المتعة كانت مباحة في شرع محمّد(ص) وأنا أنهی عنه»، لزم تكفيره وتكفير كلّ من لم يحاربه وينازعه، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يردّ ذلك القول عليه، وكلّ ذلك باطل،فلم يبق إلا أن يقال: كان مراده أنّ المتعة كانت مباحة في زمن الرسول(ص) وأنا أنهی عنها لمّا ثبت عندي أنّه(ص) نسخها، وعلى هذا التقدير يصير هذا الكلام حجّة لنا في مطلوبنا، والله أعلم.»

 


 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo