40/05/15
مناقشة الآيات المدعى نسخها
موضوع: مناقشة الآيات المدعى نسخها
مناقشة الآيات المدعى نسخها[1]
ذكرنا أن علماء أهل السنة في علوم القرآن والتفسير قد ذكروا عدة آيات ادعوا أنها منسوخة أوصلها النحاس إلى مائة وثمانية وثلاثين آية وقد تطرق السيد الخوئي "رحمه الله" إلى ستة وثلاثين آية منها ووضح أنه لم يقع فيها نسخ. وأما بقية الآيات وهي مائة واثنين آية فالأمر فيها واضح لا يحتاج إلى مزيد بحث.
وقد شرع السيد الخوئي "رحمه الله" ببيان عدم تحقق النسخ في ستة وثلاثين آية وابتدئ بحسب ترتيبها في القرآن الكريم:
الآية الأولى فابتدأ بسورة البقرة الآية الأولى التي ادعي وقوع النسخ فيها هي الآية 109 من سورة البقرة قال "عز من قائل" في كتابه الكريم:
﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فأعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير﴾[2]
فعن ابن عباس وقتادة والسدي أنها منسوخة بآية السيف واختار ذلك أبو جعفر النحاس[3] وآية السيف هو قوله تعالى:
﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ [4]
فالآية الناسخة تدل على قتال أهل الكتاب والآية المنسوخة تدل على الصفح والعفو عن أهل الكتاب ولا يمكن الجمع بينهما فإما أن تقاتل أهل الكتاب كما في الآية الناسخة وأما أن تعفوا وتصفح عنهم كما في الآية المنسوخة.
والالتزام بوقوع النسخ في هاتين الآتين يتوقف على الالتزام بأمرين فاسدين باطلين:
الأمر الأول أن يكون ارتفاع الحكم المؤقت بانتهاء وقته نسخا.
الأمر الثاني أن يكون أهل الكتاب ممن أمر النبي "صلى الله عليه وآله" بقتالهم لكي يصح أن تكون الآية الثانية ناسخة للآية الأولى وكلا هذين الأمرين باطل فاسد وتوضيح ذلك كما يلي:
الأمر الأول أن يكون ارتفاع الحكم المؤقت والمحدد بوقت معين نسخا هذا واضح الفساد لأن المراد بالنسخ إنما هو انتهاء أمد الحكم الذي لم يوقت ولم يؤبد.
فإذا قيل هذا الحكم ثابت إلى الزمن الفلاني فهذا حكم مؤقت بتوقيت وإذا قيل هذا الحكم ثابت إلى الأبد فهذا معناه أيضا أنه قد نص على توقيته وهو أنه ثابت حتى تقوم الساعة إلى الأبد فالنسخ لا يقع في الحكم الذي حدد وقته أو صرح بتأبيده لأن الحكم المؤقت وإن كان توقيته بنحو الإجمال أو بنحو الإشارة لا بنحو التصريح يكون الدليل الموضح والمبين لوقته من القرائن الدالة عرفا على المراد منه.
فإذا جاءنا تعبيران التعبير الأول مطلق اصفحوا عن أهل الكتاب والتعبير الثاني مقيد لذلك الزمان قاتلوا أهل الكتاب إذا لم يعطوا الجزية ففي هذه الحالة يرى العرف أن الدليل المؤقت وإن كان منفصلا قرينة عرفية على توضيح المراد من الدليل المطلق فيحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد فيقول أعفوه واصفحوا عن أهل الكتاب إذا أعطوا الجزية وإذا لم يعطوا الجزية قاتلوهم فالدليل المنفصل الدال على التوقيت يرى العرف أنه قرينة عرفية على فهم المراد من الكلام المطلق.
إذن النسخ إنما يتحقق في الحكم المطلق أو العام الذي لم يصرح فيه بالتوقيت أو التأبيد حتى لو دل دليل بنحو الإشارة أو الإجمال على وقت معين يقيد به ذلك الدليل ففي هذه الحالة لا يعد هذا من النسخ بل يعد من قواعد الجمع العرفي حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ويرى العرف أن الدليل المنفصل قرينة على تشخيص المراد من الدليل العام أو المطلق.
الخلاصة
النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت الظاهر في الدوام وعدم الاختصاص بزمان مخصوص هذا بمقتضى الإطلاق وأما لو قيد هذا الحكم الظاهر بزمان أو نص على تأبيده ففي هذه الحالة لا يعد من النسخ بل يعد قرينة عرفية على فهم المراد من الكلام العام أو المطلق.
ومن هنا يتضح ما توهمه الفخر الرازي من أن النسخ بيان الوقت في الحكم المؤقت بدليل منفصل. وهذا قول بين الفساد لأن الدليل المنفصل قرينة عرفية على فهم المراد من ذي القرينة وبالتالي في هذه الآية إما أن يلتزم بوجود قرينة متصلة وإما أن يلتزم بوجود قرينة منفصلة وكلاهما ليس من النسخ في شيء لاحظ القرينة المتصلة أولا قال تعالى:
﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فأعفوا واصفحوا حتى يعني إلى أن يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير﴾[5]
إذا تمسكنا بخصوص هذه الآية لوحدها توجد قرينة متصلة، ما هي القرينة المتصلة؟ أمرنا بوجوب الصفح والعفو عن أهل الكتاب إلى أن يأتي الله بأمره يعني إلى أن يخبرنا الله ويعلمنا برفع هذا الحكم فهذه قرينة متصلة فيكون قد صرح بوقت ارتفاع الحكم ووقت ارتفاع وجوب الصفح ووجوب العفو فلا يكون من النسخ في شيء.
ولو قلنا إن حمل الأمر هنا ليس المراد ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ يعني حتى يأتي تشريع من الله ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ يعني حتى يأتي قضاء الله وقدره يعني الأمر التكويني كما هو الصحيح في معنى الآية فحينئذيأتي دور القرينة المنفصلة وهي في قوله "عز وجل" في الآية الثانية:
﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب﴾ يعني قاتلوا أهل الكتاب ﴿حتى﴾ يعني إلى أن ﴿يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾
يعني إلى أن يعطي الجزية وهو ذليل صاغر هذه قرينة منفصلة يعني اصفح وأعفوا عن أهل الكتاب إلا إذا لم يعطي الجزية فقاتله إلى أن يعطي الجزية وهو ذليل صاغر فهذه قرينة منفصلة.
وأما الحكم الذي صرح فيه في التأبيد فعدم وقوع النسخ فيه ظاهر لأنه توقيت والنسخ لا يصرح فيه بالتوقيت هذا تمام الكلام في بيان المقدمة الأولى الفاسدة وهي أن يكون ارتفاع الحكم المؤقت بانتهاء وقته نسخا والصحيح أن الآية المنسوخة ليس فيها تحديد لوقت أو تأبيد لزمن.
الأمر الثاني أن يكون أهل الكتاب ممن أمر النبي وأمر الله "عز وجل" بقتالهم وهذا باطل لأن الآيات القرآنية التي أمرت بالقتال إنما وردت في جهاد المشركين وقتال المشركين ودعوتهم إلى الإيمان بالله واليوم الآخر وأما أهل الكتاب فلم تأمر الآيات بقتالهم إلا لسبب معين.
إذن الآية التي ادعي أنها منسوخة أمرت بالصفح والعفو عن أهل الكتاب إلا إذا توفرت أسباب نذكر منها ثلاثة أسباب بمقتضى الآيات الكريمة ففي هذه الحالة يرتفع حكم وجوب الصفح والعفو عنهم ويجب قتالهم.
السبب الأول إذا قاتلونا وهذا تدل عليه الآية الكريمة ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾[6] الذين يقاتلونكم عام يشمل حتى أهل الكتاب.
السبب الثاني إذا القوا الفتنة بين المسلمين الدليل على ذلك قوله "عز وجل" ﴿والفتنة اشد من القتل﴾[7] فإذا أوقعوا الفتنة وجب قتالهم.
السبب الثالث امتناع أهل الكتاب عن إعطاء الجزية والدليل عليه الآية التي ادعي أنها ناسخة
﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ [8]
فهذه أسباب ثلاثة بمقتضى الآيات الكريمة تدل على وجوب قتال أهل الكتاب وإلا فالأصل الأولي هو وجوب الصفح والعفو عن أهل الكتاب إلا إذا وجد سبب آخر مثل هذه الأسباب الثلاثة وغيرها. ففي هذه الحالة يجوز قتالهم.
والحاصل في أمرين:
الأمر الأول الآية التي ادعي أنها منسوخة أمرت بالصفح والعفو عن أهل الكتاب لأن أهل الكتاب يودون أن يصبح المسلمون كفارا وهذا لازم عادي لكفرهم فإن اليهودي يتمنى أن يكون المسلم يهوديا والمسيحي يتمنى أن يكون المسلم مسيحيا كما أن المسلم يتمنى أن يكون اليهودي والمسيحي مسلما هذا لازم عادي وبالتالي مجرد رغبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في أن ينقلب المسلمون عن إسلامهم ويكفروا بإسلامهم ويصبحوا يهودا ومسيحيين هذا لا يقتضي قتالهم وإنما هو ذنب أمر الله "عز وجل" المسلمين بتجاوزه والصفح عنهم والعفو عنهم نعم لو وجد سبب آخر يقتضي القتال وجب قتال أهل الكتاب كما في الأسباب الثلاثة إذا قاتلونا أو أوقعوا الفتنة أو لم يدفعوا الجزية هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني من توهم النسخ في الآية الكريمة حمل لفظ الأمر في قوله "عز وجل" ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ حمل الأمر على الأمر التشريعي لا الأمر التكويني ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ إذا حملناها على الأمر التشريعي يعني حتى يأتي الطلب من الله وبالتالي حتى بناء على هذا مسلكهم ما يتم النسخ لأن النسخ عبارة عن الحكم الذي لم يصرح فيه أو لم يذكر له أمد وزمن بناء على حمل الأمر على الأمر التشريعي والطلب صار توقيت إلى الصفح والعفو أعفوا عنهم واصفحوا عنهم إلى أن اطلب منكم خلاف ذلك إلى أن يأتي زمن ووقت اطلبوا فيه خلاف الصفح وخلاف العفو فتوهم أن الله "عز وجل" أمر بالعفو عن الكفار إلى أن يأمر المسلمين بقتالهم حمل هذا على النسخ غير صحيح.
وقد اتضح أنه على فرض صحة حمل الأمر على الأمر التشريعي لا يلزم وقوع النسخ لأن فيه توقيت. ولكن هذا التوهم وهو حمل الأمر على الطلب التشريعي باطل فاسد. لأن المراد بالأمر هو خصوص الأمر التكويني يعني قضاء الله وقدره وقضائه في خلقه.
والقرينة على حمل الأمر على الأمر التكويني لا التشريعي قرينتان:
القرينة الأولى تعلق لفظ الإتيان بالأمر قالت الآية ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ يعني حتى يأتي الله بقضائه وإما إذا حملنا الأمر على الطلب التشريعي فلا يتعلق الإتيان به لا يقول حتى يأتي الله بتشريعه وإنما يقال حتى يشرع الله لكم حتى يأمركم ما يحتاج أن يقول يأتي بأمره يقول يأمركم إلى أن يأمركم فالقرينة الأولى إن لفظ الأمر تعلق به لفظ الإتيان مما يكشف عن أن المراد بالأمر هو خصوص الطلب التكويني لا الطلب التشريعي.
القرينة الثانية قوله "عز وجل" بعد هذا الكلام ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾[9] هذا التعليل إن الله على كل شيء قدير يناسب أن يكون الأمر تكوينيا ويناسب الطلب التكويني إن الله على كل شيء قدير ولا يناسب الطلب التشريعي.
النتيجة النهائية لاحظ الذوق العرفي للسيد الخوئي "رضوان الله عليه" وقوته في الاستظهار يصير معنى الآية هكذا الآية الكريمة أمرت بالعفو والصفح عن الكتابين بسبب أنهم ودوا أن يرجع المسلمون كفارا وأمرت الآية بالصفح عنهم إلى أن يقضي الله ما يشاء في خلقه من عز الإسلام وتقوية شوكة الإسلام ودخول الكثير من الكفار في الإسلام وإهلاك كثير من غيرهم وعذابهم في الآخرة وغير ذلك مما يأتي به الله من قضائه وقدره وبالتالي لا يوجد نسخ لأن الالتزام بوقوع النسخ بين هاتين الآيتين التزام بأن القرينة المتصلة في الآية الأولى أو القرينة المنفصلة بالآية الثانية من موارد النسخ وهذا ليس بصحيح لأن الحكم الذي يؤقت بدليل متصل أو بدليل منفصل لا يعد من النسخ وإنما النسخ عبارة عن الحكم المطلق أو العام الذي لم يقيد بوقت ولم يقيد بأمد هذا تمام الكلام في الآية الأولى واتضح أن النسخ ليس بتام فيها.
الآية الثانية قوله "عز من قائل" ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم﴾[10] نسب جماعة منهم ابن عباس وأبو العالية والحسن وعطاء وعكرمة وقتادة والسدي وزيد بن اسلم ادعوا أن الآية منسوخة واختلف في ناسخها فذكر ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى ﴿وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾[11] الآية المنسوخة تقول ﴿أين ما تكونوا فثم وجه الله﴾ هذه الآية تقول ﴿وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾، شطره الله يعني المسجد الحرام وذهب قتادة إلى أن الناسخ قوله تعالى ﴿فولي وجهك شطر المسجد الحرام﴾[12] فيها تصريح أكثر.
وهكذا ذكر القرطبي وأما تقريب الاستدلال في بيان النسخ قالوا إن النبي "صلى الله عليه وآله" وجميع المسلمين كانوا مخيرين في الصلاة أن يتجهوا إلى أي جهة لكن النبي "صلى الله عليه وآله" بنفسه وباختياره قد اختار بيت المقدس في فلسطين ورجحه على بقية الجهات فنسخ ذلك بالأمر بالتوجه إلى خصوص بيت الله الحرام الكعبة الشريفة.
ولا يخفى ما في هذا القول من الضعف والوهن لمخالفته لصريح القرآن من أن الله هو الذي أمر النبي بالاتجاه إلى بيت المقدس وأنه لا اختيار للنبي في الاتجاه إلى بيت المقدس ويدل على ذلك قوله "عز وجل" ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول مما ينقلب على عقبيه﴾[13] فهذه الآية صريحة في أن توجه النبي إلى بيت المقدس إنما كان بأمر من الله تعالى بمصلحة تقتضي ذلك وهي أن يعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبه ولم يكن للنبي أصلا أي اختيار في تحديد القبلة.
والصحيح أن يقال في الآية الكريمة المنسوخة أنها دالة على عدم اختصاص أي جهة بالله تبارك وتعالى فإن الله "عز وجل" في كل مكان ولا يحيط به مكان لا يؤين بأين فأينما توجه الإنسان في صلاته في دعائه جميع عباداته فقد توجه إلى الله تبارك وتعالى ﴿أين ما تولوا فثم وجه الله﴾ أين ما تدعوا فثم وجه الله أين ما تصلي فثم وجه الله أينما تتعبد فثم وجه الله. بناء على هذا المعنى أنه أين ما تصلي أو تتعبد أو تتهجد أو تدعو فثم وجه الله بناء على هذا المعنى نجد أن أئمة أهل البيت "عليهم السلام" استدلوا بهذا المعنى في الآية فثم وجه الله على أربعة أمور.
والأمر الخامس استدل به سعيد بن جبير عند شهادته:
الأمر الأول استدل بها أهل البيت في رواياتهم على الرخصة للمسافر أن يتوجه في نافلته إلى أي جهة شاء يعني المسافر يجوز له أن يتجه إلى أي جهة في النافلة وليس في الفريضة وأيضا يقيدونها في النافلة حال المسير لا حال الاستقراء يعني إذا أنت راكب السيارة راكب الطائرة القطار هنا أنت في النافلة يجوز لك أن تتجه إلى أي جهة ولكن في حال الاستقرار يلتزم بأنه في النافلة حتى في حال الاستقرار لابد من الاتجاه إلى القبلة.
الأمر الثاني استدل بها أهل البيت "عليهم السلام" على صحة صلاة الفريضة فيما إذا وقعت بين المشرق والمغرب خطأ لأنه في الصلاة إما أن تصلي إلى القبلة فهذا صحيح وإما في حالة الجهل إما أن تستدبر القبلة فهذا يبطل الصلاة وإما أن تصلي إلى اليمين أو اليسار يعني 90 درجة القبلة أمامك أنت انحرفت 90 درجة إلى اليمين و90 درجة إلى اليسار هذا أيضا يبطل الصلاة ولكن إذا انحرفت بين اليمين واليسار يعني القبلة مستقيم أنت مثلا 45 درجة إلى اليمين 45 درجة إلى اليسار هنا استدل الأئمة "عليهم السلام" ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾[14] الصلاة صحيحة إذا صليت إلى ما تعتقد أنه قبلة ثم انكشف أنه ليس اتجاه القبلة الصحيح وإنما هناك ميل إلى اليمين أو اليسار فالصلاة تكون صحيحة فيما إذا صليت خطأ أما عمدا تبطل الصلاة.
الأمر الثالث استدل به الأئمة "عليهم السلام" في الروايات على صحة صلاة المتحير إذا لم يعلم أين وجه القبلة في هذه الحالة لو صلى يقولون يبحث يصلي إلى ما يظن احتياطا يصلي إلى الجهات الأربع عموما في الروايات لو هذا المتحير لا يعلم أين القبلة وصلى إلى جهة ثم انكشف ليست هي القبلة بشكل دقيق ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾[15] هذه موارد أربعة في الروايات استدل بها بالآية.
وأما سعيد بن جبير حينما دخل على الحجاج بن يوسف الثقفي قال له أنت شقي بن كسير قال هكذا أسمتني أمي محادثة طويلة وسعيد بن جبير دائما يجيب بالقرآن قال اقتلوه قال وجهوني إلى القبلة فقال الحجاج وجهوه إلى الأرض بحيث ما يقابل جهة فقال سعيد بن جبير ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾ ثم ضحك سعيد بن جبير فقال الحجاج لمَ تضحك؟ قال اضحك لأمرين لجرأتك على الله وحلم الله عليك ثم رفع يديه إلى السماء اللهم لا تسلطه على احد بعدي قتل سعيد بن جبير أصيب الحجاج بعد ذلك بحالة نفسية وكان دائما يصرخ ما لي ولسعيد بن جبير بقي لعله أربعة عشر يوم عدة أيام معدودة ومات.[16]
إذن هذه الآية مطلقة ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾ آية مطلقة واستدل بإطلاقها الأئمة بأربعة موارد.
هذه الآية المطلقة قيدت في موارد:
المورد الأول قيدت في صلاة الفريضة بلزوم التوجه إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة المشرفة.
القيد الثاني قيدت في النافلة في غير حال المشي يعني في حال الاستقرار على قول لأنه يوجد قولان القول الأول النافلة لا يجب التوجه فيها إلى القبلة مطلقا يعني في حال المشي وفي حال الاستقرار كما في المورد الأول الذي ذكرناه.
القول الثاني تفصيل النافلة حال المشي لا يجب فيها التوجه إلى القبلة وأما حال الاستقرار فيجب التوجه إلى القبلة.
بعض الروايات إذا نراجعها يتضح أن هذه الآية ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾ إنما نزلت في النافلة وقد يقال إذن هذه الآية تختص بالنافلة ولا يصح الاستدلال بها في الفريضة والجواب قاعدة المورد لا يخصص الوارد فحتى لو قيل إن هذه الآية الكريمة نزلت في النافلة فهذا لا يعني أنها مختصة بالنافلة ما لم تدل قرينة على الاختصاص.
الخلاصة
دعوى النسخ في الآية الكريمة يتوقف ثبوتها على أمرين:
الأمر الأول أن تكون واردة في خصوص الفريضة وهذا معلوم بطلانه من نفس روايات أهل السنة فقد وردت روايات أنها نزلت في احد أربعة أمور الأمر الأول نزلت في الدعاء هذه من روايات أهل السنة ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾ روايات مختلفة رواية الأولى تقول أنها نزلت في الدعاء الرواية الثانية نزلت في النافلة للمسافر الرواية الثالثة نزلت في صلاة المتحير الرواية الرابعة نزلت في من صلى إلى غير القبلة خطأ وقد مر علينا أن الأئمة "عليهم السلام" استشهدوا بالرواية في أربعة موارد هذه أربعة موارد من روايات العامة وأربعة موارد من روايات الخاصة.
الأمر الثاني أن يكون نزولها قبل نزول الآية الآمرة بالتوجه إلى الكعبة وهذا أيضا غير ثابت من قال هذه الآية ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾[17] قد نزلت بعد آية ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾[18] هذا غير معلوم وبالتالي دعوى النسخ في الآية باطل جزما.
في بعض الروايات الواردة عن أهل البيت يوجد تصريح بأن آية ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾ ليست منسوخة تصريح من الأئمة أنها ليست منسوخة.
نعم قد يراد من النسخ النسخ بالمعنى اللغوي النسخ يعني بمعنى الإزالة نسخت الشمس الظل يعني أزالت الشمس الظل فيراد أن الخاص أزال حكم العام وأن المقيد أزال حكم المطلق وقد استعمل ابن عباس النسخ بمعنى الإزالة كثيرا فإذا أريد بالنسخ في هذه الآية إزالة الحكم العام لا مشكلة الحكم العام ﴿أينما تكونوا فثم وجه الله﴾ الحكم الخاص ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾[19] ولا يبعد أن يكون مراد ابن عباس هذا لأنه كثيرا ما يستخدم النسخ بمعنى اللغوي بمعنى الإزالة فيصبح أنه اللفظ الخاص أو المقيد يزيل حكم اللفظ العام أو اللفظ المطلق.
هذا تمام الكلام في الآية الثانية وقد اتضح أنها ليست منسوخة.
الآية الثالثة يأتي عليها الكلام.