40/02/06
الوهم الرابع والخامس حول اعجاز القرآن
موضوع: الوهم الرابع والخامس حول اعجاز القرآن
الاعتراض الرابع
مخالفة قصص القرآن لكتب العهدين
ومفاد هذا الاعتراض أو الوهم إن القرآن الكريم وإن سلم بإعجازه إلا أنه لا يكشف عن صدق نبوة من جاء به لأن قصص القرآن الكريم تخالف ما جاء من قصص في التوراة وهي العهد القديم والإنجيل وهي العهد الجديد وقد ثبت كون العهدين وحيا إلهيا بالتواتر.
وجواب هذا الاعتراض: العكس هو الصحيح إن القرآن بمخالفته لكتب العهدين في قصصهما الخرافية قد أزال رهب المرتاض في كون القرآن الكريم وحيا إلهيا منزلا من الله "عز وجل" لخلو القرآن من الأوهام والخرافات والأساطير وخلو القرآن مما لا يجوز في حكم العقل نسبته إلى الله تبارك وتعالى وإلى أنبيائه.
فمن مخالفة القرآن الكريم لكتب العهدين لا نستكشف بطلان القرآن بل العكس بالعكس إذ أننا نستكشف من مخالفة القرآن لكتب العهدين أن ما وصل إلينا من كتب العهدين إنما هو مزور وقد وقع فيه التحريف فالأناجيل أربعة وستين أنجيلا قد وصل إلينا أشهرها أربعة أناجيل إنجيل متا ولوقا ولوقس ويوحنا ودونك التوراة أيضا ففيها الكثير من الأساطير والخرافات من نسبة الكذب إلى الله "عز وجل" ونسبة الزنا والخديعة إلى أنبياء الله تبارك وتعالى.
إذن مخالفة القرآن لكتب العهدين بنفسها دليل على أنه وحي إلهي.
وثانيا لم يثبت لدينا أن كتب العهدين قد وصلت إلينا بالتواتر بل الاختلاف الفاحش فيما بين نسخها دليل على أنها غير متواترة، هذا تمام الكلام في بيان الاعتراض والوهن الرابع والجواب عليه.
الاعتراض الخامس
حول وجود التناقض في القرآن وسيتضح أن التناقض موجود في الإنجيل لا القرآن.
مفاد الاعتراض الخامس: إن القرآن مشتمل على المناقضة فلا يكون وحيا إلهيا وقد زعموا:
أن المناقضة قد وقعت في موردين:
المورد الأول في قوله "عز وجل" (قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) فقد نصت هذه الآية على اليوم فإنه يناقض قوله تعالى (قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة ليال سويا) وقد نصت على الليلة وفرق كبير بين ثلاثة أيام وهي تشير إلى النهار واليوم يبدأ بطلوع الشمس أو طلوع الفجر على قول إلى غروب الشمس بخلاف الليل الذي يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الشمس.
والجواب من نفس كتاب الله "عز وجل" يوجد اصطلاحان لليوم والليلة:
الاصطلاح الأول لليوم والليلة أن اليوم مختص بخصوص النهار من طلوع الشمس إلى غروبها والليل مختص بخصوص العتمة والليل من غروب الشمس إلى طلوعها فالقول الأول يرى الاختصاص، بينما القول الثاني والاصطلاح الثاني يرى أن المراد بالليل مجمع النهار والليل وكذلك المراد باليوم مجمع النهار والليل فيطلق لفظ اليوم وأيضا لفظ الليلة على مجموع النهار والليل وكلا القولين وكلا الاصطلاحين قد استخدما في كتاب الله تبارك وتعالى فنحمل الآيتين المباركتين ثلاثة أيام وثلاثة ليال على المعنى الثاني وهو مجمع النهار والليل لا على المعنى الأول خصوص النهار بالنسبة إلى اليوم وخصوص الليل بالنسبة إلى لفظ الليل فالإشكال تام بناء على المصطلح الأول وليس بتام بناء على المصطلح الثاني والآيتان يفهم منهما أنهما وردا بناء على المعنى الثاني الأعم لا المعنى الأول الأخص بعد بيان لب الفكرة نأتي بالآيات التي استخدمت الاصطلاح الأول والتي استخدمت الاصطلاح الثاني.
أما بالنسبة إلى اليوم فقد يطلق ويراد منه بياض النهار فقط كما في قوله تعالى (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) فبمقتضى المقابلة بين الليالي والأيام يفهم أن المراد بالأيام خصوص بياض النهار وأن المراد بالليل خصوص العتمة والليل الذي يبدأ من الغروب إلى طلوع الفجر أو الشمس هذا الاصطلاح الأول لليوم.
الاصطلاح الثاني وقد يطلق اليوم ويراد منه بياض النهار مع ليله كما في قوله تعالى (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) فهل المراد تمتعوا في النهار دون الليل هذا المراد تمتعوا يعني نعطيكم مهلة قبل أن يحيق بكم العذاب ويحيط بكم فالمراد ثلاثة أيام بلياليها، هذا الاصطلاح الثاني العام لليوم مجمع النهار والليل.
ثم نأتي إلى مصطلحي الليل المصطلح الخاص، لفظ الليل قد يطلق ويراد به مدة مغيب الشمس واستتارها تحت الأفق وعليه جاء قوله تعالى (والليل إذا يغشى) فإن الغشية لا تكون إلا في الليل لا في بياض النهار (سبع ليال وثمانية أيام حسوما) بمقتضى المقابلة بين سبع ألليال وثمانية الأيام يراد الفترة المتخللة بين الثمانية الأيام في العتمة وفي الليل فيراد المعنى الخاص خصوص الليل من الغروب إلى طلوع الفجر أو الشمس.
وقد يطلق الليل ويراد به سواد الليل مع نهاره وعليه جاء قوله "عز وجل" (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) فهل المراد فقط في الليل دون النهار؟ المراد أربعين يوما بلياليها أربعين ليلة أي مجمع النهار والليل واستعمال لفظي الليل والنهار في هذين المعنيين الواسعين كثيرون جدا وقد استعملا في الآيتين الكريمتين اللتين أشكل بهما بناء على المعنى الثاني العام والمصطلح الثاني مجمع النهار والليل مجموع بياض النهار وسواد الليل فلا مناقضة وهذا الاعتراض الخامس وهذا الوهن مبني على المصطلح الأول والأمر الأول.
إذا تم هذا الكلام واتضح أنه لا تناقض في القرآن نثبت العكس وهو وجود التناقض في الإنجيل ويذكر السيد الخوئي "رحمه الله" موردا فقد ذكر في الباب الثاني عشر من إنجيل متا ويبين أنه في إنجيل متا يذكر أن عيسى "عليه السلام" بقي في بطن الأرض ثلاثة أيام أو ثلاث ليال ولكن إذا رجعنا إلى الأناجيل الثلاثة غير متا لا لوقا ومرقص ويوحنا نجد أن عيسى "عليه السلام" بحسب الأناجيل الثلاثة الأخر لم يبقى في بطن الأرض ثلاثة أيام إذن يوجد تناقض بين هذه الأناجيل.
ذكر في الباب الثاني عشر من إنجيل متا أخبار المسيح أنه يبقى مدفونا في بطن الأرض ثلاثة أيام أو ثلاث ليال مع أن إنجيل متا بنفسه يعني يناقض نفسه والأناجيل الثلاثة الأخر قد اتفقت على أن المسيح لم يبقى في بطن الأرض إلا يسيرا من آخر يوم الجمعة وليلة السبت ونهاره وليلة الأحد إلى ما قبل الفجر فانظر أخريات الأناجيل ثم قل لكاتب إنجيل متا وكل من يعتقد أنه وحي إلهي أين تكون ثلاثة أيام وثلاث ليال ومن الغريب جدا أن يؤمن علماء الغرب ومفكروه بكتب العهدين وهي مليئة بالخرافات والمناقضات ولا يؤمن بكتاب الله تبارك وتعالى وهو كتاب هداية يتكفل بهداية البشر يسوقهم إلى سعادة الدنيا والآخرة ولكن التعصب داء عضال وطلاب الحق قليل، هذه الحقيقة تلمسها أكثر إذا ذهبت إلى الهند وتجد الناس تجتمع حول الصنم بكوان عقول كبيرة ولكنها تنحني أمام الصنم وأمام البقرة وتتبرك ببولها تأخذ البول وتمسح وجهها فإذا جاءت البقرة وبركة في الطريق توقف الطريق وتوقفت السيارات.
المورد الثاني إن القرآن الكريم قد يسند الفعل إلى العبد واختياره فيقول ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾[1] والآيات بهذا المعنى كثيرة فهي تدل على أن العبد مختار لكن آيات أخر تسند الاختيار في الأفعال إلى الله تعالى كقوله "عز من قائل" ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾[2] فزعموا أنه يدل على أن العبد مجبور في فعله وقالوا هذا تناقض واضح والتأويل في الآيات خلاف الظاهر وقول بغير دليل فتكون النتيجة النهائية وجود تناقض بين الآيات الدالة على اختيار العبد والآيات الدالة على جبر العبد وبالتالي هذا الاعتراض الثاني أو الشق الثاني من الاعتراض الخامس يشير إلى مسألة الجبر والتفويض ولابد من إبطال الجبر والتفويض والتطرف إلى إثبات الأمر بين الأمرين في القرآن الكريم وهذه مسألة كلامية طويلة وقد اختلفت فيها ثلاث فرق كبيرة في العالم الإسلامي:
الفرقة الأولى الاشاعرة وقد ذهبوا إلى الجبر وهم أتباع أبي الحسن الأشعري فقالوا إن الله "عز وجل" يجبر الإنسان على أفعاله ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون والاشاعرة هم المذهب الغالب في العقائد عند الأهل السنة والجماعة فأهل السنة في الفقه يذهبون إلى مذاهب أربعة أتباع أبي حنيفة وهم الحنفية وأتباع محمد بن إدريس الشافعي وهم الشافعية وأتباع احمد بن حنبل وهم الحنابلة وأتباع مالك بن انس وهم المالكية وبحسب الترتيب التاريخي والزمني الإمام أبو حنيفة ثم تلميذه مالك بن انس ثم تلميذه محمد بن إدريس الشافعي ثم احمد بن حنبل، هذا في الفقه.
وأما في العقائد فيرجعون إلى أبي الحسن الأشعري وأكثر مذهب فقهي في العالم اليوم هو المذهب الحنفي ثم بعد المذهب الحنفي المذهب المالكي ثم بعد المذهب المالكي المذهب الشافعي ثم بعد المذهب الشافعي الرابع في العالم هو المذهب الشيعي الجعفري ثم الحنابلة يشكلون المذهب الخامس في العالم والمذهب الحنفي هو الأول لأن الدولة العثمانية في تركيا كانت حنفية فنشرت المذهب الحنفي كما أن المماليك هم الذين نشروا المذهب الشافعي في مصر كما أن الدولة الفاطمية نشرت المذهب الشيعي الاسماعيلي فهذه دول قد نشرت مذاهب كما أن الدولة الصفوية والدولة البويهية نشرت المذهب الشيعي الجعفري الإمامي، عموما هذا بحث آخر.
طبعا الوهابية اليوم يدعون أنهم في العقائد يرجعون إلى ابن تيمية وثم تلميذه المجدد عندهم ابن قيم الجوزية وفي الفقه يدعون أن الإمام محمد بن عبد الوهاب هو إمام مجدد على مذهب أحمد بن حنبل في الفقه ومذهب أبن تيمية وابن قيم الجوزية في العقائد، عموما المذهب الأول هم المجبرة وقال به الأشاعرة
المذهب الثاني هم المفوضة وقال به المعتزلة وهو أحد مذاهب السنة ولكن القريبين من الشيعة ويشترك المعتزلة مع الشيعة في البعد العقلي وفي اتخاذهم العدل أصلا من أصول الدين لذلك إذا قيل مصطلح العدلية فإنه يطلق على الشيعة الإمامية والمعتزلة فقال المعتزلة بالتفويض أي أن الله خلق الخلق ثم فوضهم ورفع يده عنهم كالبناء البناء يبني البناء فالبناء محتاج إلى البناء فإذا اكتمل البناء رفع البناء يده عن المبنى ولم يعد المبنى بحاجة إلى البناء.
وأما الشيعة الإمامية فقالوا لا جبر ولا تفويض وإنما هو أمر بين أمرين تماما كما لو جلس شخص تحت مقود السيارة لكن السيارة لا بنزين لها فلا تتحرك فجاء شخص آخر ودفع السيارة فهنا حركة السيارة يمينا وشمالا إلى الإمام إلى الخلف تستند إلى الشخص الذي تحت المقود ولكن أصل حركة السيارة لا تتم من دون دفع الرجل والشخص الذي يدفع السيارة فتكون حركة السيارة مستندة إلى اثنين:
الأول من أفاض نفس الحركة وهو الرجل الذي يدفع السيارة
والثاني من حرّك مسار الحركة ودفة الحركة فوجه السيارة إلى الإمام أو اليمين أو الشمال.
ويضرب السيد الخوئي "قدس" نفسه الزكية مثالا ويقول لو أن شخصا أصابه الشلل وشلت يده ولم تعد تتحرك لكن الطبيب ابتكر جهازا كهربائيا بحيث إذا وضعه على يد المريض استطاع المريض أن يحرّك يده فهنا إذا وضع الجهاز الكهربائي على يد المريض واستطاع المريض الأكل والاستحمام وتحريك اليد ففي هذه الحالة تستند حركة يد المريض إلى اثنين أولا إلى الجهاز الذي أفاض إليه الحركة والقدرة على تحريك اليد وثانيا تستند إلى نفس المريض الذي حرك يده في الأكل أو الاستحمام وما شاكل ذلك.
فإذن هذا المريض ليس مجبورا على حركة يده وليس مفوضا في اختيار حركة اليد بحيث يحرك يده بمعزل عن الجهاز الكهربائي:
فالمجبرة كالاشاعرة يقولون هو مجبور على حركة يده ولا دخل له في الاختيار
والمعتزلة المفوضة يقولون لا دخل للجهاز في الحركة الجهاز أعطاه أصل القدرة ثم فوض إلى هذا الرجل الاختيار في الحركة وبعبارة أخرى وبعبارة فلسفية الجهاز له دور في الإحداث لا الاستمرار فالجهاز له حيثية الحدوث لا حيثية البقاء والاستمرار.
والشيعة الإمامية يقولون إن الله "عز وجل" علة وعلة العلل ولها دور في الحدوث والبقاء معا في إحداث الحركة واستمرارها تماما كدور السلك بالنسبة إلى المصباح فالسلك الكهربائي له دور في إحداث ضوء المصباح وله دور أيضا في استمرار وبقاء ضوء المصباح فإذا من انقطع السلك الكهربائي ولو في لحظة أصبح المصباح معتما.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارض لبيك لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك، إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري، الإنسان فقر محض هو بحاجة دائمة إلى الغني المطلق حدوثا وبقاء.
إذا اتضحت هذه الفكرة يتضح ويتبين إن قوله "عز من قائل" ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾[3] تدل على اختيار الإنسان وهذا أمر فطري لا يحتاج إلى إثبات كل إنسان إذا ما تلقي في ذهنه شبهات الجبر يدرك بشكل واضح أنه هو الذي يأكل هو الذي يتزوج هو الذي يبني هو الذي يعمل هو الذي يدرس باختياره فالاختيار أمر فطري كل إنسان يدرك أنه مختار بفطرته فهو يمكن أن يفعل الفعل ويمكن أن يترك الفعل.
وأول من بث فكرة الجبر هم بنو أمية لتغطية شناعة فعلهم بقتل الحسين وأول من استخدم الجبر ابن زياد، يخاطب زينب الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم يسند الفعل إلى الله أو ليس قد قتل عليا يسند الفعل إلى الله الإمام السجاد ماذا قال كان لي أخو اسمه علي قتله الناس.
إذن الاختيار الآية الكريمة ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ تشير إلى حيثية اختيار وحرية الإنسان وأما قوله "عز وجل" ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾ تشير إلى أصل الإفاضة وأن هذا الإنسان لا يختار إلا أن الله عز وجل أقدره على ذلك من دون أقدار الله ومن دون إفاضة القدرة إلى هذا الإنسان الضعيف من قبل الله الغري لا يستطيع هذا الإنسان أن يفعل أي شيء وبهذا يتم الجواب عن إبطال الجبر والتفويض فلا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين آمرين يعني في الوقت الذي هو مختار لكنه محتاج إلى إفاضة القدرة من قبل الله "عز وجل" وهذا موجود في الروايات.
سأل رجل الصادق "عليه السلام" فقال (قلت أجبر الله العباد على المعاصي قال لا قلت ففوض إليهم الأمر قال لا قلت فلماذا؟ قال لطف من ربك بين ذلك)[4] وفي رواية أخرى (لا جبر ولا قدر ـ لا قدر يعني لا تفويض ـ ولكن منزلة بينهما)[5] وفي كتب حديث الإمامية ما شاء الله عن الأمر بين الأمرين وليس المنزلة بين المنزلتين المنزلة بين المنزلتين هذا مصطلح عند المعتزلة والمراد هنا أمر بين أمرين يعني لا جبر ولا تفويض وإنما أمر وسطي فالإنسان مختار ولكن محتاج في إفاضة القدرة إلى الله عز وجل.
هذا تمام الكلام في بيان الاعتراضات الخمسة، الاعتراض السادس يأتي عليه الكلام.