40/07/11
أصول التفسير
موضوع: أصول التفسير
أصول التفسير [1]
وفيه عناوين أربعة:
العنوان الأول بطلان الاعتماد على الظن وعلى آراء المفسرين في فهم القرآن.
العنوان الثاني مدارك التفسير.
العنوان الثالث تخصيص القرآن بخبر الواحد.
العنوان الرابع شبهات المنكرين له والأقوال في المسألة.
نشرع في بيان العنوان الأول:
بطلان الاعتماد على الظن وعلى آراء المفسرين في فهم القرآن.
أولا ما المراد بالتفسير؟
الجواب التفسير هو إيضاح مراد الله تبارك وتعالى من كتابه العزيز. لذلك لا يجوز الاعتماد في بيان مراد الله في القرآن على الظنون والاستحسان والذوق الخاص ولا على أي شيء لم يثبت أنه حجة لذلك المعتمد في إيضاح مراد الله في القرآن الكريم على ما هو حجة من طريق العقل أو من طريق النقل والشرع الصحيح نظرا للنهي عن إتباع الظن وحرمة إسناد شيء إلى الله بغير إذنه ولم يثبت أنه منسوب إلى الله تبارك وتعالى قال "عز من قائل":
﴿ قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾[2]
وقال تبارك وتعالى:
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾[3] .
إذن هناك أمران ودليلان يثبتان حرمة الاعتماد على آراء المفسرين من دون علم:
الأمر الأول الآيات والروايات الناهية عن العمل بغير علم.
الأمر الثاني الروايات الناهية عن التفسير بالرأي وهي روايات مستفيضة من كلا الطريقين طريق أهل السنة وطريق الشيعة الإمامية كقوله "صلى الله عليه وآله" (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)[4] أي أن من يفسر القرآن وفقا لأهوائه فقد حدد موقعه من نار جهنم والعياذ بالله.
النتيجة يتضح أنه لا يجوز إتباع أحد المفسرين في تفسيره سواء كان مذهبه حسنا أم كان مذهبه سيئا لأنه من إتباع الظن وهو لا يغني من الحق شيئا المهم هو إتباع الدليل ونحن أبناء الدليل أينما مال نميل ولا يجوز تشخيص مراد الله "عز وجل" في القرآن وتفسير القرآن بغير علم.
هذا تمام الكلام في العنوان الأول بطلان الاعتماد على الظن في فهم القرآن الكريم.
فلا يصح الاعتماد على آراء المفسرين الموجبة للظن.
نعم يجوز الاعتماد على آراء المفسرين إذا أوجبت العلم فيكون ذلك من باب إتباع العلم لا الظن.
العنوان الثاني: مدارك التفسير
يذكر السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاثة مدارك في التفسير مرجعها إلى معرفتين:
المعرفة الأولى هي المعرفة العقلية
المعرفة الثانية هي المعرفة النقلية
ومصدر النقل إما كتاب الله وإما سنة رسول الله والأئمة الطاهرين "عليهم أفضل صلوات المصلين" فهذه هي مدارك التفسير التي يذكرها السيد الخوئي.
المدارك الثلاثة في التفسير
المصدر الأول أول مدرك يذكره يقول إتباع ظواهر القرآن الكريم التي يفهمها العربي الصحيح وقد مضى البحث في بيان حجية ظواهر القرآن ومن الواضح أن ظواهر القرآن هي عبارة عن معرفة نقلية المصدر الأول للنقل كتاب الله "عز وجل" وأكثره من الظواهر.
المصدر الثاني الذي يذكر السيد الخوئي ما حكم به العقل الفطري الصحيح فإنه حجة على الإنسان من داخله كما أن هناك حجة على الإنسان من خارجه وهم الأنبياء والمرسلون والأئمة الصادقون "عليهم أفضل صلوات المصلين" ومن الواضح أن العقل الفطري الصحيح يمثل المعرفة العقلية.
المصدر الثالث الذي يذكره السيد الخوئي هو ما ثبت عن المعصومين "عليهم السلام" فإنهم المراجع في الدين والذين أوصى النبي "صلى الله عليه وآله" بوجوب التمسك بهم فقال
(إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)[5]
ومن الواضح أن تعليمات أهل البيت "عليهم السلام" من السنة فهي المصدر الثاني للمعرفة النقلية، هذا تمام الكلام في العنوان الثاني مدارك التفسير.
العنوان الثالث: تخصيص القرآن بخبر الواحد
وهو بحث هام جدا وعملي في تفسير القرآن.
هناك أمران لا شك ولا ريب فيهما لكن وقع الخلاف في الأمر الثالث.
أما الأمران الأولان فهما:
الأمر الأول لا شبهة في ثبوت قول الأئمة "عليهم السلام" إذا دل عليه طريق قطعي فمن الواضح أن قول النبي والأئمة "عليهم السلام" يثبت بالتواتر فإذا جاءتنا روايات متواترة ثبتت السنة لأنها قد وصلت إلينا بطريق قطعي.
الأمر الثاني الذي لا شبهة فيه، لا شبهة في عدم ثبوت قول النبي والأئمة "عليهم السلام" إذا دل عليه خبر ضعيف غير جامع لشرائط الحجية إذ يحرم الإسناد إلى النبي والأئمة من دون علم.
وقع الكلام في الأمر الثاني:
وهو أن قول النبي والأئمة "عليهم السلام" هل يثبت بالطريق الظني الذي قام على اعتباره دليل قطعي أو لا؟
فيه كلام بين الأعلام.
فمثلا:
خبر الواحد مفاده القطع أو الظن؟
الجواب: الظن ولكن لو دلت الروايات المتواترة على حجية خبر الواحد فإن خبر الواحد عبارة عن ظن قام على حجيته دليل قطعي وهو الروايات المتواترة وهكذا لو دل القرآن الكريم على حجية خبر الواحد فإن خبر الواحد مفاده الظن لكن قام على حجيته دليل قطعي.
فهل هذا الظن الذي دل على اعتباره دليل قطعي يثبت قول النبي والأئمة "عليهم السلام" أو لا؟
الجواب فيه خلاف بين الأعلام والمشهور بين متأخر الإمامية من علمائنا الأصوليين هو حجية خبر الواحد الثقة في الأحكام.
ولكن قد يقال إن خبر الواحد الثقة حجة في خصوص الأحكام الشرعية ولم تثبت حجية خبر الواحد الثقة في التفسير فإذا ورد خبر الواحد الثقة عن النبي والأئمة "عليهم السلام" في تفسير القرآن الكريم فإن خبر الواحد ليس بحجة.
ووجه الإشكال أن معنى الحجية التي ثبتت لخبر الواحد أو لغير خبر الواحد من الأدلة كالشهرة والسيرة إنما هو عبارة عن وجوب ترتيب الآثار في مقام العمل في حالة الجهل بالواقع فإذا جهل المكلف بالتكليف المتوجه إليه في الواقع هذا حرام أو حلال هذا واجب أو مستحب أو مكروه فإذا جهل المكلف بالواقع وبالتكليف المتوجه إليه واقعا وجاءه خبر ثقة مفاده الحرمة أو الوجوب أو الاستحباب جاز للمكلف في مقام العمل أن يرتب الآثار وفقا لمفاد الآمارة ووفقا لمفاد خبر الثقة فيكون المكلف مرتبا للآثار على خبر الواحد الظني كما يرتب الآثار على الأمر القطعي.
فلو قطع المكلف أن هذا المائع حرام وجب عليه الاجتناب وكذلك لو دل خبر الثقة على أن هذا المائع حرام وجب عليه الاجتناب.
إذن الأدلة الدالة على حجية خبر الواحد الثقة دلت على لزوم ترتيب الآثار المترتبة على خبر الواحد في مقام العمل عند الجهل بالواقع.
وهذا الشرط لا يوجد في خبر الواحد الذي يروى عن المعصومين "عليهم السلام" في تفسير القرآن الكريم لأن هذا الشرط ناظر إلى ترتيب الآثار في مقام العمل والرواية التي تفسر القرآن ليس فيها ترتيب للآثار في مقام العمل.
نعم قد يثبت ذلك في خصوص آيات الأحكام يعني الآيات الفقهية وهي قرابة خمسمائة آية في كتاب الله.
وأما الآيات التي تروي قصة موسى وعيسى "عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام" فهي معجزة فيها ترتيب آثار عملية.
السيد الخوئي "رضوان الله عليه" يجيب على هذا الإشكال بناء على مبناه وهو مسلك الطريقية أو تتميم الكشف وهو مسلك أستاذه الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني "رحمة الله عليه".
ومفاد هذا المبنى أنه يوجد عندنا علمان:
علم حقيقي وجداني
علم اعتباري جعلي
فلو قطعت أن هذا المائع خمر فإن قطعي كاشف تام مائة في المائة فيكون هذا القطع عبارة عن علم حقيقي يدرك بالوجدان ولا يحتاج إلى برهان. ولكن لو اخبرني الثقة أن هذا المائع خمر فبحسب الحقيقة والوجدان إخبار الثقة هنا يورث العلم والقطع واليقين أم يورث الظن ثمانين في المائة تسعين في المائة أن هذا خمر. لكن يحتمل عشر في المائة أنه ليس بخمر يحتمل عشرين في المائة أنه ليس بخمر.
فإخبار الثقة ظن حقيقة. فيأتي الشارع المقدس ويقول جعلت هذا الظن علما واعتبرت هذا الظن يقينا فيكون مفاد خبر الثقة العلم لكن العلم الاعتباري العلم الجعلي.
وهذا ما يسمى بجعل الطريقية أي أن الظن طريق ناقص وليس بتام كشف ناقص وليس بتام يأتي الشارع ويتمم هذا الكشف ويقول كاشفية خبر الثقة في الثمانين في المائة حقيقة وأنا جعلتها كاشفة بدرجة مائة في المائة ادعاء عناية اعتبارا. هذا ما يسمى بمسلك جعل الطريقية أو مسلك جعل العلمية أي أن الشارع المقدس يجعل الأمارة علما والأمارة هي ما تفيد الظن سواء كانت عبارة عن خبر ثقة أو الشهرة أو سيرة المتشرعة أو سيرة العقلاء وغيرها.
فالشارع المقدس يجعل الأمارة علما هذا ما يسمى مسلك جعل العلمية مسلك جعل الطريقية والعلم حجة سواء كان علما حقيقيا كالقطع وسواء كان علما أدعائيا اعتباريا كخبر الثقة فإذا أصبح خبر الثقة يفيد العلم كان حجة سواء في الأحكام أو غير الأحكام وسواء تترتب عليه آثار أو لا تترتب عليه آثار فيكون خبر الثقة في تفسير القرآن حجة أيضا لأنه يورث العلم بقول المعصوم "عليه السلام" ولو ادعاء ولو عناية ولو اعتبارا.
خلاصة الإشكال المستفاد من الأدلة أن حجية خبر الثقة حجة بالنسبة إلى ترتيب الآثار العملية على الواقع المجهول وهذا لا يحصل إلا في الأحكام ولا يحصل في الروايات التفسيرية فلا يكون خبر الثقة حجة في إثبات قول المعصوم في تفسير القرآن الكريم.
الجواب المدار في حجية خبر الثقة على العلم الاعتباري إذ أن الأدلة جعلت الظن الحاصل من خبر الثقة علما اعتبارا والعلم حجة.
والعلم له مصداقان:
المصداق الأول العلم الحقيقي
والمصداق الثاني العلم التعبدي الاعتباري الجعلي الادعائي
(عباراتنا شتى وحسنك واحد \\ وكل إلى ذاك الجمال يشير)
إذن العلم الحاصل من خبر الثقة فرد تعبدي وليس فردا وجدانيا فيترتب على هذا الفرد التعبدي كل ما يترتب على الفرد الوجداني فيصح الإخبار على طبق خبر الثقة كما يصح أن تخبر على طبق العلم الوجداني والحقيقي فلا يكون الإخبار خبر الثقة من مصاديق القول بغير علم.
إلى هنا بينا الدعوة ولكن:
ما هو الدليل؟
الجواب: سيرة العقلاء
فإن العقلاء يعاملون الطريق المعتبر معاملة العلم الوجداني من غير فرق بين الآثار.
فمثلا العقلاء يجعلون اليد أمارة الملكية مثلا فلان من سنين ساكن هذا البيت كون يده على البيت ويتصرف في البيت يقولون اليد أمارة الملكية فلان هذه السيارة عنده من سنين يصير تسحب منه السيارة تقول جئني ببينة تثبت أن هذه السيارة هي سيارتك يصير أنت تسحب أثاث شخص من بيته. تقول: أين الدليل هل من بينة على هذا الأساس أن هذا الأثاث لك؟ الجواب يقولون أن اليد أمارة الملكية فاليد أمارة عند العقلاء على مالكية صاحب اليد على ما في يديه فالعقلاء يرتبون آثار الملكية ويخبرون أيضا عن كونه مالكا للشيء بلا نكير ولم يثبت من الشارع المقدس رجع لمثل هذه السيرة.
نعم يشترط في الخبر الموثوق به أن يكون واجدا لشرائط الحجية ومن أهم شرائط الحجية أن لا يكون الخبر مقطوع الكذب.
ومتى نحرز أن الخبر مقطوع الكذب؟
الجواب: إذا خالف أربعة أمور: خالف القرآن خالف السنة القطعية المتواترة خالف الإجماع خالف العقل الفطري.
فهذه المخالفات أو إحدى المخالفات الأربع إذا ثبتت بشكل قطعي دلت على أن هذا الخبر مقطوع الكذب.
وفرق بين أمرين بين الخبر الذي قام الدليل على ضعفه وبين الخبر الذي لم يقم الدليل على اعتباره:
الخبر الضعيف هو الخبر الذي لم يقم الدليل على حجيته فالرواية سندها ضعيف. هنا لم يقم دليل على اعتبارها لا أنه قام الدليل على بطلانهاظ.
لكن لو قام الدليل على أن هذه الرواية مكذوبة هذه الرواية مختلقة لو عندنا مليون رواية مكذوبة هل تشكل تواتر؟ لا تشكل تواتر لكن لو عندنا خمسين رواية ضعيفة تشكل تواتر أو لا؟ تشكل تواتر.
إذن الخبر الضعيف يشكل قرينة إثبات ناقصة وبتجمعها يتشكل التواتر. لكن الخبر المكذوب أو المختلق لا يشكل قرينة إثبات ناقصة.
والسر في ذلك أن الراوي مهما بلغ من درجات الوثاقة فلا أقل من أنه يشتبه الراوي ثقة يعني ماذا؟ يعني لا يتعمد الكذب ولكنه قد يشتبه، إذن الراوي الثقة يعني لا يتعمد الكذب ولكنه قد يشتبه خصوصا إذا كثرت الوسائط في الروايات فلابد من التشبث بدليل الحجية لرفع احتمال الاشتباه وفرض احتمال الاشتباه كالعدم.
قد يقال إن الشارع قد عبدنا بحجية خبر الثقة الذي لا يقطع بكذبه ولا يقطع بمخالفته للواقع.
الجواب هذا التعبد غير صحيح لأن التعبد إنما يكون في الأمور الظنية ولا يكون في الأمور القطعية. إذ أن الأمر القطعي حجيته ذاتيه فإذا قطعت بأن هذا الخبر مكذوب ثبتت عدم حجيته ولا توجد حاجة لكي يعبدنا الشارع بعدم حجية هذا الخبر.
إذن القطع بكذب الخبر أو القطع بمخالفة الخبر للواقع لا تحتاج إلى تعبد شرعي حجية هذا القطع لا تحتاج إلى تعبد شرعي نعم يشترط في حجية الخبر أن لا يكون مقطوعا بكذبه يشترط في حجية الخبر أن لا يكون مقطوعا بمخالفته للواقع.
ولكن هذا الاشتراط ليس ببركة التعبد الشرعي وإنما ببركة الكشف التكويني الحقيقي الواقعي للقطع.
إذن لابد أن يختص دليل حجية خبر الواحد بعدم كون الخبر مخالفا للواقع وهذا الأمر كما يجري بالنسبة إلى خبر الواحد يجري في غير خبر الواحد من الطرق الأخرى كالشهرة والسيرة وهذا بحث هام جدا يفتح آفاق كثيرة.
وخلاصة الفكرة الهامة أن الخبر الضعيف هو الخبر الذي لم يقم الدليل على اعتباره بخلاف الخبر المكذوب أو المختلق وهو الذي قام الدليل على عدم حجيته.
هذا تمام الكلام في العنوان الثالث.
العنوان الرابع تخصيص القرآن بخبر الواحد وبيان شبهات المنكرين يأتي عليه الكلام.