« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

أدلة الأشاعرة على الكلام النفسي وردها

موضوع: أدلة الأشاعرة على الكلام النفسي وردها

 

قال السيد الخوئي "رحمه الله":

والصحيح إن الهيئات الإنشائية وضعت لإبراز أمر ما من الأمور النفسانية.[1]

كان الكلام في حدوث القرآن وقدمه

أدعى الأشاعرة أن كلام الله قديم لأن المراد بكلام الله هو الكلام النفسي لا الكلام اللفظي ومن هنا انعقد البحث هل الكلام النفسي موجود أو ليس بموجود.

أقام السيد الخوئي "رحمه الله" الدليل على نفي الكلام النفسي وخلاصته:

إن الكلام إما إنشاء وإما إخبار والجملة الإنشائية والجملة الخبرية لهما موارد والكلام النفسي ليس من موارد الجملة الخبرية وليس من موارد الجملة الإنشائية فلا يصدق عليه عنوان الكلام فيكون الكلام النفسي الذي أدعاه الأشاعرة لا موضوعية له فهو وهم محض.

بيان ذلك:

إن الجملة الإنشائية والجملة الخبرية لهما مدلول إما على رأي المشهور وإما على رأي السيد الخوئي "رحمه الله" وعلى كلا المسلكين والمبنيين لا يكون الكلام النفسي من مدلول الجملة الخبرية فضلا عن الجملة الإنشائية.

أما مدلول الجملة الخبرية بناء على مسلك المشهور وهو نظرية الاعتبار فهو عبارة عن ثبوت شيء لشيء أو سلب شيء عن شيء فهو مدلول تصوري.

وأما مدلول الجملة الخبرية بناء على مسلك السيد الخوئي "رحمه الله" وهو مسلك التعهد فهو عبارة عن قصد حكاية ثبوت شيء لشيء أو سلب شيء عن شيء فيكون المدلول مدلولا تصديقيا.

ومن الواضح أن الكلام النفسي ليس مدلولا تصديقيا إذ لا يعبر عن قصد الحكاية وكذلك الكلام النفسي لا يعبر على الثبوت للثبوت أو سلب شيء عن شيء فيكون الكلام النفسي ليس من موارد و مداليل الجملة الخبرية على كلا المسلكين، هذا تمام الكلام بالنسبة إلى مدلول الجملة الخبرية.

وأما مدلول الجملة الإنشائية فقد ذهب المشهور إلى أن مدلول الجملة الإنشائية عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ والكلام النفسي ليس إيجادا للمعنى باللفظ إذ أنه مجرد كلام داخل النفس ولا مدخلية للفظ في إيجاده.

وخالف السيد الخوئي "رحمه الله" المشهور فقال: إن المعنى لا يوجد بسبب اللفظ لأن المعنى:

إما أن يكون حقيقيا تكوينيا فتكون علته العلل والأسباب التكوينية والحقيقية

وإما أن يكون المعنى اعتباريا فيكون الموجد لهذا المعنى الاعتباري ليس اللفظ وإنما الأمر النفساني فالإرادة النفسانية هي التي توجد الزوجية أو الرقية أو ما شاكل ذلك من الأمور الاعتبارية.

فيكون بناء على مسلك المشهور مدلول الجملة الإنشائية عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ وأما بناء على مسلك السيد الخوئي "رحمه الله" فيكون مدلول الجملة الإنشائية هو إبراز الأمر النفساني. هذا الأمر النفساني إما أن يعبر عن اعتبار من الاعتبارات كالوجوب والحرمة والزوجية في العقود والرقية في الإيقاعات وإما يعبر عن كيفية من الكيفيات أو صفة من الصفات كالتمني والترجي والتعجب وما شاكل ذلك.

إذن النتيجة النهائية هيئات الجمل بناء على مسلك السيد الخوئي أمارات على أمر معين من الأمور النفسانية هذا الأمر المعين إما أن يكون هو قصد الحكاية كما في الجملة الخبرية وإما أن يكون أمر آخر غير قصد الحكاية وهو إبراز الأمر النفسي كما في الجمل الإنشائية.

ثم يقول السيد الخوئي "رحمه الله" الإتيان بالجملة الإنشائية لإبراز المعنى النفساني هذا استعمال حقيقي ويوجد استعمال آخر وهو استعمال الجملة الإنشائية في أمر آخر غير إبراز الأمر النفساني فهل يكون هذا الاستعمال حقيقيا أو يكون هذا الاستعمال مجازيا لأنه استعمال للجملة الإنشائية في غير ما وضعت له إذ أنها وضعت لإبراز وإظهار الأمر النفساني وقد استعملت في غير إبراز المعنى النفساني فيكون الاستعمال مجازيا يقول هل هذا الاستعمال استعمال الجملة الإنشائية في غير إبراز الأمر النفساني هل هو استعمال حقيقي أو استعمال مجازي.

هذا ما وقع تفصيل الكلام فيه في بحوث الخارج في علم الأصول فيراجع كلام السيد الخوئي "رحمه الله" في محاضرات في أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض لبحوث السيد الخوئي الجزء 43 صفحة 363 . [2]

إلى هنا اتضح أن الكلام النفساني أيضا ليس من مداليل وموارد الجملة الإنشائية لأن الجملة الإنشائية مدلولها بناء على رأي المشهور إيجاد المعنى باللفظ وفي الكلام النفسي لا وجود للفظ بناء على مسلك الأشاعرة وبناء على كلام السيد الخوئي الجملة الإنشائية إبراز الأمر النفساني و الأشاعرة يقولون كلام نفساني ولا يقولون إظهار ما هو موجود داخل النفس. فالأشاعرة يقولون ما في النفس عبارة عن سنخ من سنخ الكلام وهذا لا يقول به السيد الخوئي "رحمه الله" يقول: الكلام هو المبرز للأمر النفساني لا أن الكلام موجود داخل النفس.

النتيجة النهائية الدليل الأول الجملة الخبرية والجملة الإنشائية ليس من مداليلهما الكلام النفسي فيكون الكلام النفسي سنخ شيء لا يصدق عليه عنوان الكلام الذي ينقسم إلى جملة إنشائية وجملة خبرية.

قال السيد الخوئي "رحمه الله":

والصحيح:[3] إن الهيئات الإنشائية وضعت لإبراز أمر ما من الأمور النفسانية وهذا الأمر النفساني قد يكون اعتبارا من الاعتبارات كما في الأمر والنهي والعقود، العقود هي ما تتوقف على لفظين من طرفين والإيقاعات هي ما تتوقف على لفظ من طرف واحد كالطلاق والعتق وقد يكون هذا الأمر النفساني صفة من الصفات كما في التمني والترجي.

النتيجة النهائية بناء على المسلك السيد الخوئي فهيئات الجمل سواء كانت خبرية أو إنشائية أمارات يعني علامات على أمر ما يعني أمر معين من الأمور النفسانية هذا الأمر النفساني الأول وهو في الجمل الخبرية قصد الحكاية الأمر النفساني في الجمل الخبرية قصد الحكاية، الثاني وفي الجمل الإنشائية أمر آخر وهو إبراز الأمر النفساني القابع في النفس.

ثم إن الإتيان بالجملة المبرزة لأمر نفساني بوضعها يعني بسبب الوضع يعني الواضع جعل هذه الجملة مبرزة وكاشفة عما في النفس كما في الجملة الإنشائية قد يكون بداعي إبراز ذلك الأمر يعني الأمر النفساني هذه جملة إنشائية استعملت في معناها فيكون الاستعمال حقيقيا وقد يكون هذا الاستعمال الثاني بداع آخر سواه يعني سوى داعي إبراز ذلك الأمر النفساني وفي كون الاستعمال في هذا القسم الأخير يعني استعمال الجملة الخبرية بداعي آخر سواه يعني بغير داعي إبراز ذلك الأمر النفساني وفي كون الاستعمال في هذا القسم الأخير مجازا أو حقيقة كلام ليس هنا محل ذكره وللإطلاع على تفصيل الكلام في ذلك يراجع تعليقاتنا الأصولية في أجود التقريرات وفي المحاضرات.

إلى هنا تم الدليل الأول.

الدليل الثاني لصاحب الكفاية "رحمه الله":

الاشاعرة فرقوا بين الإرادة والطلب قالوا الطلب فعل من الأفعال الخارجية والإرادة عبارة عن كيف نفساني فالإرادة من مقولة الكيف وقالوا إن الكلام اللفظي من مقولة الطلب والكلام النفسي من مقولة الإرادة ففرقوا بين الكلام النفسي وبين الكلام اللفظي بالتفرقة بين الإرادة وبين الطلب.

صاحب الكفاية "رحمه الله" قال: نحن ندرك بالوجدان الذي لا يحتاج إلى برهان أن الطلب والإرادة أمر واحد مصداقا ومفهوما وناقشه السيد الخوئي وانتصر للأشاعرة وقال لقد أصاب الأشاعرة في التفريق بين الإرادة والطلب فالإرادة عبارة عن كيف نفساني كما لو أرادت أن أشرب الماء كما لو شعرت بالعطش وفي داخلي أحببت أن أشرب الماء لكني لم أطلب الماء فهنا يقال أراد شرب الماء ولم يطلب بخلاف الطلب الذي هو عبارة عن فعل من الأفعال الخارجية فلو تحركت نحو الماء قالوا طلب الماء ولو جئت بصيغة الأمر وقلت يا فلان أحظر الماء فإن صيغة الأمر تدل على الطلب.

ومن هنا يقول السيد الخوئي "رحمه الله" إن صيغة الأمر مصداق من مصاديق الطلب لا أن صيغة الأمر موضوعة للطلب حينما تقول أحظر الماء أطلب الدابة فإن صيغة الأمر مصداق من مصاديق الطلب لا أن صيغة الأمر موضوعة مقابل الطلب.

أخطأ الأشاعرة في أمرين:

لذلك يقول السيد الخوئي الأشاعرة أصابوا في شيء وأخطئوا في شيئين أما الأمر الذي أصابوا فيه فهو التفريق بين الإرادة والطلب لأن الإرادة من مقولة الكيف النفساني والطلب فعل من الأفعال الخارجية وأخطئوا في شيئين:

الأمر الأول حينما جعلوا الأمر موضوعا للطلب والحال إن الأمر وصيغة الأمر مصداق من مصاديق الطلب.

الأمر الثاني القول بأن الطلب كلام نفسي يدل عليه الكلام اللفظي فكيف يكون الطلب كلاما نفسيا مع أن الطلب فعل خارجي فالطلب ليس من مقولة الكيفيات النفسانية بل هو فعل من الأفعال الخارجية.

وهذا تعريض بتعريف الاشاعرة للكلام النفسي إذ قال الأشاعرة هكذا ما هو الكلام النفسي قالوا هو عبارة عن المعنى القائم بالنفس فسئلوا وما المعنى القائم بالنفس قالوا الطلب هكذا قال الأشاعرة الكلام النفسي المعنى القائم بالنفس.

سؤال ما هو هذا المعنى القائم بالنفس؟

الجواب بعضهم قال الطلب يعني الطلب القائم بالنفس فوقع التناقض لأن الطلب ليس مقولة نفسية حتى يقع في النفس الطلب فعل من الأفعال الخارجية إذن الدليل الثاني القائم على أن الإرادة والطلب أمر واحد وبما أنهما أمر واحد فينحصر الكلام في خصوص الكلام اللفظي وينتفي الكلام النفسي هذا الدليل ليس بتام لأنه قد ثبت أن الإرادة تختلف عن الطلب.

قال السيد الخوئي "رحمه الله": [4]

والذي يظهر من موارد استعمال لفظ الطلب أنه موضوع للتصدي لتحصيل شيء ما يعني التصدي خارجا فلا يقال طلب الضال الدابة التي ضلت ولا طلب الآخرة إلا عند التصدي لتحصيلهما بإرسال من يفتش عن الدابة وبالتعبد والتهجد لتحصيل الآخرة وفي لسان العرب الطلب محاولة وجدان الشيء وأخذه يعني خارجا وبهذا الاعتبار أن الطلب لا يحصل إلا بالتصدي لتحصيله يصدق على الآمر على أنه طالب يعني الآمر مصداق من مصاديق الطالب لأنه يحاول وجدان الفعل المأمور به فإن الآمر هو الذي يدعو المأمور إلى الإتيان بمتعلقة يعني بمتعلق الطلب وهو بنفسه مصداق للطلب وهو يعني دعوة المأمور إلى الإتيان بمتعلق الطلب بنفسه مصداق للطلب يعني يريد أن يقول صيغة الأمر مصداق من مصاديق الطلب لا أن صيغة الأمر في مقابل الطلب وموضوعه للطلب لا أن الأمر لفظ والطلب معناه يعني وضع معنى الطلب في مقابل لفظ الأمر فلا أساس للقول الأول بأن الأمر موضوع للطلب بل الأمر مصداق من مصاديق الطلب هذا الأمر الأول.

الثاني ولا للقول يعني ولا أساس للقول بأن الطلب كلام نفسي يدل عليه الكلام اللفظي. لأن الطلب فعل من الأفعال الخارجية ولا مجال للأمور النفسانية فيه.

وقد إصابت الأشاعرة في قولهم إن الطلب غير الإرادة لأن الطلب عبارة عن فعل من الأفعال الاختيارية الصادرة بإرادة بينما الإرادة من الصفات النفسانية ومن مقولة الكيف القائم بالنفس ولكنهم أخطئوا في أمرين الأول جعله صفه نفسية يعني جعل الطلب صفة نفسية والحال إن الطلب فعل من الأفعال الخارجية الاختيارية التي تصدر بإرادة.

وفي جعله أخطئوا أيضا في الأمر الثاني في جعله جعل الطلب مدلولا عليه بالكلام اللفظي يعني جعل الطلب موضوعا للكلام اللفظي يعني الأمر يعني الأمر لفظ وضع في مقابله الطلب والصحيح إن اللفظ مصداق من مصاديق الطلب لا أن اللفظ وضع لمعنى الطلب.

نفي الكلام النفسي

قد يقول قائل قد أثبتم أن الكلام النفسي ليس من موارد الجملة الخبرية وليس من موارد الجملة الإنشائية فلا يكون الكلام النفسي من سنخ الكلام هذا عمدة الكلام في نفي الكلام النفسي.

خلاصته إن الكلام النفسي ليس من موارد الجملة الخبرية ولا من موارد الجملة الإنشائية فلا يكون من سنخ الكلام وليس بقائم بالنفس حتى يقال الكلام النفسي.

لكن قد يقال إن النفس فيها أشياء والمتكلم قبل أن يتكلم لابد أن يتصور كلامه قبل إيجاده. فالمراد بالكلام النفسي عبارة عن تصور الكلام قبل التكلم والتصور وجود للنفس يسمونه بالوجود الذهني. فإذا أراد القائلون بالكلام النفسي هذا النحو من الوجود للكلام أي المراد تصور الكلام في الذهن قبل أن يتوفه به في عالم ألفاظ

فهذا كلام صحيح ولكنه ليس مختصا بالكلام بل يشمل ويعم كل فعل اختياري وكل طلب اختياري بل أصلا الكلام احتجت إلى تصوره قبل أن تتلفظ به لأن الكلام مصداق من مصاديق الأفعال الاختيارية فالكلام فعل اختياري للمتكلم وكل فعل اختياري قبل أن يتحقق في الخارج لابد من استحضاره ذهنا. هذا يعم الكتابة يعم الإشارة يعم التلفظ فهذا الكلام صحيح إلا أنه لا يصدق على ما ادعاه الأشاعرة.

الأشاعرة قالوا الكلام النفسي ليس نسبة خارجية وليس قصدا للحكاية وليس من مقولة العلم فهناك تغاير بين العلم والإرادة والطلب وقد ادعوا أن الكلام النفسي عبارة عن الإرادة وليس العلم وليس الطلب ومن الواضح أن تصور الشيء في الذهن وتصور الشيء في النفس مصداق من مصاديق العلم لأن العلم ينقسم إلى تصور وتصديق فحمل الكلام النفسي للأشاعرة على الوجود الذهني خلاف مبناهم لأنهم يرون أنَ الكلام النفسي مغاير للعلم وليس من سنخ العلم.

النتيجة النهائية لم يثبت الكلام النفسي لأن هذه العبارة تتألف من كلمتين الكلمة الأولى كلام والكلام قسمين إما خبر وإما إنشاء وموارد الخبر والإنشاء لا تصدق على الكلام النفسي فهو ليس بكلام وأما نفسي،

سؤال ما المراد بالنفسي هل المراد تصور الشيء في عالم الذهن؟

الجواب تصور الشيء علم والوجود الذهني مصداق من مصاديق العلم وهو مغاير للكلام النفسي.

النتيجة النهائية لم يثبت الكلام النفسي الذي أدعاه الأشاعرة وثبت الوجود الذهني للأشياء.

إلى هنا تم الدليل على نفي الكلام النفسي واثبات بطلانه.

الأدلة الثلاثة للأشاعرة للكلام النفسي

ويقع الكلام في الأدلة التي أقامها الأشاعرة على الكلام النفسي ويذكر السيد الخوئي ثلاثة أدلة ويردّها الأول والثاني بسيط الثالث يحتاج إلى دقة.

الدليل الأول قال الأشاعرة إن كل متكلم يرتب الكلام في نفسه قبل أن يتكلم به والموجود من الكلام في الخارج يكشف عن وجود مثل هذا الكلام في النفس وهذا وجداني يجده كل متكلم في نفسه وأشار إليه الشاعر الأموي الأخطل بقوله إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلان.

والجواب ما تقدم ذكره فإن تركيب الكلام في النفس هو عبارة عن تصور الكلام وإحضار الكلام في النفس وهذا هو الوجود الذهني الذي لا يختص بالكلام اللفظي بل يعم ويشمل جميع الأفعال الاختيارية كافة و قاطبة ومنها التلفظ لأن التلفظ فعل من الأفعال الاختيارية الصادرة بإرادة فالكاتب والنقّاش الذي ينقش لابد لهما من تصور الكتابة قبل كتابتها وتصور النقش قبل نقشه فقبل أن يوجدا الكتابة أو النقش لابد من تصورها في المرحلة السابقة فلا صلة للوجود الذهني بالكلام النفسي.

الدليل الثاني يطلق الكلام على الموجود من الكلام في النفس وإطلاق لفظ الكلام على ما هو موجود في النفس صحيح ولا يحتاج إلى عناية ومؤنه زائدة فيقول القائل إن في نفسي كلام لا أريد البوح به وإن قال بعضهم نشفوا ريقي من السوالف لكن هذا يقول في ذهني كلام كثير ولكن لا أريد أن أبديه قال "عز من قائل" في كتابه الكريم ﴿وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور﴾[5]

والجواب يظهر مما تقدم فإن الكلام كلام في وجوده الذهني كما هو كلام في وجوده الخارجي لكل شيء نحوان:

نحو ذهني

ونحو خارجي

والشيء هو ذات الشيء لكلا وجوديه وإطلاق اسم الكلام عليه بلا عناية ولا يختص هذا بالكلام بل يعم جميع الأفعال الاختيارية. فهذا الكلام يعبر عن الوجود الذهني للأشياء الوجود الذهني للتلفظ الوجود الذهني للكتابة الوجود الذهني للإشارة وهذا أمر أجنبي عن الكلام النفسي الذي أدعاه الأشاعرة، لأن الوجود الذهني وتصور الأشياء في قعر النفس ليس من سنخ الكلام النفسي الذي أدعاه الأشاعرة لأن الكلام النفسي من مقولة العلم لأنه تصور للألفاظ والتصور مصداق من مصاديق العلم والكلام النفسي عند الأشاعرة ليس من مصاديق العلم بل هو في مقابل العلم كما ادعوا.

الدليل الثالث و به مسك الختام يصح إطلاق لفظ المتكلم على الله تعالى وهذه الهيئة اسم الفاعل متكلم وضعت لإفادة قيام المبدأ بالذات قياما وصفيا تقول قاتل عالم يعني قيام القتل بهذه الذات قيام العلم بهذه الذات>

فبناء على هذا الدليل خصوا قيام المبدأ بالذات قيام المادة بالفاعل في خصوص القيام الوصفي يعني قيام الصفة بالموصوف. تقول فلان ظمآن عطشان فقامت صفة الظمأ والعطش بالموصوف وهو الإنسان العطشان والإنسان الظمآن.

إذن خصت هذه الهيئة بخصوص القيام الوصفي لذلك هذه الهيئة لا تطلق على المتحرك والساكن والنائم إلا على من تلبس بالحركة أو السكون أو النوم دون من أوجد النوم دون من أوجد الحركة دون من أوجد السكون لأن ما تصير علاقة قيام الصفة بالموصوف وإنما علاقة قيام الواجد بالشيء الذي أوجده.

ومن الواضح أن الكلام اللفظي لا يمكن أن يتصف به الله تعالى لاستحالة اتصاف الذات الإلهية وهي قديمة بصفة حادثة وهي التكلم فلا مناص من الالتزام بالكلام القديم لأن الذات الإلهية قديمة فصفتها الذاتية أيضا قديمة وهي التكلم لكي يصح إطلاق المتكلم على الله سبحانه باعتبار اتصافه به.

طبعا هذا الدليل فيه الكثير من المغالطات المغالطة الأخيرة من قال إن صفة التكلم من الصفات الذاتية حتى تقول الذات قديمة فينبغي أن تكون قديمة بل الصحيح أن صفة التكلم من الصفات الفعلية لا الذاتية والصفات الفعلية حادثة مثل رازق معطي مانع هذه صفات حديثة حادثة.

الجواب هل المبدأ صفة التكلم أو المبدأ صفة الكلام حينما تقول الله "عز وجل" متكلم الذات هي الذات الإلهية.

سؤال المبدأ الذي يقوم بالذات الإلهية الذي يوجد فيها هل هو التكلم أو الكلام؟

الجواب إن قلت إن الذي يوجد فيها هو الكلام، الكلام لا يوجد في الذات الإلهية الكلام في أي مخلوق من المخلوقات عبارة عن كيفية عارضة للصوت الحاصل من تموج الهواء فالكلام هو أمر قائم بالهواء وليس أمرا قائما بالمتكلم.

إذن المبدأ في صيغة أسم الفاعل متكلم ليس الكلام لأن الكلام يوجد في الهواء.

المبدأ هو التكلم فإذا صار المبدأ هو التكلم تصير العلاقة بين الواجد والموجد بين المحدِث والمحدَث الذات الإلهية موجدة محدثة للتكلم فيصير قيام المبدأ بالذات يعني قيام التكلم بالذات الإلهية وقيام المبدأ التكلم بالذات الإلهية ليس قيام الصفة بالموصوف وإنما قيام الصفة بموجدها قيام التكلم بمن أوجد التكلم وهو الله تبارك وتعالى فيكون إطلاق صفة المتكلم على الله وعلى غير الله بمعنى واحد علاقة الموجد بالأمر الذي أوجده.

إذن موطن الصحة في كلام المستدل وموطن الخلل في كلام المستدل.

قال المستدل هكذا: إن هيئة أسم الفاعل متكلم وضعت لإفادة قيام المبدأ بالذات، إلى هنا الكلام صحيح أن هيئة أسم الفاعل متكلم وضعت لإفادة قيام المبدأ بالذات.

يقع الخلاف في مصداق المبدأ هل المبدأ هو الكلام أو المبدأ هو التكلم؟

الصحيح المبدأ هو التكلم لأن الذات الإلهية هي التي أوجدت التكلم وليس المبدأ هو الكلام لأن الكلام لا يحل في الذات وإنما الكلام يحل في مجرى الصوت.

إذن هذا الخلل الأول في مصداق المبدأ والصحيح أن المبدأ هو التكلم وليس الكلام قيام الوصف بالموصوف.

الجواب هنا موطن الخلل صيغة اسم الفاعل في اللغة تدل على قيام المبدأ في الذات أما نحو القيام مطلقة غير محددة فخطأ المستدل في حصر نحو قيام المبدأ بالذات قال ينحصر قيام المبدأ بالذات بخصوص القيام الوصفي قيام الصفة بالموصوف هذا من أين الكلام؟

إذن ثبت أن صيغة اسم الفاعل تدل على قيام المبدأ بالذات أما نحو العلاقة بين المبدأ والذات هل هي علاقة وصفية أو هي علاقة ايجادية أو علاقة أخرى لا وصفية ولا ايجادية فصيغة أسم الفاعل غير ناظرة إلى نحو هذا القيام.

إذن الهيئة تفيد قيام المبدأ بالذات نحوا من أنحاء القيام أما خصوصيات القيام من كونها ايجادية أو كونها حلولية أو كونها وصفية فهي غير مأخوذة في مفاد هيئة أسم الفاعل وهي تختلف باختلاف الموارد ولا تدخل تحت ضابط كلي.

فالعالم والنائم لا يطلقان على موجد العلم وموجد النوم لأنها ليس علاقة واجدية وإنما علاقة حلولية من يحل به النوم ومن يحل به العلم لكن القابض والباسط والنافع والضار تطلق على موجد هذه المبادئ لأن العلاقة علاقة ايجادية الذات الموجودة للقبض والبسط والنفع والضر. وعليه فعدم صحة إطلاق المتحرك على موجد الحركة لأن العلاقة هنا علاقة وصفية حلولية حلول الحركة في المتحرك لا يستلزم عدم صحة إطلاق المتكلم على موجد الكلام لأن هذه علاقة أخرى علاقة الواجدية المتحرك هو من أوجد الحركة فيكون قولنا الله متكلم يشير إلى العلاقة الواجدية الله متكلم يعني أوجد الكلام الله متحرك يعني أوجد الحركة لا أن الحركة حلت فيه أو أن الكلام حلت فيه وهذا ينشأ من حصر نحو القيام بخصوص الجانب الحلولي أو الوصفي.

حاصل ما تقدم الكلام النفسي أمر خيالي بحث لا دليل على وجوده من وجدان أو برهان، السيد الخوئي يقول ومن المناسب أن نختم الكلام بما ذكره الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق "عليه السلام" في هذا الموضوع فقد روى الشيخ الكليني بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله "عليه السلام" يقول: لم يزل الله "عز وجل" ربنا والعلم ذاته ولا معلوم يعني الذات أزلية أبدية والعلم أزلي أبدي يعني منذ الأزل وإلى الأبد والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور هذه كلها صفات ذاتية.

إلى هنا تكلم الإمام عن الصفات الذاتية العلم السمع البصر القدرة فلما احدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور هذه أمور حادثة.

قال قلت فلم يزل الله متحركا يعني منذ الأزل كان متحرك قال فقال تعالى الله عن ذلك إن الحركة صفة محدثة بالفعل يعني الحركة صفة حادثة وليست صفة قديمة قال فقلت فلم يزل الله متكلما يعني منذ الأزل هو متكلم قال فقال إن الكلام صفة محدثة ليست بأزلية كان الله "عز وجل" ولا متكلم[6] يعني كان الذات الإلهية القديمة موجودة ولا يوجد متكلم ثم حدث الكلام.

إذن يشير إلى الكلام اللفظي المراد خصوص الكلام اللفظي وهو صفة حادثة وأما الكلام النفسي فهو وهم محض.

النتيجة القرآن حادث وليس بقديم لأن القرآن كلام الله والكلام يحمل على الكلام اللفظي والكلام اللفظي حادث والكلام النفسي وهم محض.

هذا تمام الكلام في هذا البحث و به نختم جميع المباحث التي جعلها السيد الخوئي مقدمة للتفسير.

تفسير فاتحة الكتاب يأتي عليها الكلام.

 


logo