« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

تخصيص القرآن بخبر الواحد

موضوع: تخصيص القرآن بخبر الواحد

 

تخصيص القرآن بخبر الواحد[1]

من الواضح أن القرآن الكريم قد وصل إلينا بالتواتر فهو قطعي.

فهل يصح أن يخصص القرآن بخبر الواحد الثقة الظني؟

والمراد بخبر الواحد: هو الخبر الذي لم يصل إلى درجة التواتر أي لم يصل إلى درجة القطع والعلم واليقين

أفهل يصح تخصيص العموم القرآني القطعي بخبر الثقة الظني؟

توجد أقوال خمسة:

القول الأول هو قول مشهور الإمامية.

فقد ذهب الإمامية إلى جواز تخصيص العموم القرآني القطعي بخبر الثقة الظني لأن خبر الثقة وإن كان يفيد الظن إلا أن الدليل الذي دل على حجية خبر الثقة يفيد القطع. فلا يستدل الإمامية على حجية خبر الثقة بأخبار آحاد وأخبار ثقات إذ يلزم منه ؟؟؟

نعم يستدل الفقهاء والأصوليين على حجية خبر الثقة بآيات كتاب الله القطعية أو بالروايات المتواترة القطعية أو بالسيرة العقلائية التي نستكشف منها إمضاء المعصوم "عليه السلام" للعمل بالخبر الواحد الثقة.

إذن القول الأول هو قول مشهور الشيعة الإمامية من أن العموم القرآني يمكن تخصيصه أو تقييده بمفاد خبر الواحد الثقة.

وخالف الإمامية فريق من علماء أهل السنة على أقوال أربعة.

إذن:

القول الأول قول الإمامية جواز التخصيص

القول الثاني منع بعض علماء السنة تخصيص العموم القرآني بخبر الواحد الثقة مطلقا. فلا يمكن بأي وجه من الوجوه تخصيص العموم القرآني القطعي بمفاد خبر الواحد الثقة الظني والإطلاق سيتضح أنه في مقابل القول الثالث والقول الرابع.

القول الثالث قال عيسى بن أبان إن كان العام الكتابي قد خص من قبل بدليل مقطوع به جاز تخصيصه بخبر الواحد. وأما إذا لم يخصص العموم القرآني بدليل قطعي مسبقا فلا يجوز تخصيصه بخبر الواحد.

إذن يتضح الإطلاق في القول الثاني يراد به أنه لا يجوز تخصيص العموم القرآني مطلقا أي سواء خصص العموم القرآني بدليل قطعي أو لم يخصص بدليل قطعي قبل تخصيصه بخبر الثقة.

وأما القول الثالث فهو يرى أن العامة القرآني إما أن يخصص بدليل قطعي قبل خبر الثقة فحينئذ يصح ويجوز تخصيصه بخبر الثقة وإما لم يخصص مسبقا بدليل قطعي فحينئذ لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد الثقة.

القول الرابع قال الكرخي إذا خص العام القرآني بدليل منفصل جاز تخصيصه بعد ذلك بخبر الثقة وإلا إذا لم يخصص العموم القرآني بدليل منفصل ففي هذه الحالة لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد الثقة، إذن أيضا الإطلاق في القول الثاني ناظر أيضا إلى التفصيل الوارد في القول الرابع إذ أن القول الرابع فصّل بين تخصيص العموم القرآني بدليل منفصل قبل خبر الثقة ففي هذه الحالة يجوز تخصيصه بخبر الواحد وبين عدم تخصيصه بدليل منفصل مسبقا ففي هذه الحالة لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد الثقة.

القول الخامس والأخير ذهب القاضي إلى التوقف يعني هل يجوز أو لا يجوز توقف القاضي في الحكم في هذه المسألة. [2]

والصحيح والمختار هو القول الأول قول الشيعة الإمامية.

والدليل على ذلك:

أن خبر الواحد الثقة وإن كان مفاده الظن إلا أنه قطعي الحجية لأن الأخبار المتواترة أو القرآن أو السيرة العقلائية قد دلت على حجية خبر الواحد الثقة فخبر الواحد الثقة دليل قطعي فيصح تخصيص العموم القرآني القطعي بخبر الواحد الثقة الذي هو دليل قطعي أي أنه دليل ظني قام على اعتباره وحجيته دليل قطعي وما دام خبر الواحد الثقة دليل قطعي مقتضى حجيته جواز العمل به ما لم يمنع مانع من العمل به وحيث إن المانع مفقود والمقتضي فعلي وموجود إذن الحجية منجزة، هذا تمام الكلام في بيان جواز تخصيص العموم القرآني بخبر الواحد.

شبهات وأقوال

ما هو مستند المانعين من تخصيص القرآن الكريم بخبر الواحد؟

يتطرق السيد الخوئي "رحمه الله" إلى ثلاثة أدلة ويردها بأسلوب علمي رصين وباستدلال أصولي محكم.

الشبهة الأولى قالوا إن القرآن الكريم كلام الله العظيم المنزل على نبيه الكريم وذلك قطعي لا شبهة فيه وأما خبر الواحد فلا يقين بمطابقته للواقع ولا يقين ولا قطع بصدور مضمون خبر الواحد عن المعصوم "عليه السلام" فنحن لا نحرز ولا نقطع أن المعصوم "عليه السلام" قد تفوه بمضمون خبر الواحد ولا أقل من أن الراوي قد اشتبه فمعنى أن الراوي ثقة أنه لا يتعمد الكذب لكن هذا لا يعني أنه معصوم لا يخطئ والعقل لا يجيز أن ترفع اليد عن أمر مقطوع كالقرآن الكريم بدليل يحتمل فيه الخطأ والاشتباه كخبر الواحد.

خلاصة الإشكال خلاصة الشبهة

القرآن قطعي وخبر الثقة ظني يحتمل الاشتباه فلا يعقل رفع اليد عن القطعي بالظن الذي يحتمل فيه الاشتباه.

الجواب خبر الثقة وإن احتمل فيه الاشتباه إلا أنه حجة فنحن نرفع اليد عن الدليل القطعي وهو القرآن الكريم بما دل الدليل على حجيته وهو خبر الثقة حتى لو احتملنا فيه الاشتباه إلا أن الأدلة قد دلت على حجيته ولا يمنع العقل من رفع اليد عن أمر قطعي بأمر ظني يحتمل فيه الاشتباه إلا أنه قد دل الدليل على حجيته ولزوم العمل بمقتضاه.

وأما التفصيل إن القرآن الكريم وإن كان قطعي الصدور إلا أنه لا يقين بأن حكم الله الواقعي على طبق عمومات القرآن. من قال إن حكم الله الواقعي في سطح الواقع عند الله مطابق للعمومات والاطلاقات القرآنية؟ من قال هذا؟

نعم نحن نلتزم بعمومات القرآن ويجب العمل بها وعلى طبقها من أجل أن هذه العمومات هي ظاهر الكلام وقد استقرت سيرة العقلاء على العمل بظواهر الكلام فقالوا إن الظواهر حجة وقالوا بحجية الظواهر ولم يردع الشارع عن حجية هذه الظواهر.

ومن الواضح البين أن سيرة العقلاء القائمة على حجية الظواهر تختص بما إذا لم يقم دليل ولم تقم قرينة على خلاف الظهور سواء كانت القرينة متصلة أو كانت القرينة منفصلة.

فإذا قامت قرينة على خلاف الظاهر قال العقلاء يجب رفع اليد عن هذا الظاهر والعمل على وفق القرينة.

إذن يجب العمل بعمومات القرآن الكريم واطلاقاته لأنها ظاهر والعقلاء يقولون بحجية الظواهر ما لم تقم قرينة على خلاف الظاهر فإذا ما قامت القرينة على خلاف الظاهر كانت القرينة هي المحكّمة ويجب العمل على وفق القرينة سواء كانت قرينة متصلة أو كانت قرينة منفصلة.

إذن لا مناص من القول بتخصيص العموم القرآني بخبر الواحد بعد قيام الدليل القطعي على حجية خبر الواحد.

ثم يشير السيد الخوئي بكلمة واحدة إلى مطلب عميق حينما يقولون خبر الثقة حجة:

هل هذا يعني أن مضمون خبر الثقة قاله المعصوم؟

الجواب لا ليس بصحيح. خبر الثقة حجة يعني الشارع عبّدنا بقول مضمون خبر الثقة لا بمعنى أن المعصوم قد قاله واقعا.

إذن معنى حجية خبر الثقة يعني أنت يصح لك ويجوز لك أن تتعبد بمضمون خبر الثقة وليس معنى خبر الثقة أن مضمون خبر الثقة قد صدر في الواقع هذا ما عبرنا عنه في الجواب المختصر خبر الثقة وإن احتمل فيه الاشتباه لكن قام الدليل على حجيته يعني عبّدنا الشارع بمضمونه.

لاحظ عبارة السيد الخوئي دقيقة جداً قال:

فلا مناص من تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد بعد قيام الدليل القطعي على حجيته فإن معنى ذلك يعني معنى حجية خبر الواحد الثقة أن مضمون الخبر صادر عن المعصومين تعبدا يعني ولم يقل صادر واقعا ربما المعصوم أيضا يقوله صادر تعبدا يعني يجوز لك أن تتعبد بمضمون خبر الثقة وكأن المعصوم قد قاله ولربما المعصوم لم يصدر منه واقعا، ثم يختصر الجواب بطريقة فنية.

القرآن الكريم من ناحية السند قطعي أو ظني؟

قطعي

ومن ناحية المضمون ومن ناحية الدلالة قطعي أو ظني؟ أكثر القرآن ظواهر يعني أكثر القرآن دلالته ظنية ثم نأتي إلى خبر الثقة.

خبر الثقة مفاده ومضمونه الظن أو القطع؟ الظن

الدليل الذي دل على حجية خبر الثقة ظني أو قطعي؟ قطعي

فنقول: يجوز تخصيص العموم القرآني القطعي بخبر الثقة القطعي يعني الذي قام على حجيته دليل قطعي والتصرف لا يكون في السند القطعي للقرآن الكريم وإنما التصرف يكون في المفاد الظني لظواهر القرآن الكريم.

لذلك يقول السيد الخوئي "رحمه الله":

وإن شئت فقل: إن سند الكتاب العزيز وإن كان قطعيا إلا أن دلالته ظنية لأن أكثر القرآن ظواهر ولا محذور بحكم العقل في أن ترفع اليد عن الدلالة الظنية القرآنية لدليل ظني آخر وهو مفاد خبر الثقة ثبتت حجيته بدليل قطعي.

هذا تمام الكلام في رد الشبهة الأولى.

الشبهة الثانية استدلوا على عدم جواز تخصيص القرآن الكريم بخبر الثقة وقالوا:

قد صح عن المعصومين "عليهم أفضل صلوات المصلين" أن تعرض الروايات على الكتاب وما يكون من هذه الروايات مخالفا للقرآن يلزم طرحه وضربه على الجدار وهو مما لم يقله الأئمة.

الكبرى: فقد جاء عنهم ما جاء عنا مخالف لكتاب ربنا فهو زخرف اضربوا به عرض الحائط لم نقله هذه كبرى.

الصغرى: الخبر الخاص المخالف لعموم القرآن الكريم مصداق من مصاديق الخبر المخالف لكتاب الله فتشمله عمومات ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا فاضربوا به عرض الحائط.

النتيجة: فيجب طرح هذا الخاص والمقيد الذي جاء عن طريق خبر الثقة ويجب التمسك بعموم القرآن الكريم وطرح خبر الثقة الخاص أو المقيد.

والجواب بشكل مختصر: (ثم نأتي بالجواب المفصل)

التعارض إما مستقر مستحكم وإما غير مستقر

الروايات التي تقول ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا فاضربوا به عرض الحائط هذه ناظرة إلى التعارض المستقر يعني الرواية التي تتعارض وتخالف القرآن بشكل تام بحيث لا يمكن الجمع بينهما.

وأما الرواية التي تعارض القرآن بشكل غير مستقر بحيث العرف العام العربي يمكن أن يجمع بين العموم القرآني وبين الخصوص الروائي بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد.

فهذه الروايات المخالفة بالتعارض غير المستقر أجنبية عن مفاد الرواية الشريفة.

إذن الزبدة الروايات التي تأمر بطرح ما خالف الكتاب ناظرة إلى الروايات المتعارضة بنحو التعارض المستقر وأما الروايات المعارضة للقرآن بنحو التعارض غير المستقر بحيث العرف العام يمكن أن يجمع بينهما فهي غير منظورة.

وأما التفصيل

إن القرائن العرفية من قرائن متصلة أو قرائن منفصلة على بيان مراد الله "عز وجل" في القرآن الكريم لا تعد في نظر العرف مخالفة للقرآن في شيء بل العرف يرى أن الخاص مبين للمراد من العام والعرف يرى أن المقيد مبين وموضح للمراد من المطلق.

إذن الدليل الخاص قرينة لإيضاح المعنى المقصود من الدليل العام والمخالفة بين الدليلين إنما تصدق وتتحقق إذا عارض احدهما صاحبه بنحو مستقر ومستحكم بحيث لا يمكن الجمع بينهما بحيث يتوقف أهل العرف في فهم المراد منهما إذا صدرا من متكلم واحد أو ممن هو بحكم المتكلم الواحد. مثل كلام المعصومين الأربعة عشر من النبي إلى الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه الشريف" كلامهم كله أربعة عشر معصوم بحكم المتكلم الواحد.

فخبر الواحد الخاص ليس مخالفا للعام الكتابي بل خبر الواحد الخاص مبين للمراد من العام الكتابي.

ثم يذكر السيد الخوئي دليلين وكل دليل له نكهة أصولية فقهية:

الدليل الأول نحن نعلم بل نقطع أنه قد صدر عن الأئمة "عليهم السلام" الكثير من الروايات المخصصة لعمومات القرآن والمقيد لاطلاقات القرآن فلو كان التخصيص أو التقييد من المخالف للقرآن الكريم لما صح قولهم ما خالف قول ربنا لم نقله ما خالف قول ربنا زخرف باطل فيكون صدور الروايات المخصصة والمقيدة للقرآن من الأئمة "عليهم السلام" دليل على أن التخصيص والتقييد ليس من المخالفة في شيء إذن هذا الدليل الأول يبين أن المخالفة بنحو التعارض غير المستقر يعني تعارض بدوي ابتدائي إذا نعمل قواعد الجمع العرفي يمكن الجمع بين العموم القرآني والخاص الروائي يمكن الجمع بين المطلق القرآني والمقيد الروائي، صدور المخصصات والمقيدات من الأئمة "عليهم السلام" دليل على أن التخالف بنحو التعارض غير المستقر ليس هو المخالفة التي أريد في قولهم ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا فاضربوا به عرض الحائط المراد بالمخالفة في روايات الطرح هي المخالفة بنحو التعارض المستقر والمستحكم بحيث لا يمكن للعرف أن يجمع بينهما.

الدليل الثاني جاء في الروايات كما في مقبولة عمر بن حنظله يأتي عنكما الخبران المتعارضان فبأيهما نعمل قال "عليه السلام" (خذ بما وافق كتاب الله)[3] .

سؤال التعارض فرع الحجية وإلا لو كان واحد خبر ثقة وخبر ليس ثقة ما يصير تعارض، الرواية تقول يأتي عنكما الخبران المتعارضان.

متى يصير تعارض؟

إذا كان كلا الخبرين حجة وأما إذا كان أحد الخبرين حجة والخبر الآخر ليس بحجة ما تصدق المعارضة إذن التعارض فرع الحجية يعني الخبر الأول حجة والخبر الثاني حجة، الخبر الأول خبر ثقة يقول لحم الأرنب حرام الخبر الثاني أيضا خبر ثقة يقول لحم الأرنب حلال مثلا يقع التعارض الإمام يقول (خذ بما وافق كتاب الله) فاحل لكم ما رواء ذلك إلى آخره، إذن التعارض فرع الحجية يعني لو لا المعارضة لكان الخبر حجة وبعبارة أخرى الخبر مقتضٍ للحجية لولا وجود المانع وهو المعارضة.

الدليل الثاني مفاده هكذا:

إن الأئمة "عليهم السلام" قد جعلوا موافقة أحد الخبرين المتعارضين لكتاب الله مرجحا له على الخبر الآخر ومعنى ذلك أن الخبر المرجوح حجة لولا المعارضة يعني كلا الخبرين الراجح والمرجوح حجة ولكن بقيت حجية الخبر الراجح وهو الموافق لكتاب الله وسلبت حجية الخبر المخالف لكتاب الله وهو الخبر المرجوح.

ومن الواضح أن ذلك الخبر المخالف لو كانت مخالفته للقرآن الكريم على وجه لا يمكن الجمع بينه وبين القرآن يعني التعارض بينه وبين القرآن تعارض مستقر.

ففي هذه الحالة هل يكون حجة؟

لا يكون حجة لو كان التعارض بين القرآن والرواية تعارض مستحكم تعارض مستقر لا يمكن الجمع بينهما في هذه الحالة لا يكون الخبر حجة في نفسه ما يكون حجة إذا لم يكن في نفسه حجة بعد لا يصلح أن يعارض الخبر الآخر، إذن لو كان أحد الخبرين معارضا للقرآن الكريم بشكل مستقر ومستحكم ففي هذه الحالة لم يكن حجة في نفسه ولم يبقى معه مجال للمعارضة والترجيح.

إذن لا مناص من أن المراد من عدم موافقة الخبر للقرآن الكريم أنه يمكن الجمع بين هذا الخبر وبين القرآن بالتخصيص أو التقييد.

النتيجة الخبر المخصص للكتاب أو المقيد للكتاب حجة في نفسه ويلزم العمل به إلا حين يبتلي بالمعارضة.

الروايات تقول ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا فاضربوا به عرض الحائط والتعارض فرع الحجية.

فهذه الرواية تدل على أن كلا الخبرين حجة في نفسه لو لا المعارضة فوجود المعارضة بينهما اوجب ترجيح الخبر الموافق للقرآن الكريم.

والنكتة في هذا الدليل هذه وهو أن الخبر الذي يخالف القرآن بشكل مستقر ليس بحجة في نفسه فلا يصلح للمعارضة.

إذن الرواية التي تقول ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا ناظرة إلى التخالف لأن الخبر الذي في حد نفسه ليس بحجة لا يصلح للمعارضة.

لازم أن نفرق بين شيئين: الرواية التي تقول ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا فاضربوا به عرض الحائط هذه ناظرة إلى معارضة بنحو المستقر

وأما الرواية التي تقول (يأتي عنكما الخبران المتعارضان فبأيهما نعمل)

هذه ناظرة إلى أي تعارض بنحو مستقر أو بنحو غير مستقر؟

الجواب بنحو غير مستقر،

لماذا؟

حملنا ما جاءكم عنا مخالف لكتاب ربنا فاضربوا به عرض الحائط حملناه على التعارض المستقر لأنه لو أمكن الجمع العرفي ما تصدق المخالفة.

سؤال ولماذا حملنا يأتي عنكما الخبران المتعارضان فبأيهما نعمل؟ خذ بما وافق كتاب الله، لماذا حملنا هذه المعارضة على نحو التعارض غير المستقر؟

الجواب لأنه لو كان أحد الخبرين معارض للقرآن بنحو مستقر لم يكن هذا الخبر حجة إذا ما كان حجة لم يصلح للمعارضة، إذن خلاصة الدليل الثاني التمسك برواية يأتي عنكما الخبران المتعارضان وهي ناظرة إلى التعارض بنحو غير مستقر فدلت على جواز التخصيص والتقيد.

الشبهة الثالثة والأخيرة قالوا لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخ الكتاب بخبر الواحد أيضا ومن الواضح وجود إجماع على عدم جواز نسخ القرآن الكريم بخبر الواحد فيكون التخصيص مثله أيضا لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد والسند في هذه الملازمة أن النسخ عبارة عن تخصيص في الأزمان والتخصيص عبارة عن تخصيص في الأفراد النسخ لا يعني إلغاء الحكم بل الحكم موجود النسخ عبارة عن انتهاء أمد الحكم وزمن الحكم إذن الدليل الناسخ يكشف عن أن الحكم منذ البداية كان مختص بزمن من الأزمان وينتهي هذا الزمن بورود الدليل الناسخ إذن نسخ الحكم ليس رفعا للحكم حقيقة بل نسخ الحكم هو رفع للحكم صورة وظاهرا والتخصيص في الأفراد كالتخصيص في الأزمان كلاهما تخصيص فإذا لم يجز التخصيص في الأزمان وهو النسخ لم يجز التخصيص أيضا في الأفراد.

والجواب تارة نبحث عن عالم الثبوت تارة نبحث عن عالم الإثبات، عالم الثبوت يعني عالم الإمكان عالم الإثبات يعني عالم الدليل أولا ثبوتا هل يمكن ويعقل نسخ القرآن بخبر الواحد

نعم هل يمكن ويعقل تخصيص القرآن بخبر الواحد.

نعم هذا ثبوتا إثباتا

هل دل الدليل على جواز نسخ القرآن بخبر الواحد؟

الجواب لا دل الدليل بل قام الإجماع على عدم جواز نسخ القرآن بخبر الواحد لكن لم يقم الدليل على عدم جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد.

إذن الخلاصة هكذا

يعقل تخصيص القرآن بخبر الواحد كما يعقل نسخ القرآن بخبر الواحد والفارق أنه قام الإجماع على عدم جواز نسخ القرآن ولم يقم الإجماع على عدم جواز تخصيص القرآن هذا هو الفارق وليس المراد بالإجماع هنا الإجماع التعبدي لا المراد بالإجماع أن مثل هكذا حدث الذي هو نسخ آية من كتاب الله يستدعي أن يتكاثر نقله فلو نقله بعض أو أفراد محدودة ومعدودة قال الناس إن هذا إما مشتبه أو يتعمد الكذب إذن جواب الشبهة إن الفارق بين النوعين من التخصيص، التخصيص الازماني وهو النسخ والتخصيص الافرادي وهو التخصيص هو الإجماع القطعي على المنع في النسخ ولا يوجد منع في التخصيص ولو لا ذلك الإجماع لجاز النسخ بخبر الواحد الحجة يعني لا يوجد مانع ثبوتا بل يوجد مانع إثباتا.

وقد ذكرنا أنه سند القرآن قطعي لكن دلالته غير القطعية ولا مانع من رفع اليد عن الدلالة الظنية غير القطعية بخبر الواحد الظني الذي قام على حجيته دليل قطعي نعم هذا الإجماع ليس إجماعا تعبديا لأن بعض الأمور من شأنها أن تنقل بالتواتر لو تحققت في الخارج فإذا اختص بنقلها بعض دون بعض كان ذلك دليلا على كذب هذا الخبر أو وقوع الخطأ والاشتباه في نقله فلا تشمله أدلة الحجية لخبر الواحد لذلك قلنا إن القرآن لا يثبت بخبر الواحد لأن خبر الواحد ظني.

ومما لا شك فيه إن وقوع النسخ في القرآن ما يختص بقوم من المسلمين دون قوم والدواعي لنقله متضافرة فلو ثبت النسخ لكانت الأخبار به متواترة وليست أخبار آحاد فإذا اختص بعضهم بنقل النسخ دل ذلك على كذبه أو خطأه واشتباهه وهذا هو الفارق بين النسخ والتخصيص وتبطل هذه الملازمة أنه إذا حرم نسخ القرآن بخبر الواحد يحرم أيضا تخصيص القرآن بخبر الواحد لا توجد ملازمة لأن كلاهما ممكن ثبوتا غاية ما في الأمر النسخ غير ممكن إثباتا لقيام الإجماع على عدم جواز النسخ لكن التخصيص ممكن أيضا إثباتا.

هذا تمام الكلام في بحث أصول التفسير.

حدوث القرآن وقدمه يأتي عليه الكلام.

 


logo