« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

تعارض روايات جمع

موضوع: تعارض روايات جمع

 

النقطة الثانية في مناقشة أحاديث جمع القرآن

تعارض روايات الجمع[1]

تكلمنا فيما سبق عن الروايات التي ذكرت في كتب أهل السنة عن جمع القرآن الكريم بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقد تحدثت عن جمعين:

الجمع الأول كان في عهد أبي بكر

والجمع الثاني كان في عهد عثمان بن عفان

وتتمة الحديث في هذه الروايات بعد سردها وقد ذكر السيد الخوئي "رحمه الله" اثنتين وعشرين رواية يتم في عدة نقاط:

النقطة الأولى تناقض أحاديث جمع القرآن أي نفس هذه الروايات الاثنتي والعشرين يوجد بينها تناقض.

اليوم إن شاء الله نشرع في بيان النقطة الثانية وهي تعارض روايات الجمع.

فإذا نظرنا إلى هذه الروايات الاثنتي والعشرين نجد هناك روايات عند أهل السنة معارضة لها تنص على أن القرآن قد جمع على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" وتنص على أن أربعة من الأنصار كانوا قد جمعوا القرآن الكريم على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" بل إن بعض الروايات فيها مناقشة لعثمان بن عفان كيف جمعت القرآن بخلاف القرآن الذي جمع في عهد أبي بكر أو في عهد النبي "صلى الله عليه وآله" فتحصل معارضة بين الروايات الاثنتين والعشرين الدالة على وجود جمعين الأول في عهد أبي بكر والثاني في عهد عثمان وبين هذه الروايات التي تدل على أن القرآن كان مجموعا في عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله".

ويذكر السيد الخوئي "رحمه الله" عدة روايات:

الرواية الأولى ناظرة إلى اختلاف جمع عثمان مع جمع أبي بكر وعمر فالقرآن في عهد أبي بكر وعمر ذكر فيه بعد الفاتحة السور السبع الطوال وهي تنتهي بسورة يونس من سورة البقرة إلى سورة يونس البقرة آل عمران الأنعام إلى أن تصل إلى سورة يونس وليست فيها سورة الأنفال وسورة براءة ولكن في القرآن العثماني الذي جمعه عثمان جعل سورة براءة وسورة الأنفال ضمن السبع الطوال قبل سورة يونس.

القرآن الذي قد جمع في عهد أبي بكر وعمر رتب كالتالي أولا الفاتحة ثم السبع الطوال ثم المئين ثم إلى آخره إلى أن ينتهي بالسور القصار ففي هذه الرواية يسأل عثمان لماذا جعلت سورة الأنفال وسورة براءة مع أنهما ليسا من السور الطوال لماذا جعلتهما في ضمن السور الطوال قبل سورة يونس ولماذا لم تجعل البسملة بينهما لأن سورة البراءة ليس فيها بسملة فصار كأنما سورة براءة جزء من سورة الأنفال إذا تجمع تبدأ بالأنفال فهي تبدأ بالبسملة ثم تأتي بعدها سورة براءة من دون بسملة المجموع تصير سورة طويلة في هذه الرواية ينص عثمان على أن القرآن كان هكذا على عهد رسول الله فهذا يدل على أن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله وقال القرآن الذي كان على عهد رسول الله لم تكن فيه بسملة لذلك لم يذكر البسملة في القرآن الذي جمعه.

روى جماعة وهؤلاء الجماعة هم حفاظ أهل السنة منهم ابن أبي شيبة له مصنف معروف مصنف بن أبي شيبة واحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن حبان أكثرهم من أصحاب الصحاح الستة والحاكم النيسابوري والبيهقي والضياء المقدسي عن ابن عباس قال قلت لعثمان ابن عباس يناقش عثمان بن عفان ابن عباس من حفاظ القرآن ومفسريه قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى البراءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم لان المجموع يصير من السور الطوال ووضعتموهما في السبع الطوال يعني ضمن السبع الطوال قبل سورة يونس ما حملكم على ذلك يعني مع أنهما ليس من السور الطوال وحدة من المئين وحدة من المثاني فقال عثمان إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا فهذه الرواية تدل على أن ترتيب الآيات والصور توقيفي وإنه يتوقف على إذن رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأن رسول الله كان له كتاب اختصوا بكتابة القرآن وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وتنزل عليه الآيات فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أول ما انزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها مضمون سورة براءة شبيه مضمون سورة الأنفال فظننت أنها منها وقبض رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولم يبين لنا أنها منها فلأجل ذلك قرنت بينهما، إذن القرن بينهما اجتهاد شخصي من عثمان إذ لم يكونا من ضمن السور السبع الطوال ولم اكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال[2] هذه الرواية الأولى.

الرواية الثانية روى الطبراني وابن عساكر عن الشعبي قال جمع القرآن على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" ستة من الأنصار أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد وكان مجمع بن جارية قد أخذه يعني القرآن إلا سورتين أو ثلاث[3] يعني جمع القرآن إلا سورتين أو ثلاث.

الرواية الثالثة روى قتادة قال سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي قال أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.[4]

الرواية الرابعة روى مسروق ذكر عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود فقال لا أزال أحبه سمعت النبي "صلى الله عليه وآله" يقول خذ القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ يعني معاذ بن جبل وأبي بن كعب[5] فهؤلاء من الموالين لأهل البيت "عليهم السلام" طبعا سالم استشهد والثالثة بقوا عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل، معاذ بن جبل بعد ذلك أيضا استشهد وأبي بن كعب الذي بقى أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود أيام عثمان.

الرواية الخامسة واخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي "صلى الله عليه وآله" فقال أقرأه في شهر[6] وستأتي رواية ابن سعد في جمع أم ورقة في القرآن سنذكرها إن شاء الله.

إشكال قد يقول قائل إن ظاهر هذه الروايات أن المراد بالجمع هو الجمع في الصدور يعني حفظ القرآن عن ظهر قلب وليس المراد بالجمع هو الجمع في مصحف مكتوب ومخطوط.

إن قيل هذا نجيب بأمور:

الأمر الأول هذه الدعوى لا شاهد عليها لأن ظاهر لفظ الجمع أنه جمع بشكل مكتوب لا محفوظ حمل الجمع على الحفظ في الصدور لا الحفظ في مصحف مكتوب يحتاج إلى قرينة ويحتاج إلى دليل ويحتاج إلى شواهد ولا توجد شواهد وقرائن تصرف هذه الروايات إلى الجمع في الصدور لا الجمع في الكتاب.

المناقشة الثانية نقضية حفاظ القرآن على عهد رسول الله كثر أكثر من أن تحصى أسمائهم كما مضى وسيأتي إن شاء الله إنه استشهد في واقعة اليمامة أربعمائة حافظ وفي رواية سبعمائة حافظ هذه في واقعة واحدة فكيف يقال إنه حفظ القرآن على عهد رسول الله أربعة فقط أو ثلاثة فقط فلا يمكن حصر حفاظ القرآن على عهد رسول الله في أربعة أو ستة.

المناقشة الثالثة من يتصفح أحوال الصحابة وأحوال النبي يحصل له اليقين بأن القرآن كان مجموعا على عهد النبي "صلى الله عليه وآله" وأن عدد الذين جمعوا القرآن لا يستهان به في عصر النبي "صلى الله عليه وآله" نعم روى البخاري بإسناده عن انس قال مات النبي "صلى الله عليه وآله" ولم يجمع القرآن غير أربعة فيها حصر لم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. [7]

هذا مردود مطروح لا يقبل ونذكر مناقشتين:

المناقشة الأولى معارض للروايات المتقدمة الروايات التي تقدمت لا تحصر الحفظ في خصوص هؤلاء الأربعة بل معارض لروايات أخرى ذكرها البخاري.

المناقشة الثانية هذا غير قابل للتصديق القرآن الكريم الذي هو دستور الإسلام وقد حث على حفظه رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان العرب آنذاك يحفظون المعلقات ويحفظون أشعار العرب البديعة فكيف بدستور الإسلام لا يحفظونه وحصر الحفاظ في خصوص أربعة أمر غير قابل للتصديق لأن إحصاء عددهم في ذلك الزمن صعب لأنهم تفرقوا في البلدان المختلفة في اليمن والشام والعراق هذه فتحت في عهد عمر بن الخطاب الشام والعراق والكوفة الذي هو العراقيين البصرة والكوفة ومكة والمدينة بعد ذلك مصر.

والخلاصة صفوة القول في أربع نقاط:

النقطة الأولى مع وجود هذه الروايات الدالة على أن القرآن قد جمع في عهد رسول الله كيف يصدق أن أبا بكر كان أول من جمع القرآن في خلافته.

النقطة الثانية إذا سلمنا أن أبا بكر هو أول من جمع القرآن بعد النبي في خلافته وقد أمر زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب بجمع القرآن من اللخاف والعسب وصدور الرجال نقول لماذا لم يأخذه من أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وقد كانوا أحياء في ذلك الوقت وقد أمروا بأخذ القرآن منهم نعم سالم قد قتل في حرب اليمامة فلم يمكن الأخذ منه.

الأمر الثالث لو لم يأخذ من هؤلاء الأربعة يكفي أن زيد بن ثابت هو واحد منهم وقد دلت الروايات على أن أبا بكر كان لا يتهم زيد بن ثابت وكان يثق به وقد أمرت هذه الروايات بأخذ القرآن منه فبالتالي لا حاجة إلى التفحص والتثبت والإتيان بشاهدين إلى آخره.

النقطة الرابعة والأخيرة تكفي أخبار الثقلين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)[8] وهذه الروايات تدل على أن القرِآن كان مجموعا على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" على تأمل في صدق الجمع كما سيأتي إن شاء الله.

النقطة الثالثة

تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب [9]

السيد الخوئي يستظهر من إيراد لفظ الكتاب في القرآن الكريم والروايات يستظهر أن القرآن كان مجموعا وبالتالي تكون هذه الروايات الدالة على أن القرآن قد جمع في عهد أبي بكر أو عمر أو عثمان تكون معارضة ومخالفة للكثير من آيات الكتاب الكريم الدالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض وهذا صحيح.

السور كانت منتشرة بين الناس حتى بين المشركين وأهل الكتاب لأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تحدى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن أو الإتيان بعشر سور من مثله مفتريان أو الإتيان بسورة من مثله فمعنى هذا أن سور القرآن الكريم كانت متميزة وكانت في متناول أيدي المسلمين وسائر الناس هذا واضح لكن هذا التمييز يصدق على ما هو محفوظ في الصدور فكيف نثبت أن هذا التمييز كان بشكل مصحف مكتوب.

السيد الخوئي "رضوان الله عليه" يتمسك بلفظ الكتاب الوارد في الكثير من آيات القرآن الكريم مثل قوله "عز من قائل" بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ الكثير من الآيات القرآنية تدل على نزول الكتاب ونزول القرآن فالتعبير بالكتاب هذا يدل على أنه مجموع ومكتوب كما أن حديث الثقلين (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) [10] يدل على أنه كان مكتوبا مجموعا لماذا لأن لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور بل لا يصدق لفظ الكتاب على ما هو مكتوب في اللخاف والعسب والأكتاف بنحو متفرق إلا على نحو المجاز والكناية يعني هناك عناية مجازية والمجاز لا يحمل عليه اللفظ من غير قرينة لأن لفظ الكتاب ظاهر فيما له وجود واحد جمعي ولا يطلق على المكتوب إذا كان متفرقا فضلا عما إذا كان لم يكتب وكان محفوظا في الصدور فقط، انتهى كلام السيد الخوئي "رحمه الله" الله زيد في علو مقامه.

ولكن يمكن التأمل فيما أفاده "رحمه الله" مثلا بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ هذا بداية سورة البقرة وبعد سورة البقرة نزلت سور وقد عبرت عن القرآن الكريم بلفظ الكتاب مع أن القرآن لم ينزل بالكامل رغم ذلك عبرت عنه بالكتاب وأدل شيء على الإمكان الوقوع وقد وقع القرآن الكريم عبر عن نفسه بلفظ الكتاب مع أنه لم يكتمل إلى الآن فهي إشارة إلى الكتاب المكنون عند الله "عز وجل" لذلك أشارت بالبعيد ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ يعني هذا الكتاب القرآن الذي عند الله هذا لا ريب فيه وننزله عليكم بالتنجيم والتدريج فالتمسك بلفظ الكتاب الوارد في الآيات والسور القرآنية لا يمكن المساعدة عليه.

نعم التمسك بلفظ الكتاب في حديث الثقلين له وجه فحينما يقول النبي "صلى الله عليه وآله" (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) [11] فهنا إني تارك فيكم كتاب الله يدل على أنه مكتمل وعلى أنه موجود بالكامل هذا أولا.

ثانيا يدل على أنه محفوظ ومصون من التحريف ولكن لا يدل على أنه مكتوب (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) يعني ستكون العترة محفوظة وسيكون القرآن محفوظا ولكن بأي وجه هو محفوظ هل هو بنحو الكتابة لا تدل عليه لا يدل عليه حديث الثقلين.

فبالنتيجة إذن حديث الثقلين يدل على مصونة الكتاب ومصونة العترة وعدم افتراقهما أما أن هذه المصونة بسبب الكتابة أو الحفظ بالصدور فالرواية صامتة عن ذلك وغير ناظرة إلى ذلك بالتالي النقطة الثالثة تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب يمكن التأمل فيها والله العالم.

النقطة الرابعة مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل يأتي عليها الكلام.

 


logo