40/02/10
الوهم السادس الي التاسع حول إعجاز القرآن
موضوع: الوهم السادس الي التاسع حول إعجاز القرآن
الوهم السادس حول إعجاز القرآن
لو كان الإتيان بكتاب ما معجزاً لعجز البشر عن الإتيان بمثله لكان كتاب إقليدس وكتاب المجسطي معجزا وهذا باطل إذ أن كتاب إقليدس وكتاب المجسطي ليس معجزا فيكون المقدم باطلا أيضا وهو إن الإتيان بكتاب ما يكون معجزا لعجز البشر عن الإتيان بمثله، هذا الوهم وهذا الاعتراض اعتراض نقضي ومفاده ليس الملاك في كون الكتاب معجزا أن يعجز البشر عن الإتيان بمثله ولو كان الملاك في المعجزة كون الكتاب يعجز البشر عن الإتيان بمثله لكان كتاب إقليدس وكتاب المجسطي معجزا لأن البشر قد عجزوا عن الإتيان بمثلهما.
والجواب على ذلك:
أولا إن الكتابين المذكورين إقليدس والمجسطي لا يعجز البشر عن الإتيان بمثلهما ولا يصح فيهما هذا التوهم وكتاب إقليدس مشهور تحرير أصول إقليدس وقد كتب في الرياضيات والهندسة والفلك وكتب المتأخرين التي وضعت في هذين العلمين الرياضيات والفلك ألقى بيانا من هذين الكتابين إقليدس والمجسطي وأيسر تحصيلا بل إن الكتب المتأخرة تفضل على الكتب المتقدمة في نواح عديدة منها وجود إضافات كثيرة لا أثر لها في هذين الكتابين أصبحت من الكتب القديمة تحرير أصول إقليدس من الكتب القديمة في الرياضيات والهندسة.
وثانيا تقدم فيما سبق إن للمعجزة شروطا منها أن يكون الإتيان بالمعجزة في مقام التحدي وإقليدس والمجسطي لم يأتيا بكتابيهما في مقام التحدي.
الآمر الآخر الشرط الآخر أن يكون الإتيان بالمعجز كشاهد على صدق دعوى النبوة أو دعوى منصب إلهي ولم يأتي المجسطي وإقليدس بكتابيهما في مقام الاستشهاد على دعوى منصب إلهي ومن الشروط أيضا أن تكون المعجزة خارجة عن نواميس الطبيعة ومن الواضح أن كتاب إقليدس والمجسطي ليسا خارجين عن نواميس الطبيعة فلا تصدق شروط المعجزة على هذين الكتابين، هذا تمام الكلام في جواب الوهم السادس.
الوهم السابع أو الاعتراض السابع
إن العرب لم تعارض القرآن لكونه معجز يعجز البشر عن الإتيان بمثله وإنما لم يعارضوه لجهات أخرى لا تعود إلى الإعجاز لأن العرب الذين عاصروا الدعوة الإسلامية أو تأخروا عنها قليلا كانت لهم سطوة وسيطرة على المسلمين وغيرهم تمنعهم عن التصدي لمعارضة القرآن فلم يعارض العرب الأوائل القرآن الكريم ولم يناقشوا خوفا على أنفسهم وأموالهم من هؤلاء المسيطرين ولما انقرض سلطت الخلفاء الأربعة بعد النبي "صلى الله عليه وآله" وآل الأمر إلى بني أمية الذين لم تقم خلافتهم على محور الدعوة الإسلامية صار القرآن مأنوسا لجميع الأذهان بسبب عذوبة ألفاظه ومتانة معانيه وأصبح من المرتكزات التي أخذها الخلف عن السلف فانصرف الناس عن معارضة القرآن لأنس الناس بذلك.
إذن هذا الاعتراض السابع يذكر سببين لعدم معارضة القرآن:
السبب الأول قوة المسلمين أيام الخلفاء بحيث لم يجرأ أحد على معارضة القرآن أيام خلافة الأربعة.
السبب الثاني انس المسلمين بعذوبة ألفاظ القرآن ومتانة معانيه أيام بني أمية ومن جاء بعدهم، إذن العرب لم تعارض القرآن بإعجازه بل لم تعارضه إما خوفا وإما أنس
والجواب في خمسة محاور وخمس نقاط:
النقطة الأولى إن التحدي بالقرآن وطلب سورة من مثله قد كان أيام النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة وكانت السنوات الثلاث الأولى سرية والعشر الأخرى علنية وكانت شوكة المسلمين ضعيفة حتى حوصر النبي "صلى الله عليه وآله" في شعب أبي طالب وقتل ياسر والد عمار وأمه سمية وعذب بلال الحبشي ولم تكن للمسلمين سلطة قوية حتى أن النبي "صلى الله عليه وآله" مر على ياسر وسمية وهما يعذبان على أيدي مشرك قريش فقال (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)[1] وعلى الرغم من شدة شوكة كفار قريش لم يستطيع أحد من بلغاء العرب على معارضة القرآن الكريم رغم ضعف المسلمين في ذلك الوقت.
وثانيا إن الخوف أيام الخلفاء وسيطرة المسلمين لم يمنع الكافرين من أن يظهروا كفرهم وإنكارهم لدين الإسلام فقد كان اليهود في المدينة وكان أهل الكتاب يعيشون بين المسلمين في جزيرة العرب وكانوا يعيشون اهنآ عيش وكان لهم مال المسلمين وعليهم ما عليهم خصوصا في عصر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" الذي اعترف بعدله ووفور علمه المسلمون وغيرهم فلو كان أحد من الكتابيين أو المشركين لديه اعتراض على القرآن واحتجاج قوي لأظهره في مقام الاحتجاج ولجاء بمثل القرآن.
وثالثا إن الخوف لو سلم وجوده فهو إنما يمنع عن إظهار وإبراز المعارضة ولا يمنع عن أصل المعارضة والمخالفة فمن الذي يمنع الكتابي من المعارضة سرا في بيوتهم وتجمعاتهم ولو ثبتت هذه المعارضة وهذا الاحتجاج لاحتفظوا به يدا بيد حتى ظهر للعلن كما احتفظوا بكتب العهدين الخرافية وسائر ما يرتبط بدينهم مع أن المسيحيين كانوا محاربين من قبل الإمبراطورية الرومية التي كانت وثنية في ذلك الوقت وكان حكامها الوثنيون كانوا يصلبون الموحدين والمسيحيين.
رابعا إن الكلام حتى لو أصبح قويا وعذبا وارتفع مقامه البياني والبلاغي لكن المعهود من الطبع أنه مع تكرر سماع هذا الكلام يهبط عن مقامه الأول فأنت تسمع القصيدة لأول وهبة فتجذبك وتتصور أنها أقوى قصيدة ولكن إذا سمعتها مرة ثانية وثالثة ورابعة ربما تمل من سماعها وهذا طبع أنساني بالنسبة إلى الطعام والشراب والسماع والذوق والرائحة وكل ذلك، أول مرة تشم هذا العطر أو تأكل هذه الطبخة أو تشرب هذا الشراب يعجبك ولكن مع التكرر يسقط عن مقامه الأول بخلاف القرآن الكريم فمع تكراره تزداد عذوبته وكأنه غض طري وهذا من أكبر الدلائل على إعجاز القرآن الكريم إذ أن الإنسان يأنس بالطعام والشراب والكلام واللباس والعطر وغير ذلك فإذا ما تكرر مج ذلك اللباس ولربما ينفر منه فيما بعد لكن القرآن مهما طال به الزمن وطرأ عليه التكرار يصبح غضا طريا وإلى الآن لم يقوي احد على معارضته ومناقضته بل إن القرآن كلما ازددت في قراءته ازددت إيمانا وتصديقا به فهذه المزية على عكس المألوف وهذا الوجه يؤكد إعجاز القرآن الكريم لا أنه ينافي إعجاز القرآن كما توهمه هذا الخاص.
النقطة الخامسة والأخيرة إن التكرار لو فرض أنه يوجب أنس النفوس به وانصراف النفوس عن معارضته فهذا إنما يتم عند خصوص المسلمين دون الكفار والمعاندين لأن المسلمين يستمعون إليه برغبة واشتياق كلما تكررت تلاوته فيزداد انسه وأما الكفار وخصوصا المعاندين منهم فإنهم إنما يزدادون نفرة ومعارضة وعلى الرغم من ذلك لم نجد من فصحاء العرب من عارض كتاب الله وجاء بسور من مثله مفتريات فهذه المعارضة لم تحصل لا من المسلمين فضلا عن غيرهم، هذا تمام الكلام في بيان الوهم السابع وجوابه.
الوهم الثامن
ذكر التاريخ أن أبا بكر لما أراد جمع القرآن أمر عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت أن يقعدا على باب المسجد وأن يكتبا ما شهد به اثنان أو شاهدان من المسلمين على أن هذا الكلام من كتاب الله "عز وجل" وهذا بنفسه شهادة على أن القرآن ليس خارقا للعادة إذ لو كان خارقا للعادة بنفسه لم يحتج إلى شاهدين عادلين ولم يحتج إلى الشهادة عليه ولكان القرآن بنفسه شاهدا على نفسه.
والجواب
أولا إن القرآن الكريم معجزة في بلاغته وأسلوبه لا في كل كلمة كلمة وكل حرف حرف من حروفه ولذلك قد يقع الشك في حرف أو حرفين زائدين أو في كلمة مكان كلمة فقد يقع الشك في زيادة أو نقصان كلمة أو آية وشهادة الشاهدين بناء على التسليم بما ذكر في التاريخ من أن عمر وزيد بن ثابت جلسا على باب المسجد لكي يكتبا الآية التي جاء بها شاهدان عادلان فإن هذه الشهادة لو سلمنا بها وهذه القضية لو سلمنا بها فإنما ترفع الاحتمالات التي ربما تكون من سهو القارئ أو عمده أو اشتباهه على أن عجز الإنسان إنما هو عن الإتيان بسورة من مثل القرآن والإنسان ليس بعاجز عن الإتيان بكلمة في القرآن أو عبارة أو آية والقرآن لم يتحدى البشر على أن يأتوا بآية من مثل القرآن وإنما تحداهم أن يأتوا بسورة من مثل القرآن لذلك يقول السيد الخوئي "رضوان الله عليه" على أن عجز البشر عن الإتيان بسورة من مثل القرآن لا ينافي قدرتهم على الإتيان بآية أو ما يشبه الآية فإن ذلك أمر ممكن ولم يدعي المسلمون استحالة ذلك ولم يذكره القرآن عند التحدي بالمعارضة، فالقرآن قد نص على خصوص الإتيان بسورة من مثله أو عشر سور من مثله أو الإتيان بمثله ولم يتحدى بالإتيان بكلمة من مثله أو آية من مثله.
ثانيا هذه الأخبار التي دلت على أن أبا بكر قد أمر بشهادة شاهدين من الصحابة هي أخبار آحاد فلا تصلح أن تكون دليلا ولم تبلغ هذه الأخبار حد التواتر فلا عبرة بها، إذن الجواب الأول بناء على التسليم بهذه الأخبار، الجواب الثاني إنكار هذا المبنى فالجواب الأول بنائي والجواب الثاني مبنائي والجواب البنائي أقوى من المبنائي فلقائل يقول هذا مبناك وهذا مبنانا.
ثالثا هذه الأخبار التي يدعى على اشتراط شاهدين من الصحابة معارضة بأخبار كثيرة دلت على أن القرآن الكريم قد جمع في عهد النبي "صلى الله عليه وآله" كان الكثير من الصحابة يحفظون القرآن وأما الحافظون لبعض سوره وأجزائه إلا الله "عز وجل" كما أن النظرة العقلية البسيطة تشهد بكذب تلك الأخبار التي استدل بها الخصم فهذا القرآن المعجز يحتاج إلى شاهدين عادلين، القرآن الذي هو السبب الأعظم لهداية البشر وهو المعجزة الكبرى للنبي الخاتم التي ستستمر إلى آخر الزمان يحتاج في ثبوته إلى شاهدين عادلين، هذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه وسيأتي إن شاء الله بحث جمع القرآن وأنه كان مجموعا على عهد النبي "صلى الله عليه وآله" وقد جمعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام".
الوهم التاسع والأخير
أسلوب القرآن الكريم أسلوب يباين أساليب البلغاء المعروفة فقد خلط القرآن بين المواضيع المتعددة فإذا تكلم عن التاريخ تجده ينتقد مباشرة إلى الوعد والوعيد ثم إلى العقائد ثم إلى الأحكام ثم إلى الأخلاق ثم إلى الأمثال ثم إلى الحكم وينتقل من فكرة إلى فكرة ومن باب إلى باب ولو كان القرآن ممنهجا ومبوبا ومنسقا لكان مبوبا يجمع في كل موضوع ما يتصل به من الآيات وبالتالي تكون فائدة القرآن إذا كان مبوبا أعظم وتكون الاستفادة من القرآن أسهل فيصير القرآن باب العقائد باب الأحكام باب الأخلاق باب التاريخ باب الحكم باب الأمثال فيكون هكذا هذا هو ديدن المؤلفين.
الجواب القرآن كتاب هداية وليس كتابا علميا بحتا أو تاريخيا بحتا فالقرآن الكريم يتطرق إلى مختلف الموضوعات ويتطرق إليها من جهة هداية البشر فالقرآن يذكر العقائد بما يهدي البشر والأحكام بما تهدي البشر ويتطرق إلى التاريخ لأخذ العبرة لهداية البشر ويتطرق إلى الحكم والأمثال لهداية البشر فالقرآن أنزله الله "عز وجل" لهداية البشر ﴿الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾[2] فالقرآن يسوق الناس إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة فليس بكتاب تاريخ فقط أو فقه أو أخلاق وما يشبه ذلك لكي يعقد لكل باب بحثا مستقلا.
ولو كان القرآن قد عقد لكل باب بحثا مستقلا ففي هذه الحالة لا تحصل الهداية إلا بقراءة جميع القرآن ولكن القرآن تطرق إلى مختلف هذه الأبواب في آية واحدة أو عدة آيات لكي يوصل المطلوب مباشرة وبسرعة وهو هداية البشر فالقرآن الكريم أحاط بالكثير من الأغراض وهدفه أن يوصل غايته وهي الهداية في أقرب وقت وأقرب أسلوب فهو يوجه نظره إلى المبدأ وهو توحيد الله "عز وجل" والمعاد وهي القيامة ويطلع الإنسان على أحوال الماضيين وسنن من كان قبلهم ويستفيد من الأخلاق الفاضلة المعارف العالية يبين الأحكام من عبادات ومعاملات كل ذلك مع حفظ الكلام ونظام الكلام وتوفيت حقوق البيان ورعاية مقتضى الحال وبعبارة موجزة مختصرة القرآن الكريم هو كتاب هداية وقد تطرق إلى مختلف الموضوعات لكي ينتقل منها ويسلط الضوء على موضوع الهداية ولو جعل كأبواب وأقسام لكان الوصول إلى الهداية يحتاج إلى وقت بخلاف هذا الأسلوب الذي جاء به القرآن وبالتالي العكس هو الصحيح هذا الأسلوب القرآني هو يعد من محسنات القرآن لا من النقوض التي تنقض على كتاب الله تبارك وتعالى لذلك نجد القرآن يكرر إذا كان التكرار يسهم في زيادة هداية البشر وينتقل من باب إلى باب إذا كان الانتقال إلى الأبواب المختلفة يسهم في زيادة هداية البشر، هذا تمام الكلام في جواب الاعتراض والوهم التاسع وبالتالي يكون السيد الخوئي "رضوان الله عليه" قد تطرق إلى أسلوب القرآن في جمعه بين المواضيع المختلفة وقد بين أن القرآن كان مجموعا على عهد النبي "صلى الله عليه وآله".
يبقى البحث الأخير
الاعتراض العاشر والأخير تحت عنوان سخافات وخرافات في معارضة سورتين من القرآن كما عنونه السيد الخوئي في بداية هذا الباب أوهام حول إعجاز القرآن، في هذا البحث يتطرق إلى رسالة تحت عنوان حسن الإيجاز وهذه الرسالة عبارة عن كتيب صدر من المطبعة الانكليزية الأمريكية ببولاق مصر سنة 1912 وهذا الكتيب يدعي أن بعض آيات القرآن متعارضة ومتناقضة، سخافات وخرافات يأتي عليها الكلام.